لفتت طريقة التعامل مع ملف انتهاكات قائد فصيل “سليمان شاه” التابع لـ “الجيش الوطني” المدعوم من قبل أنقرة، محمد الجاسم الملقب “أبو عمشة” وعناصر فصيله، الأنظار إلى ضعف وهشاشة المنظومة القضائية والأمنية ضمن مناطق النفوذ التركي بريف حلب الشمالي.

ظهور القيادي المعزول “أبو عمشة” في منصب عسكري من خلال “هيئة ثائرون للتحرير” رغم تجريمه بعدة انتهاكات، في 15 مارس/آذار الفائت، كشف العجز الحاصل في عملية محاسبة مرتكبي الانتهاكات والجرائم من عناصر وقيادات في صفوف “الجيش الوطني” المعارض.

تحدث “أبو عمشة” في منشوره عن عدم الاستكانة والعمل لإسقاط النظام الحاكم في سوريا، والمضي على عهد الثورة، وصيانة “دم الشهداء“، على حد تعبيره.

جاءت كلمته رغم صدور عدة قرارات من قبل لجنة “ثلاثية” كانت مكلفة بالتحقيق في انتهاكات ارتكبها مع عناصر من فصيله، في أواخر فبراير الفائت، منها العزل من منصبه وعدم تسلّمه مناصب “ثورية” لاحقا، والنفي خارج مناطق عمليات “غصن الزيتون” (عفرين وريفها).

وجاء في قرار اللجنة، تجريم كل من، محمد الجاسم (أبو عمشة) ووليد حسين الجاسم (سيف) ومالك حسين الجاسم (أبو سراج) وأحمد محمد خوجة وعامر عذاب المحمد وحسان خالد الصطوف، بجرم الفساد، وهم جميعا قادة في فصيل “فرقة سليمان شاه“.

بيانات واهية

وفي بيان نشرته “الحكومة المؤقتة“، المظلة السياسية لـ “الجيش الوطني” في 17 من فبراير الفائت، أيّدت فيه القرارات والتوصيات الصادرة عن لجنة التحقيق المكلفة بملاحقة تجاوزات وانتهاكات “أبوعمشة” وفصيله، حيث طلبت من قيادة “العمشات” الالتزام بقرارات اللجنة، والتعاون المطلق معها.

وجاء بيان “المؤقتة” بعد تواصلها مع اللجنة، وقادة “الجيش الوطني” وخصوصا قادة “غرفة القيادة الموحدة” (عزم)، وأيّدت القرار لما فيه من تغليب المصلحة العامة، وإعادة الحقوق إلى أصحابها، وتمكين سيادة العدل والقانون، حسب تعبيرها.

في مطلع مارس الفائت، بدأت “عزم” تطبيق توصيات لجنة التحقيق الثلاثية، وأعلنت حينها تنفيذ عدة قرارات للجنة، منها: تعيين العميد عبد المنعم نعسان قائدا لمنطقة الشيخ حديد، بدلا من “أبو عمشة“، وحلّت “أمنية الشيخ حديد السابقة“، إضافة إلى تفعيل مفرزة الشرطة العسكرية في المنطقة، وإزالة الحواجز والنقاط العسكرية، التابعة لفصيل “العمشات“، من دون أي إشارة إلى لمصير “أبو عمشة“.

ولكن لم تمر سوى أيام قليلة على بيان “عزم” الأخير، حتى ظهر “أبو عمشة” رفقة قادة الصف الأول في “الجيش الوطني“، في اجتماع لـ “الحكومة المؤقتة” المعارضة، وذلك في قيادة “هيئة ثائرون” بريف حلب الشمالي. ما أثار انتقادات واسعة على وسائل التواصل الاجتماعي، وفتح الكثير من التساؤلات حول القرارات الأخيرة المتعلقة بعزله ونفيه من المنطقة، وتعين قائد بدلا منه، حيث اعتبرها متابعون “ضحك على اللحى” أن صح القول.

واللافت في الأمر هو غياب “أبو أحمد نور“، قائد “عزم“، عن الاجتماع الذي ظهر فيه “أبو عمشة“، وحضره رئيس الحكومة المؤقتة، عبد الرحمن مصطفى، ووزير الدفاع العميد حسن الحمادة، وقائد “ثائرون” فهيم عيسى، ونائبه سيف بولاد، ورئيس الأركان معتصم عباس، وضباط وقادة آخرون.

والجدير ذكره هنا أن “هيئة ثائرون للتحرير” تشكلت من اندماج كل من “حركة ثائرون” و“الجبهة السورية للتحرير“، التابعتين لـ“الجيش الوطني“، في 23 من كانون الثاني/يناير الماضي، ووقوفها إلى جانب أبو عمشة يثبت أظهر الشرخ الحاصل بينها  و“عزم“.

 الفصائلية السمة الأبرز

وتعليقا على ذلك، صرح الباحث محمد السكري لـ “الحل نت” قائلا  إن “أبو عمشة” يمثل نموذجا واضحا عن حالة الفساد في مناطق المعارضة في الشمال السوري، دون وجود قدرة من قبل مؤسسات “الحكومة المؤقتة“، بمحاسبته، جراء التزامات وتفاهمات “أبو عمشة” مع عدة فصائل أخرى، إذ يمكن القول أن الحالة الفصائلية لمناطق المعارضة باتت هي من تفرض نفسها على صعيد العمل المؤسساتي بالشكل العام، وبالتالي لا يمكن التعويل في هذه الحالة على أن تفرز مؤسسة حقوقية قادرة على محاسبة “أبو عمشة” وغيره من الشخصيات الفاسدة في مناطق المعارضة.

يتابع المتحدث سرده، أن “الحكومة المؤقتة” المشرفة على مناطق الشمال السوري، إن استطاعت أن تفزر منظومة قضائية تابعة لها، لا يمكن أن تحول هذه المنظومة القرارات التي تقوم بإصدارها إلى تطبيق عملي، لعدم قدرة “المؤقتة” على ضبط المؤسسة العسكرية ولا سيما “الجيش الوطني” وإلزامها بقرارات “وزارة الدفاع“، حيث ما تزال الأخيرة وزارة شكلية غير ملائمة على الإطلاق للحالة الفصائلية في المنطقة، وهذا يخضع للقول أو الاعتقاد، بأن عدم محاسبة “أبو عمشة” سيفتح الباب والمجال أمام بروز شخصيات مماثلة له، ولا سيما مع غياب الحالة القضائية في مناطق المعارضة السورية.

استمرار الانتهاكات

الصحفي عهد الصليبي، تحدث لـ “الحل نت” في وقت سابق، أن “ظهور “أبو عمشة” بعد قرار نفيه، هو استفزاز وتحدي للأشخاص الذين تعرضوا لانتهاكات من قبله، والذين تلقوا وعود بمحاسبته وإعادة حقوقهم من قبل اللجنة الثلاثية التي أصدرت قرار نفيه الوهمي مؤخرا“، مشيرا إلى أن “ظهوره، يبعث أيضا برسائل، مفادها استمرار الفصائلية والانتهاكات دون وجود أي رادع أو محاسبة لها في المنطقة، على عكس ما يتم الترويج له عبر وسائل الإعلام التابعة لـ “الحكومة المؤقتة” و“الجيش الوطني“.

وشبه المتحدث المراوغات التي حصلت بما يتعلق بحثيثات قرار عزل “أبو عمشة” ونفيه، بما تقوم به الأفرع الأمنية التابعة للحكومة دمشق ضمن مناطق سيطرتها تماما.

ووثق “الحل نت” خلال السنوات الماضية عدة انتهاكات وتجاوزات نفذتها فصائل “الجيش الوطني“، ضمن مناطق سيطرتها بريف حلب الشمالي، وخاصة في منطقة عفرين ونواحيها.

وتضمنت بعض التوثيقات، تسجيلات مصورة لمدنيين تحدثوا من خلالها عن انتهاكات تعرضوا لها، تتعلق بالإتاوات، وعمليات الابتزاز والخطف، والاعتقال والقتل، والاستيلاء على الأراضي، بدون وجود أي رادع لها.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.