مع بدء تراجع القوات الروسية أمام الجيش الأوكراني، الذي بدأ باستعادة بعض المناطق التي احتلتها روسيا، يبدو أن حسابات موسكو تتعقد إثر فشلها بإحداث “نصر سريع“، في محاولة منها لتغيير موازين القوى في العالم، فما هي المحددات التي قلبت ميزان المعركة، وما تأثير الأشهر القادمة على مسار الغزو الروسي لأوكرانيا؟

منعطف مهم في المعركة

الخسائر العسكرية الروسية خلال الأسابيع الماضية، شكلت منعطفا هاما في مسار الغزو الروسي لأوكرانيا، الذي أكمل شهره السابعة، حيث تشير النتائج الحالية، إلى أن الأشهر القادمة قد تكون حاسمة بالنسبة لنتائج المواجهة.

مراقبون أكدوا أن القوات الأوكرانية، تحولت في بعض المناطق من حالة الدفاع إلى حالة الهجوم، لاستعادة المناطق من الجيش الروسي، يوحي بذلك المشاهد التي وصلت من ساحة المعركة والتي تُظهر عشرات الآليات الروسية المدمرة بفعل الضربات الأوكرانية.

وفقا لتقرير “معهد دراسة الحرب” ومقره واشنطن، فإن الجيش الأوكراني، استعاد منذ بدء الهجوم المضاد شرقي البلاد مطلع أيلول/سبتمبر الجاري، مناطق واسعة وهي أكثر مما استولى عليه الروس في جميع عملياتهم منذ نيسان/أبريل الماضي.

الكاتب والمحلل السياسي باسل معراوي، يرى أن حسابات وتوقعات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، خابت بإحداث “نصر عسكري سريع“، لا سيما بعد مبادرة الجيش الأوكراني بالهجوم وتحقيق إنجازات عسكرية مؤخرا، ومشيرا إلى أن العديد من المحدّدات لعبت دورا هاما في هذا التحول بمسار الغزو الروسي لأوكرانيا.

ويقول معراوي، في حديث خاص لـ“الحل نت“: “خابت كل حسابات وتوقعات الرئيس الروسي، بإحداث نصر سريع باحتلال كييف، وإحلال حكومة موالية للروس خلال أيام. وبالتالي استثمار ذلك النصر بإحداث تحولات جيوسياسية عميقة تتيح تشكيل امبراطورية أوراسيوية، تكون ندا أو قطبا عالميا ينهي التفرد الامريكي، الذي ساد منذ خسارة السوفييت للحرب الباردة“.

محددات قلبت الموازين

ويعتقد معراوي، أن أبرز المحددات التي قلبت موازين المعركة مؤخرا، هي ما ظهر بأن السلاح الروسي  قديم ومعظمه من بقايا الجيش السوفييتي والمصانع العسكرية السوفييتية، حيث بدا واضحا التفوق التكنولوجي الغربي بساحة الميدان، وكان مشهد الارتال العسكرية الروسية المدمرة على الطرقات كارثيا.

وحول ذلك يضيف: “بدا واضحا الضعف الاستخباراتي الكبير والمعلومات الخاطئة التي تم تقديمها للرئيس الروسي، فخسر الروس حرب المعلومات وباتت تحركاتهم مرصودة للجيش الأوكراني، وكانت نتائج ذلك كارثية حيث تم قتل أهم الجنرالات الروس الذين قادوا المعارك، بمعنى أن الاختراق وصل لحد غرف عملياتهم الخلفية“.

وفق رأي المحلل السياسي، فإن الرئيس الروسي، بنى قراراته على عدة محددات خاطئة، أوّلها المعلومات الاستخبارية المغلوطة التي قدمت له حول ضعف الجيش الاوكراني، وعدم استعداده للقتال ومدى الشعبية الهائلة التي سيحظى بها التدخل الروسي خاصة ان جزءا كبيرا من الشعب الاوكراني ناطق بالروسية.

وحول ذلك يزيد بالقول: “وكان رهانه السياسي خاطئا على صمود القيادة الاوكرانية السياسية وعلى راسها الرئيس زيلينسكي، حيث كان يرجح فراره مع القيادة خارج أوكرانيا بمجرد اجتياز أول جندي روسي للحدود. كذلك راهن بوتين، على إحداث خلل في القرار بين دول الاتحاد الأوربي بين بعضها، وبين الاتحاد الأوروبي ككتلة مع الولايات المتحدة، بحيث لم يتوقع هذا الاصرار في التحالف بين جناحي شمال الأطلسي“.

هذا ويتوقع مراقبون وخبراء، أن تعلن القوات الأوكرانية انتصارات جديدة في منطقة خاركيف، المحاذية لروسيا والتي سيطر عليها الجيش الروسي، أو قصفها بالمدفعية على مدى شهور. وضمن هذا الإطار، قال أستاذ دراسات الحرب بكلية “كينغز لندن“، السير لورانس فريدمان، “انها ذات أهمية تاريخية“.

تأثير المعركة على روسيا

بهذا الصدد يلفت معراوي، أن نتائج استمرار المعركة لأشهر طويلة، ستكون كارثية ومدمرة بالنسبة لروسيا، لا سيما على الصعيدين العسكرية والاقتصادي.

قد يهمك: الاحتجاجات تدخل مدن إيرانية كبرى

وحول هذا الموضوع يوضّح قائلا: “عسكريا باتت سمعة الجيش الروسي (كثاني اقوى جيش بالعالم) بالحضيض، وانخفضت أسهم الصناعات العسكرية الروسية خارجيا، اذ أثبتت فشلها في مواجهة الأسلحة الغربية، الأمر الذي سينعكس سلبا على توريدات تلك الاسلحة للخارج“.

ويضيف: “اقتصاديا إن إخراج روسيا من النظام المالي الدولي (سويفت)، وفرض أكثر من ستة آلاف عقوبة (وهي العقوبات الاضخم تاريخيا)، بدأت تُلقي بظلالها على الاقتصاد الروسي والذي هربت منه كل استثمارات الشركات الأجنبية، وحتى رأس المال الروسي بدأ بالهرب الى دول أخرى، لتفادي العقوبات مع مصادرة الأصول الروسية في الخارج، وحتى وصل ذلك لتجميد أملاك الالغارش الروس الموالين للكرملين“.

كذلك يشير معراوي، إلى تأثير انخفاض الغاز والنفط الروسي، اللذان يمثلا نسبة كبيرة من الاقتصاد في البلاد، ويدران العملات الصعبة لضخها بالدورة الاقتصادية الروسية، “حيث تم مؤخرا فرض حظر غاز روسي على أوربا (وهي اهم سوق للغاز)، أيضا تم تقليل كميات النفط الروسي الى الحد الادنى في خطوة تسبق مقاطعته نهائيا…وبذلك تم تجريد روسيا من سلاح الطاقة الذي كان سلاحا استراتيجيا للضغط على الاتحاد الأوربي، وبدأت دول القارة بالاعتماد على البدائل ..والتعويض من مصادر اخرى“.

يختم معراوي، حديثه بالقول: “إن استمرار الحرب، يعني استنزاف الجيش الروسي واقتصاد روسيا، وعدم الحسم عسكريا بسرعة يجعل التأثير العميق الكارثي يظهر اقتصاديا ومجتمعيا، بتراجع الاقتصاد وتوضّح آثار الحرب الاستنزافية على المجتمع، واضمحلال القبضة المركزية القوية للكرملين“.

يقول تقرير لموقع “العربي الجديد” إن: “الضربة العسكرية التي تلقتها روسيا في خاركيف، أدت إلى هيمنة الأوكرانيين بفضل التّسلح الأميركي، وصار في وسعهم تنفيذ هجمات في العمق الروسي. وأخذوا يعملون على مستويين لمنع الروس من إعادة تنظيم قواتهم. الأول دفع الروس إلى التراجع، والثاني قصفهم كلما حاولوا إعادة تجميع صفوفهم“.

في تقرير لمركز “المستقبل” للأبحاث والدراسات المتقدمة، أشار من خلاله إلى التقدم العسكري الأوكراني في إقليم “خاركيف“، حيث رصدت القوات الأوكرانية نقطة ضعف في الخطوط الدفاعية الروسية بالقرب من مدينة بالاكليا، التي كانت في أيدي الروس منذ مطلع آذار/مارس الماضي، ولذلك قامت بشن هجوم عليها، كما تقدمت القوات الأوكرانية شرقا عبر فولوخيف يار، وشيفتشينكوف، وأخيرا نحو مدينة كوبيانسك، وهي مركز رئيسي للسكك الحديدية، والتي كانت تُستخدم لتزويد القوات الروسية في الدونباس، بالأسلحة والمعدات.

كذلك يرى تقرير المركز، أن الدعم الاستخباراتي الغربي، والأميركي لأوكرانيا، ساعد في نجاح الهجوم المضاد الذي بدأه الجيش الأوكراني خلال الفترة الماضية، ويضيف التقرير: “قامت القوات الأوكرانية بشن هجوم متزامن على أكثر من جبهة من خاركيف ودونباس، وصولا إلى زابوروجيا، وخيرسون، وذلك في محاولة لتحديد نقاط الضعف في الدفاعات الروسية، وشن هجوم ضدها، ثم استخدام الصواريخ الغربية دقيقة التوجيه، على غرار راجمة الصواريخ الأمريكية هيمارس، وضربات المدفعية لتدمير مستودعات الذخيرة الروسية، والقواعد اللوجستية، ومراكز القيادة خلف الخطوط الأمامية للقوات الروسية“.

سعى الجيش الأوكراني من خلال الانتصارات العسكرية في خاركيف، إلى التأكيد على قدرته على القيام بعمليات هجومية ضد الجيش الروسي، وتحقيق انتصارات ميدانية، وذلك بعدما ظل طوال الفترة الماضية في وضع دفاعي.

وقال مسؤول أميركي رفيع، لم تكشف “سي إن إن” عن هويته، إن القوات الأوكرانية حققت بعض النجاح في مهاجمة خطوط الإمداد الروسية، بقصد قطع وعزل القوات الروسية غربي نهر دنيبرو.

وفق تقارير غربية، فإن أوكرانيا فتحت جبهة جديدة ضد الدفاعات الروسية على حدود منطقتي دونيتسك، ولوغانسك، ولفت رئيس الإدارة العسكرية الإقليمية في لوغانسك، سيرغي غايداي، إلى أن مدينة ليسيتشانسك، كانت هدفا للهجوم الجديد.

الجدير ذكره، أن ليسيتشانسك، آخر مدينة في منطقة لوهانسك بشرق أوكرانيا، تقع تحت السيطرة الروسية في تموز/يوليو بعد أسابيع من القتال العنيف.

اقرأ أيضا: هزائم بوتين تحيي شبح الضربة النووية في أوكرانيا

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.

الأكثر قراءة