مع استمرار انحسار قيمة العملة المحلية في سوريا، تشهد المؤسسات الحكومية في البلاد ارتفاعا في معدلات الاستقالة من قِبل موظفينَ في مختلف القطاعات، حيث يتجه الموظفون إلى قرار الاستقالة بهدف العمل في القطاع الخاص أو الهجرة للعمل خارج البلاد، الأمر الذي يستنزف الموارد البشرية مما يزيد معاناة الاقتصاد السوري.

الحكومة السورية بدورها فشلت في الحفاظ على كوادر مؤسساتها، فرغم القرارات العديدة التي اتخذتها فيما يتعلق بزيادة الأجور والرواتب خلال السنوات الماضية، إلا أن معدلات التضخم كانت ترتفع بنسب أعلى من هذه الزيادات، إذ تُقدر قيمة متوسط الراتب الحكومي في سوريا بنحو 21 دولا أميركي فقط.

فاليد العاملة والخبرات في مختلف المجالات، تُعتبر أساسا يقوم عليه أي اقتصاد لأي دولة حول العالم، إذا تساهم اليد العاملة والخبرات في مختلف المجالات في زيادة الناتج المحلي الإجمالي وزيادة نسبة النمو، أما في سوريا فإن نخبة اليد العاملة غالبا ما تتّجه لخيار الهجرة مع توفّر أول فرصة لها خارج سوريا.

هجرة متزايدة

بحسب التقارير المحلية الواردة بشكل شبه يومي خلال السنوات الماضية، فإن جميع قطاعات الاقتصاد السوري تشهد هجرة متزايدة في عمالتها وكوادرها، وهو ما ينعكس بالتأكيد على جودة إنتاج السلع والخدمات المختلفة في البلاد، هذا تزامنا مع ارتفاع تكاليف الإنتاج وغياب الرؤية الاقتصادية بالنسبة للحكومة.

ارتفاع معدلات الاستقالة من المؤسسات الحكومية، تسبب بحدوث نقصٍ كبير في كوادر العمل في مختلف المؤسسات، حيث أكدت وزارة التربية مثلا في وقت سابق، أنها تعاني من نقصٍ كبير في الكوادر التدريسية في مختلف المحافظات السورية، في وقت تتجه فيه الوزارة إلى التضييق على طلبات الاستقالة.

“الخطر هو أن النّخبة هي أول فئة تهاجر” يقول الباحث الاقتصادي السوري ياسين نجاري، مؤكدا أن ارتفاع معدلات الهجرة أثّر بشكل واسع على كم وجودة الإنتاج في سوريا وفي مختلف القطاعات، الأمر الذي يفسر جزء من السوء الاقتصادي الذي تعاني منه البلاد.

نجاري أضاف في اتصال هاتفي مع “الحل نت”، “سوريا خسرت نخبة الموارد البشرية بسبب فشل الحكومة في الحفاظ عليها، في القطاع الطبي أشهر الأطباء هاجروا بحثا عن فُرص وبيئة عمل أفضل، في قطاع التعليم كذلك الأمر، فأبرز المدرسين في الجامعات هاجروا للعمل في الخليج والدول الأخرى، وذلك الأمر بالنسبة لليد العاملة في مختلف المجالات”.

قد يهمك: تصدير المواد الغذائية في سوريا.. الدولار أهم من إشباع المواطن؟

يمكن القول بحسب حديث المختصين، إن هجرة نخبة العمالة ساهمت بشكل كبير في تدمير الاقتصاد السوري وتراجع الناتج المحلي الإجمالي في البلاد، كذلك فقد دمرت هذه الظاهرة بعض القطاعات بشكل شبه كامل، لا سيما القطاع الطبي وقطاع التعليم.

خسارة الموارد البشرية من الاستقالة

ارتفاع معدلات الاستقالة من العمل في سوريا، دفع الحكومة السورية إلى وضع بعض الضوابط لطلبات الاستقالة من ضمنها “بلوغ خدمات الموظف 30 سنة، إضافة لشروط أخرى”، كذلك أعلنت بعض المديريات،  أن قبول طلب الاستقالة “يكون تبعا لإمكانية الاستغناء عن خدمات العامل، في وقت يكون قبول الاستقالة أكثر احتمالية في حال كان يتعلق لأسباب صحية تمنع العامل أو الموظف من استكمال المهام الموكّلة إليه”.

الحكومة السورية تلجأ إلى فرض هذه الشروط، في محاولة منها السيطرة على تفاقم ظاهرة الاستقالة من المؤسسات الحكومية، التي ارتفعت وتيرتها خلال السنوات القليلة الماضية، مع تدني قيمة الأجور والرواتب في سوريا، حيث يبلغ متوسط الراتب الحكومي نحو 150 ألف ليرة سورية، وهي لا تغطي تكاليف المواصلات بالنسبة لبعض الموظفين.

كذلك لجأت الحكومة مؤخرا إلى التهديد، بتطبيق أحكام المادة 364 من قانون العقوبات المعدل بمقتضى المرسوم التشريعي ذي الرقم /46/ لعام 1974، بالحبس من ثلاث سنوات إلى خمس سنوات، وبغرامة لا تقل عن الراتب الشهري مع التعويضات لمدة سنة كاملة، كل من ترك عمله أو انقطع عنه من العاملين في الوزارات أو الإدارات أو المؤسسات أو الهيئات العامة أو البلديات أو أي من جهات القطاع العام أو المشترك.

لجوء إدارة المؤسسات إلى عدم قبول طلبات الاستقالة، دفع الموظفين إلى ترك عملهم، حتى ولو لم يحصلوا على موافقة رسمية بقبول الاستقالة، فقد أفادت صحيفة “تشرين” المحلية، بأن الأشهر القليلة الماضية شهدت ازديادا كبيرا في أعداد الموظفين الراغبين في الاستقالة، تزامنا مع تفاقم الأزمة الاقتصادية والمعيشية التي أثّرت في الجميع، نتيجة ارتفاع الأسعار والتضخم غير المسبوق.

تقرير صادر عن “اتحاد العمال السوريين”، أفاد بارتفاع أعداد المستقيلينَ ومقدّمي طلبات الاستقالة من القطاع العام خلال النصف الأول من العام الجاري، مسجّلا استقالة 400 موظف في محافظة السويداء، و300 آخرين في محافظة القنيطرة أغلبهم من قطاع التربية.

إذا ما تحدثنا عن إيجابيات هجرة العمالة السورية إلى الخارج، فهناك إيجابية واحدة برزت خلال السنوات الماضية وهي الحوالات الخارجية إلى سوريا من قِبل المغتربين، حيث أسهمت هذه الظاهرة في إيجاد منفذ مساعد في تحسين ولو بشكل جزئي في ظروف معيشة السكان في سوريا عبر الحوالات المالية القادمة من الخارج.

تقارير مختصة أكدت في وقت سابق أن عددا كبيرا من السوريين في مختلف المحافظات السورية، يعتمدون على الحوالات المالية التي تصلهم من الخارج بشكل أساسي، خاصة بعد تدهور القيمة الشرائية لليرة السورية وارتفاع الأسعار بشكل كبير.

ومنذ عام 2020، يعيش نحو 90 بالمئة من السوريين تحت خط الفقر، بحسب ما ذكرته ممثلة منظمة الصحة العالمية في سوريا، أكجمال ماجتيموفا، في وقت سابق، بالإضافة إلى تقارير منظمات أممية ودولية تحذر باستمرار من فداحة الوضع الإنساني في سوريا، وعمق احتياجات المقيمين في مختلف مناطق السيطرة للمساعدات الإنسانية.

جزء كبير من السوريين يعتمد على مساعدات أقربائهم أو أصدقائهم في الخارج، حيث يتم تحويل مبالغ شهرية أو شبه شهرية صغيرة تتراوح بين 100 و150 دولارا وسطيا، ويقدّر عدد المستفيدين من هذه الحوالات بأكثر من 5 ملايين شخص، يتوزعون على مختلف مناطق البلاد.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
أقدم
الأحدث الأكثر تقييم
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات