وسط أعمال العنف التي شهدها ريف محافظة دير الزور الشرقي في سوريا، وتأجيج العديد من الأطراف الداخلية والخارجية من حدّة الصراع من خلال بثّ عنصر التحريض العشائري هنا وهناك ضد “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) لشمال وشرق سوريا، اتهم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان “قسد” بأنها قوة دخيلة تعمل على زعزعة الأمن، رغم أن “قسد” وبالتعاون مع التحالف الدولي بقيادة واشنطن، لا تقوم إلا بواجبها من أجل الحفاظ على أمن واستقرار المنطقة، وذلك من خلال الحملة الأمنية التي أطلقتها مؤخرا ضد تجّار المخدرات والفاسدين وخلايا تنظيم “داعش” الإرهابي في تلك المنطقة.

هذا وأعلنت “قسد”، التي تضم مقاتلين محليين من الأكراد والعرب والسريان والآشوريين، اليوم الأربعاء، انتهاء العمليات العسكرية في منطقة الذيبان بدير الزور، آخر بلدة تمركز فيها مقاتلون عرب محليون، بعد أسبوع من الاشتباكات التي قُتل فيها العشرات.

ماذا وراء حديث أردوغان؟

حديث أردوغان عن أحداث دير الزور جاء على متن طائرته أمام الصحفيين الذين رافقوه لدى عودته من محادثات مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين، والذي زعم فيه أن “قوات سوريا الديمقراطية لا تعطي شعوب المنطقة حقها للعيش، مطالبين بإنهاء الدعم الدولي عنهم”.

كما تطرق إلى العديد من الجُمل، التي تحتوي على قدر كبير من عنصر التحريض والفتنة بين العشائر العربية و”قسد”، متهما الأخيرة بزعزعة وحدة الأراضي السورية، على الرغم من وجود قوات الجيش التركي وتمركزها في العديد من مدن وبلدان الشمال السوري كمناطق إدلب وريف حلب، وكذلك مدينة سري كانيه/رأس العين، وكري سبي/تل أبيض بريف الحسكة، والإصرار على عدم الانسحاب من الأراضي السورية، رغم مطالبات الحكومة السورية المتكررة بخروجها.

يوم السبت الفائت، اعتبرت “وزارة الخارجية التركية” ما يجري هي معركة بين “قسد” والعشائر العربية في دير الزور، متهمة “قسد” بأنها مظهر جديد لـ”التنظيم الانفصالي” بالسيطرة على شعوب المنطقة. وكذلك مواقف “الائتلاف السوري” المعارض والمدعوم من أنقرة، كان التأليب فيها واضحا من خلال تحريض العشائر ضد “قسد” عبر التعبير عن حرصه على عشائر المنطقة، إضافة إلى التجييش الإعلامي لها.

هذا ما يوضح أن هناك مصالح لتركيا دفعتها لشنّ خطابات كراهية وتأجيج عنصر التحريض ضد “قسد”، إذ يبدو أنها تسعى عبر اتّباع عدة وسائل إلى تفجير الخلافات القومية أو تحريك القوات المدعومة من أنقرة في المنطقة للانخراط في الاشتباكات. وقد قامت عناصر من فصائل “الجيش الوطني السوري”، المدعوم من أنقرة، والمتّهمين بـ”جرائم حرب”، وفق التقارير الأممية، بتنفيذ هجمات اليوم الأربعاء ضد مناطق “الإدارة الذاتية”.

هجمات متفرقة

الفصائل المدعومة من أنقرة نفّذت عملية تسلل على محور قرية البوغاز غربي مدينة منبج شرقي حلب، ما أدى إلى اندلاع اشتباكات عنيفة بين الفصائل من جهة، وقوات “مجلس منبج العسكري” من جهة أخرى، استخدمت تلك الفصائل خلال الاشتباكات الأسلحة الثقيلة، وتمكنت الأخيرة من صد الهجوم بعد تلك المواجهات العنيفة.

كما واستهدفت قوات “مجلس منبج العسكري” سيارتين للفصائل المهاجمة مما أدى لتفجيرها وسط معلومات عن سقوط عدد من القتلى والجرحى، وفق “المرصد السوري لحقوق الإنسان“.

تزامنا مع ذلك، أسقطت قوات “مجلس منبج العسكري” ، قبل قليل من اليوم، الأربعاء، طائرة انتحارية تركية نوع “درون” في قرية عرب حسن بريف منبج شرقي حلب.

تشهد محاور عدة في ريفي منبج الشرقي والغربي، تصعيدا لافتا في الآونة الأخيرة من قِبل القوات التركية والفصائل السورية الموالية لها.

كما وتعرّضت قرية عرب حسن الواقعة في الريف الشمالي لمدينة منبج، لقصفٍ مدفعي تركي، أسفر عن أضرار مادية كبيرة بممتلكات المدنيين، طبقا لـ “المرصد السوري”.

آخر تطورات أحداث دير الزور

بعد عدة أيام من الاشتباكات الدامية بين “قسد” ومقاتلين محليين من مناطق بريف المحافظة، استعادت “قسد”، اليوم الأربعاء، كامل بلدة الذيبان شرق دير الزور السورية. ونشر فرهاد الشامي، مدير المركز الإعلامي لـ”قسد”، على حسابه في منصة “فيسبوك”، أن “قوات سوريا الديمقراطية بسطت سيطرتها على البلدة بأكملها”.

تقول “قسد”، إن مسلحين يتبعون لـ”الدفاع الوطني السوري” الموالي للحكومة السورية دخلوا إلى مناطق سيطرتها في شرق الفرات، وشاركوا في قتالها، حيث أعلنت في بيانات لها العثور على أسلحة إيرانية ببلدات بريف دير الزور الشرقي.

من عمليات أمنية سابقة لـ«قسد» تلاحق خلايا في صفوف “داعش”- (الشرق الأوسط)

كما وأشار شامي إلى أن “قسد” ألقت القبض على 4 مسلحين يتبعون لـ”الدفاع الوطني” ببلدة ذيبان. وفي الأسبوع الماضي اندلعت اشتباكات بعدد من القرى في ريف محافظة دير الزور الشرقي بعد قيام “قسد”، بعزل واعتقال قائد “مجلس دير الزور العسكري” أحمد الخبيل الملقب بـ”أبو خولة” وعددا من الأعضاء الآخرين من المجلس.

إثر ذلك، قام مقاتلون محليون موالون للقيادي الذي اعتُقل قبل أسبوع، إلى شنّ هجمات ضد “قسد”، سرعان ما تطورت إلى اشتباكات أسفرت عن سقوط عدد من الضحايا، إضافة إلى سيطرتهم على نحو 4 قرى في ريف دير الزور، بحسب “المرصد السوري لحقوق الإنسان”.

أسفرت المواجهات خلال أسبوع عن مقتل تسعين شخصا غالبيتهم من المقاتلين المحليين، وفق “المرصد السوري”. وشددت “قسد” التي خاضت مع مقاتلين عرب في صفوفها، معركة طويلة ودامية ضد تنظيم “داعش” الإرهابي، على أن لا خلاف مع العشائر العربية.

بل أكّدت الأخيرة أن مقاتلين مستفيدين من القيادي الموقوف أحمد الخبيل، ومسلحين مرتزقة مرتبطين بالحكومة السورية والميليشيات الإيرانية، حاولوا خلق فتنة بينها وبين العشائر العربية.

محافظة دير الزور ذات غالبية عظمى عربية وتنتشر فيها عشرات العشائر العربية. وتسيطر “قسد” على الضفة الشرقية لنهر الفرات الذي يُقسم المحافظة، فيما تتمركز قوات حكومة دمشق ومقاتلون موالون لها وميليشيات موالية لإيران على الضفة الغربية.

كما وتتواجد قوات التحالف الدولي، وأبرزها القوات الأميركية، في المنطقة، بينما تسيطر قوات حكومة دمشق على الضفة الغربية للفرات التي تُعد أبرز مناطق نفوذ إيران والمجموعات الموالية لها من جنسيات متعددة، عراقية وأفغانية وباكستانية، في سوريا. وتنشط في المحافظة خلايا تنظيم “داعش” التي تنفّذ بين الحين والآخر هجمات تستهدف “قسد” وأحيانا قوات حكومة دمشق.

رأى الباحث في الشأن السوري في مركز “سنتشوري إنترناشونال” آرون لوند، أن هناك الكثير من الضجيج والمبالغة والبروباغندا، حول ما يحصل. وأضاف لـ”وكالة الصحافة الفرنسية”، “حتى الآن، لا أرى أي تغيير حقيقي، يبدو أن الكثير من التوتر يرتبط بقضايا محلية جدا وغامضة”.

لكنه حذّر من أنه في حال توسُّع القتال وتضرّرت العلاقات العربية – الكُردية في هذه المنطقة الحساسة، ستكون هناك أطرافٌ لديها مصلحة في تغذية الفوضى، كأنقرة التي تصنّف المقاتلين الأكراد تنظيما “إرهابيا”، ودمشق التي ترفض “الإدارة الذاتية” وتأخذ على الأكراد تحالفهم مع واشنطن، ولا ننسى تنظيم “داعش” الإرهابي. ويضيف، أن جميع هؤلاء لديهم مصالح في ضرب النظام الحالي، ولكلٍّ أسبابه، ويبحثون عن طرق لجذب الدعم العربي المحلي.

يتفق مع الرأي نفسه، الدكتور زارا صالح، الباحث السياسي في دراسات السلام وحلّ النزاعات الدولية في جامعة “كوفنتري” في بريطانيا، الذي قال لموقع “الحل نت” في وقت سابق إن ما يحدث في دير الزور ليس صراعا أو اقتتالا بين الأكراد والعرب، كما روّجت لها بعض الأطراف، بل هي عملية عسكرية تقوم بها “قسد” ضد الخارجين أو المنشقّين من جماعة أبو خولة بعد اعتقاله بسبب تهريب المخدرات وانتهاكات بحق الأهالي، ذلك لأن الأغلبية المطلقة لـ”قسد” في تلك المناطق من المكوّن العربي.

صالح، أردف أن حقيقة ما حدث هناك ويحدث الآن أعدّه التحالف الروسي الإيراني والحكومة السورية وبمباركة تركية ضد أميركا وقوات “قسد”، وهي إحدى النتائج للصراع الروسي الأميركي وتداعيات الاحتلال الروسي وحربه على أوكرانيا، ولعل التحركات الإيرانية الأخيرة عبر أسلحتها وتنفيذ هجمات ضد القواعد الأميركية كانت البداية.

ثم جرى تحريك جماعة أبو خولة وبعض شخصيات عشائرية تابعة لها مثل نواف البشير أحد شيوخ عشيرة “البكارة” للعمل على التحريض ضد الكُرد وتصوير القضية وكأنها صراع كُردي عربي، لكنه فشل في ذلك.

بكل تأكيد إيران وحكومة دمشق يقفون بقوة خلف هذه الأحداث وبتوجيه روسي في صراعه مع الجانب الأميركي، وهي في السابق إحدى مخرجات “أستانا” بين الروس والإيرانيين والأتراك وتحالفهم ضد الوجود الكُردي وكذلك الوجود الأميركي والداعم لـ”قسد” في شمال وشرق سوريا، وفق ما يحلله زارا صالح.

الباحث السياسي زارا صالح لموقع “الحل نت”

محاولات الحكومة السورية وحلفائها وبعض الأطراف الإقليمية مثل تركيا تفشل مرة أخرى في اختراق المجتمع الكُردي في شمال وشرق سوريا عبر سياسات تقليدية تُثير صراع الهوية بين العرب والكُرد من خلال تحريض بعض العشائر هنا وهناك، إذ لا يمكنهم إلا التأكد من وجود تحالف عربي كُردي سرياني آشوري يضم كافة المكونات دون ممارسة الفصل العنصري وجعل طرف بالمرصاد للآخر، فالدعشنة أو بعث الصراع القومي لن ينجح في ظل العدالة السياسية والاجتماعية.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
أقدم
الأحدث الأكثر تقييم
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات