في منافسة محمومة بين اليسار واليمين الوسطي على 349 مقعدا في البرلمان (يسمى محليا ريكسداغ)، ظهرت النتائج الأولية للانتخابات البرلمانية التي ترجح الكفة لصالح الحزب الديمقراطي الاجتماعي. ولكن، بناءً على النتائج الأولية التي أظهرت أن مجموعة “ديمقراطيو السويد” جاءت في المرتبة الثانية، وهم مناهضون للمهاجرين واللاجئين، يجدر طرح تساؤل حول مستقبل المشهد السياسي في السويد، بالإضافة إلى أسئلة حول أزمة سياسية شبيهة بما حدث في 2018 بعد الانتخابات النيابية وما إذا كانت الأزمة السياسية ستبني سياسة مناهضة للهجرة وخاصة اللاجئين الجدد بعد الحملة التي أثاروها هناك بعد سحب أطفال من ذويهم في السويد.

خلال الأيام الفائتة توجه السويديين (7.5 ملايين ناخب)، إلى انتخابات برلمانية شهدتها البلاد يوم أمس الأحد، الأمر الذي شكّل ملامح خريطة سياسية أكثر تعقيدا بالنسبة لطرفي المعادلة في يمين ويسار الوسط، إثر تحقيق الحزب اليميني الشعبوي “ديمقراطيو السويد”، خلال النتائج الأولية فقط تقاربا ما مع أكبر أحزاب يمين الوسط “الاعتدال”، الذي يرشح زعيمه أولف كريسترسون لمنافسة رئيسة حكومة الحزب الاجتماعي الديمقراطي ماغدالينا أندرسون على منصب رئاسة الحكومة.

استمرارية الأزمة السياسية

النتائج الأولية لفرز الأصوات في الانتخابات البرلمانية السويدية، أظهرت فوز الحزب “الديمقراطي الاجتماعي” المنتمي ليسار الوسط وهو الحزب الحاكم، بالمركز الأول بنسبة 29.3بالمئة، فيما حل “ديمقراطيو السويد” من أقصى اليمين المناهض للهجرة في المركز الثاني بنسبة 20.5بالمئة، وحزب المعتدلين من اليمين المحافظ في المركز الثالث بنسبة 18.8بالمئة.

وفق قناة “اس في تي” التلفزيونية الحكومية، فإنه وبحصول “ديمقراطيو السويد” اليميني المتطرف على نسبة 20.5 بالمئة من الأصوات بات ثاني أكبر حزب في البلاد.

وبذلك تكون أحزاب الكتلة اليمينية حصلت على 49.2 بالمئة من الأصوات، وفازت بـ 173 مقعدا في البرلمان المكون من 394 مقعدا، بينما حصلت أحزاب الكتلة اليسارية الحاكمة على 49.8 بالمئة من الأصوات لتفوز بـ 176 مقعدا.

بحسب تقارير صحفية، هيمن على الحملات الانتخابية موضوع الجريمة والتضخم، وكان الخيار أمام الناخبين إما قيام حكومة مدعومة من اليمين المتطرف، وإما فوز اليسار بولاية ثالثة. وهو ما أعطى تلك الانتخابات طابعا جديدا، إذ لم يسبق أن ورد إمكان تولي اليمين التقليدي الحكم بدعم سواء مباشر أو غير مباشر من حزب “ديمقراطيو السويد”.

إيهاب عبد ربه، محام سوري وناشط حقوقي مقيم في السويد، يرى أن هناك مشكلة سياسية كبيرة في السويد، ولا يوجد استقرار سياسي من أصله، وبحسب اعتقاده أثناء حديثه لموقع “الحل نت”، ليس من السهل تشكيل حكومة سويدية، سواء من اليمينية أو الديمقراطية، وصحيح أن “الحزب الديمقراطي الاجتماعي – تقدم”، لكن هناك مشكلة في هذا الأمر، ألا وهي أن “الحزب الليبرالي” لا يتعاون مع الحزب العنصري، “ديمقراطيو السويد”.

إلى جانب مشكلة قانونية، أنه أكبر حزب في البرلمان السويدي هو الملزم في تشكيل الحكومة، وفي حال فشل في ذلك، فإن الحزب الذي بعده من حيث العدد مخول لتأسيس الحكومة، وفي هذه الحالة إذا فشل حزب الديمقراطي الاجتماعي بالتأسيس، فإن المهمة تنتقل للحزب العنصري، وبالتالي سيخلق مشكلة كبيرة هناك ودخول البلاد إلى مرحلة المجهول، على حد تعبير عبد ربه.

قد يهمك: تشارلز الملك الجديد.. هل من تغييرات على سياسة بريطانيا الخارجية؟

إجراءات ضد المهاجرين

في المقابل، قالت رئيسة الوزراء السويدية ماغدالينا أندرسون، إنه لا يزال من الصعب التكهن بنتائج الانتخابات البرلمانية في السويد بسبب تقارب المنافسة.

وأضافت في كلمة أمام أعضاء الحزب “مراكز الاقتراع أغلقت لكننا لن نحصل على نتيجة نهائية الليلة”، وفق ما نقلته وكالة “رويترز”.

من جهة أخرى قال زعيم حزب “الديمقراطيين السويديين” المناهض للهجرة إن كتلة الأحزاب السياسية اليمينية تتجه على الأرجح لتحقيق الفوز في الانتخابات التي أجريت الأحد. وأردف جيمي أكيسون في كلمة أمام أعضاء الحزب “في الوقت الحالي يبدو أنه سيكون هناك تغيير في السلطة”.

وبالعودة إلى المحامي إيهاب عبد ربه، أشار إلى أن هناك سيناريو كانت رئيسة الوزراء ماغدالينا أندرسون، تعمل عليه قبل إجراء الانتخابات، وهو دعوة “الحزب الليبرالي” للمشاركة في حكومة اليسار، مقابل إعطائهم دور في المناصب الوزارية وما في إلى ذلك، ولكن، هذا الأمر لم يظهر نتائجه بعد.

أما فيما يتعلق باحتمالية تبني سياسة مناهضة للهجرة في السويد، فيرى عبد ربه، أن السياسة السويدية الحالية هي في الأساس مناهضة للهجرة، أي أن القانون الحالي في السويد غير مرغوب فيه من قبل اللاجئين.

حيث انخفض عدد اللاجئين إلى السويد بشكل كبير خلال الفترة الماضية، لذا فإن السياسات معادية للاجئين بالمجمل، والمشكلة أعمق من ذلك، فالمسألة السياسية في السويد، اليوم، أعمق من قبول المهاجرين من عدم قبولهم، على حد تعبير المحامي إيهاب عبد ربه.

واختتم عبد ربه حديثه لـ “الحل نت”، أن اللاجئين في السويد اليوم أمام خطاب تمييزي، بمعنى أن المناطق ذات الغالبية المهاجرة، هناك أحاديث تدور حول قيام الحكومة بإقامة نقاط تفتيش أمنية في مناطقهم، بالإضافة إلى فرض إجراءات تضيقية على أطفالهم، بالإضافة إلى إعطاء سطوة أكبر لمكتب الخدمات الاجتماعية “السوسيال” في التعامل مع المهاجرين.

في السويد (10.7 ملايين نسمة)، ثمة اتفاق “جنتلمان” بين الأحزاب البرلمانية من كلا الكتلتين: الحمراء والزرقاء كما يُطلق عليهما محليا، على فرض فيتو على الحزب اليميني المتشدد “ديمقراطيو السويد”، لمنع لعب دور أو تأثير في الحياة السياسية. ومنذ أن تأسس الحزب المنتقد لسياسات الهجرة إلى البلد في 2005 بزعامة السياسي المثير للجدل جيمي أوكوسون وحتى انتخابات 2018 بقي الاتفاق صامدا.

مؤديو الحزب الديمقراطي يحتفلون بنتائج استطلاعات الرأي التي تشير لتقدم حزبهم “رويترز”

الآن تغيرت أوضاع البلد، وبات ملف الهجرة والاندماج يناقش في أجواء مختلفة تماما عن تلك التي سادت السويد قبيل استقبال نحو 163 ألف لاجئ دفعة واحدة في 2015، وفق تقارير صحفية.

 وعلى ما يبدو، فإن تصاعد شعبية أقصى اليمين تُربط محليا بتزايد منسوب عنف العصابات وانتشار عمليات القتل باستخدام الأسلحة النارية، كما أن شعبية “ديمقراطيو السويد” بقيت تتأرجح خلال أسابيع قليلة مضت حول 15 إلى 17 في المائة، بيد أن النتائج الدامية التي خلفها عنف العصابات قفزت بشعبيته إلى تجاوز أحزاب عريقة في الكتلتين الزرقاء والحمراء.

صحيح أن العصابات تضم مجموعات سويدية، مثل “روك” وغيرها، لكن انتشار عصابات الضواحي من أصول مهاجرة يضع كل سياسات الهجرة والدمج على طاولة الأحزاب السياسية في البلاد.

وهذا ظهر جليا، حتى عند رئيسة حكومة يسار الوسط ماغدالينا أندرسون، وعلى غير عادة معسكرها، ذهبت إلى التصريح في أواخر الشهر الفائت بأن بلدها لا يريد رؤية “مقديشو مصغرة”، في إشارة إلى بعض الضواحي التي تعيش كمجتمعات “موازية”، كما يسمونها محليا.

وبالتالي، تحول الناخب السويدي عن اهتماماته التقليدية في قضايا الرفاهية والرعاية والصحة، بل حتى عن أزمات التضخم والطاقة والخشية من تداعيات حرب أوكرانيا، إلى شعار “فرض القانون والنظام”، فرض نفسه على اهتمامات ووعود الأحزاب السياسية بمختلف مشاربها.

إعلانات انتخابية في استوكهولم، الخميس الماضي (جوناثان ناكستراند/فرانس برس)

وعليه، ليس مستبعدا من أن يحصل في السويد ما يشبه أزمة 2018 في تشكيل حكومة، حيث اضطرت الأحزاب للتفاوض لأكثر من 130 يوما لتشكيل حكومة. فلوصول شخصية من يمين الوسط، كـ ريسترسون، أو أندرسون من “الاجتماعي الديمقراطي”، يجب ألا تصوت أغلبية برلمانية ضد التشكيلة، أي 175 صوتا.

قد يهمك: إصرار لبناني على إعادة اللاجئين السوريين.. ما المستجدات؟

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.