لطالما سعت الحكومة السورية على مدى السنوات السابقة، للترويج لاتفاقات التسوية التي أبرمتها في درعا وريف حمص، والرقة ودير الزور وحاليا في ريف دمشق، على أنها انتصار لقواتها، وإعادة بسط السيطرة، ووسيلة للعودة إلى الحياة الطبيعية. 

لكن الواقع على الأرض كشف وجهة نظر مخالفة لهذه الرواية، إذ عادت عمليات الاغتيالات بقوة إلى الواجهة وبلغت عدد العمليات اليومية نحو خمس عمليات، كما يرى محللون أن عدم صدقية دمشق في هذه التسويات، لوجود مساعي خفية أكثر من التهدئة واستقرار المنطقة بالإضافة لأنه انقلاب على كل التسويات عندما تقضي حاجتها منها أو حين لم تلبية رغبتها.

ما الأهداف الحقيقية من تسوية دمشق؟

في نهاية كانون الثاني/يناير الفائت، أعلن عضو مجلس الشعب عن محافظة ريف دمشق، عبد الرحمن الخطيب، إن عملية تسوية ستنطلق “استكمالا لعمليات التسوية التي تمت في الأعوام السابقة”. مشيرا إلى أن البداية ستكون من ريف دمشق الغربي، وتحديدا من منطقة الكسوة والمدن والبلدات المحيطة.

وحول هذه التسويات، يرى أبناء المنطقة التي تعتبر حزام طوق للعاصمة السورية، أن هناك رؤيتين تعدان من الأسباب الرئيسة التي تسعى إليها حكومة دمشق في فرض التسويات فيها، بعد أن بدأتها في درعا وانطلقت منها نحو الشرق والشمال الشرقي للبلاد.

ويقول القيادي السابق في فصيل “جيش الإسلام”، عدي معترم، لـ”الحل نت”، إن التسوية التي أطلقتها القوات النظامية في ريف دمشق، جاءت بعد انشقاق العديد من أبناء المنطقة الذين عقدوا تسويات في عام 2016 و2018، بعد زجهم في مناطق الاشتباك بريف إدلب والبادية الشامية.

وأوضح معترم، أن الهدف الرئيس من هذه التسوية، هي إعادة سحب الشبان المنشقين من المنطقة حتى تعود الفرقة الرابعة والقوات الموالية لإيران. بعد أن واجهوا قوة مسلحة خلال الفترة السابقة، إثر تصدي المنشقين لهم داخل بلدات وقرى ريف دمشق بسبب انتهاكاتهم.

ومن جهة أخرى، يرى المهندس حاتم الرفاعي، أن دمشق تروج دوليا لعملية التسوية بعد أن استفادت من فرضها في درعا، لتوصل رسالة للمجتمع الدولي، أنها باتت تتحكم في مفاصل المدن التي خرجت عن سيطرتها. وأن أبناء هذه المدن يعودون تدريجيا للقبول بالنظام الحالي.

ويضيف الرفاعي، والذي يعمل في مجال إدارة الموارد البشرية، لـ”الحل نت”، أن الترويج للتسوية محليا ليس هدفه الأرقام أو تبعية الشخص ذاته. إنما تضخيم الحدث إعلاميا، من أجل جذب المستثمرين الأجانب إلى المنطقة، عبر تسويق فكرة التسوية كوسيلة للعودة إلى الحياة الطبيعية. 

للقراءة أو الاستماع: الجانب المظلم لـ“التسوية” في شمال شرق سوريا.. ما أسباب رفضها

تسوية “شاملة” في ريف دمشق

شملت تسويات الحكومة السورية، أمس الثلاثاء، ريف دمشق معضمية الشام ومدينة داريا بالريف الغربي. إذ أفاد عبد الرحمن الخطيب، عضو مجلس الشعب، أن اللجنة الأمنية المكلفة بـ “تسوية” ريف دمشق باشرت عملها في معضمية الشام. 

https://twitter.com/thevoicesyria1/status/1491379004313837576?s=20&t=ulBaKyEqGxzj0Fc6_WFvhg

وتوقع الخطيب، خلال  حديثه لإذاعة “شام إف إم” المحلية، أن تستمر العملية ليومين إضافيين على الأقل، وبعد ذلك ستنقل اللجنة عملياتها إلى داريا. فيما ولم يحدد الخطيب جدولا زمنيا لـعمليات التسوية في ريف دمشق. 

إذ سيجري الانتقال عند إتمام التحضيرات إلى كل من مدينة التل وقراها. وهي حفير التحتا وحفير الفوقا وتلفيتا وجبعدين ومعربا. إضافة إلى الغوطة الشرقية ومدينة دوما، والزبداني، ويبرود، وقرى وادي بردى وجبال القلمون، حيث سيجري اعتماد مراكز في هذه المناطق.

وبدأت “التسويات” في ريف دمشق في الـ 29 من كانون الثاني/يناير الفائت، في بلدة زاكية. وكذلك في منطقة الكسوة بأكملها والبلدات المجاورة لها في الغوطة الغربية، في أقصى ريف دمشق الجنوبي الغربي.

وكان الفارون ومن تركوا الخدمة العسكرية، وكذلك أولئك الذين “لم تتلطخ أيديهم بالدماء” بحسب الحكومة، من بين المستهدفين في التسوية، حيث مُنح الأشخاص المطلوبين فترة ثلاثة أشهر للالتحاق بوحداتهم العسكرية دون ملاحقة قضائية أو أمنية.

للقراءة أو الاستماع: مخالفة لبنود “التسوية”.. الأجهزة الأمنية الحكومية في دير الزور أجبرت مدنيين على الالتحاق بالخدمة الإلزامية

التداعيات المستمرة للمصالحات الزائفة 

من خلال الاتفاقيات الجديدة في مناطق جنوب سوريا التي تم توقيعها بعد اتفاق أيلول/سبتمبر 2021، فرضت الحكومة بشكل غير رسمي؛ تهجير ضد المدنيين -دون دليل على تورطهم في الأعمال العدائية – لمجرد معارضتهم العلنية لها أو رفض مقاتلي المعارضة السابقين للالتحاق بصفوف القوات النظامية. 

وفي حالة درعا البلد، تم تهجير العديد من السكان المحليين بعد أيام قليلة من عقد التسوية، لا سيما الشباب. كما سعت الحكومة لمنعهم من بيع ممتلكاتهم أو حتى نقل ملكيتهم إلى أقاربهم. الأمر الذي يحرمهم بحكم الأمر الواقع من أي حق في حماية ممتلكاتهم والمطالبة بها بعد مغادرتهم للبلاد.

وفي الواقع، ووفقا لقوانين سبق أن أصدرتها الحكومة السورية، لا يسمح للسوريين بتفويض أقاربهم لبيع ممتلكاتهم. إذ إن هذا التفويض لا يمكن إصداره إلا من خلال سفارات خارج سوريا، أو بعد عودتهم إلى مناطقهم الأصلية. وهذا الوضع يجبر المدنيين مرة أخرى على اتخاذ خيار صعب، بين خسارة ممتلكاتهم والمخاطرة بحياتهم للعودة إلى مناطق حكومة دمشق.

وبالإضافة إلى الهجرة، التي اعتبرها بعض المراقبين أنها متعمدة. نصت اتفاقية المصالحة الأخيرة، على إقرار المواطنين الذكور إجراء فحص أمني. والتوقيع على وثيقة يتعهدون فيها بعدم حمل السلاح أو القيام بأعمال عدائية ضد الدولة وقواتها المسلحة. مقابل السلامة من الاعتقال أو المقاضاة على أي جريمة، بما في ذلك التهم المتعلقة بالإرهاب، خلال الصراع. 

هذه العملية، فرضت تحديدا على المدنيين الذين يعيشون في المناطق التي كانت تحت سيطرة قوات المعارضة. أو اللاجئين الذين يرغبون في العودة إلى سوريا. بخاصة أولئك الذين غادروا بشكل غير قانوني، عبر المعابر الحدودية غير الشرعية. 

لكن رغم ضمانات الحكومة السورية، شهدت جميع المناطق التي تم التوصل إلى اتفاقات التسوية فيها، مثل الغوطة الشرقية وجنوب دمشق وجنوب سوريا، اعتقالات للعديد من الرجال والنساء. كما أجبرت الأجهزة الأمنية المجتمع المحلي على تقديم معلومات مفصلة عن أقاربهم أو معارفهم داخل سوريا أو خارجها. سواء كانوا من قوى المعارضة أو النشطاء أو منظمات المجتمع المدني. لبناء وتوسيع قاعدة بيانات مفصلة عن السكان، مما يسمح لهم بتوسيع حملات الاعتقال التعسفي.

للقراءة أو الاستماع: الحكومة السورية تبتز الفلاحين وتجبرهم على إجراء “التسوية” في ريف الرقة

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.