دخلت حرب غزة شهرها الثاني، حرب دامية بين “حماس” وإسرائيل حصدت آلاف الأرواح، وعلى الرغم من قوة المعركة وخسارة “حماس” البشرية والعسكرية حتى اللحظة أمام الجيش الإسرائيلي، لم نجد تدخّلا عسكريا مباشر لـ “حزب الله” اللبناني كما شاهدناه في حربي سوريا واليمن.

تقول الإحصاءات الرسمية، إن قتلى الحزب جرّاء القصف المتبادل مع إسرائيل عبر الحدود وصل إلى 63 شخصا، فيما تم توثيق مقتل 10 مدنيين منذ بدء ما باتت تسمى معركة “العامود”، وهنا نجد أن معادلة “المدني بالمدني والعسكري بالعسكري” التي تغنّى بها نصرالله في خطابه السابق، لم تكن سوى كلمات مكتوبةً على ورق.

بوصلة “حزب الله” هذه المرة تائهة أمام الجيش الإسرائيلي والأسطول الأميركي؛ وعلى الرغم من تأكيد الأمين العام للحزب، حسن نصرالله، على مرّ السنين أن سلاحه في لبنان من أجل حماية اللبنانيين والفلسطينيين معًا، وأي تجاوز للإسرائيلي سيسلّط عليه الـ100 ألف مقاتل الذي كان يتغنّى بهم، فما رأينا منذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر الفائت سوى قصفٌ حاد على (العامود) لعله يسقط ويستطيع “نصرالله” رؤية حيفا.

“حزب الله”: عدم تدخلي في غزة له ثمن!

جوائزٌ وهدايا باهظة الثمن وعِدَ بها “حزب الله”، فعدم تدخله في غزة ليس عبثًا أو احتراماً لطلب اللبنانيين، لا، بل إنه تمديدٌ لشروط محلية وإقليمية تخدم مصلحته ومصلحة إيران في المنطقة.

السّر الأعظم.. جوائز ومقايضات ينتظرها حزب الله مقابل عدم تدخله في غزة (3)
شخص يحمل صورة للأمين العام لحزب الله حسن نصر الله خلال جنازة أحد أعضاء حزب الله الذي قُتل في جنوب لبنان بنيران عبر الحدود مع القوات الإسرائيلية، خلال جنازته في إحدى ضواحي بيروت الجنوبية، في 6 نوفمبر، 2023. (تصوير أحمد الربيعي / وكالة الصحافة الفرنسية)

“حزب الله” يريد رئاسة الجمهورية اللبنانية ومجلس الوزراء اللبناني، إذ لم يكتفِ من زرع فساده منذ دخوله في الحكومة اللبنانية عام 2000 بل أنه يريد اليوم، رئيساً للجمهورية يخدم مصالحه الشخصية في البلاد من تجارة وإدخالٍ للسلاح غير الشرعي وتخزينه بين الأحياء السكنية كما رأينا عام 2020 عند تفجير مرفأ بيروت.

رئيسا تماما مثل ميشال عون صامت ومشاهد، فمنذ عام 2018 تحديدًا “حزب الله” هو الحاكم الفعلي للبلاد، ومن كان يرى أن حظوظ سليمان فرنجية الذي يحظى بدعم الحزب قليلة للوصول إلى كرسي الرئاسة، اليوم وبعد “طوفان الأقصى”؛ أصبحت حظوظه أكبر.

بعد إعلان “حزب الله” عن إطلالة ثانية لأمين عامه يوم السبت المقبل، أطلق بعضٌ من الإعلاميين اللبنانيين والناشطين على وسائل التواصل الاجتماعي آرائهم التي تتمثل بعدم رغبتهم في الدخول بالحرب، وعدم قبولهم بإيران وصية على لبنان من خلال إطلاق وسوم “#لبنان_لا_يريد_الحرب، #الاحتلال_الايراني”.

“حزب الله” ومن المؤكد سيُقايض محليا وإقليميا وصاية إيرانية على لبنان مقابل عدم تدخله في حرب غزة، كل المعطيات الحالية توحي إلى فترة ما قبل دخول قوات الردع العربية السورية إلى لبنان، ووضع لبنان تحت الوصاية السورية بحجة حمايته؛ اليوم السيناريو عينه يتكرر ولكن تحت وصاية إيرانية.

 فرصة ذهبية

الجوائز والهدايا التي سيجنيها الحزب بعد حرب غزة لا تُعد ولا تحصى، فحسن نصرالله ضحى بـ “حماس” وبورقة غزة و”المقاومة”؛ مقابل رفع العقوبات الدولية عن العديد من أعضاء “حزب الله” المطلوبين دولياً، كما أنه يريد الساحة اللبنانية له وحده هو والإيراني، والجيش اللبناني سيحمي هذه الوصاية.

مقاتلو حزب الله يحملون نعش زميلهم الذي قُتل في جنوب لبنان بنيران عبر الحدود مع القوات الإسرائيلية، خلال جنازته في إحدى ضواحي بيروت الجنوبية، في 6 نوفمبر 2023. (تصوير أحمد الربيعي / غيتي)

رئيس تحرير موقع “السياسة” اللبناني، رامي نعيم، قال لـ “الحل نت”، إنه من المؤكد أن المفاوضات التي تحدث (تحت الطاولة) بين محور إيران – أي حزب الله – ودولا إقليمية، تختلف كليّاً عن ما يُعرض للإعلام، وهذه المفاوضات هي من تمنع الحزب عن التصعيد على الحدود اللبنانية.

خوف “حزب الله” بحسب مَن خسارة الجوائز السياسة له في الداخل اللبناني ما بعد حرب غزة، بحسب حديث نعيم، تدفعه إلى عدم التصعيد مع الإسرائيلي، فقادة الحزب يريدون تمثيلاً أكبر في مجلس الوزراء اللبناني، ويريدون وصاية إيرانية على البلاد، فضلا عن أن يكون الحزب هو الحاكم الفعلي في لبنان، وهنا نرى أن عدم دخوله عسكرياً بمعركة غزة يقوي حظوظه للحصول على كل هذه المزايا في الداخل.

واستكمل رامي نعيم حديثه لـ “الحل نت” بقوله : “أنا أعتقد أنه تم التضحية بحماس مقابل وصول المحور الإيراني إلى صفقة قوية في لبنان، ولا أستبعد بعد سنتين أو أقل رؤية حاخام إسرائيلي يتناول الغداء في بيروت!”.

إعلاميون لبنانيون كان لهم رأيٌ أيضاً فيما يخص أطماع “حزب الله” سياسياً بالداخل اللبناني، فظهر هشام حداد بمقابلة في برنامج “سبوت شوت” وقال: “لبنان لن يكون جزءاً من حرب حماس-غزة، وهنالك ثلاثة أسباب منعت حزب الله من الانخراط في المعركة، السبب الأوّل وهو الأهم بالنسبة لحزب الله، ماذا ستكون المكافآت السياسية لحزب الله ما بعد حرب غزة؟”.

وتابع حداد، “هل يمكننا أن نتخيل حجم هذه الجوائز الموعود بها حزب الله محليًا وإقليميًا؟ حزب الله يريد أن يحكم لبنان مجددا بمباركة دولية وبمساعدة الجيش اللبناني، وهذه واحدة من الهدايا باهظة الثمن، كما إن حزب الله يحلم برئاسة الجمهورية، ووضع رئيس صامت عن سلاح حزب الله غير الشرعي في البلاد، وعندما لا ينجر حزب الله إلى حرب داخل غزة كل هذه المطامع سينالها”.

أما السبب الثاني، فيرى حداد أن توقيت المعركة ليس توقيته، بل هو توقيت روسي بامتياز، فروسيا سعت إلى نقل الصراع من أوكرانيا إلى الشرق الأوسط، وربما قدّمت له إيران هذه الورقة مقابل صفقة أخرى، لا سيما وأن الطرفين حلفاء عسكريا وسياسيا.

أما السبب الثالث، فيكمن في الرسالة التي وجّهت إلى “حزب الله” منذ اليوم الأول، وهي أن دخوله في الحرب سيخلق مواجهة مباشرة له مع أميركا وليس مع إسرائيل.

علاوة على ذلك، أكد رئيس تحرير موقع “أساس ميديا” اللبناني، محمد بركات، أن طمع “حزب الله” السياسي والمحاصصة والمحسوبيات والوعود السياسية في مرحلة ما بعد “طوفان الأقصى”؛ ستمنعه من الانخراط بحرب فعلية في غزة، وستبقى المواجهة محصورة بمناوشات الحدود.

وفي الصورة الأوسع قد يجد “حزب الله” فيما يجري فرصة ذهبية، لا يمكن السماح بتضييعها في إطار واضح وهو إثبات جدّية وقوة مشروعه ومشروع إيران في لبنان – مشروع ولاية الفقيه –  وحتى لو كان الثمن الداخلي في لبنان كبيرا وغير متوقع، على اعتبار ما يجري لحظة تاريخية، وعدم التفاعل معها سيؤدي إلى خسارات متعددة. 

https://twitter.com/samjundi/status/1720489104968745314?s=46&t=Zbg32lsv3W8iDX6WMiPJ0g

كذلك فإن المشاركة الفاعلة في هذه الحرب ستؤدي إلى حرب عسكرية مدمرة في لبنان، و”حزب الله” غير قادر على تحمّل العبء الاقتصادي الراهن، فكيف إذا وقعت الحرب؟

نصرالله لن يقرع طبول الحرب!

لم يكن نصرالله ليقرع طبول الحرب، وقال إن “الهدف الأساسي له هو تحقيق وقف إطلاق النار في غزة”، وإنه يتعين على الولايات المتحدة، التي حملها المسؤولية المباشرة عن إراقة الدماء في القطاع الفلسطيني، تنفيذ وقف الأعمال العدائية.

تم اعتراض الصواريخ التي تم إطلاقها من جنوب لبنان فوق موقع عبر الحدود بالقرب من كيبوتس دان في شمال إسرائيل في 7 نوفمبر، 2023، (تصوير جلاء ماري / وكالة الصحافة الفرنسية)

ما يخبرنا به هذا، هو أن خططه الحالية لا تتضمن صراعا أوسع، وقد يكون ذلك بمثابة خيبة أمل للكثيرين في الشارع الموالي له محليا وعربيا، فعندما اجتاحت المظاهرات المؤيدة للفلسطينيين معظم أنحاء المنطقة في الأسابيع الأخيرة، قبل خطابه الأخير دعت العديد من الهتافات نصرالله إلى الذهاب إلى الحرب؛ لكن المصلحة الشخصية لـ “محور الممانعة” تطغى على المشاعر والعروبة والأحاسيس.

غداة الجولة التي قام بها الموفد الأميركي آموس هوكشتاين إلى بيروت داعيا إلى تطبيق القرار 1701، وقبيل كلمة مرتقبة للأمين العام لـ “حزب الله”، حسن نصرالله، السبت المقبل، وزيارة للرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي إلى الرياض الأحد، وهي الأولى له، تعيش الجبهة الجنوبية اللبنانية توترات ملحوظة، والمناوشات التي يمكن القول إنها ذرّ للرماد في العيون، تحصر دور الحزب بالتشتيت فقط للجيش الإسرائيلي على الحدود الشمالية.

في الوقت الذي تتقدم فيه القوات الإسرائيلية إلى غزة بهدف تدمير “حماس”، يراقب العالم عن كثب ما يجري على الحدود الشمالية، حيث تخوض القوات الإسرائيلية مناوشات مكثفة مع “حزب الله” دون الحاجة إلى التصعيد من قبل الطرفين، فحتى بعد القصف الإسرائيلي لمدنيين لم تخرج “المقاومة” بردٍّ يوازي حجم قتل أربعة مدنيين من النساء داخل سيارة في الجنوب اللبناني.

وجد الحزب نفسه في موقع غير مريح منذ هجوم “حماس” المفاجئ على إسرائيل في الشهر الفائت، وبعد سنوات من التحضير للمواجهة، يجد الحزب نفسه موزّعا بين الدفاع عن الفلسطينيين، وجر لبنان إلى حرب شاملة كما فعل في 2006.

على مدى أربعين عاما من وجوده، قدّم الحزب نفسه كحامٍ للبنان وحركة مقاومة ضد إسرائيل تدعم الدولة الفلسطينية، لكن بعد التوغل الإسرائيلي في غزة، وزيادة حصيلة الضحايا الفلسطينيين إلى أكثر من 10 آلاف قتيل، فقد كان ردّ الحزب مثيرا للقلق ومنضبطا ليس على مستوى الحدث ولكن حتى على مستوى تطلعات مؤيديه.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
5 1 صوت
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات

الأكثر قراءة