يتواصل التصعيد العسكري في سوريا، من قبل الفاعلين في الملف السوري، حيث عاد الطيران الحربي الروسي بغاراته على شمال غربي البلاد، فيما استأنف الجيش التركي قصفه المدفعي على مواقع ومناطق تخضع لسيطرة “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، في تصعيد مستمر منذ عدة أيام.

وتيرة التصعيد عادت في اليومين الماضيين، ما يشير إلى أن روسيا راغبة بإشغال الغرب والتعمية عن خسائرها في أوكرانيا من خلال التصعيد العسكري في الشمال الغربي من سوريا، بينما تذهب تركيا للتصعيد في الشمال الشرقي مستغلة أيضا الانشغال العالمي بالغزو الروسي، في حين يرجح مراقبون، أن حكومة “العدالة والتنمية” فتحت الجبهة العسكرية في سوريا كما فعلت مؤخرا بشكل محدود في شمال العراق لكسب نقاط انتخابية واستعادة الناخب التركي لمصلحتها.

“زواج مصلحة إضطراري”

خلال الأسبوع الماضي حيث يتركز اهتمام العالم على أوكرانيا، شن الجيش التركي سلسلة من الضربات على الأجزاء التي تديرها “الإدارة الذاتية” في شمال شرق سوريا، كما أصيب مدنيان بقصف أربع قذائف على الأقل من الجانب التركي من الحدود مدينة كوباني “عين العرب” السورية، أمس الجمعة.

في المقابل، يرى الصحفي السوري، عقيل حسين، خلال حديثه لـ”الحل نت”، أن “ما يحدث من تصعيد من قبل الجيش السوري وروسيا في مناطق النفوذ التركي شمال سوريا، ورغم أنه محدود لكنه يؤكد على حقيقة العلاقات الملغومة بين أنقرة وموسكو وزواج المصلحة الاضطراري الذي ينتظر فيه كل طرف أي فرصة ليوقع الآخر”.

وعليه يعتقد أن روسيا ومن خلال هذه الخطوة لا تنظر إلى أنها من صالحها أو لا بل تقدم عليها فقط، لأنها يمكن أن تلحق الضرر بالحكومة التركية المرتبكة حاليا بسبب الملف السوري، سواء في الداخل أو في سوريا.

ومن جهة أخرى، يشير حسين، إلى أنها “بالفعل خطوة يمكن أن تؤدي إلى انعكاسات على تطورات الموقف الغربي من حرب أوكرانيا، لأن الولايات المتحدة وأوروبا اتخذت قرارا سابقا بتجميد العمليات العسكرية في سوريا، وبالتالي فأن موسكو تريد أن تقول للغرب إنه بإمكاننا بعثرة أوراقكم في أماكن أخرى ومنها سوريا”.

وهنا ينوه حسين، إلى أن الضغط الشعبي المتزايد الذي تتعرض له حكومة حزب “العدالة والتنمية” في تركيا بسبب الوجود السوري على أراضيها، وإعلان المسؤولين الأتراك عن إعادة اللاجئين السوريين إلى الشمال بعد أن تتحول إلى منطقة آمنة ومجهزة، وبالتالي فهذه رسالة واضحة لأنقرة أنه لا يمكنها أن تقرر بمفردها مصير الشمال حتى وإن كان خاضعا لسيطرتها، ولأوروبا أنها قد تواجه موجة جديدة من الهجرة عبر عشرات آلاف السوريين الذين ربما يقررون مع انسداد الأفق التوجه إلى القارة العجوز.

وعلى أية حال، يوضح أن التصعيد الحالي بلا أي تكاليف، وبالمقابل يمكن أن يحقق لدمشق وروسيا مكاسب، مضيفا “وللأسف هذا يظهر مدى استرخاص الدم السوري من قبل الجميع، وتحويل الشمال إلى صندوق بريد تتبادل من خلاله الدول المتدخلة في الملف السوري الرسائل الملطخة بالدم”.

للقراءة أو الاستماع: قواعد لعب جديدة في سوريا بين إسرائيل وإيران

تبادل الأوراق العسكرية

من جهته، يعتقد المحلل العسكري، العقيد مصطفى فرحات، أن المناطق السورية بطبيعة حالها ساخنة وقابلة للتحول وقابلة للتصعيد، واليوم ليس من مصلحة أحد فتح جبهات شاملة واسعة باتجاه الطرف الآخر، لا سيما أن الجميع يسعى إلى الحد من أو تطويق هذه الأزمات بشكل يترك مجال الحلول السلمية.

وأكد فرحات، أن كل الأطراف تحاول استخدام الورقة العسكرية للتذكير بالقوة، وأنها تمتلك أدوات معينة، إن كان روسيا من خلال قصفها في الشمال السوري أو تركيا من خلال قصفها لشمال وشرق سوريا، لا سيما بعد أن سلطت أميركا أضواءها على أوكرانيا وبات الملف السوري بلا أولوية.

وطبقا لتحليل فرحات، فإنه حتى اللحظة، لا يمكن لتركيا شن عمل عسكري واسع باتجاه مناطق “الإدارة الذاتية” شمال شرقي سوريا، والدخول إلى مناطق كبيرة، وعلى الضفة الأخرى ينطبق الأمر على روسيا، والتي ليس من مصلحتها أن يؤثر ذلك على أعمالها في أوكرانيا، لا سيما بعد أن سيطرت على ماريوبول وتمشط الآن الشريط المنحاز إليها.

سلاح الجو الروسي، وبعد غيابه خلال الشهر الفائت، استهدف بعدة غارات جوية قرى وبلدات عدة بمناطق نفوذ “الجيش الوطني” المدعوم من قبل أنقرة، في إدلب شمال غربي سوريا ومدينة عفرين بريف حلب.

المراصد المختصة برصد حركة الطيران في سوريا، ذكرت أن الطيران الحربي الروسي استهدف أمس الجمعة، بالصواريخ الفراغية قريتي الرويحة العنكاوي ومناطق متفرقة من جبل الزاوية جنوبي إدلب، فيما لم ترد أي معلومات عن إصابات في صفوف المدنيين من أي جهة طبية.

الجدير ذكره، أنه غابت كثافة القصف الروسي منذ مطلع الشهر الحالي، بالتزامن مع انشغال روسيا بغزوها على أوكرانيا لا سيما وأنها فشلت خلال 60 يوم من اقتحام كييف، بعدما كانت تأمل في إنهاء عملياتها العسكرية خلال 15 يوما، وفي المقابل عاد التصعيد التركي مع احتدام الصراع السياسي بين الحزب الحاكم في تركيا والمعارضة، مع قرب الانتخابات العامة في تركيا، حيث سينتخب الأتراك رئيسا جديدا بالإضافة إلى 600 عضو في الجمعية الوطنية الكبرى في تركيا، كل منهما لمدة 5 سنوات.

للقراءة أو الاستماع: إيران تعلن عن خلافات مع تركيا بشأن سوريا

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.