استمرار أزمة الكهرباء في سوريا، وضعت الأهالي في مواجهة تحديات كبيرة خلال السنوات الماضية، خاصة مع فشل حكومة دمشق الإيفاء بوعودها المتعلقة بتحسين ساعات التغذية الكهربائية، بعدما وصلت ساعات التقنين مؤخرا إلى 22 ساعة في بعض المناطق، فضلا عن الأعطال التي تغيّب التيار لأيام وأسابيع متتالية.

الحكومة السورية لا تملك حتى الآن أي رؤية لحل مشكلة الكهرباء، وذلك رغم مرور أكثر من ست سنوات على الاستقرار العسكري الذي عاشته المناطق الخاضعة لسيطرتها، واكتفت بإطلاق الوعود المتعلقة بحل أزمة الكهرباء وغيرها من مؤسسات البنية التحتية، إلا أن الوضع الاقتصادي استمر بالانحدار، وتراجعت الليرة السورية أمام العملات الأجنبية، الأمر الذي انعكس على القدرة الشرائية للمواطن، وانحدار الوضع المعيشي في البلاد.

الكثير من العائلات السورية عادت بالحياة عشرات السنين إلى الوراء، لتقضي معظم الأوقات على أضواء الشموع في المنازل، خاصة ممن لا يستطيعون دفع تكاليف البدائل، وأبرزها المولدات الكهربائية المنتشرة في أحياء المدن الكبيرة التي توزع الأمبيرات على المنازل والمحلات التجارية، وتتقاضى أجور عالية لا يمكن لمحدودي الدخل استجرارها.

بدائل بتكاليف عالية

منذ أن فقدت العائلات السورية الأمل في تحقيق الحكومة لوعودها المتعلقة بتحسين الشبكة الكهربائية، لجأت هذه العوائل للبدائل بحسب القدرة المالية لكل منها، فمنهم من اتجه إلى شراء مولدة صغيرة، أو الاشتراك في المولدات الكبيرة داخل الأحياء السكنية، ومنهم من بقي ينتظر حل الأزمة لعدم قدرته على دفع ثمن البدائل.

تفاقم أزمة الكهرباء وضع السوريين أمام تحديات عديدة في تأمين البدائل، حتى وصلت الأزمة إلى الضغط على جيوب السوريين وراحتهم في الليل.

هذا الوضع كان السبب في إنفاق الكثير من العائلات لجزء كبير من دخلهم الشهري لسد احتياجات منازلهم وأماكن عملهم من الكهرباء، إلا أن ذلك لا يعني بالضرورة أن تنعم هذه العوائل بالكهرباء طوال اليوم، فأوقات تشغيل هذه المولدات يبقى محدودا وتكلفتها عالية، خاصة في ظل عدم التدخل الحكومي بآلية عملها.

“ندفع 35 ألف ليرة أسبوعيا على الأمبير الواحد” أي ما يقارب 5 دولارات أميركية، تقول هنادي خشان وهي معلمة تعمل في إحدى مدارس مدينة حلب، وتؤكد أن كمية الكهرباء التي تحصل عليها لمنزلها في حي الأعظمية، لا تكفي إلا لتشغيل بعض الإنارة إلى جانب الثلاجة لمدة 12 ساعة يوميا فقط.

خشان تضيف في حديثها مع “الحل نت”، “فقدنا الأمل في الحصول على الكهرباء النظامية، لا تكاد تأتي 5 ساعات أسبوعيا في منطقتنا، وقد تأتي لمدة أطول في بعض المناطق، لكن لا أمل في الحصول على مدة كافية لإنجاز الأعمال المنزلية بالاعتماد عليها، لذلك نضطر إلى الاستعانة بالمولدات المحلية المنتشرة في الأحياء”.

شهادات الأهالي، تشير إلى أن الموظف الحكومي مضطر أحيانا لدفع كامل راتبه من الوظيفة، للحصول على البدائل الممكنة من الكهرباء، وهنا توضح خشان أنها تدفع كامل راتبها من أجل اشتراك المولدة الكهربائية، في حين تعيش عائلتها على دخل زوجها من عمله كسائق سيارة أجرة.

حكومة دمشق اكتفت بتقديم التبريرات والوعود بالتحسن المستقبلي خلال السنوات الماضية، وتقول إن معظم محطات توليد التيار الكهربائي في البلاد انتهى عمرها الفني، وسط غياب أي رؤية لتجديدها بما يضمن تغذية كهربائية يمكن أن توفر الحد الأدنى من احتياجات السوريين.

قد يهمك:  مواد جديدة على قائمة الدعم في رمضان.. هل تنجح “التموين” السورية في تقديمها؟

بعيدا عن تحدي ارتفاع تكلفة بدائل التيار الكهربائي، فإن أزمة الكهرباء خلقت أزمة جديدة تتعلق بأرق النائمين في المدن السكنية نتيجة استخدام المولدات الكهربائية في بعض الأحياء خلال أوقات الليل، وسط غياب الرقابة الحكومية للفصل بين المشتكين وأصحاب المولدات.

عشرات الشكاوى نقلتها وسائل إعلام محلية، من سكان مناطق متفرقة في دمشق، تتعلق بإزعاج المولدات الكهربائية التي يضعها بعض أصحاب المنازل والمحلات، كذلك فإن بعض المنشآت التي تعمل ليلا كالمخابز، تستخدم المولدات الكهربائية، الأمر الذي يؤرق نوم العائلات، ويؤثر على طلاب المدارس والجامعات.

في وقت تتجاهل الجهات الرقابية لهذه الشكاوى، يقول أصحاب بعض المنشآت التي تعمل في الليل، إنهم مضطرون لاستخدام المولدات الكهربائية، بسبب غياب التيار الكهربائي القادم من شركة الكهرباء، حيث إن الطريق الوحيد لتشغيل منشآتهم هو الاعتماد على المولدات الكبيرة.

تعليقا على هذه المشكلة، نقل موقع “أثر برس” عن مصدر في محافظة دمشق قوله، إن “المولدات المتموضعة على الأملاك العامة بحاجة إلى الترخيص، حيث توجد لجنة مشكّلة من قبل مديريات عدة مهمتها دراسة الطلبات المقدّمة من أصحاب الفعاليات والوقوف على الحالة الفنية ومستوى الضجيج والانبعاثات الغازية للمولدة، ومن حيث مكان تموضعها”، مبينا أنه يجب أن تكون المولدة كتيمة ومجهزة بكبين عازل، وهي ترخّص على الأملاك العامة فقط للفعاليات التجارية والسياحية والاقتصادية ولا ترخّص للمنازل والسكن.

شكاوى من إزعاج المولدات

أحمد الآغا، طالب جامعي أكد أنه يضطر للاستيقاظ يوميا الساعة الخامسة فجرا بسبب أصوات المولدات المنتشرة في حي ركن الدين الدمشقي، مشيرا إلى أن أهالي الحي تقدموا بشكاوى عديدة للجهات المعنية، لكن المولدات استمرت بالعمل خلال ساعات الليل، في أيام الدوام الرسمي.

الآغا قال في حديثه لـ”الحل نت”، “قبل أسابيع كانت فترة امتحانات في الجامعة، وقد تسببت أصوات المولدات بعدم قدرتي على النوم بشكل جيد، هناك مخبز في الحي يقوم بتشغيل المولدة في ساعات الفجر، كذلك يوجد العديد من أصحاب البيوت يقومون بتشغيل مولدات صغيرة خلال منتصف الليل بسبب غياب الكهرباء”.

أما من لا يقوى عن دفع البدائل، فيتجه إلى آلة الزمن للعودة إلى الوراء، عبر الشموع التي تُعدّ حاليا أرخص الحلول رغم ارتفاع أسعارها مؤخرا بسبب ارتفاع الطلب عليها من قبل العائلات ذات الدخل المحدود، كذلك فإن البطاريات المخزنة للطاقة تُعد من أحد الحلول التي تتجه إليها العائلات السورية، من أجل الاستخدامات البسيطة كالإنارة وشحن الهواتف المحمولة.

في محاولة للهروب بالمسؤولية نحو الأمام، بدأت حكومة دمشق بالحديث عن حلول لأزمة الكهرباء عبر الاستثمار بالطاقة البديلة، ذلك ما أشار إليه وزير الكهرباء السوري حسان الزامل في مرات عدة، إلا أن جميع المؤشرات الاقتصادية لا يمكن أن تدعم ما يتحدث عنه مسؤولو الحكومة.

فضلا عن عدم قدرة حكومة دمشق على حل أزمة الكهرباء، فإن هذه الأزمة تحولت مؤخرا إلى شبح يلتهم النسبة الأكبر من دخل السوريين، فضلا عن تلوث الهواء والضجيج في الأحياء السكنية نتيجة الاستخدام العشوائي للمولدات الكهربائية، في وقت لا يبدو أن الحكومة تملك أي رؤية تساعد السوريين في مواجهة هذه الأزمات.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.