يعتبر الادخار ركيزة أساسية من ركائز الاقتصاد المهمة جدا في حياة الأفراد والمجتمعات، حيث يقول علماء الاقتصاد إن الادخار يهدف للاستعداد للصدمات السلبية المحتملة على الدخل أو الاحتياجات في ظل تغيرات المعيشة وارتفاع تكلفتها، فمن المعروف أنه ليس سهلا وضع ميزانية شهرية والالتزام بها، ولكن ليس من المستحيل تنظيم الدخل والنفقات، ووضع استراتيجية للادخار والاستثمار تحسبا لقادم الأيام.

وينظر إلى الادخار النقدي لجزء من الدخل حاجة ماسة لكل فرد ولكل أسرة ولكل مؤسسة، أكان في الحسبان استخدام هذا الادخار لغايات استهلاكية أو خدمية، ذات حاجة معهودة قريبة أو بعيدة، أو طارئة نتيجة لأسباب يندر ألا يتعرض لبعضها أحد، أو لأهداف استثمارية لاحقا.

إن لهذا الادخار أشكاله المتعددة المتمثلة بحفظ مبالغ مالية في المنزل، أو بالإعارة للغير لأجل أو بإيداعه أمانة لديهم، أو بالإيداع المصرفي بدون فائدة. إلاَّ أن الخيبة تملكت جميع هؤلاء المدخرين نتيجة التناقص الفعلي لمدخراتهم، بسبب غلاء الأسعار المتتابع في سوريا لجميع أنواع السلع الاستهلاكية والإنتاجية.

الذهب والدولار

كذلك أثبتت السنوات الأخيرة أن الكسب كان حليف أولئك الذين ادخروا بالذهب أو ببعض العملات غير السورية، رغم أن الادخار بالذهب لم يكن مناسبا قبل عام 2011، أيام استقرار سعره لأمد، يوم كان يخسر المدخر -البائع لما يملكه من ذهب- أجرة الصياغة على الأقل، كما أن العديد من المدخرين بالعملات غير السورية سابقا خسروا جزء من مدخراتهم نتيجة انخفاض قيمة هذه العملات، بسبب التغيرات التي طرأت على اقتصاد دولها.

إن حفظ الأموال عن طريق شراء الذهب، هو أفضل حل للمقيمين في الداخل السوري لعدة أسباب، منها الابتعاد عن المساءلة الأمنية التي قد تلاحق مقتني العملات الأجنبية، فضلا عن ارتباط أسعار الذهب بالارتفاع العالمي لقيمته، الأمر الذي يضمن عدم الخسارة فيه. كذلك تثق البنوك المركزية العالمية بادخار الذهب، ما قد يجعله خيارا آمنا ومشجعا للأفراد.

كذلك يجد السوريون في الدولار ملاذا آمنا لادخار أموالهم هذه الأيام، بعيدا عن اضطراب سعر صرف الليرة السورية التي تغيرت قيمتها خلال عشر سنوات تغيرا كبيرا.

وكان الرئيس السوري، بشار الأسد، أصدر مرسوما تشريعيا، في كانون الثاني/يناير من العام 2020، للمتعاملين بغير الليرة السورية كوسيلة للمدفوعات، يقضي بفرض عقوبة السجن عليهم مع الأشغال الشاقة المؤقتة لمدة لا تقل عن سبع سنوات، ودفع غرامة مالية بما يعادل مثلي قيمة المدفوعات أو المبلغ المتعامل به.

بعض المدخرين كانوا أكثر وعيا اقتصاديا، إذ عمدوا لأن تكون ادخاراتهم ذات طابع إنتاجي، فأودعوها في المصارف لقاء عوائد مالية، ولكن تغيرات الأسعار التصاعدية جعلت هذه العوائد المصرفية قليلة الجدوى، ولا تغطي إلا جزءا يسيرا من تغيرات الأسعار الكبيرة، التي تتجاوز كثيرا المبالغ المودعة وفوائدها، وآخرون عمدوا لادخار أموالهم لدى الغير بمقابل عائد مادي، ولكن لم يخل هذا الإيداع من مخاطر، حتى في حال وجود ضامن قانوني، لأن أغلبية حالات هذا الضامن مجحفة ولها عواقبها الوخيمة، وكثيرا ما فقد بعض المدخرين أموالهم المودعة وفق هذه الطريقة، لدى عشرات المحتالين من جامعي الأموال، أما المدخرون الكبار فقد لجؤوا للادخار العيني من خلال شراء عقارات زراعية، أو أراض للبناء أو أبنية سكنية أو تجارية -سواء استثمروها أو جمدوها- إذ هي بمثابة أموال بين أيديهم، قابلة قيمتها للزيادة من خلال ارتفاع قيمتها المتتابعة.

تعيش الليرة السورية خلال الفترة الماضية في انهيار مستمر، ولا يرى لها أي تحسن في المستقبل المنظور، وعليه فتحويلها إلى العملات الأجنبية أكثر نفعا وأضمن من حفظها بالعملة السورية. ويمكن لذوي الدخل المحدود ادخار مبالغ بسيطة من العملات الأجنبية، فالمبالغ البسيطة لا تخسر بل من الممكن أن تتضاعف.

بدائل وأدوات جديدة

ورغم ذلك، فإن ضعف جدوى حالات الادخار السابقة يوجب التوجه نحو الادخار الاستثماري في مجالات الإنتاج السلعي، في ميداني الزراعة والثروة الحيوانية، وفي ميادين المنشآت الخدمية وذات الإنتاج السلعي الحرفي والصناعي، فالادخار الاستثماري هو الأفضل والأكثر ضمانا لدخل كبير متتابع، ويضمن وجود المبالغ المالية المطلوبة للحالات الطارئة المرجوة من الادخار التجميدي، علما أن واقع الحال يظهر أن حالات الادخار الممكنة أصبحت قليلة في هذه الأيام لدى شريحة كبيرة من الأسر، نتيجة الحاجة لتوجيه نسبة كبيرة من الدخل لغايات الاستهلاك اليومي.

لكن المصلحة الأهم تقتضي اعتماد سياسة اقتصادية ناجحة باتجاه تشجيع تحقيق زيادة الادخار على حساب التقنين المتحقق من المبالغ المخصصة للاستهلاك، شريطة تمكين تجميع المبالغ المتحققة من هذا الادخار لغاية الاستثمار في مشاريع إنتاجية متنوعة، بدءا من إنتاج السلع الأكثر حاجة والبديلة عن السلع المستوردة، شريطة القيام بتوفير جميع مقومات الاستثمار اللازمة، إذ أن ما نشهده حاليا من ارتفاع متزايد ومتتال للأسعار، ناجم في معظمه عن ضعف الإنتاج، هذا الضعف الذي يعود في قسم كبير منه لضعف توفر مقومات الاستثمار اللازمة، حيث كان للسياسات الاقتصادية الخاطئة من قبل حكومة دمشق دور كبير في إضعاف هذه المقومات، ومنها السياسة المصرفية التي تعطي الحد الأدنى للمودعين وتأخذ الحد الأعلى من المقترضين، بل وكثيرا ما تسهل على القروض الاستهلاكية وتضيِّق على القروض الإنتاجية، لا بل وقد مرت فترات شهدت تجميد مبالغ كبيرة في المصارف دون استثمار.

يقول عالم الاقتصاد الإنكليزي، جون مينارد كينز، إن “تحقيق المساواة بين الادخار والاستثمار شرط أساسي لتحقيق التوازن المعيشي”، ولطالما كان هناك علاقة إيجابية بين مستوى الادخار الاستثماري في دولة ما ومستوى نموها الاقتصادي. ويعد الادخار الأسري أداة مهمة في تحفيز التنمية الاقتصادية المستدامة.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.