عملية التفجير التي تعرضت لها أنابيب خطي الغاز “نورد ستريم 1 ” و “نورد ستريم 2” في بحر البلطيق خلال الأيام القليلة الماضية، كانت كافية لإيقافهم عن ضخ الغاز من روسيا إلى ألمانيا. للخطين أهمية بالغة بالنسبة لروسيا وألمانيا بسبب قدرتهما على نقل إجمالي 55 مليار متر مكعب سنويا، بمعنى أن كل خط لديه قدرة نقل حوالي 27.5 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي سنويا إلى ألمانيا ولمدة 50 عاما على الأقل.

 يمر مسار “نورد ستريم” عبر المناطق الاقتصادية الخاصة لروسيا وفنلندا والسويد والدنمارك وألمانيا، ويعد خطا الأنابيب البحريان البالغ طولهما 1224 كيلومترا واللذان يربطان بشكل مباشر بين احتياطيات الغاز الضخمة في روسيا وأسواق الطاقة في الاتحاد الأوروبي، وتعود ملكيتهما لشركة “غازبروم” الروسية، والتي بدورها تقوم بتشغيلهما والإشراف عليهما.

اقرأ أيضا: رسائل روسية وراء تسرّب غاز “نورد ستريم”؟

تناقش هذه السطور حسابات الربح والخسارة لسيناريوهات عملية التفجير التي نفترض فيها أن روسيا وأوكرانيا هما من أكثر الدول التي تحمل مصلحة في التفجير.

روسيا

لا تزال الولايات المتحدة الأميركية ودول الاتحاد الأوروبي، يدعمون أوكرانيا بشحنات كبيرة من الأسلحة، الأمر الذي عزز موقف كييف في الحرب وسهل لها الطريق لاستعادة العديد من المناطق شرق البلاد، التقدم الأوكراني أغضب الروس بشكل كبير ووضعهم في موقف صعب أمام خيارات الانتقام، وقد طرح العديد من الباحثين والمسؤولين فكرة إمكانية استخدام بوتين للسلاح النووي في أوكرانيا بشكل تكتيكي ومحدود، لكن ربما يمتلك بوتين سلاح الطاقة الذي يمكن أن يكون تأثيره الاقتصادي تدميري بقدر تدمير السلاح النووي.

في البداية حاولت روسيا قطع إمدادات الغاز عن الاتحاد الأوروبي، لاسيما عندما أوقفت ضخ الغاز عن خط “نورد ستريم” عدة مرات عبر العديد من الوسائل، في بداية الأمر استخدمت تبرير التنظيف الدوري لتوربينات ضخ الغاز، فيما بعد أدعت أن التوربينات المسؤولة عن عملية الضخ معطلة وتحتاج لإصلاح، ومن المعروف أن شركة “سيمنز” الألمانية هي المسؤولة عن عملية الصيانة، لكن لم تستطيع القيام بعمليات الصيانة بسبب العقوبات المفروضة على روسيا، لذلك في حينها تم نقل التوربينات إلى كندا لإتمام عملية الصيانة، على الرغم من وجود توربينات احتياطية في مكان نقل الغاز، لكن روسيا أصرت على إصلاح التوربين لإعادة تشغيل الخط، مما أوقف ضخ الغاز لمدة شهر تقريبا.

فيما يتعلق بتفجير خط “نورد ستريم” نضع احتمالية أن روسيا هي الفاعلة بهدف إضعاف ألمانيا التي استأجرت خمس محطات لتسييل الغاز، في محاولة منها للاستغناء عن قسم كبير من الغاز الروسي بحلول عام 2025، كما تحاول برلين ملء الخزانات الاستراتيجية بشكل كامل بما يكفيها لفصل الشتاء القادم، الأمر الذي تعمل روسيا على إفشاله، لأن أي نجاح في اجتياز أزمة الشتاء من دون الغاز الروسي، سيكون بمثابة دفعة معنوية كبيرة وبمثابة انتصار لأوروبا. قد يرى بوتين أن تفجير خطي “نورد ستريم 1″ و”نورد ستريم2” سيوقف بشكل قطعي كمية كبيرة من الغاز المتدفق إلى أوروبا لمدة لا تقل عن ثلاثة شهور بأقل تقدير، ويجب التنويه إلى أن ألمانيا تصدر جزء من الغاز المستورد عبر خط “نورد ستريم” لبعض الدول الاوروبية مثل بولندا.

بحسابات الخسارة الروسية من تفجير خطي “نورد ستريم”، كما ذكرنا سابقا، أن ملكية الخطوط تعود بالمقام الأول لروسيا، وتجاوز بنائهما 11 مليار يورو، ويعتقد أن قيمة الغاز المتسرب منهما تتراوح بين 600 و800 مليون دولار، فضلا عن أن إصلاحهما سيكلف موسكو ملايين الدولارات، والأهم من كل ذلك ستفقد روسيا مبالغ طائلة من إيقاف تصدير الغاز إلى ألمانيا.

أوكرانيا

عندما شغلت روسيا خط “نورد ستريم1” عام 2011، وجهزت “نورد ستريم2” عام 2021 انخفضت أهمية وفعالية خطوط الأنابيب التي تعبر الأراضي الأوكرانية باتجاه دول الاتحاد الأوروبي، مما أفقد كييف أهميتها الجيوسياسية كدولة عبور، وأدى إلى خسارة لعائدات مرور خطوط الأنابيب.

من المحتمل أن تكون أوكرانيا هي وراء تفجير خطوط أنابيب “نورد ستريم1”  و “نورد ستريم 2” لأنها تهدف إلى تحييد أي استخدام للغاز الروسي من قبل دول الاتحاد الأوروبي، سعيا منها إلى تحييد الغاز الروسي من معادلة الطاقة الأوروبية، وخوفا من أن تضعف أوروبا مقابل حاجتها للغاز الروسي، وسيكون ذلك بطبيعة الحال بالتخلي عن أوكرانيا إذا أُجبرت دول الاتحاد الأوروبي على الاختيار بين الغاز الروسي أو دعم أوكرانيا، فقد تختار أوروبا الغاز وتتخلى عن أوكرانيا، بمعنى أن الاعتماد الكبير للأوروبيين وخاصة الألمان على الغاز الروسي قد يضعف العزم الأوروبي في محاربة موسكو لفترة طويلة، في وقت أصبحت العديد من المدن الأوروبية تخرج في احتجاجات بعد ارتفاع  أسعار موارد الطاقة (النفط والغاز)، ويطالبون بإنهاء العقوبات المفروضة على روسيا.

 قبل تفجير خطوط “نورد ستريم” قد خرجت العديد من المظاهرات في ألمانيا للمطالبة بإعادة فتح خط أنابيب الغاز “نورد ستريم2” المتوقف بعد ضغط الولايات المتحدة الأميركية على ألمانيا بعدم تشغيله بمبرر أنه سيزيد من احتكار موسكو للسوق الاوروبية للطاقة. من جهة أخرى من المتوقع أن أوكرانيا تحاول منع مكاسب روسيا ولو جزئيا من عائدات موارد الطاقة التي ارتفعت أسعارها بشكل كبير لاسيما الغاز، ومن الممكن أن تذهب كييف لتفجير الخط في محاولة منها لأن تعود دولة عبور للغاز الروسي إلى دول الاتحاد الأوروبي كما موضح في الخريطة.

 مع توقف خطي “نورد ستريم1” و “نورد ستريم 2” عن العمل بعد تفجيرهما، وتوقيف بولندا خط أنابيب “يامال  رقم1” الممتد من روسيا إلى أوروبا عبر بيلاروسيا وبولندا الذي تبلغ سعته التصديرية 32 مليار متر مكعب سنويا، فيما تجتاز السعة الإجمالية للخطوط العابرة من أوكرانيا 100 مليار متر مكعب سنويا، وتعمل الآن بطاقة ضعيفة جدا، وعندما تبقى الخطوط العابرة من أوكرانيا فقط هي التي تعمل، قد يعطي كل ذلك كييف مكاسب ولو بخفض التصعيد الناري عليها بصفتها دولة العبور المتبقية، وقد يقرأ تفجير “خطي ستريم1 و 2”   من قبل أوكرانيا على أنه جزء من استراتيجية كييف بالرد على الضربات الجوية الروسية على البنية التحتية للبلاد.

في السطور السابقة تم التركيز على دولتين فقط قد تكون لهما مصلحة كبيرة في تفجير خطي “نورد ستريم 1 و2″، لكن ذلك لا يعني أننا نحصر المتسبب بالتفجير بينهما، فمن الممكن بشكل كبير أن تكون المتورطة دولة أخرى غير متوقعة، لكن المعطيات التي توصلنا لها أثناء عملية البحث والكتابة، حصرت الاتهام بين روسيا وأوكرانيا، وقد تتحمل الأولى خسائر ومكاسب من التفجير والثانية ستحصد المكاسب على كل الأحوال.

قد يهمك: خط الغاز نورد ستريم 2: هل تتم إعادة تأهيل النظام الإيراني لإيجاد بديل للغاز الروسي؟

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.