انتخابات رئاسية روسية وسط الحرب. هكذا هو الواقع، لكن هل لهذا الواقع منعطفات ومفاجآت ليست في الحسبان عند حلول الانتخابات، أم أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين هو الأقرب للفوز بولاية خامسة، ولن يأتي الاقتراع بجديد يُذكر؟

الأسبوع الماضي، تم تحديد تاريخ 17 آذار/ مارس 2024، موعدا لإجراء انتخابات الرئاسة الروسية، وقبل أسبوع بالضبط، أعلن بوتين ترشحه بشكل رسمي للانتخابات الرئاسية، التي ستجرى على مدى 3 أيام في الفترة من 15 إلى 17 آذار/ مارس، وسيتم تنصيب الفائز في آيار/ مايو من العام المقبل.

بالنسب والأرقام، تمتاز الانتخابات الروسية عادة بنسب مشاركة عالية نسبيا، حيث يحق لنحو 110 مليون شخص التصويت في روسيا،  70 إلى 80 مليون شخصا منهم يدلون بأصواتهم عادة في الانتخابات، إذ بلغت نسبة المشاركة  67.5 بالمئة خلال انتخابات عام 2018. 

بوتين الحديدي: حصانة حتى الموت!

ترشيح بوتين جاء بناء على الإصلاحات الدستورية التي قادها، إذ يحق للرئيس الحالي البالغ من العمر 71 عاما الترشح لولايتين رئاسيتين إضافيتين بعد انتهاء ولايته الحالية، مما يسمح له في نهاية المطاف بالبقاء في السلطة حتى عام 2036، إذ أن مدة كل ولاية هي 6 سنوات.

الإصلاحات الدستورية أجريت في حزيران/ يونيو 2020، بناء على قرار من بوتين، وأقرّتها موسكو بعد أن نال الاستفتاء موافقة أغلبية المواطنين بحسب الكرملين، ومن أهم الإصلاحات، السماح لبوتين الترشح لولايتين إضافيتين، إضافة إلى قانون يمنح الرؤساء السابقين لروسيا حصانة مدى الحياة.

خدم بوتين، الذي سلمه بوريس يلتسين الرئاسة في اليوم الأخير من عام 1999، كرئيس بالفعل لفترة أطول من أي حاكم آخر لروسيا منذ جوزيف ستالين، متفوقا حتى على ليونيد بريجنيف في فترة ولايته التي امتدت منذ عام 1964 حتى عام 1982.

اليوم، ينظر الغرب إلى بوتين باعتباره مجرم حرب وديكتاتور، عطفا على قرار غزوه لأوكرانيا في 24 شباط/ فبراير 2022، في وقت يقول الكرملين، إن “بوتين يتمتع بدعم ساحق من الشعب الروسي (…) وأنه لا يوجد أي سياسي في الغرب يتمتع بمستويات مماثلة من التأييد الذي يتمتع به بوتين”.

في عام 2018، قامت بعثة تابعة لمكتب المؤسسات الديمقراطية وحقوق الإنسان التابع لمنظمة الأمن والتعاون في أوروبا بمراقبة الانتخابات، والتي بدورها أشارت إلى أن القيود المفروضة على الحريات الأساسية للتجمع وتكوين الجمعيات والتعبير، وكذلك على تسجيل المرشحين، قد حدّت من مساحة المشاركة السياسية وأدت إلى الافتقار للمنافسة الحقيقية.

وتعرضت حركة “جولوس”، وهي حركة روسية مستقلة لمراقبة الأصوات إلى ضغوط من السلطات الروسية خلال الأشهر الأخيرة، فيما قالت “جولوس”، إن مثل هذه الهجمات، بما في ذلك اعتقال زعيمها، تهدف إلى منع المراقبة العامة للانتخابات الرئاسية.

وفقا لوكالة “فرانس برس”، فإن جماعات حقوقية دولية تقول إن الانتخابات الروسية السابقة شابتها مخالفات، وأنه من المرجح أن يُمنع المراقبون المستقلون من متابعة الانتخابات الرئاسية المقبلة.

نافالني المسجون: هل يكفي بث الروح بجسد المعارضة؟

يقول الأكاديمي والباحث السياسي ميكولا باستون في حديث مع “الحل نت” حول التوقعات بشأن ترشح بوتين لولاية جديدة والانتخابات الرئاسية المقبلة إنها محسومة، واصفا العملية الانتخابية بالـ “مزيفة”.

“بالطبع بوتين سيفوز في الانتخابات؛ لأن جهاز الأمن الروسي يراقب العملية الانتخابية، ولا توجد هناك أي إجراءات ديمقراطية معتمدة في العالم من المراقبة الدولية والمستقلة وغيرها لمراقبة الانتخابات المقبلة”، يقول باستون.

في السياق، أشار “البيت الأبيض” ساخرا إلى عدم وجود شك في نتيجة الانتخابات، حيث صرّح جون كيربي، المتحدث باسم مجلس الأمن القومي التابع للبيت الأبيض مؤخرا بقوله، “حسنا، يبدو أنها ستكون معركة ملحمية، أليس كذلك؟”، ليردف بسخرية: “هذا كل ما لدي لأقوله حول هذا الموضوع”.

بحسب تقارير عديدة، فإن الرئيس الروسي بوتين لن يواجه منافسة حقيقية تذكر، برغم السماح لخمسة أحزاب رئيسية بتقديم مرشح لانتخابات 2024، إلا أنها جميعها تدعم الكرملين واحتلال/ غزو أوكرانيا.

المعارض الروسي المسجون أليكسي نافالني خلال جلسة استماع بمحكمة في موسكو، (وكالة الأنباء الأوروبية)

بوتين، وخلال 20 عاما من الحكم، فرض سيطرة صارمة على النظام السياسي الروسي، الأمر الذي يجعل إعادة انتخابه في آذار/ مارس القادم مؤكدا تقريبا، خصوصا بعد قيامه بتصفية خصومه السياسيين، حيث يقبع بعضهم في السجون، فيما اضطر البعض الآخر الى مغادرة البلاد، كما وتم حظر معظم وسائل الإعلام المستقلة.

زعيم المعارضة أليكسي نافالني، والذي يقضي حاليا حكما بالسجن لمدة 19 عاما بتهم “إنشاء جمعية متطرفة والتحريض على النظام العام” وفقا لمصادر رسمية روسية، قام بحث أنصاره في بيان عبر الإنترنت نهاية الأسبوع الماضي، على التصويت لأي شخص آخر غير بوتين.

نافالني انتقد روسيا بوتين ووصفها بأنها دولة يديرها “لصوص ومجرمون” على حد تعبيره، محذرا من أن زعماء روسيا “سيسحقون في نهاية المطاف على يد قوى التاريخ و سيحرقون في الجحيم بسبب قيامهم بحمام دم في أوكرانيا”.

ويقود أعضاء فريق نافالني حملة ضد الرئيس الروسي بعنوان “روسيا بدون بوتين”، حيث قاموا بوضع عدة لوحات إعلانية في موسكو وسانت بطرسبرج ومدن روسية أخرى تحمل عبارات “روسيا” و”سنة جديدة سعيدة”، مع روابط ورموز QR تشير إلى موقع حملتهم، لكن بعض لوحات الإعلان عن الحملة قد تمت إزالتها بالفعل، بحسب “فرانس برس”. 

كييف اليتيمة: مقاطعات أوكرانية مشمولة بالانتخابات!

مع اقتراب موعد الانتخابات القادمة، تتسلط الأضواء بشكل خاص على قضية الحرب في أوكرانيا، الأمر الذي يثير التساؤلات حول كيفية التعامل المحتمل للمعارضة الروسية مع هذا الواقع، حيث يعد هذا الموضوع أحد الأدوات الرئيسية التي قد تؤثر في نتائج الانتخابات.

بحسب رئيسة مجلس الاتحاد (الشيوخ) الروسي فالنتينا ماتفيينكو، فإن سكان أجزاء من مناطق دونيتسك ولوهانسك وزابوريجزيا وخيرسون في أوكرانيا التي ضمتها روسيا في أيلول/ سبتمبر 2022 الى أراضيها سيشاركون في التصويت للمرة الأولى.

هنا ما يجدر ذكره، أن كييف دعت السبت الماضي، المجتمع الدولي إلى إدانة اعتزام موسكو إجراء انتخابات على أراض أوكرانية ضمتها إليها بشكل غير قانوني، وذلك في بيان رسمي أصدرته الخارجية الاوكرانية. 

البيان أكد على، أن “ضم أصوات الاقتراع في الأراضي المحتلة مؤقتا بأوكرانيا إلى أصوات الناخبين في روسيا؛ من شأنه أن يشكك في نتائج الانتخابات الرئاسية الروسية”.

وفي خضم الحرب الدائرة بين الطرفين، تقول أوكرانيا، إنها لن تهدأ حتى طرد آخر جندي روسي من هذه المناطق، في الوقت الذي تقول روسيا، إن تلك الأراضي أصبحت تابعة لها بشكل رسمي.

هنا لا بد من الإشارة، إلى أن الغزو الروسي لأوكرانيا، جعل من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، منبوذا بين الزعماء الغربيين وفُرضت على بلاده عقوبات غير مسبوقة تهدف للحد من قدرتها على تمويل النزاع.

خطوات بوتين حذرة في الوقت الحالي، إذ أنه يخشى من بدء حملة تعبئة واسعة وشاملة للجيش، الأمر الذي قد يثير موجة احتجاجات في روسيا قبيل الانتخابات، ولذلك هو مقيد نوعا ما في تصرفاته حتى تاريخ إجراء الانتخابات الرئاسية، وفقا للباحث السياسي ميكولا باستون.

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين – إنترنت

باستون الذي لا يشك للحظة بفوز بوتين في الانتخابات الشكلية كما يراها، لا يظن أن فوز بوتين سيؤثر كثيرا على مسار الحرب. “هو فقط سيصبح حرا في تصرفاته وسيقوم بتكثيف التعبئة للجيش الروسي وهجمات الخطوط الأوكرانية بأعداد أكبر من الأفراد بعد فوزه في الانتخابات”.

بالمحصلة، يقترب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين من ولاية خامسة له وسادسة حتى، فلا أمر يمنعه من الحكم حتى 12 عاما مقبلا، إلا إذا مات قبل أن ينتهي حكمه، فلا أحد يستطيع إزاحته؛ عطفا على حكمه الحديدي وقمعه لمعارضيه بكل الطرق، وما الانتخابات إلا صورة شكلية لا تسمن ولا تغني شيئا. 

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات