منذ سنوات عديدة على الأقل منذ قدم المخرج الراحل حاتم علي جزئي مسلسل “العراب”، ومسلسل “قلم حمرا”، لم يحصد مسلسل سوري – سوري هذه الشعبية التي حصدها مسلسل “كسر عضم” للمخرجة رشا شربتجي والكاتب علي معين الصالح، ومن إنتاج شركة “كلاكيت ميديا”.

عمل أقل ما يقال عنه إنه بمقاييس ما قبل 2010 أي بمقاييس الدراما السورية بعصرها الذهبي، بما في ذلك من جوانب إيجابية وسلبية بطبيعة الحال، يحكي العمل عن مسؤول فاسد، وابنه المتمرد على سطوة أبيه في سياق يحاول محاكاة الفساد في مؤسسة ما لم يتم تسميتها ويرتدي معظم العاملين فيها البزة العسكرية.

أبو ريان في “كسر عضم” (فايز قزق) هو المسؤول الفاسد، الذي لا نعرف موقعه ولا رتبته العسكرية إن كان عسكرياً، هو من القيادة، أي قيادة تحديداً؟ القيادة التي تحوي مسؤولين قادرين على أخذك إلى “ورا الشمس” كما يصفهم السوريون.

يعيد العمل إلى الأذهان ظاهرة البطولة الجماعية في الدراما السورية، والتي كانت جزءا من مميزات هذه الصناعة، ويتميز كذلك بأسلوب رشا شربتجي الإخراجي الذي يحاول أي يجعل الشخصيات أكثر قرباً من المتابع من خلال اللقطات القريبة لوجه الممثل وإظهار الانفعالات الجسدية للشخصية ما يتطلب جهداً من الممثلين العاملين معها.

حكاية مشتتة وغير بريئة

ما يعيب “كسر عضم” هو النص، والذي بالرغم من مشاكله يقال حاليا إنه مسروق من نص للكاتب فؤاد حميرة بعنوان “حياة مالحة”.

نقاط الضعف عديدة في المسلسل ويقول عنها الناقد الفني عمر بقبوق ” المسلسل يستعير بنية درامية منتهية الصلاحية، و(يعمل على) إظهار رجال يرتدون البزة العسكرية على أنهم “رجل الأحلام” الخلوق والمحب، وهذا ليس بريئا”.

ويرى بقبوق أن “الحكاية مشتتة ولا يحافظ على نسق العمل سوى الإخراج، ولكن من جانب أخرى هناك أخطاء لا يتحملها الكاتب وحده بل المخرج أيضا كمشهد التحرش على سبيل المثال، والذي لا يمكن تبريره بأي شكل”.

ويتابع بقبوق ” المسلسل في جوانب منه يقدم أفكار رجعية، ويكرس قيم عنفية وقيم تحمل الاضطهاد لشرائح من المجتمع مثل النساء، هنا يتفوق كسر عضم حتى على باقي الأعمال الدرامية فهو الأسوء من حيث الخطاب الفكري في هذا الموسم”.

ويضيف “من عيوب النص أيضا أن الشخصيات تسير بخط واحد، فهي إما شريرة أو خيرة، ولا يجتمع الخير والشر بشخصية واحدة، وهذا النمط من الدراما اختفى من الوجود”.

لا يخلو العمل أيضا من الحوارات الجاهزة، والمنسوخة من الأدب العالمي وثقافات غربية على أمل أن تعطي العمق الثقافي للشخصيات مثل “ما لا يشترى بالمال يشترى بالكثير من المال”. وهو ما أقر كاتب العمل عبر صفحته في “فيسبوك” بأنه مثل هولندي. دون أن يكون هناك داعي لهذا العمق مثلا في شخصية كشخصية “أبو مريم” الرجل الوصولي الذي بدأ حياته المهنية بعبارة “معلم اعتبرني عبد عندك”.

على الجانب الآخر لابد أن هناك إيجابيات في العمل يقول عنها عمر بقبوق “تتمثل نقاط قوة العمل بالإخراج القادر على تغطية عيوب النص من المباشرة وثقل الحوار، وكذلك الأداء الجيد لبعض الممثلين في المسلسل مثل غزوان الصفدي، الذي يغطي على ثقل حوار الشخصية التي يقدمها من خلال أدائه”.

على العموم يسير العمل في نسق تنازلي، فبعد الحلقة السادسة تبدأ تظهر كل العيوب المذكورة، وعلى ما يبدو أن الصدمة التي تعمدها صناع المسلسل بقتل شخصية ريان في الحلقة العاشرة لم تساعد في إنعاش العمل.

كسر عضم الرقابة السورية؟

النقاش الثاني الذي يطرحه المسلسل بعد نقاش جوانبه الفنية هو نقاش الرقابة، هل هناك ارتفاع في السقف الرقابي في سوريا؟ ما يمكن قوله حتى الآن هو أن هناك عودة للسقف القديم، والذي كان يستخدم بحسب العديد من صناع هذه الدراما لتنفيس غضب الشارع، من تردي الأوضاع المعيشية وحتى الأمنية في البلاد.

الصحفية السورية مزن مرشد تقول عن ذلك “إن تغاضت الرقابة عن الحديث العلني عن الفساد وآليته فهي مازالت لم تسمح بطرق أبواب الثورة وأسبابها بشكل صريح”.

وتتابع “العمل حاول أن يُلمح من بعيد لحجم الفساد الحاصل الآن مع عدم التطرق لقضية جوهرية، بأن هذا الفساد ذاته وأكثر قليلا موجودا في سوريا وقد يكون أحد أهم أسباب الانتفاضة الشعبية في آذار 2011. لذلك لا أرى بأن المسألة مسألة سماح بتجاوز للخطوط الحمراء، ولكنني أرى ما هو تغيير لمواضيع هذه الخطوط ليس أكثر”.

المعجبون بالمسلسل يصفونه بالقريب من واقع الحال في سوريا تحديدا في المناطق التي تقع تحت سيطرة الحكومة السورية، حيث يصف مشكلات عديدة منها المعيشية كموضوع الكهرباء وفساد قطاع التعليم وغيرها من المواضيع، وتقول مرشد في الحديث عن هذا الموضوع: “إن كان المسلسل يحاول عكس الواقع فهو بالتأكيد لم يتطرق للأزمات الحقيقية إلا بطريقة مرنة لينة لا تثير سخط الرقيب، فالفقر الذي نسمعه اليوم بالأخبار القادمة من الداخل لا تقترب على الإطلاق مما نشاهده على الشاشة”.

وتضيف ” لقد حاولوا تقديم نموذج الصبية التي تعيش وحدها مع أختها أو الشباب الذين يستأجرون عند صديقهم، لكن هذه الشخصيات دائما تتمتع بالدفء ولديهم ضروريات الحياة التي نعلم تماما انعدامها عند الكثير من الشرائح، ولم نرى حتى اللحظة أي من شخوص المسلسل يعاني من ضيق الحال حتى بين فتيات المدينة الجامعية اللواتي – بعيدا عن تشغيلها من قبل مسؤول السكن- نراهن مرتاحات ماديا لا ينقصهن شيء بالرغم من أن هذا السكن لا يؤمه إلا الفقراء منذ زمن بعيد”.

عمل مسروق ونقاش حقوق الملكية في سوريا

نقاش آخر يثيره المسلسل، وهو موضوع الجدل الحالي في وسائل التواصل الاجتماعي، حيث اتهم الكاتب فؤاد حميرة شركة كلاكيت المنتجة للعمل بسرقته من نص “حياة مالحة” الذي باعه فؤاد للشركة عام 2011.

اليوم ينقسم الجمهور بين متعاطف مع حميرة، وأخر داعم لصناع العمل، لكن النقاش الحقيقي هنا يعود حول حقوق الملكية الفكرية في سوريا، فعلى الرغم من وجود بعض التشريعات الناظمة لهذا الأمر، لم ينفك كتابة الدراما السورية يعانون مما يسمونه سرقات، ويسميها الأخرون اقتباسات أو تخاطر أفكار.

في “كسر عضم” قبل الحديث عن وجود سرقة أدبية موصوفة، يمكننا الحديث عن أن العمل أساساً ليس بالجديد، فسواء كان “كسر عضم” أو “حياة مالحة”، يكرر هذا البناء الدرامي نفسه على مدار سنوات في الدراما السورية، وإذا ما أردنا تفنيد العمل خط بخط، سوف نجد لكل خط مماثل أو شبيه في عمل سوري أخر، وفي أعمال غير سورية كثيرة.

فؤاد حميرة عبر صفحته في موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك نشر العديد من المعلومات حول القصة الأصلية وقال في فيديو بث مباشر: “لقد تواصلت مع رشا شربتجي ولم ترد علي، لكن بعد أن نشرت على فيسبوك أرسلت لي أكثر من 10 رسائل وأكدت أن كسر عضم لا علاقة له بحياة مالحة”.

شركة كلاكيت المنتجة قالت في بيان لها إن ما يحدث لا يهدف إلى للتشويش على نجاح العمل الذي حصد جماهيرية على مستوى الوطن العربي والعالم، بحسب وصف الشركة.

كما وعدت متابعيها بتخصيص 10 دقائق للرد على فؤاد حميرة يوم الأربعاء الساعة التاسعة مساءا بتوقيت الإمارات دون أن توضح أداة هذا الرد أو المنصة التي سيمر عبرها.

من جانبه كاتب العمل علي معين الصالح قال عبر صفحته على “فيسبوك” إن الرد الذي تحدثت عنه الشركة سيكون رد قانوني مختص لطي هذه الصفحة مما وصفه بـ “سوء تفاهم”.

وقال الصالح “أنا أدعي بأن هذا النص هو خلاصة جهد استمر سنة و3 شهور ، والبيّنة على من ادعى”. كما توجه بالاعتذار لكافة وسائل الإعلام لعدم الرد على رسائلهم، واصفاً نفسه بأنه “ليس من هواة ركوب الترند”.

وسط كل هذا الجدل يستمر عرض العمل على قناة “أبوظبي” وقناة الشركة المنتجة على “يوتيوب”، في انتظار الأحداث المشوقة التي وعدت بها شركة “كلاكيت” جمهورها، لنعرف إذا ما كان لدى المسلسل نية في “كسر عضم” الواقع الرديء في سوريا، أم أنه سوف يحافظ على رسالته من الحلقة الأولى والتي تقول “الفساد أمر واقع وعليكم أن تتعايشوا معه”.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.

الأكثر قراءة