منذ تدخل إيران في الحرب السورية بعد عام 2011، سعت باستمرار إلى تعزيز وتوسيع نفوذها العسكري، والاجتماعي، والاقتصادي في الجغرافيا السورية عبر عدة مستويات؛ إنشاء نقاط عسكرية وخلايا أمنية وتوسيع شبكة الميليشيات التابعة لها عبر تجنيد السوريين من خلال تقديم إغراءات مادية، في ظل الواقع الاقتصادي المتدهور في سوريا، بالإضافة إلى نشر التشيع بين الجماعات المجتمعية. فبعد أن سيطرت على مساحات واسعة في العاصمة السورية دمشق، وكذلك مدن حلب، ودير الزور، والعديد من أرياف المحافظات السورية الداخلية، بدأت على مدى السنوات الماضية بسعي بطيء نوعا ما لوضع موطئ قدم لها في شرق الفرات، حيث تواجد “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، والتحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأميركية.

رغم الضغوط المستمرة من القوى الإقليمية والدولية لكبح النفوذ الإيراني في سوريا، تركز طهران على كسب القبائل العربية بالمنطقة عبر إقناعهم بنوايا “الأكراد الانفصالية” والتشكيك في دعم واشنطن حيال مشروعهم، وفق عدة تقارير.

تقرير لمركز “جسور للدراسات“، يفيد بأن إيران ومنذ عام 2017 تعمل على زيادة وجودها داخل شرق الفرات الغنية اقتصاديا، والتي تشكل امتدادا جغرافيا واجتماعيا للمناطق العراقية التي تنتشر فيها الميليشيات الإيرانية، وأنه منذ انتشار قوات حكومة دمشق شرق البلاد بموجب مذكرة “سوتشي” 2019، وجدتها إيران فرصة من أجل تحقيق المزيد من الاختراق في مناطق شرق الفرات.

ومن هنا تبرز عدة تساؤلات حقيقة حول خطط إيران لتعزيز نفوذها في شرق الفرات، وتأثير هذه الخطط التوسعية الإيرانية، في الوقت الراهن وفي المستقبل على واقع المنطقة على جميع المستويات؛ السياسية والأمنية والاجتماعية والاقتصادية، ومصير المنطقة من مخططات الهيمنة هذه.

استمالة العشائر

بالرغم من تأخرها النسبي في الوصول إلى منطقة شرق الفرات بسوريا وتركيزها بداية تدخلها في سوريا على العاصمة دمشق ومحيطها والمناطق الداخلية، إلا أن إيران ومنذ عام 2017 تعمل على زيادة وجودها داخل شرق الفرات الغنية اقتصاديا، والتي تشكل امتدادا جغرافيا، واجتماعيا للمناطق العراقية التي تنتشر فيها الميليشيات الإيرانية، وفق تقرير تحليلي لمركز “جسور للدراسات”.

وأضاف تقرير المركز، أنه مع نهاية عام 2017 أصبح وجود إيران شرق الفرات مرتبطا أكثر بالمهام القتالية عندما انتشرت الميليشيات التابعة لها على طول الضفة اليسرى للنهر، وأنشأت نقاطا متقدمة على طول الضفة، بعد السيطرة على كامل مدينة دير الزور.

وتمتلك إيران 10 قواعد عسكرية على الأقل في شرق الفرات ضمن محافظتي الحسكة، ودير الزور والذي زاد بشكل واضح في عام 2021، في حين لا تملك أي مواقع في محافظتي حلب والرقة، اللتين يكاد ينعدم فيهما أيضا النشاط الأمني.

لكن، لا تملك إيران أي نشاط أمني معلن في شرق الفرات، حيث تعتمد على وجودها العسكري في كل من الحسكة، ودير الزور كقاعدة لتشكيل الخلايا الأمنية لها، وفق تقرير المركز البحثي.

واستطاعت الخلايا الأمنية عام 2022، الوصول لمرحلة استهداف قواعد لقوات التحالف الدولي في عمق مناطق سيطرة “قسد” في محافظة الحسكة.

ضمن هذا السياق، يرى مسعود محمد، الباحث المتخصص في الشأن الإيراني، أنه إلى جانب وجود الميليشيات العسكرية الإيرانية في الداخل السوري، فإنها سعت إلى تشكيل ميليشيات عشائرية أيضا، ولجأت إلى الأدوات الاجتماعية في تواصلها مع القبائل، حيث عملت على المستوى المجتمعي لكسب تأييد بين أفراد العشائر.

ووفق تقدير محمد، الذي تحدث لموقع “الحل نت”، فإن إيران كثّفت خلال الآونة الأخيرة من هذه الجهود لتشييع العشائر، وبشكل خاص في محافظة دير الزور، لكنها امتدت إلى الأماكن الأخرى من شرق سوريا.

وأردف محمد، في حديثه، أن “إيران أقامت روابط مع شخصيات اجتماعية في العشائر من خلال الدبلوماسية، ودعا المسؤولون الإيرانيون زعماء العشائر السورية لزيارة طهران، وأجروا محادثات معهم في عدة مناسبات، وفق ما ظهرت في وسائل الإعلام”.

كما بدأت إيران في دعوة بعض المشايخ في المنطقة الشرقية، الذين انشقوا عن دمشق في الأشهر الأولى من الحرب السورية، إلى العودة إلى المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة السورية، بضمانة من إيران، على حد تعبير محمد.

قد يهمك: داعش في سوريا.. سيناريوهات التخلص من التنظيم

إيران تراوغ عبر “أستانا”؟

مركز “جسور للدراسات”، أفاد في تقريره، أن لإيران في محافظة الحسكة شمال شرقي سوريا، ثلاثة نقاط عسكرية، وهي موجودة في مركز الثروة الحيوانية، ومبنى الحبوب، ومكتب النقل على طريق “إم 4″، الذي يعتبر المقر الرئيسي لميليشياتها، والنقاط الثلاثة تقع جنوب مدينة القامشلي، كما ويعتبر مقر فرع الأمن العسكري في مدينة الحسكة ضمن المربع الأمني تابعا لإيران، حيث يتواجد فيها قوات الحكومة السورية.

وضمن هذا السياق يرى، الكاتب الصحفي والمهتم بالشأن الإيراني، كريم شفيق، أن إيران تسعى إلى توسيع نفوذها في منطقة شرق الفرات خاصة بعد انضمام تركيا إلى ثلاثي “أستانا”، مع طهران وروسيا، حيث إنها تهدف إلى تقليص نفوذ “قسد” أو أنها تطمح لأن تعمل تحت إداراتها وبإشرافها وبالتالي ضمان حصة قوية من اقتصاديات المنطقة الهائلة والتي فيها وفرة من النفط.

وأضاف شفيق، في حديثه لموقع “الحل نت”، أن “إيران تسعى إلى الاستفادة من تراجع دور روسيا في سوريا بشكل عام، على خلفية الغزو الروسي لأوكرانيا، وزيادة نفوذها في المنطقة على حساب أطماع الأخيرة”.

وبالتالي، وفق اعتقاد شفيق، سوف تستغل طهران دورها ضمن إطار مسار “أستانا”، والحديث التركي الأخير عن “المصالحة” بين المعارضة السورية والحكومة، فضلا عن التقارب الوشيك والمحتمل بين أنقرة، ودمشق لجهة إحداث نقلة نوعية في عمق نفوذها بسوريا وتطبيق مصالحها وأطماعها التوسعية التي ترغب في أن تمتد لشرق الفرات.

السيناريوهات المتوقعة

الباحث في الشأن الإيراني، مسعود محمد، أشار إلى أنه بعض المحليين وصفوا انخراط إيران في سوريا بالورطة، وهو يتفق مع هذا الأمر، وأضاف بالقول:” لجأت إيران عبر عدة طرق لترسيخ نفوذها في الجغرافية السورية، فمن خلال إعطاء البنى العشائرية في شرق سوريا طابعا مؤسسيا يشير إلى أن آثار السياسات الإيرانية هناك ستكون طويلة الأمد إلى حد ما، لا بل ستتوسع أكثر إذا أتيحت لها الفرصة، خاصة وأنها قامت بتأسيس الميليشيات العشائرية وتدريبها”.

ولطالما شكلت قوات التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة وقواعدها في سوريا، التحدي الأكبر للميليشيات الإيرانية في زيادة نشاطها ووصولها وسيطرتها على شرق الفرات. لذلك تطالب إيران باستمرار بإنهاء الوجود الأميركي في سوريا معتبرة أنه غير شرعي.

وشهدت العلاقة بين الطرفين أكثر من 15 عملية استهداف صاروخي، أو بالطيران المسيّر قامت بها الميليشيات الإيرانية ضد قواعد قوات التحالف الدولي في محافظتي الحسكة، ودير الزور، وأكثر من نصف هذه الهجمات تمت بين عامي 2021 و2022، ولكن الرد الأميركي السريع، والمكلف على هذه الهجمات دفع الميليشيات إلى إيقاف هذا التصعيد والبحث عن طرق أقل تكلفة، ومسؤولية من خلال العمل على اختراق أمني أوسع داخل المنطقة ليتم استخدامه لاستهداف قواعد للتحالف الدولي، وفق تقرير مركز “جسور للدراسات”.

ولأجل ذلك كله، فإن مصير النفوذ الإيراني في شرق الفرات مرتبط بشكل أساسي وحتمي بوجود التحالف الدولي بقيادة واشنطن، والذي يحدد شكل وحدود انتشار هذه الميليشيات، وانحسار القوات الإيرانية سيكون إما من خلال توافق بين “قسد”، وروسيا، أو من خلال اتفاقية بين الولايات المتحدة وروسيا والحل الأرجح وفق التحليلات المذكورة أعلاه هو تقويض وجود الميليشيات الإيرانية من قبل التحالف الدولي، حيث أن التصعيد المتزايد من قبل إيران ضد التحالف سيدفع الأولى لتقويض وإنهاء وجود هذه الميليشيات، وسيناريو بقاء النفوذ الإيراني على وضعه الحالي في المنطقة يظل منطقيا إلى حد ما، ما لم تكن هناك تغييرات كبيرة في الساحة الإقليمية والدولية ككل.

قد يهمك: انهيار مساعي عودة العلاقات بين أنقرة ودمشق؟

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.

الأكثر قراءة