تكتيكات تبدو لافتة من الناحيتين الميدانية والعسكرية في الصراع المحتدم منذ 7 تشرين الأول/ أكتوبر العام الماضي في غزة، بين “حزب الله” وصراعه ضد إسرائيل، وكذا روسيا في غزوها لأوكرانيا. التكتيكات التي عدّها مراقبون بأنها تتماثل بين الميليشيا المدعومة من إيران والقوات الروسية، تؤشر إلى تعاون قد يكون خفي أو معلن، بين الطرفين، مع الأخذ في الاعتبار السياقات المختلفة التي تتقاطع فيها العلاقات بينهما على أكثر من مستوى.
إذ إن التقاطعات تجمع الفصيل الموالي لإيران مع القوات الروسية/ وكذا قوات “فاغنر” التابعة لموسكو، في سوريا، وثمة تبادل للخبرات العسكرية والميدانية بينهما. كما أن تمتين العلاقات الاستراتيجية والعسكرية بين روسيا وإيران، قد شهد قفزات هائلة وانعطافة مهمة، منذ الحرب على كييف، خاصة مع الاعتماد على المسيرات الإيرانية.
سوريا كساحة تعاون بين “حزب الله” وروسيا
التحالف الروسي مع “حزب الله” نشأ نتيجة النزاع في سوريا، حيث قاتلت القوات الروسية والحزب المدعوم من إيران جنباً إلى جنب في تحالف مع بشار الأسد. ولسنوات، اقتصر هذا التحالف على ما يبدو وبشكل صارم على النشاط العسكري في سوريا، ولكن في عام 2018، بدأ “حزب الله” وروسيا بالانخراط في أنشطة مشتركة غير مسبوقة للتهرب من العقوبات، وفق “معهد واشنطن”، و”أظهر التغيير الصارخ في النشاط بين حزب الله وروسيا بوضوح أن تعاونهما قد تجاوز التحالف العسكري وأصبح الآن يتضمن بعداً اقتصادياً”.
في تشرين الثاني/نوفمبر 2018، كشفت وزارة الخزانة الأميركية عن مخطط معقد قائم على التجارة للتهرب من العقوبات المفروضة على تهريب النفط، يديره “حزب الله” و”فيلق القدس” التابع لـ “الحرس الثوري” الإيراني. وسمح هذا المخطط لطهران بتحويل الأموال بالنيابة عن سوريا إلى شركة “برومسيريو إمبورت” (Promsyrioimport) الروسية المملوكة للدولة، مما مكن روسيا من التهرب من العقوبات الأميركية ضد حكومة دمشق.
وفي الوقت عينه، حول “مصرف سوريا المركزي” مبالغ نقدية إلى “حزب الله” و”حماس” و”فيلق القدس” التابع لـ “الحرس الثوري” بالنيابة عن طهران. وتمحور هذا المخطط حول قناتين رئيسيتين، هما مسؤول “حزب الله”، محمد قصير، والمواطن السوري المقيم في روسيا، محمد الشويكي. وأكد قصير (المعروف أيضاً بالحاج فادي) والشويكي، في رسالة إلى مسؤول كبير في “البنك المركزي الإيراني”، استلام 63 مليون دولار في إطار مخطط لمساعدة “حزب الله”.
وفي آذار/ مارس الماضي، كشفت طهران عن توسيع شراكتها الاستراتيجية مع روسيا، بينما أعلنت إتمام اتفاق لشراء المقاتلات الروسية سوخوي SU-35، وقد عقّبت الولايات المتحدة قبل شهر من التوصل لهذا الاتفاق، بان طهران وموسكو “بصدد توسيع شراكتهما الدفاعية، لمستوى غير مسبوق لكي يساعد موسكو على إطالة أمد حربها في أوكرانيا ما سيشكل تهديداً لجيران طهران”.
المسيرات الإيرانية.. حقائق متفاوتة
بالتالي، فإن الإشارات بخصوص وجود تكتيكات عسكرية في أوكرانيا تماثل ما يجري في غزة بين المنخرطين في الصراع هنا وهناك، له خلفيات وملابسات جمّة، لا سيما يما يتصل بالاعتماد على الرصد الاستخباري عبر الاستعانة بالمسيرات بكافة أنواعها وأهدافها المتفاوتة، فضلاً عن استخدام صواريخ “أرض أرض” و”أرض جو”، لجهة خرق أنظمة الرقابة والتحكم في الرادارات بأوكرانيا، و”يسمح هذا الاختراق بوصول بعض المُسيَّرات إلى أهدافها”، وفق مستشار مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، الدكتور وحيد عبد المجيد.
وبحسب “معهد واشنطن”، فإنه للمرة الأولى في التاريخ، يخوض “حزب الله” حرب المناورات الهجومية كجزء من عملياته في سوريا. ويساهم التدخل الروسي في تعزيز هذه التجربة، فيعطي بذلك للحزب على الأرجح دروساً هامة للنزاعات المقبلة. ويوضح في تقرير بعنوان: “دروس عسكرية روسية لحزب الله” بأنه “في سوريا حتى الآن، لطالما اتبع حزب الله استراتيجية دفاع واستنزاف في أعمال القتال ضد عدوه الأساسي إسرائيل، وهي مقاربة اعتبرها عدة ضباط رفيعي المستوى في جيش الدفاع الإسرائيلي غير خاسرة”.

وعلى ضوء العناصر القتالية والميزات التكنولوجية المتوفرة لدى إسرائيل، ركزت هذه الاستراتيجية على تمديد فترة القتال إلى أقصى حد، مبقية على الاستنزاف في الساحة الداخلية عبر إطلاق صواريخ على المراكز السكنية الإسرائيلية وزيادة تكاليف المناورات البرية التي يقوم بها الجيش الإسرائيلي في جنوب لبنان.
وبالعودة إلى مستشار “مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية”، فيؤكد أن الاعتماد على تكتيك المراقبة وجمع المعلومات الاستخبارية بواسطة المسيرات، قد حقق “نتائج جيدة فى حرب أوكرانيا. ويبدو أنه ناجح أيضاً ضد إسرائيل. ولعل هذا ما دفع مسئولين أميركيين إلى تحذير قادتها من أن منظومة القبة الحديدية قد لا تصمد فى حالة توسع الاشتباكات وتحولها إلى حرب شاملة. ولهذا يبدو منطقياً التساؤل عن احتمال وجود تعاون بين حزب الله وموسكو، سواء قبل العدوان الإسرائيلي الحالى أو خلاله”.
“وبرغم عدم توافر معلومات تساعد فى التوصل إلى جواب يقينى، لا توجد شواهد على تعاون بين حزب الله وموسكو، فما يتعلمه العسكريون فى هذا الحزب من الحرب الروسية الأوكرانية يعتمد غالباً على استخلاص بعض دروس القتال فيها. وربما تفيدهم فى ذلك معلومات تكتيكية يحصل عليها الحرس الثوري الإيراني من خلال التعاون العسكري بين موسكو وطهران. فقد كان هذا التعاون قائماً قبل قرار روسيا التدخل فى سوريا عام 2015، وزاد بعدها بحكم الحاجة إلى تنسيق العمليات بينهما. ولكن يبدو الآن أنه يتحول إلى شراكة دفاعية كاملة أو ما يقرب منها”.
ويختتم: “الملاحظ، أيضاً أن إيران استخدمت الأسلوب نفسه فى ردها على ضربات إسرائيلية فى 13/ نيسان/أبريل الماضى، إذ أطلقت أعداداً كبيرة من المسيرات الهجومية أحادية الاتجاه وصواريخ باليستية، مع الحرص على ألا تحدث خسائر كبيرةً تفتح الباب أمام حرب إقليمية”.
مسارات منطقية
في حديثه لـ “الحل نت”، يوضح الباحث المختص في الشؤون السياسية والإقليمية، الدكتور عبد السلام القصاص، أن التكتيكات العسكريتارية والميدانية في غزة أو في الغزو الروسي لأوكرانيا، لا تكشف فقط تماثلها بين “حزب الله” والقوات الروسية في ميادين الصراع، إنما تبدو “نقطة منطقية وتفصح عن مسارات طويلة ومحطات ممتدة من التعاون بين النظام الرعائي لميليشياته في المنطقة بين اليمن وسوريا ولبنان والعراق والبحرين، وكذا روسيا، وهذا التعاون بلغ درجة من القوة والاستراتيجية في المجالات الأمنية والعسكرية، تحديداً مع الحرب في كييف، حيث اعتمدت موسكو على المسيرات الإيرانية (شاهد)”.
كما سبق لمصادر استخبارية أميركية أن كشفت عن مستوى آخر من التعاون، يقوم به بشار الأسد في سوريا مع “حزب الله”، حيث يقوم الأول بتزويد الأخير بأنظمة دفاع صاروخية، وفق القصاص، فضلاً عن التدريبات والتعاون العسكري المشترك بين “حزب الولي الفقيه” في لبنان والمنخرط بسوريا منذ عقد، مع قوات “فاغنر” الروسية، والأخيرة كلفت بدورها أن تسلم الحزب نظام الصواريخ أرض جو SA-22.
قالت صحيفة “وول ستريت جورنال”، إن الميلشيات الروسية “فاغنر” تلعب الدور الرئيسي في توفير أنظمة الصواريخ لـ “حزب الله”، وهناك تعاون متزايد بين “فاغنز” و”حزب الله” بسوريا، ونقلت في تقرير سابق نهاية العام الماضي عن منسق مجلس الأمن القومي للاتصالات الاستراتيجية في “البيت الأبيض” جون كيربي، قوله إن المجموعة الروسية المسلحة “تستعد لتسليم حزب الله اللبناني أو إيران نظاماً للدفاع الجوي، وفي المقابل تدرس طهران تزويد موسكو بصواريخ باليستية لاستخدامها في أوكرانيا”.
وذكر كيربي، أن الولايات المتحدة “ستراقب الوضع بين إيران وروسيا، وستتخذ الإجراء المناسب حسب الحاجة”، مؤكداً عزم بلاده “استخدام نظامها للعقوبات المناهضة للإرهاب ضد أفراد أو كيانات روسية” لمواجهة هذا الأمر. وتابع: “إيران زودت روسيا بطائرات مسيرة وقنابل تلقى من الجو وذخيرة مدفعية استخدمتها موسكو لمهاجمة أوكرانيا”، مرجحاً أن طهران “قد تستعد لاتخاذ خطوة إضافية” في مساعدتها العسكرية لروسيا.
أخيراً وبحسب كيربي، فإن طهران عرضت على روسيا “تعاوناً دفاعياً غير مسبوق، يشمل الصواريخ والإلكترونيات وقدرات دفاع جوي”، وأن “فاغنر” الروسية “تستعد بتوجيه من موسكو لتقديم قدرات في الدفاع الجوي إما لحزب الله اللبناني أو لإيران”.
هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
اشترك الآن اشترك في قائمتنا البريدية ليصلك كل جديد من الحل نت
مقالات ذات صلة

زيارات متبادلة بين دول خليجية والقيادة الجديدة في سوريا.. ما التفاصيل؟

مرتزقة من اليمن إلى موسكو: كيف أدار “الحوثيون” تجارة البشر لصالح روسيا؟

“بصواريخ باليستية”.. روسيا تشن هجمات غير مسبوقة على أوكرانيا

“تهديد خطير”.. روسيا تدرس نشر صواريخ “أوريشنيك” بآسيا
الأكثر قراءة

وعود حكومية بلا تنفيذ.. هل توقفت بوادر حلول الأزمات السورية؟

وزير النقل السوري يتحدث عن آليات جديدة لتسعير السيارات.. ماذا قال؟

وزير الداخلية السوري: التعاون مع روسيا يخدم دمشق

وزارة الداخلية دفعت محمد الشعار إلى تسليم نفسه.. ماذا قالت؟

وثّقَ تعذيب السوريين بسجون الأسد.. تفاصيل جديدة عن “قيصر”

واشنطن تتحدث عن سحب قواتها من سوريا.. و”قسد” تؤكد عدم تلقيها خططا رسمية
المزيد من مقالات حول سياسة

“سيحاكمون”.. الشرع يرفض الطلب الجزائري بتسليم المقاتلين الجزائريين في صفوف الأسد

الشرع يتحدث عن أسباب رحلته إلى العراق وانضمامه “للقاعدة”

“دعمنا لسوريا مستمر حتى مع تغيير النظام”.. موسكو تغازل دمشق

الإدارة الذاتية تخطط لإفراغ المخيمات من السوريين والعراقيين.. والأمم المتحدة: “داعش” يشكل تهديداً

دمشق: “حزب الله” بات يشكل تهديداً على حدودنا

“حتى عام 2022 كان مقيماً فيها”.. ماهر الشرع من طبيب بروسيا إلى وزير بسوريا

الشرع: لم نفرض “التجنيد الإجباري” وآلاف المتطوعين يلتحقون بالجيش السوري الجديد
