علاقات متأرجحة في الماضي ومتوترة في الوقت الراهن، قد يزيدها انزلاقا، تزويد إيران لروسيا بالمسيرات، ما يضع الجانب الأوروبي في موقف المتبني للموقف الأميركي تجاه إيران، أو المتقدم عليه.  

في رسالتهم المقدمة، طالب سفراء الترويكا الأوربية (بريطانيا وفرنسا وألمانيا) من الأمانة العامة للأمم المتحدة، إرسال خبرائها للتحقيق في انتهاك محتمل لقرار مجلس الأمن رقم 2231 لعام 2015، والذي يحظر على إيران بيع أو شراء بعض أنواع الأسلحة بدون موافقة مسبقة من مجلس الأمن، في إشارة للطائرات المستخدمة من قبل روسيا في حربها العدوانية على أوكرانيا.

قد يهمك: المسيرات الإيرانية في أوكرانيا.. مزعجة كـ “الدراجات النارية” وعديمة الفاعلية

خلال الاجتماع، قال المبعوث الفرنسي في مجلس الأمن، “الحقائق واضحة. أعطت إيران طائرات مسيرة لروسيا، واستخدمتها موسكو في مهاجمة وقصف أهداف مدنية في أوكرانيا، ويشكل هذا التصرف الإيراني انتهاكا لقرار مجلس الأمن رقم 2231 بشأن الاتفاق النووي”.

في المقابل، اعتبر الناطق باسم الخارجية الإيرانية ناصر كنعاني، أن الترويكا الأوروبية تعمل على تقديم تفسير مضلل لقرار مجلس الأمن التابع رقم 2231. مدينا العقوبات الأوروبية الجديدة على إيران، وأنها جاءت “على أساس الذرائع الواهية التي لا أساس لها بشأن استخدام المسيرات الإيرانية في حرب أوكرانيا”.

نوافذ على العلاقة الأوربية الإيرانية

العلاقات الأوروبية الإيرانية بقيت حبيسة الهيمنة الأميركية طيلة عهد الشاه الابن، حسب سهيلة عبد الأنيس محمد في كتابها، “العلاقات الإيرانية-الأوربية، الأبعاد وملفات الخلاف”. وضعت الثورة الإيرانية حدا لهذه الهيمنة، إلا أن التوتر والتقلب بقي السمة البارز في علاقة الجانبين.

نقلة نوعية في علاقة الطرفين بدأت في قمة “أدنبرة” عام 1992، حيث اتخذ الاتحاد الأوروبي قرارا بفتح حوار نقدي مع إيران، وعلى إثره بدأ حجم العلاقات والزيارات المتبادلة يتزايد بين الطرفين. لم يدم الأمر طويلا، نتيجة نكسة في العلاقة الإيرانية الألمانية انسحبت على بقيت دول الاتحاد، نتيجة اعتقال طهران لرجل الأعمال الألماني هيملون هومز، بتهمة إقامة علاقة غير شرعية بامرأة إيرانية.

الأزمة تفاقمت حدتها باتهام ألمانية لإيران باغتيال أربعة معارضين إيرانيين في مطعم ميكونوس في برلين عام 1992؛ ما استدعى سحب السفراء الأوروبيين من طهران. لاحقا عاد السفراء الأوربيين إلى طهران بعد جهود أوروبية، إيطالية بالأخص، ساهمت بتدفئة العلاقة بين الجانبين.

كاد التوتر أن يضرب العلاقة ثانية، بفعل سياسة الاحتواء المزدوج لإيران والعراق، التي أقرها الرئيس الأميركي الأسبق، بيل كلينتون، لولا رفض أوربا لسياسة الاحتواء ولقانون “داماتو” الملحق بها. وهو قانون لمعاقبة إيران، جاء بطلب من السيناتور الفونسو داماتو، ضد إيران وليبيا عام 1995، لفرض عقوبات على القطاع النفطي وسد الطريق أمام الاستثمارات الأجنبية، وفي مقدمتها استثمار شركات أميركية في داخل إيران، بسبب توجهات النظام الإيراني للحصول على سلاح دمار شامل.

رد أوربا على قانون “داماتو”، جاء في قمة “ليون” عام 1996، إذ أكدت دول الاتحاد ضرورة عدم الانصياع للقانون الأميركي، وأعلنت بريطانية على لسان وزير خارجيتها، ” لقد تحركنا بنشاط ضد القانون الأميركي على المستوى الثنائي، مع شركائنا الأوروبيين، نحن نوافق على أنه لا ينبغي أن تكون هناك سياسة غربية في شأن إيران وليبيا، ولكن لا يمكن أن نقبل ضغوطا من جانب الولايات المتحدة، على حلفائها لفرض عقوبات تحت طائلة التهديد بعقوبات إلزامية على شركاتنا؛ إذا ما أقامت علاقات تجارية بإيران في قطاعي النفط والغاز”.

رئيس الوزراء الفرنسي الأسبق، ليونيل جوسبان، اعتبر إن قوانين “هيلمز بريتون” و”داماتو” غير شرعية، وغير مقبولة؛ لأن الولايات المتحدة تعارض الحوار الأوروبي وإيران؛ لخشيتها من أن تقوم أوروبا باحتكار النفط في الخليج العربي والشرق الأوسط.

مع وصول محمد خاتمي لرئاسة الجمهورية الإيرانية عام 1997، تحسنت العلاقات الأوروبية الإيرانية بشكل ملحوظ ومتسارع، من خلال “سياسته الانفتاحية ودعوته للحوار”، ونتيجة ذلك، رفض الاتحاد الأوروبي إدراج إيران ضمن “محور الشر” الذي أعلنه الرئيس الأميركي الأسبق جورج دبليو بوش.

ختاما، عارضت الترويكا الأوروبية مساعي واشنطن لإعادة تفعيل العقوبات المفروضة على إيران، والمعروفة بآلية الزناد، في خريف 2020. بالقول، “في رسالة مشتركة، إن إبلاغ الولايات المتحدة الأميركية لم يكن فعالا، وفق ما أورده موقع مجموعة الأزمات الدولية”.

الإرهاب الإيراني خارج النطاق الإقليمي

لأول مرة، يخوض السلاح الإيراني حربا على أرض أوروبية، مما أثار الإيرانيين قبل الأوروبيين، حيث رأت صحيفة “اعتماد” أن “تطورات الحرب في أوكرانيا باتت وبشكل مقلق تنقلب ضد مصلحة إيران، فوزارة الخارجية الأوكرانية تقترح قطع العلاقات مع طهران، والاتحاد الأوروبي يفرض العقوبات على المؤسسات والمسؤولين الإيرانيين”.

 طرح موضوع بيع إيران طائرات مسيرة إلى أحد طرفي النزاع وربط هذه القضية بقرار مجلس الأمن رقم 2231 تحول خطير ومقلق للغاية بحسب الصحيفة، حيث نوهت أيضا إلى أن هذا الموضوع يجب النظر إليه في إطار “تدخل إيران بشكل مباشر في حرب”، يقف في الطرف المقابل أقوى تحالف عسكري في العالم “الناتو”، وإن كان بشكل غير مباشر.

خيبة أمل أوروبية من إيران، لاسيما بعد الاعتراف الإيراني المتأخر بأنهم باعوا هذه المسيرات قبل الحرب، حسب حديث مدير مجلس الجيوبوليتيك، والأستاذ المحاضر في العلاقات السياسية الدولية في جامعة باريس، خطار أبو دياب، لـ”الحل نت”. منوها للكذب بالوقت في الاعتراف الإيراني، حيث أظهرت الصور التي التقطتها الأقمار الاصطناعية تحريك وشحن هذه المسيرات من إيران آواخر آب/أغسطس الفائت.

عمليا أول ردود الأفعال، بعد ثبات الانخراط الإيراني إلى جانب روسيا في حربها العدوانية على أوكرانيا، كان من الولايات المتحدة الأميركية وكندا، وفق أبو دياب، بعدها قام الاتحاد الأوروبي بفرض عقوبات على إيران. مشيرا لأمرين، أولهما الفشل الاستراتيجي لروسيا، كونها اضطرت للاعتماد على السلاح الايراني. وثانيهما، وضوح الصورة لدى العالم الغربي أن إيران التي كانت أيام الخميني تقول “لا شرقية ولا غربية” أخذت بالتوجه نحو الشرق، وهذا معطى جديد سيؤثر على مجمل العلاقات الأوروبية والغربية مع إيران، حسب تعبيره.

الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، أكد خلال حديث تلفزيوني على هامش مؤتمر الأطراف حول المناخ في شرم الشيخ، أن “تهديدات إيران تجاوزت النطاق الإقليمي. علينا تغيير طريقة مواجهتنا لتهديدات إيران في العالم، والعمل بشكل منظم لمواجهة التهديدات الإيرانية”. ما يذكرنا بوصف إيران من قبل مستشارة الأمن القومي الأميركي كوندليزا رايس، أنها “البنك الدولي للإرهاب”.

السياسة الأوربية تجاه إيران منذ قيام النظام الديني المتطرف يمكن وصفها بالمثل العراقي “رجل ع درب الرحمن ورجل ع درب الشيطان”، حسب حديث الصحفي والكاتب العراقي، نزار جاف، لـ”الحل نت”، حيث بقيت أوربا تراهن على هذا النظام وترفض السير على النسق الأميركي. منوها إلى أن السياسة الأميركية، لاسيما في عهد بايدن، مازالت تسعى للإبقاء على شعرة معاوية مع إيران.

قيام النظام الايراني بإرسال الطائرات المسيرة والخبراء الى روسيا من أجل دعمها في حربها ضد أوكرانيا، وفق جاف، أوصلت أوربا إلى قناعة كبيرة أن نظام الملالي سيتخطى حدوده بأكثر مما قد توقعوه له، وسيبقى بمثابة خنجر يضرب في خاصرة السلام والأمن والاستقرار العالمي كلما سنحت له الفرصة.

أوروبا صارت تشعر بالحاجة إلى الاستناد على العصا أكثر من الجزرة في تعاملها مع طهران. ولكن من السابق لأوانه الحكم على تغيير حقيقي أو بتعبير أدق جذري في السياسة الأوروبية تجاه إيران، ذلك إن هذا التغيير لم يحدث في السياسة الأميركية ذاتها، ولايزال هناك بصيص أمل لدى أوروبا في كبح جماح إيران وجعلها تهدئ من ارتمائها المتسارع نوعا ما في الحضنين الروسي والصيني.

ثمة خلاف داخل أقطاب النظام الايراني بشأن إلقاء الكرات كلها في السلتين الروسية والصينية، بحسب جاف، لكن هذا لا يعني بأن أوربا ستبقى أسيرة الرهان على الحكم الديني السائد في إيران، والمواقف الأوربية الأخيرة يمكن اعتبارها إشعار لطهران باحتمال تبني سياسة جديدة حيالها.

 حينها لم يقف التغيير في السياسة الأوربية عند حاجز العقوبات والمواقف السياسية والدبلوماسية، بل سيتعداها إلى الرهان على التغيير في إيران، لاسيما بالنظر للرفض والكراهية المرفوعة من قبل الشعب الايراني في وجه النظام، فالغرب لن يترك إيران تسقط كتفاحة في السلتين الروسية والصينية بهذه السهولة.

الجانب الخطأ من التاريخ

من غير المرجح أن تعزز إعادة فرض العقوبات الجهود للحد من عمليات نقل الأسلحة الإيرانية إلى روسيا لكي تستخدمها في أوكرانيا، حسب معهد “واشنطن” لسياسات الشرق الأدنى. مشيرا لانتهاك الفقرتين 4 و6 من الملحق “باء” من القرار 2231، الذي يفرض قيودا على نقل بعض المعدات بموجب “قيود نظام مراقبة تكنولوجيا القذائف” من دون موافقة مسبقة من قبل مجلس الأمن.

 من شأن إعادة فرض الحظر الأوسع نطاقاً على الأسلحة الذي ينص عليه القرار، أن يوفر مبررا إضافيا لاعتبار نقل الطائرات المسيرة انتهاكا له، ولكن دون منح صناع السياسة أي أدوات إضافية لردع إيران.

يؤكد ذلك، الأستاذ المحاضر في جامعة جورج واشنطن الأميركية، سينا أزودي، في حديثه لموقع “الحرة”، بالقول، “القرار 2231 لا يغطي المسيرات التي تنقلها إيران إلى روسيا، فالقرار يشمل المسيرات القادرة على توصيل 50 كيلوغراما على الأقل من الرؤوس بمدى 300 كيلومترا. لكن إيران قدمت لروسيا مسيرات لا تقع ضمن هذه الفئة”. مع ذلك فإن إيران تقف في الجانب الخطأ من التاريخ عبر تقديمها أسلحة لروسيا.

طهران تقيم علاقات قوية جدا مع الصين والهند، وتعاون وتبادل بالنفط والغاز والمنتجات مع روسيا، فقد تأقلمت إيران مع العقوبات وقد تداعت هذه العقوبات لوحدها مع العقوبات على روسيا والحاجة الدولية للنفط والغاز، بحسب الأستاذ خطار أبو دياب، ومن ناحية أخرى كما نرى في الاحتجاجات، أن هناك مشاكل داخل النظام تخص بنية هذا النظام، منها مسألة خلافة خامنئي والصعود الكبير للحرس الثوري وللمحافظين؛ مما يمنع أي تقارب جديد مع الغرب.

 يبقى اللافت في هذا الوقت تحدث روبرت مالي، المبعوث الأميركي الخاص إلى إيران، وهو من الأصدقاء لإيران، أن الخيار العسكري ليس مستبعدا، وهذا كلام جديد، ويبدو أن اليأس من إيران قد بدأ.

فيما يخص إعادة تفعيل سناب باك/آلية الزناد، يرى أبو دياب، أن “أي تحرك في هذا الأمر يتطلب مجلس الأمن الدولي، وبإمكان الفيتو الروسي أو الصيني أن يمنع ذلك. وبالرغم من أن إيران لم تحترم القرار 2231، المتعلق بمسألة السلاح إن كان تصديرا أو شراء، لكن هناك من يحمي إيران داخل مجلس الأمن والمجموعة الدولية” على حد تعبيره.

في حال إعادة تفعيل آلية الزناد، ستدخل ست قرارات سابقة صادرة عن مجلس الأمن ترتبط بإيران حيز التنفيذ: 1696 (2006)، و1737 (2006)، و1747 (2007)، و1803 (2008)، و1835 (2008)، و1929 (2010)، وتشمل منع الدول من تزويد أو بيع أو نقل معظم المعدات القتالية إلى إيران، وتحظَرَ على طهران تصدير أي أسلحة، وتلغي انتهاء الحظر الذي تم في 23 تشرين الأول/أكتوبر 2020، بحسب معهد “واشنطن”.

لكن رفع الحظر عن الأسلحة التقليدية في تشرين الأول/أكتوبر 2020، بموجب القرار 2231، ينتقص من مفاعيله حظر أوروبي ينتهي بنهاية عام 2023، بحسب موقع الخارجية الفرنسية.

المواقف الأوروبية الأخيرة بمثابة إشعار للنظام من التمادي في الارتماء في الحضنين الروسي والصيني، بحسب الصحفي نزار جاف، وما يعنيه ذلك تغيير المعادلة السياسية القائمة طوال القرن الماضي وحتى الأعوام الأخيرة.

الغرب برمته لا يمكن أن يقبل بالمواقف الإيرانية الأخيرة، وسيقوم بالعمل بكافة الطرق والأساليب الممكنة من أجل الحيلولة دون ذلك، وقطعا فإنه لن يتوقف عند حدود تفعيل “سناب باك” فقط، بل سيسعى لإجراءات أشد منها.

 لعل من الأفضل والأكثر تأثيرا على النظام الإيراني أن يتزامن فرض أي عقوبات جديدة مع دعم نضال الشعب الإيراني، والمنظمات الأكثر تنظيما في المعارضة الإيرانية، كـ “مجاهدي خلق”، والتي لعبت دورا بارزا في الانتفاضة الأخيرة وسابقتيها.

تم تصميم عملية إعادة فرض العقوبات “سناب باك”/آلية الزناد لتجنب ضرورة توافق الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن، من خلال تقديم شكوى رسمية من قبل دولة واحدة أو أكثر من الدول المشاركة في “خطة العمل الشاملة المشتركة” بشأن الانتهاكات المزعومة، وينقضي إعفاء إيران من عقوبات الأمم المتحدة في غضون 30 يوما، ما لم يصدر مجلس الأمن قرارا بمواصلتها، ويمكن لأي دولة عضو دائم استخدام حق النقض لوقف قرار الإعفاء، مما يجعل وقف إعادة العمل بالعقوبات، أمرا صعبا إلا على الأطراف التي قامت بإحيائها، حسب معهد “واشنطن”.

اقرأ أيضا: المشروع الإيراني الروسي في أوكرانيا.. ضعف موسكو في غزوها؟

مواقف الشاه الابن في اجتماعات “أوبك” في سبعينيات القرن الماضي، مع انفتاحه على الاتحاد السوفيتي ودول أوربية لديها مشروع ينتقص من الهيمنة الأميركية قوضت عرش الطاووس بأيدي أنجلوسكسونية، عبر عنها الجنرال ربيعي، قائد القوى الجوية الإيرانية حينها بالقول قبل إعدامه من قبل “محكمة الثورة”، ” ثم رموه كفأر ميت خارج إيران”. ما يقوم به النظام الحالي لا يختلف كثيرا عن أخطاء الشاه القاتلة، في الشراكة الاستراتيجية مع الصين والاصطفاف العسكري مع روسيا، ما يؤشر لمواقف أوروبية ملحقة بالموقف الأميركي لإسقاط العمائم عن إيران، تحت مظلة حقوق الإنسان والدعم الغربي لحراك الشارع الإيراني.   

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.

الأكثر قراءة