في شهر نيسان/أبريل الماضي عاد سفراء بعض دول الخليج إلى لبنان، بعد ستة أشهر من أزمة دبلوماسية طاحنة عقب تصريحات لوزير الإعلام اللبناني السابق جورج قرداحي، عبّر فيها عن رأيه في الحرب في اليمن، والتي وصفها بالـ “عبثية”، لتسارع بعدها كل من السعودية والبحرين والكويت والإمارات واليمن إلى سحب سفرائها، فيما اكتفت قطر بإصدار بيان استنكار، لتشكرها لاحقا الخارجية اللبنانية على جهود احتواء الأزمة مع السعودية.

في تلك الفترة كانت المملكة العربية السعودية قد اتخذت قرارها بعدم التدخل في شؤون لبنان، أو بالأحرى لم يعد الملف اللبناني يعنيها ولم تعد تكترث له، بحجة أن “حزب الله” هو الحاكم الناهي في البلد ودولة مثل حجمها لا تتفاوض مع ما تسميه “ميليشيا”. ناهيك عن موضوع تهريب “الكبتاغون” عن طريق سوريا إلى لبنان من ثم إلى دول الخليج عبر صناديق الخضار والفاكهة، ومن ضمنهم السعودية التي تتهم “حزب الله” بتهريب تلك الممنوعات إليها.

اقرأ أيضا: لبنان يخاطب الأمم المتحدة محذرا من انفجار الأوضاع.. ما السبب؟

لكن في الفترة الأخيرة وتحديدا بعد الانتخابات النيابية التي جرت في أواخر أيار/مايو الماضي، بدأت السعودية محاولات إثبات حضورها على الساحة اللبنانية، وفي الأسابيع الأخيرة من الشهر الجاري، بات واضحا إعادة اهتمامها بملف الانتخابات الرئاسية في لبنان المقرر استحقاقها في نهاية شهر تشرين الأول/ أكتوبر المقبل.

ففي وقت يعيش فيه لبنان أزمة سياسية واقتصادية كبيرة، جاءت دعوة سعودية أمريكية فرنسية إلى إجراء الانتخابات الرئاسية في موعدها، وتشكيل حكومة قادرة على تطبيق الإصلاحات اللازمة.

عودة الاهتمام للملف اللبناني

وتعكس دعوة الدول الثلاث (السعودية وفرنسا وأميركا) مدى اهتمامها بالدولة اللبنانية وحرصها على إنهاء الأزمة التي تعيشها، خاصة من خلال إعلانها دعمها لهذا البلد الذي يعاني تدهورا كبيرا في اقتصاده.

السعودية والولايات المتحدة وفرنسا، أكدوا في بيان مشترك الأربعاء 21 أيلول/سبتمبر الجاري، دعمهم للبنان عقب لقاء ممثلين من الدول الثلاث على هامش اجتماعات الدورة السابعة والسبعين للجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك.

وزراء خارجية الدول الثلاث، عبروا في بيان مشترك صدر في نيويورك، يوم الأربعاء الماضي، عقب الاجتماع الذي عقد على هامش فعاليات الجمعية العامة للأمم المتحدة، دعم بلادهم المستمر لسيادة لبنان وأمنه واستقراره.

دعوة واشنطن والرياض وباريس، تكمن أهميتها في كونها جاءت مع قرب انتهاء ولاية رئيس الجمهورية اللبنانية ميشال عون، في 31 تشرين الأول/أكتوبر المقبل.

ووفق البيان الرسمي لوزراء خارجية الدول المعنية، فقد عبروا عن استعدادهم للعمل المشترك مع لبنان، لدعم تنفيذ هذه الإصلاحات الأساسية التي تعد حاسمة لمستقبل الاستقرار والازدهار والأمن فيه، وأكدوا على أهمية دور القوات المسلحة اللبنانية وقوى الأمن الداخلي اللبناني المسؤولة عن حفظ سيادة لبنان واستقراره، مع أهمية استمرارهما في القيام بدور أساسي في حماية الشعب اللبناني في ظل أزمة غير مسبوقة.

كما شددوا على ضرورة تنفيذ الحكومة اللبنانية أحكام قرارات مجلس الأمن والقرارات الدولية ذات الصلة، ومن ضمنها تلك الصادرة من جامعة الدول العربية، والالتزام بـ “اتفاق الطائف” المؤتمن على الوحدة الوطنية والسلم الأهلي في لبنان.

السعودية والتقارب مع سمير جعجع

ويبدو أن للمملكة العربية السعودية مرشحها التفضيلي لاعتلاء كرسي الرئاسة اللبنانية خلفا لميشال عون، ووفقا لتحركات السفير السعودي في لبنان وليد البخاري، فإن رئيس “حزب القوات اللبنانية”، سمير جعجع، هو الأكثر دعما بيد أنه اجتمع مؤخرا عدة مرات مع البخاري، وتم مناقشة ملف الرئاسة وملفات أخرى، ويبدو ملفتا أيضا أن جعجع دون سواه هو من ينقل رسائل السعودية إلى الشعب اللبناني وحكومته.

ففي آخر لقاء جمع البخاري وجعجع في 21 أيلول/ سبتمبر الحالي، قال الأخير إن الحكومة السعودية مستعدة لدعم لبنان، بشرط وجود رئيس للجمهورية وآخر للحكومة جديرين بالثقة.

وكتب على حسابه في “تويتر”، أن تركيزنا كان على لبنان، وتحديدا على الانتخابات الرئاسية المقبلة، والخلاص الوحيد للبنان هو بعمقه العربي، وتمسك أهله به أكثر من أي وقت آخر من خلال الدستور.

شروط لاستعادة الرضا على لبنان

من الناحية النظرية، البيان المشترك لتلك الدولة يدغدغ أحلام شريحة كبيرة من اللبنانيين الغارقين في بحيرة الفساد السياسي والانهيار الاقتصادي، ويلبي تطلعات جزءا كبيرا منهم ممن يتمنون عودة الاستقرار الأمني والاقتصادي والسياسي، والحد من هجرة معظم الطاقات الشبابية للخارج وتحسّن وضع العملة المحلية والإفراج عن مدخراتهم في المصارف.

أما من الناحية التطبيقية لتلك فقد يبدو الأمر صعبا في ظل قبضة “حزب الله” على مفاصل الدولة برمتها؟ والسؤال الأهم هنا، كيف ستتشكل الحكومة الجديدة بعد الانتخابات الرئاسية، وما هي شروط السعودية خاصة، والدول المعنية عامة لإعادة دعمها للبنان؟

 هناك ثلاثة شروط أساسية تطلبها السعودية لإعادة دعمها إلى لبنان، وهي تطبيق قرارات الطائف ثم تطبيق القرارات الدولية وتطبيق الإصلاحات المطلوبة داخليا، غير ذلك المملكة غير مضطرة على مساعدة الدويلة التي اسمها لبنان والخاضعة لنفوذ “حزب الله” وإيران، بحسب حديث، رئيس جهاز التواصل والإعلام في “حزب القوات اللبنانية”، شارل جبور، خلال حديثه لـ “الحل نت”.

تتطلع السعودية إلى الحكومة الجديدة التي ستبصر النور بعد الانتخابات الرئاسية بعين الحذر، وفق جبور، آملة منها أن تكون حكومة إصلاحية من أجل تطبيق الإصلاحات المالية المطلوبة من قبل صندوق النقد الدولي.

في نيسان/أبريل الماضي، أعلن صندوق النقد الدولي، عبر بيان رسمي نشره على موقعه، توصله إلى اتفاق مبدئي مع السلطات اللبنانية للتمويل بقيمة 3 مليارات دولار تصرف على مدى أربع سنوات، حيث أن التمويل مشروط بموافقة مجلس الصندوق التنفيذي.

السلطات اللبنانية قامت بدعم من خبراء صندوق النقد، بصياغة برنامج إصلاح شامل، يهدف إلى إعادة بناء الاقتصاد واستعادة الاستدامة المالية، وتعزيز الحكم والشفافية وإزالة العوائق التي تحول دون نمو فرص العمل وزيادة الإنفاق الاجتماعي وإعادة الإعمار، وفق البيان.

السلطات اللبنانية ردت حينها على صندوق النقد، أنها وافقت على إجراء العديد من الإصلاحات الحاسمة قبل اجتماع مجلس إدارة صندوق النقد الدولي.

في مايو/أيار 2020، بدأ لبنان مفاوضات مع صندوق النقد حول خطة إنقاذ، لكنها جمدت في آب/أغسطس من نفس العام، قبل أن تنطلق مجددا مطلع تشرين الأول/أكتوبر 2021، بعد تشكيل حكومة.

وفي أواخر كانون الثاني/يناير 2022، بدأت الحكومة اللبنانية رسميا، مفاوضات مع صندوق النقد الدولي حول برنامج للتعافي الاقتصادي في البلاد.

بيروت تسعى للتوصل إلى برنامج مساعدات مع الصندوق للخروج من أزمة اقتصادية ومالية حادة تعصف بالبلاد منذ أواخر 2019، أدت إلى تدهور قياسي بقيمة الليرة اللبنانية مقابل الدولار.

قد يهمك: اقتحام البنوك يقسم الشارع اللبناني

أن بيان الدول الثلاث واضح تماما ويستند إلى اتفاق الطائف الذي يريده القسم الأكبر من الشعب اللبناني، من وجهة نظر جبور، و كذلك السعودية لديها النية الكبيرة في مساعدة لبنان شرط الالتزام بالاستحقاقات الدستورية، من خلال انتخاب رئيسا للجمهورية يلتزم بثلاثية أساسية، الأولى هي المسألة السيادية من خلال الالتزام باتفاق الطائف، الذي هو مطلب أساسي للدول الثلاث المذكورة والتي تنوي دعم لبنان، لكن في الأصل اتفاق الطائف لم يطبق كاملا، فنحن منذ العام 1990 نعيش حالة انقلابية على اتفاق الطائف لسببين أساسيان، الأول كان بسبب المرحلة التي كانت تسيطر فيها دمشق على لبنان منذ العام 1975، والمرحلة الثانية بعد العام 2005 وخطف لبنان من قبل النظام الإيراني.

الأمر الثالث المطلوب من لبنان من قبل واشنطن وباريس والرياض، هو تطبيق الاتفاقات الدولية

مثل 1559 و1680 و1701 و2650 وبالتالي لا يجوز لأي سلطة جديدة النأي بنفسها عن أي قرارات دولية، بحسب شارل جبور.

قرارات لم تُنفذ بسبب “حزب الله”

وفق موقع الأمم المتحدة الرسمي فإن قرار 1559 الخاص بلبنان يدعو إلى نزع سلاح جميع الجماعات المسلحة في البلد، حتى لا تكون هناك أسلحة أو سلطة في لبنان غير تلك التي تمتلكها الدولة اللبنانية، وأن الجيش اللبناني هو القوة المسلحة الشرعية الوحيدة في لبنان، على النحو المنصوص عليه في الدستور اللبناني واتفاق الطائف.

صدر قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 2650 بالإجماع في 31 آب/أغسطس 2022، الذي مدد حتى 31 آب / أغسطس 2023 قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان “اليونيفيل”.  تم ذلك بناء على طلب من مجلس الوزراء الثالث لنجيب ميقاتي كحكومة لبنان الحالية. 

أما القرار 1680 اعتمد في 17 أيار/مايو 2006 بعد أن أشار إلى القرارات السابقة بشأن لبنان، شجع سوريا على الاستجابة بشكل إيجابي لطلب لبنان، بتعيين الحدود وإقامة علاقات دبلوماسية بهدف تأكيد سيادة لبنان وسلامته الإقليمية واستقلاله السياسي.

مؤخرا، دار حديث عن زيارات متكررة للسفير السعودي في لبنان، وليد بخاري، إلى معراب بشكل خاص وزيارات أخرى إلى رئيس “حزب اللقاء الديمقراطي” وزعيم الدروز، وليد جنبلاط، الذي كان عامودا من عواميد “14 آذار” قبل انقلابه عليهم تماما في الفترة الأخيرة، وتقربه من “حزب الله”، كذلك كانت له زيارة يوم السبت 24 أيلول/سبتمبر الحالي إلى نواب السُنة.

عن تلك الزيارة، تحدث الكاتب والصحفي اللبناني، آلان سركيس، لـ “الحل نت” بأنها تأتي طبيعية قبل الانتخابات للملمة الصفوف بين الأفرقاء ودعم جبهة ضد “حزب الله”، وتأتي بعد غضب السعودية من لبنان حين لم يدين ولم يصوت لبنان ضد الاعتداءات على السفارة السعودية في طهران في العام 2016، وتُرجم الانزعاج السعودي حينها من خلال استدعاء رئيس الحكومة حينها سعد الحريري، والطلب منه الاستقالة من الرياض في 2017.

زيادة التوتر بين لبنان والخليج

الأحداث توالت في تلك الفترة، وأعلن وزير الدولة السعودي لشؤون الخليج العربي، تامر السبهان، أن السعودية ستعامل حكومة لبنان كحكومة إعلان حرب بسبب مليشيات “حزب الله”، ليبلغ التصعيد السعودي أوجه في نيسان/ أبريل 2021، بعد ضبط الجمارك السعودية أكثر من 5.3 مليون حبة “كبتاغون” مُخبّأةً ضمن شحنة من الرمّان، فأوقفت استيراد الفواكه والخضار من لبنان.

أشهر قليلة بعد الحادثة، أطلّ وزير الخارجية في حكومة تصريف الأعمال اللبنانية (وقتها)، شربل وهبة، وأشعل أزمة جديدة في 18 أيار/ مايو 2021، خلال مقابلة على قناة “الحرّة” قال فيها، إن دول المحبة والصداقة والأخوة، أوصلوا لنا تنظيم “داعش” الإرهابي، وزرعوه في سهول نينوى والأنبار وتدمر، في إشارةٍ إلى الأراضي التي سيطر عليها التنظيم في سوريا والعراق.

ولدى سؤاله عما إذا كان يقصد بتلك الدول، دول الخليج، قال وهبة إنه لا يريد ذكر أسماء. لكن ردّا على سؤال حول ما إذا كانت دول الخليج قد موّلت التنظيم، قال “من الذي موّلهم إذا، أنا؟”.

 في سياق استحقاق الانتخابات الرئاسية يؤكد سركيس، أن المعلومات تؤكد بأن كل من دول الخليج عامة والسعودية خاصة معهم فرنسا والولايات المتحدة الأميركية، لن يكون لديهم رضا أو تعاون أو أي مساعدة للبنان في حال كان الرئيس الجديد من دائرة 8 آذار، أو مقرّب من “حزب الله”، وإذا حصل هذا الأمر معناه أن لبنان عاد إلى نقطة الصفر، وكل الدول المعنية ستتخلى عنه نهائيا.

 حاليا اللبنانيون يرقدون في العناية الفائقة ولكن في أول تشرين الثاني/نوفمبر، في حال لم يتم انتحاب الرئيس الغير مرتهن لإيران و”حزب الله” سنقول رسميا إلى اللقاء لبنان، ووفق معلومات أكيدة فإن السعودية أبلغت المعنيين في لبنان عن هذا الأمر كنوع من التحذير، وفق سركيس.

تصاعد وهبوط  في العلاقات الخليجية- اللبنانية

منذ العام 2015 حتى العام 2022 والعلاقات اللبنانية الخليجية تشهد توترات متصاعدة ووفق صحيفة “عكاظ” السعودية فإن بخلاف التصريحات من قبل شخصيات سياسية مقربة من الرئيس ميشال عون و”حزب الله” بحق السعودية تحديدا، فإن الأزمة الأكبر بين البلدين تجلّت من خلال عمليات تهريب “الكبتاغون”.

اقرأ أيضا: دور اقتصادي إيراني جديد بدمشق.. وما علاقة لبنان برفع أسعار المحروقات في سوريا؟

ووفق الصحيفة السعودية فإن الأوضاع ازدادت سوءا مع محاولات عدة لتهريب مادة “الكبتاغون” إلى عدد من الدول الخليجية، بواسطة الفواكه والخضار، وأولى عمليات التهريب من لبنان وفق الطرق الجديدة، بدأت في نيسان/ أبريل 2021، حين ضبطت الجمارك السعودية أكثر من 5.3 مليون حبة “كبتاغون” مخبّأةً ضمن شحنة من الرمّان، فأوقفت استيراد الفواكه والخضار من لبنان.

شهر كانون الأول/ ديسمبر 2021، شهد نشاطا غير مسبوق، في محاولات تهريب “الكبتاغون” من لبنان إلى دول مجلس التعاون الخليجي، أُحبطت جميعها بالتنسيق بين الجهات الأمنية في تلك الدول، وبين الأجهزة اللبنانية، من دون ذكر أي اسم لموقوف أو للجهة المتورطة فيها، والاكتفاء بالتلميح من قبل الدول الخليجية، إلى أن “حزب الله” هو من يدعم تلك الأنشطة.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.

الأكثر قراءة