“الطريق لإحياء الصداقة بين البلدين قد فتح للتو”، بهذه العبارة استهلت وزيرة الاستخبارات الإسرائيلية، جيل جملئيل، لقائها بالأمير رضا بهلوي في إسرائيل، في زيارة وصفتها بأنها خطوة شجاعة وتاريخية.

مغردة على حسابها في “تويتر”، “يمكن لدولتي إسرائيل وإيران العمل معا من أجل الانفتاح على طريق الترقية”. معتبرة أن الاجتماع الذي استضافته كان “مجرد بداية لتقريب القلوب وبناء الجسور بين شعبين”.

قام رضا بهلوي بزيارة غير مسبوقة لإسرائيل، بناء على دعوة من وزيرة الاستخبارات الإسرائيلية، في 16 نيسان/أبريل واستمرت خمسة أيام، شارك خلالها في الاحتفال السنوي لإحياء ذكرى المحرقة “الهولوكوست”، والتقى خلالها كبار المسؤولين الإسرائيليين، ليصبح أكبر شخصية إيرانية تقوم بزيارة لتل أبيب.

يتولى الأمير رضا بهلوي، البالغ من العمر 62 عاما ولاية عهد آخر شاه لإيران منذ السادسة من عمره. ويعيش في الولايات المتحدة الأمريكية منذ 43 عاما، حيث كان يتلقى التعليم والتدريب على الطيران بالمقاتلات حين أسقطت ثورة 1979 التي اختطفها الملالي والده.

ووسط أفراد أسرته والمقربين من النظام الملكي، أدى بعد وفاة والده في القاهرة عام 1980 اليمين للنضال ضد “الجمهورية الإسلامية” التي يتزعمها نظام الملالي. تزايد حضوره السياسي بعد الانتفاضة الأخيرة في إيران التي اندلعت عقب وفاة الشابة مهسا أميني، حيث تم دعوته لحضور “مؤتمر ميونيخ للأمن” بدلا عن المسؤولين الإيرانيين. فيما تشكل ضعف الشخصية، وعدم إجماع المعارضات الإيرانية، الليبرالية والعلمانية والقومية الفارسية وغير الفارسية، على عودة النظام الملكي وعلى شخصه، المآخذ الأساسية على الأمير. 

استبق بهلوي زيارته إلى إسرائيل بتغريدة على حسابه في “تويتر”، “أنا أسافر إلى إسرائيل لإيصال رسالة صداقة من الشعب الإيراني، وتقديم الاحترام لضحايا الهولوكوست في يوم المحرقة”. مضيفا، “أريد أن يعرف شعب إسرائيل أن الجمهورية الإسلامية لا تمثل الشعب الإيراني، يمكن إحياء الرابطة القديمة بين شعبينا لصالح كلا الشعبين. سأذهب إلى إسرائيل لألعب دوري في البناء نحو ذلك المستقبل الأكثر إشراقاً”. 

بعد وصوله، غرد بالقول، إن العلاقات الودية بين إيران وإسرائيل متجذرة في أكثر من 2500 عام من التاريخ المشترك وتستند إلى القيم المشتركة، بما في ذلك سيادة القانون وحقوق الإنسان وحرية الدين.

وفي كلمة ألقاها في جامعة “حيفا”، دعا الأمير بهلوي الشعب الإسرائيلي وجميع شعوب العالم لإظهار التضامن مع الشعب الإيراني حتى يتمكن من الحصول على أكبر قدر من الدعم للأمة الإيرانية وتوفير الأدوات والموارد لمواجهة النظام الشرير، على حد تعبيره.

في المقابل، وصفت وزارة الخارجية الإيرانية زيارة الأمير بهلوي لإسرائيل أنها “غير مهمة”. في الوقت الذي كثفت فيه وسائل الإعلام الإيرانية هجماتها على الأمير واصفة زيارته إلى إسرائيل بأنها “نهاية المعارضة”.

ردة الفعل الإيرانية على الزيارة 

مصادر في الحكومة الإسرائيلية اعتبرت في بيان لها أن الغرض من الزيارة إقامة “جسر بين إسرائيل والشعب الإيراني والتعبير عن المعارضة المشتركة لنظام آيات الله”، حسب ما أفادت به “سي إن إن”، فيما رفض المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية، ناصر كنعاني، مناقشة الأمر، عندما تلقى سؤالا عن زيارة رضا بهلوي لإسرائيل، قائلا، “لا الشخص المذكور، ولا الغرض من هذه الزيارة ولا المكان الذي يريد أن يسافر إليه يستحقون النقاش”. 

الصحافية الإسرائيلية من أصول إيرانية، مُجكان نوي، ذكّرت رضا بهلوي بأن مؤسسة السافاك (جهاز الاستخبارات الإيرانية زمن الشاه) قد تم إنشائه بمساندة إسرائيلية لقمع الإيرانيين. مضيفة “اللافت للنظر أنه حل ضيفا على وزيرة الأمن وليس وزير الخارجية”، منتقدة منطق “عدو عدوّي صديقي”. كما كتب الباحث الإيراني محمد علي جنت خواه، “خلق رضا بهلوي استقطابا ثنائيا في رحلته إلى إسرائيل، وهذا يولد مجموعة متنوعة من الأفكار السياسية الجديدة”.

المتخصص في الشؤون الإيرانية، يوسف السرخي، نوه لتزامن الزيارة مع يوم القدس المعلن من قبل الخميني “لمناصرة” القضية الفلسطينية في إيران، والمحدد بالجمعة الأخيرة من كل رمضان. حيث جاءت زيارة بهلوي بمثابة مواجهة لخطاب مناصرة النظام “للعرب” على حد قولهم، والتقارب من الكيان الوحيد الذي تربط الخطاب القومي الفارسي به علاقات وتصورات جيدة عن كورش وتحرير اليهود من بابل، ناهيك عن تأثير الجالية اليهودية الفارسية في إسرائيل والأخرى في إيران. 

كذلك أضاف السرخي في حديثه لـ”الحل نت”، جاءت الزيارة من أجل لفت الأنظار إعلاميا، أكثر من كونها زيارة ذات أبعاد سياسية، وذلك لترسيخ صورة رضا بهلوي كقائد للثورة أمام منافسيه، في ظل تراجع دول عربية عن دعم المعارضة، وعلى رأسها الإمارات والسعودية.

ورغم التأثير الإعلامي، إلا أن الزيارة قد تؤدي لنتائج عكسية، منها رفع احتمالية قمع المتظاهرين في إيران، بذريعة الدعم الإسرائيلي، وهذا ما تم انتقاد بهلوي عليه كثيرا من قبل المعارضة وغيرها من الإيرانيين.

الأمير بهلوي، اعتبر النظام الإيراني “لا يمثل الشعب الإيراني” وبما أن طهران لا تعترف بالهولوكوست، فقد شعر أن من واجبه إظهار دعمه لإسرائيل نيابة عن أمته؛ حسب موقع “I24news”. وهو ما قابلته وزيرة الإستخبارات الإسرائيلية بالقول، “إننا نقدر تعبير ولي عهد عن تضامنه مع مواطني إسرائيل في مواجهة الهجمات الإرهابية الشديدة التي ترتكبها إيران، وكذلك زيارته إلى ياد فاشيم بمناسبة يوم المحرقة من أجل التعاطف مع الشعب اليهودي، على النقيض من حكام إيران الذين ينكرون المحرقة ويشجعون معاداة السامية”.

السبب الرئيسي للزيارة، هو فتح باب قلوب الإدارة الأميركية عبر البوابة الإسرائيلية، حسب الباحث بالشأن الإيراني سعيد ريزوندي، مع إزالة الإشكالية المتمحورة حول غياب جهة تتولى الساحة الإيرانية بعد زوال النظام الملالي.

بهلوي يغمز من بوابة إمكانية الاعتماد عليه كجهة تسيطر على الأوضاع خلال تلك المرحلة، مع سبب داخلي يتمثل بالتقرب لليمين المتشدد، بعد خروجه من تحالف الشخصيات المعارضة مؤخرا في جامعة “جورج تاون”، نتيجة رفض هذا التحالف من قبل المتطرفين الملكيين، مع رغبته بالاستفراد بالقرار السياسي للمعارضة الإيرانية.

ريزوندي أشار في حديثه “للحل نت”، إلى أنه غالبا ما ستأتي الزيارة بنتائج سلبية، وسيكون أولها وفق تقديره، اتهام النظام الإيراني لكل من يعارضه، لاسيما الملكيين بالعمالة لإسرائيل، وهو ما قد يجر مزيدا من التضييق والقمع والعقوبات الأشد عليهم.

كما أن حساسية القضية الفلسطينية لدى شريحة واسعة من المعارضين الإيرانيين، وقسم من المجتمع الإيراني، خاصة في ظل حكم اليمين المتشدد بزعامة نتنياهو وشركائه المتطرفين، الذين لديهم مواقف صلبة ومتشددة تجاه القضية الفلسطينية، سبب آخر لتوقع نتائج سلبية للزيارة.

حلم العودة إلى السلطة

 الصحفي والمحلل الأمني الإسرائيلي، عوزي ميلمان، كتب في صحيفة “هآرتس”، بأن “قرار وزيرة الاستخبارات بدعوة رضا بهلوي؛ لم يكن عملا دبلوماسيا، بل كان دعاية سياسية. فحتى اليوم يعتقد أنه سيعود إلى السلطة يوما ما، لكنه حلم. كثير من الإيرانيين لا يعتبرونه الشخص المناسب لقيادتهم”. مشددا على أن “دعوته إلى إسرائيل لن تساعد جهود تل أبيب العلنية والسرية لخلق صدع بين الشعب والحكومة التي تتخذ من إيران مقرا لها”.

الهدف من الزيارة يدخل في إطار الصراع على السلطة في الساحة الإيرانية، وفقا للسرخي. حيث اجتمعت ست شخصيات معارضة، من بينهم رضا بهلوي في جامعة “جورج تاون”، شكلوا خلال الاجتماع “شورا آلاتمان-شورى التعاون”، إلا أن بهلوي لا يعتبر نفسه بمستوى الموجودين معه في هذا المكون. لذا يحاول أن يكرس نفسه الرئيس أو المتقدم في هذه الجماعة، التي لا تمنحه الشرعية لهذا الشيء.

نتيجة لذلك يحاول بهلوي العمل بشكل فردي حتى يكتسب المشروعية لقيادة المعارضة، ومن هنا يأتي سفره إلى إسرائيل بهذا الهدف، مع ما تؤديه الزيارة من رسالة وجود حليف استراتيحي له في المنطقة، بعد تراجع السعودية والإمارات عن دعم المعارضة الإيرانية.

بالمجمل الزيارة هي حركة إعلامية، فبهلوي يعتبر نفسه ممثل المعارضة بشخصه دون وجود حزب أو مؤسسة سياسية يقودها. وأنه قمة هرم المعارضة الفارسية، ولا يريد اختيار أو تأسيس حزب. وفي ظل انتفاء وجود حزب أو جماعة عمل سياسي ينتمي إليها بهلوي، فزيارته لإسرائيل لا تتعدى المجال الفردي والإعلامي، حسب حديث السرخي لـ”الحل نت”.

“رضا بهلوي، تنحى جانبا”، أبرز ما أشار به المحلل السياسي الإيراني، شهريار براتي نيا حديثه لـ”الحل نت”، معتبرا أن رضا بهلوي بصفته مدونا، يقوم بخطوات مفاجئة للحصول على مزيد من المشاهدات. مشيرا إلى أن ولي العهد “الهارب”، لم يلتق سابقا مع أي رجل دولة رسمي، وكان لقائه مع الرئيس الإسرائيلي ورئيس الوزراء ووزير الإعلام في هذه الحكومة، أكثر الحكومات إثارة للجدل في العالم، هو لقاءه الرسمي الأول.

وأضاف “الأمر نابع، بتقديري، من رؤية الفصيل الملكي لنفسه في موقف مهزوم، وعزلته عن فصائل المعارضة الأخرى. لذا، قام رأس الملكيين بمهمة مذهلة، ولا يمكن تصورها، للبقاء كشخصية سياسية بارزة، يرمي من خلالها لإثبات تفوقه على منافسيه الآخرين في المعارضة. مع إظهاره وكأنه أبرم اتفاقا مع أهم عدو للجمهورية الإسلامية”.

من الأولى للأمير رضا بهلوي التوجه إلى المعارضات الإيرانية لتوحيدها، قبل التوجه لإسرائيل ولدول أوربية، وذلك في ظل تشرذم المعارضة الإيرانية وتناحرها، وإصرار الأمير على تقديمه كولي عهد آخر شاه لإيران، رغم إدراكه لكراهية الملكية لدى غالبية الشعب الإيراني. مما يعيق الجهود العقلانية لمجابهة النظام الإيراني، الذي يستمد طول أمده من تشرذم معارضيه. 

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات

الأكثر قراءة