لم يجلب النظام الإيراني إلا المأساة والكوارث في كل مساحة جغرافية سيطر عليها، بدءاً من إيران ذاتها، مروراً باليمن والعراق، وصولاً إلى سوريا ولبنان وغزة، وهذا الأمر ليس صدفة لأن هذا النظام قام على الخداع، وهو منذ انتصار ثورة آية الله الخميني عام 1979، رفع شعار مواجهة الولايات المتحدة الأميركية ومحو إسرائيل من الوجود. 

إلا أنه لا يوجد نظام تعامل مع ما يسميهم أعداءه تحت الطاولة كما فعل النظام الإيراني، والمفارقة أننا نعيش في الشرق الأوسط اليوم، أم المعارك بين الفلسطينيين وإسرائيل، لكن النظام الإيراني اختار أن يحيّد نفسه، ضارباً عرض الحائط كل شعاراته الكاذبة بمواجهة “الكيان الصهيوني” كما يسمّيه، وها هو يبحث عن المكاسب في لعبة “خذ وهات” مع الغرب والإدارة الأميركية.

أصبح خداع هذا النظام مكشوفاً، فهو لا يبالي بمواجهة إسرائيل وأميركا إلا نظرياً، بل كل الأعوام الفائتة كان لديه هاجس واحد وهو محاربة الدول العربية ومحاولة السيطرة عليها، مع تصدير أفكار ثورته الدينية وعقائدها وممارساتها إلى الدول الإسلامية، علماً أن هذه الأفكار لا تنسجم مع العصر الحالي ولا مع تطوّر المجتمعات. 

واللافت أن المواجهة مع الولايات المتحدة التي لم تكن يوماً عسكرية، والطموح النووي العسكري، أدى إلى تدهور في حياة الشعب الإيراني ومعيشته فيما يعيش رموز هذا النظام بعيداً عن هموم هذا الشعب، ويبدون منفصلينَ عن الواقع أو كأنهم يعيشون في كوكب المريخ!

الشعب الإيراني الضحية الأولى

النظام الإيراني هو ثيوقراطي، يعتمد الاستبداد السياسي والديني، وهي وصفة مسمومة للمجتمع بأكمله، وقد أمسى حكماً مطلقاً، تتغير الوجوه فيه من دون أن يتغير جوهره أو خطابه، وهو يشجّع وبصورة حثيثة الخرافات ونظريات المؤامرة، وهو في حدّ ذاته يحول دون تطور الحياة في إيران.

رجل فقير يحمل أكياسًا بلاستيكية أثناء سيره بجوار كتابات على الجدران على سياج بالقرب من ضريح مقدس في مدينة قم المقدسة على بعد 145 كيلومترًا (90 ميلاً) جنوب طهران (تصوير مرتضى نيكوبازل / غيتي)

هذا النظام يستثمر في تكنولوجيا الصواريخ والأسلحة التي تنتمي إلى ثقافة الموت، في وقت يتخبّط فيه الشعب بالفقر والبؤس والقمع والعنف، مما يجعل من هذا النظام الأكثر تخلّفاً واستبداداً باسم الدين، وبالتالي تغييره هو خدمة للإنسانية وللسلام والاستقرار في المنطقة والعالم.

منذ انتصار الثورة التي تسلّق بها هذا النظام على ظهور الشعب الإيراني مستغلاً تضحياته، لا يزال يُمعن يوماً بعد يوم في جعل البؤس والفاقة والظلم سمة لكل مواطن إيراني بحجة التعاليم الدينية المنحرفة للولي الفقيه، وخاصة ما تتعرض له المرأة الإيرانية من الظلم والاضطهاد في ظل القوانين التي تُعزى ظلما للشريعة الإسلامية مما حرم المرأة الإيرانية من معظم حقوقها كإنسان أولاً، وكذلك حق التمثيل الشعبي والسياسي والعمل في مجالات عدة، وجعلها تابعة لسلطة الولي الفقيه الذكورية ثانياً.

واللافت أن غالبية سكان إيران باتوا مندفعين نحو هاوية الفقر، لسببين: الأول هو العجز الاقتصادي الذي تعاني منه ميزانية البلاد، والذي لم تفلح معه كل وسائل التحايل والالتفاف الخاصة بتصدير النفط الإيراني، مهما تم الإعلان عن خلاف ذلك.

فيما الثاني يتصل بالعقوبات الاقتصادية الغربية التي تتصاعد يوماً تلو الآخر، لا سيما مع تلاعب النظام الإيراني الواضح والفاضح بالخطط النووية، وتسويف الوقت، مع تغييب الحقائق، وبهدف لا يضيع عن الأعين وهو الحصول على السلاح النووي لفرض هيمنة تتسق ورؤاه الثورية في الإقليم.

علماً أننا إذا ترجمنا تلك الخطوط إلى أرقام، فإننا نجد 60 بالمئة من الإيرانيين يعيشون الآن تحت خط الفقر، ويكاد الدخل الشهري للفرد يضحى أقل من دولارين في اليوم، وبالتحديد 55 دولاراً في الشهر.

أما عن التضخم في التخوم الإيرانية والمراكز معاً، فيصل إلى 50 بالمئة، الأمر الذي انعكس على قيمة الريال الإيراني بعدما تدنى إلى حدّ تاريخي ليصل إلى 440 ألفاً للدولار الأميركي، مع العلم أنه في العام 1979 وفي نهايات عهد الشاه، لم يتجاوز الدولار حاجز الـ 75 ريالاً.

إذاً يُهيمن الفقر والبطالة والفساد في إيران، بالرغم من ثرواتها الضخمة التي تهدر في حروبها على أرض الآخرين، الأمر الذي أدى إلى ثورة مضادة في داخلها. صحيح أن نظامها تمكّن من قمعها  بشراسة ووحشية، لكن الجمر لا يزال تحت الرماد.

قد تكون إيران قد نجحت في تحقيق التقدم العسكري وصنعت النووي ولكنها أفقرت شعبها وجعلته يعيش في معاناة، وهذا يدل على أنها لا تعرف سوى آلة الموت فقط لا آلة الحياة. ويبدو أنه من الصعب أن يفهم نظام الملالي أن الترسانة النووية لا تملأ أمعاء الجوعان خبزاً، ولا تبلل شفاه العطاش للحرية بالأمل، في غد أفضل!

استراتيجيّة نظام الملالي

لم يكتفِ هذا النظام بالبؤس الذي أنتجه في بلده الأم، بل أراد التوسّع وتصدير ثورته نحو الدول العربية، فنجح في البعض منها وفشل في البعض الآخر.

طهران، إيران – أشخاص يرتدون أقنعة طبية كإجراء وقائي ضد وباء فيروس كورونا الجديد (COVID-19)، ينتظرون في طابور أمام المخبز بينما يواصلون العيش ضد الفقر وفيروس كورونا في جنوب شرق ني. (تصوير فاطمة بهرامي/ غيتي)

لا شك في أن الاستراتيجية الإيرانية استهدفت الشيعة العرب في بعض الدول، ولعبت بعواطفهم ومكنوناتهم، وحاولت أن تقنعهم بأنها حاميتهم، معبأة أدمغتهم بتعاليمها الدينية المسمومة التي تجعل من هؤلاء فئة عدائية وغير منسجمة مع مجتمعاتها التي تضم طوائف أخرى، وقد استخدمت مصطلحات متوحشة: تصدير الثورة، الشيطان الأكبر، الأقلية، المظلومية، فتحوّلت هذه المكوّنات الشيعية إلى قنابل مبرمجة للانفجار والاستقواء على الآخرين أو إلغائهم كي تفرض عقيدة ولي الفقيه أو السيطرة على الدولة التي احتضنتها على مدى عصور طويلة.

هكذا تحوّل المظلومون إلى ظلمة، وصارت نظرية الثأر أقوى من نظرية المظلومية، وتردد شعار “لبيك يا حسين” ليكون عنواناً لكل مواجهة سياسية وحربية وتصارعية في المنطقة، وهذا ما ينطبق على “حزب الله” في لبنان، و”الحشد الشعبي” في العراق، و”الحوثيين” في اليمن والميليشيات الشيعية في سوريا… فشكّلت هذه التنظيمات المتعسّكرة أذرعاً للنظام الإيراني، ولم يدخل نظام الملالي إلى بلد عربي إلا وحلّ فيه الدمار كالعراق ولبنان وسوريا واليمن، وتكفّلت إيران بالتكافل والتضامن مع إسرائيل لتدمير غزة عبر حركة “حماس” المموّلة والمدعومة من إيران!

هذا ما دفع ملالي إيران إلى التباهي بالسيطرة على خمسة عواصم عربية، والمفارقة أنها كلّها تعاني من التفكك والتدمير والحروب الأهلية وتسود فيها مشاعر التناحر حتى صارت العائلة الواحدة منشطرة على ذاتها، وصارت كلمة شيعي/سني سبباً للموت والتهجير أو العزل الاجتماعي والسياسي والثقافي.

انكسرت فكرة الدولة الوطنية في كل بلد دخلته إيران لدرجة أن الحكومة فيه لا تكون حكومة الشعب كله، ولكنها حكومة لفئة في حين أنها عدوّة لفئة أخرى، ولا تأمن أن يكون في جيشها ولا أمنها ولا بنوكها ولا سياستها الخارجية إلا شخصيات من طائفة تحددها مقاصد مشاريع إيران، حتى صار قائد “فيلق القدس”، إسماعيل قاآني، يتردد بين العواصم الخمس ليشرف بنفسه على كل مسارات الحكم فيها ويقود بنفسه جبهات القتال في العراق وسوريا واليمن ولبنان وغزة، ليثبت المعنى المطلوب بإرادة “الحرس الثوري” الإيراني، وهو الحاكم الفعلي لهذه الدول بما أن القوة بيده والقرار النهائي بيده.

والجامع المشترك بين هذه الدول هو البؤس والفقر والمأساة والموت، بل إن جميعها تقع تحت وطأة عوامل الفشل. وبحسب مؤشر الدول الهشّة والفاشلة الذي يصدره سنويا “صندوق السلام” ومجلة “فورين بوليسي”، فإن هذه الدول من ضمن أسوأ 15 دولة في العالم، ووصفت بالأكثر فشلاً وهشاشة في العالم، وهي حسب المؤشر المذكور تتجه للأسوأ.

بالطبع هناك من يشكك بهذا المؤشر وما يشابهه، ولكن هذا لا يغيّر من حقيقة أن لبنان، وسوريا، والعراق، واليمن وغزة، دولٌ غارقة في مستنقع عسكرة المجتمع، وغياب الاستقرار، والفشل الاقتصادي، والفساد، والانقسامات الطائفية والعرقية، وضعف الدولة المركزية لصالح قوى مسلحة متصارعة.

تفصيلياً.. ما هو وضع هذه الدول بعد سيطرة إيران عليها؟

في لبنان، فوّض النظام الإيراني إلى “حزب الله” إحكام سيطرته على الدولة، وقد تولت تمويله وتسليحه، ودعمته حتى جعلته قادراً أن يكون دولة داخل الدولة اللبنانية، بحيث يغطي جزءاً لا يُستهان به من الخدمات الطبية والغذائية والنفطية والاجتماعية والحماية الأمنية لمناطقه، وهو ما تعجز الدولة اللبنانية عن تقديمه لشعبها. 

التطلع نحو منطقة الميناء والصوامع المتبقية بعد انفجار 2020 والأفق الحضري خارجها – إنترنت

لكن رغم فائض قوته العسكرية لا يستطيع “الحزب” احتلال لبنان، أولاً من عدم الرغبة والجدوى الإستراتيجية وثانياً بسبب تعدد الطوائف واستحالة إدارته البلاد وحده وهو معزول وتحت عقوبات مشددة عليه إذا ما تسلم إدارة الحكم مباشرة.

ما يفعله “حزب الله” في لبنان منذ عام 2005 هو تعطيل الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وتفويت كلّ الفرص التي يمكن أن تعود بالخير على أبنائه وطرد العقول منه. وليس منع انتخاب رئيس للجمهورية سوى حلقة أساسية في المشروع الإيراني الذي يتولّى تنفيذه “حزب الله” على الأرض، عن سابق تصور وتصميم، مستعينا بغطاء من هنا، وآخر من هناك.

النظام الإيراني
في مخيمات اللاجئين الفلسطينيين الفقيرة في لبنان، يقول الشباب إنهم يحلمون بمغادرة بلد متعثر لجأت إليه عائلاتهم منذ أجيال وحيث يظل مستقبلهم قاتما. (تصوير أنور عمرو / وكالة الصحافة الفرنسية)

والنتيجة واضحة: كارثة الانهيارات العامة المعيشية والاجتماعية، زحف الجوع مع اتساع البطالة، كما تدهور الوضع الاقتصادي بشكلٍ مريع، وحل إفلاس البلد بعد نهب ودائع للناس هي جني أعمار أكثر من مليون ونصف المليون عائلة. 

بات لبنان القديم، لبنان ساحة اللقاء لا المواجهة أثراً بعد عين. كان جامعة المنطقة ومستشفاه وبلد البحبوحة، ففقدت جامعاته بعض خيرة الكفاءات التي ميزتها وبعضها الآخر متعذر أن يفتح أبوابه، فيما أقفلت مستشفيات ويموت المرضى أمام أبواب الأخريات. 

وتتوالى الكوارث مع السياسة الرعناء لـ”حزب الله” نتيجة الارتهان للأجندة الإيرانية وهذا ما أدى إلى قطيعة مع السعودية وبلدان الخليج العربي! الأمر الذي فاقم من أوضاع اللبنانيين البائسة، فوجدوا أنفسهم أمام حتمية تدفعهم أعباء لا طاقة ولا قدرة لهم على تحمّلها نتيجة حروب ومواجهات نظام الملالي التي لا تنتهي!

سوريا واليمن.. مأساتان هائلتان منسيتان

أما نكبة سوريا فليست مماثلة للبنان، لأن سببها الأساسي هي السلطة السياسية بدمشق في الأساس، وهي استثمرت في مأساة شعبها، ونكّلت به وقتلت الآلاف منه، مستفيدة من الدعم الإيراني والميليشيات التابعة له، وهدف إيران كان إكمال مشروعها الاستراتيجي، بتأمين ممر بري يخترق العراق في نقطة الحدود بين البلدين، ثم شمال شرق سوريا إلى حلب وحمص، وينتهي بميناء اللاذقية على البحر المتوسط!

النظام الإيراني
المتضررون من الحرب ينتظرون الحصول على وجبات مجانية مقدمة من مطبخ خيري في منطقة المسيك في صنعاء، اليمن. (تصوير محمد حمود/ غيتي)

استغلت إيران صراع الجيش السوري مع شعبه و قمعه للاحتجاجات، للانتقال إلى التدخل الميداني المباشر والموسّع بشكل ممنهج. فدفعت بـ”حزب الله” إلى دخول الساحة السورية، وكذلك عملت على إرسال قوات منظمة من الميليشيات العراقية الشيعية أشهرها كان “لواء أبو الفضل العباس” و”عصائب أهل الحق”، وعملت أيضاً على تشكيل مليشيات جديدة من المتطوعين الشيعة القادمين من الأحياء الفقيرة في إيران أو من باكستان وأفغانستان.

هكذا استطاعت  إيران -عبر أذرعها العسكرية ومليشياتها الإقليمية – تحويل سلطة دمشق إلى ميليشيا طائفية تدير أجزاء من سوريا، وتعمل في سياق تحقيق المصالح الإيرانية الكبرى. الأمر الذي يبرر ويفسّر تصريح المسؤول الإعلامي الإيراني مهدي طالب، بأن سوريا هي المحافظة الـ 35 في إيران.

ومن الواضح أن تموضع دمشق إلى جانب محور “الممانعة” الإيراني أفضى إلى النتيجة الآتية: لا محروقات، وليرة منهارة، وأوضاع معيشية هي الأسوأ على الإطلاق… تماماً ككل دولة يتحكّم بها النظام الإيراني.

هناك ملايين اللاجئين السوريين، الذين فرّوا من البلاد بعد الحرب، لا يزالون يرفضون العودة إليها في ظل حكم الأسد، علماً أنه عاجز عن التعامل مع الانهيار الاقتصادي، ومعظم السوريين يفضلون الهجرة عن البقاء في بلد منهار اقتصادياً ومتفكك اجتماعياً وجغرافياً.

والحقيقة أن التبعات الاقتصادية الكبيرة التي خلّفها انتماء دمشق إلى “محور الممانعة” والتبعية للنظام الإيراني جعلت 60 بالمئة من السوريين اليوم (ما يُقدر بـ 12 مليون شخص) يواجهون الجوع ويكافحون من أجل تأمين لقمة العيش. وبالإضافة إلى ذلك، يعيش 90 بالمئة من السكان تحت خط الفقر!

والوضع في اليمن ليس أفضل من سوريا ولبنان، بل أسوأ وأخطر بكثير، ويُثبت أن نفوذ إيران في أي دولة عربية تكون نتائجه مأساوية.

سلّح نظام الملالي حلفائه “الحوثيين” في اليمن، ومنع أي استقرار، كما أنّه حوّل العامل الديني الطائفي، إلى سلاح ضد اليمنيين، فتسبب في اقتتالٍ سنّي زيدي شيعي، يتعارض مع الديانات نفسها وأهدافها الأخلاقية، لكنه يخدم مصالح إيران تحت عباءة الدين.

إنّ تاريخ العلاقات اليمنية الإيرانية، أصبح مخضباً بالدماء، منذ اللحظة التي اختارت فيها إيران استخدام العنف المبطّن والواضح أيديولوجياً وعسكرياً من خلال “الحوثيين”، وحتماً سيكشف التاريخ حجم وتفاصيل دمار اليمن السعيد على يد طموحات إيران غير المشروعة، ولو أنّه لم يكن بهذه السعادة قبل الحرب، إلا أنّه لم يكن يوماً، بحاجة إلى كل هذا الدمار.

كان الهدف الإيراني في اليمن إبقاءه في حالة من عدم الاستقرار، حتى يتمكّن نظامها من التمدد وتوسيع دائرة نفوذه من دون معوقات، وبالتالي التأثير على أهم طرق التجارة الدولية، حيث تشرف اليمن على مضيق باب المندب، وتمثل في الوقت نفسه الحديقة الخلفية لدول الخليج والسعودية، أبرز خصوم إيران في المنطقة.

وفي النتيجة أودت حرب إيران ضد العرب في اليمن بحياة الآلاف، وبات 80 بالمئة من السكان، البالغ عددهم نحو 30 مليون نسمة، يعتمدون على المساعدات للبقاء أحياء، في أسوأ أزمة إنسانية بالعالم!

ويعيش الشعب اليمني التائق إلى التحرر من سيطرة ميليشيا “الحوثي” التابعة لإيران، في ظل مؤسسات حكومية وأسواق تجارية معطّلة، وبنية تحتية مدمّرة، وقد فقد المواطنون اليمنيون قدرتهم على الحصول على الغذاء والمأوى وينتقلون لحياة التشرد والفاقة.

الجميع في بوتقة واحدة

أما التدخل الإيراني في شؤون العراق وتغذية الميليشيات الشيعية هناك بالسلاح والمال فوضعه في حالة صراع أدت إلى تضرر الاقتصاد المحلي بشكلٍ كبير، مما حوّله من أغنى الدول العربية إلى دولة تعتمد على الديون في بعض الظروف، وتطلب المساعدات في أوقات الحروب.

إيران ورقصة الهيمنة العرب أمام خيار واحد النظام الإيراني
يحصل الأشخاص المتضررون من الحرب على وجبات مجانية مقدمة من مطبخ خيري في صنعاء، اليمن. (تصوير محمد حمود/ غيتي)

تزكّي إيران الصراعات والحروب الطائفية في العراق مما سبب له بخسارة مليارات الدولارات، إضافة إلى هجرة مئات الآلاف من العقول العراقية إلى الخارج بحثاً عن مناطق آمنة.

ولا شك في أن ارتفاع معدلات الفقر وتراجع الخدمات وانهيار منظومات الطاقة والبُنى التحتية في العراق لا يختلف عن سوريا واليمن ولبنان وغزة.

من المؤكّد أن الشعب الفلسطيني في غزة يدفع ثمن مفهوم “محور الممانعة” الذي تقوده إيران، ونقطة الضعف في هذه القضية هي احتكار حركة “حماس” المدعومة إيرانياً فكرة المقاومة، وهذا المفهوم بنت عليه إيران سيطرتها على خمس دول عربية، وهنا المقاومة تلغي الدولة، وهذا ما جرى في لبنان واليمن والعراق، والإلغاء هنا بمعنى إلغاء القيمة والتأثير واختطاف القرار السياسي والمصير.

وقد استجلبت “حماس” المرتهنة لنظام الملالي ويلات وفظائع يكتوي بنيرانها الفلسطينيون في قطاع غزة، فالحرب التي أعلنتها “حماس” في 7 تشرين الأول/أكتوبر الفائت، ضد إسرائيل نموذج حيّ وماثل للعيان، وما استتبعه ذلك من حرب إسرائيلية مضادة وشرسة. 

ليست حرب غزة حرب الشعب الفلسطيني أو الغزاويين أو الدول العربية ضد تل أبيب، وإنما هي حرب إيران بالوكالة بواسطة “حماس” التي تشكّل قطباً من أقطاب محور “الممانعة” الذي يخدم عملياً أجندات الغرب وتيار اليمين المتطرف في إسرائيل. هذا اليمين المولع بتطبيق العقاب الجماعي ضد الفلسطينيين و أخذهم بجريرة “حماس” التي خطفت قطاع غزة واستولت عليه منذ عام 2007 بعد الإطاحة بحكم حركة فتح.

في الأساس تدفع غزة وشعبها ثمن التموضع في “محور الممانعة”، فالاقتصاد الفلسطيني اقتصاد ضعيف وهش ليس به مقومات كثيرة. معدل البطالة يرتفع بشكل هائل؛ نقص خطير في الكهرباء والمياه النظيفة. 

والآن بعد الحرب أصبح الجميع في بوتقة واحدة، بحيث يمكن الاعتبار أن 2.3 مليون مواطن في غزة باتوا تحت خط الفقر؛ بسبب ترحيلهم من الشمال إلى الجنوب، وقد فقدوا أملاكهم وأساسيات الحياة من طعام وشراب ومسكن، فضلاً عن انعدام الطاقة والمياه والكهرباء وغيرها من مقومات الحياة، نتيجة الحصار الشامل الذي تفرضه إسرائيل.

حتماً لم تحسب “حماس” بأن الحرب التي أطلقتها ستتسبب في تفاقم الأوضاع اقتصادياً واجتماعياً وإنسانياً في غزة، وهذه سياسة رعناء من كل الأذرع العسكرية المدعومة من إيران.

أخيراً، استخدمت إيران شباب وأطفال ونساء العالم العربي كمحرقة بشرية للحصول على الاتفاق النووي. وهدف ولاية الفقيه الخميني تحقق في تصدير الثورة الإيرانية إلى بعض الدول العربية.

ولكن في الحقيقة هذه الثورة تحوَّلت إلى الموت والدمار والخراب وذبح الشعوب العربية في المنطقة على حساب الفكر الجهنمي لولاية الفقيه. ماذا جنت الشعوب العربية من الثورة الإيرانية؟ في الحقيقة، ثمار هذه الثورة هي موت وتهجير آلاف الأطفال والشباب وهدر المليارات من الأموال التي سُرقت بسبب عنجهية نظام الملالي الذي عاث فساداً في لبنان والعراق وسوريا واليمن، وحان الآن دور الدولة العربية لتستعيد الدفة بدأً من القضية الفلسطينية وتاليا بضرب المحور الإيراني.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات