واقعيا، تعاني الصين من تراجع واضح بمعدل نمو الاقتصاد وصل في 2023 إلى أدنى مستوى له منذ 3 عقود، يضاف إلى ذلك تراجع قياسي في عدد سكان البلاد العام المنصرم، لتحتل المرتبة الثانية بعد الهند كأكبر دولة سكانية في العالم لأول مرة منذ عقود بعيدة.
في التفاصيل، نما الناتج المحلي الإجمالي في الصين على أساس ربع سنوي 1 بالمئة في الربع الرابع من عام 2023، متباطئا عن النمو المعدل في الربع السابق والبالغ 1.5 بالمئة.
المحلل شهزاد قاضي، من شركة الاستشارات “تشاينا بيغ بوك” قال وفق تقرير لوكالة “فرانس برس”، إن “الصين سجلت خلال العام الماضي انتعاشا يعتبر مخيبا للآمال بشكل غير مسبوق”، مشدّدا على ضرورة حصول دعم للنشاط الاقتصادي في 2024.
كانغ يي، رئيس “المكتب الوطني للإحصاء”، قال في مؤتمر صحافي في بكين، إن نمو الصين في عام 2023 “تحقق بصعوبة”، لكنه أضاف أن الاقتصاد يواجه بيئة خارجية معقدة وطلبا غير كاف في عام 2024.
ازدياد معدل اابطالة ومعاناة قطاع العقارات
في السياق، فإنه في كانون الأول/ ديسمبر الماضي، تباطأت مبيعات التجزئة التي تشكل مؤشرا رئيسيا لاستهلاك الأسر إلى 7.4 بالمئة خلال سنة، بعد تسارع واضح في تشرين الثاني/ نوفمبر إلى 10.1 بالمئة.
أما الإنتاج الصناعي فقد تسارع بشكل بطيء في كانون الأول/ ديسمبر إلى 6.8 بالمئة خلال سنة، بعد ارتفاع نسبته 6.6 بالمئة في الشهر الذي سبقه.
معدل البطالة زاد بشكل طفيف في كانون الأول/ ديسمبر 2023 ليصل إلى 5.1 بالمئو في مقابل 5 بالمئة في تشرين الثاني/ نوفمبر المنصرم.
إلا أن هذا الرقم لا يعكس الصورة الكاملة لأنه يشمل فقط عمال المناطق الحضرية، ويستثني تاليا ملايين العاملين المهاجرين من المناطق الريفية، وهي فئة أكثر تأثرا بالتباطؤ الاقتصادي وقد تفاقم وضعها بسبب أزمة قطاع العقارات، وكان هذا القطاع بكل تفرعاته يساهم بأكثر من ربع إجمالي الناتج المحلي الصيني ويوظف عددا كبيرا من الأشخاص.
ويعاني قطاع العقارات منذ 2020 من تشديد بكين لشروط حصول شركات المقاولة العقارية على ائتمانات، بغية خفض مستوى دينها، وتغذي المصاعب المالية لمجموعات عملاقة مثل “إيفرغراند” و”كانتري غادرن”، تراجعا في ثقة المشترين على خلفية مساكن غير منجزة وهبوط كبير في الأسعار، وكان لإجراءات الدعم الرسمية تأثير محدود حتى الآن.
سكان الصين: انخفاض بمقدار مليوني شخص
في كانون الأول/ ديسمبر الماضي، سجلت كبرى المدن الصينية تراجعا جديدا في أسعار العقارات خلال شهر، بحسب أرقام “المكتب الوطني الصيني للإحصاء”، وشمل ذلك 62 من أصل 70 مدينة مدرجة في المؤشر الرسمي في هذا المجال في مقابل 33 في كانون الثاني/ يناير 2023، في دليل على تدهور الوضع.
محللون من مصرف الأعمال “غولدمان ساكس”، أشاروا إلى أن “التراجع كبير، خصوصا في المدن الصغيرة والمتوسطة”، وقالت ميشيل لام، خبيرة الاقتصاد في مصرف “سوسيتيه جنرال”، لـ “فرانس برس”، إن “من شأن توفير دعم أكبر للشركات العقارية تهدئة المخاوف” حول وضعها المالي وإعادة إطلاق عجلة هذا القطاع الحيوي، فيما تفيد توقعات البنك الدولي بأن اقتصاد الصين سيتباطأ في 2024 مسجلا 4.5 بالمئة.
فيما يخص عدد سكان الصين، فقد انخفض للعام الثاني على التوالي في عام 2023، إذ قال “المكتب الوطني للإحصاء”، إن إجمالي عدد السكان في الصين انخفض بمقدار 2.08 مليون شخص أو 0.15 بالمئة إلى 1.409 مليار نسمة في عام 2023.
هذا الانخفاض أكبر من تراجع عدد السكان البالغ 850 ألف نسمة في عام 2022 والذي كان أول انخفاض يجري تسجيله منذ عام 1961 خلال المجاعة الكبرى في عهد ماو تسي تونغ.
الصين شهدت ارتفاعا كبيرا في حالات الإصابة بفيروس “كورونا” على مستوى البلاد في أوائل العام الماضي بعد 3 سنوات من المتابعة الدقيقة وإجراءات الحجر الصحي التي أبقت الفيروس تحت السيطرة إلى حد كبير حتى رفعت السلطات القيود فجأة في كانون الأول/ ديسمبر 2022.
ارتفاع الوفيات وتراجع الرغبة بالإنجاب
إجمالي الوفيات ارتفع العام الماضي بمقدار 6.6 بالمئة إلى 11.1 مليون مع وصول معدل الوفيات إلى أعلى مستوى منذ عام 1974 خلال “الثورة الثقافية”، فيما انخفض عدد المواليد الجدد 5.7 بالمئة إلى 9.02 مليون، وسجل معدل المواليد مستوى قياسيا منخفضا بلغ 6.39 ولادة لكل 1000 شخص، بانخفاض عن معدل 6.77 ولادة في عام 2022.
وتراجع معدل المواليد في الصين لعقود من الزمن نتيجة لسياسة الطفل الواحد التي تم تنفيذها من عام 1980 إلى عام 2015 والتوسع الحضري السريع خلال تلك الفترة.
مما ساهم في تراجع الرغبة بإنجاب الأطفال في عام 2023، ارتفاع معدلات البطالة بين الشباب إلى مستويات قياسية وانخفاض أجور العديد من الموظفين الإداريين وتفاقم الأزمة في قطاع العقارات حيث يتم ادخار أكثر من ثلثي ثروات الأسر.
البيانات الجديدة تزيد من المخاوف من أن آفاق نمو ثاني أكبر اقتصاد في العالم تتضاءل بسبب انخفاض عدد العمال والمستهلكين، في حين يضع ارتفاع تكاليف رعاية المسنين واستحقاقات التقاعد المزيد من الضغط على الحكومات المحلية المثقلة بالديون.
الهند تجاوزت الصين كأكبر دولة في العالم من حيث عدد السكان العام الماضي، وفقا لتقديرات الأمم المتحدة، مما أثار المزيد من الجدل حول مزايا نقل بعض سلاسل التوريد التي يوجد مقرها في الصين إلى أسواق أخرى وأهمها الهند، خاصة مع تصاعد التوترات الجيوسياسية بين الصين والولايات المتحدة.
توفعات بتقلص عدد سكان الصين لهذا الرقم
على المدى الطويل، يتوقع خبراء “الأمم المتحدة”، أن يتقلص عدد سكان الصين بمقدار 109 ملايين نسمة بحلول عام 2050، أي أكثر من 3 أمثال الانخفاض المذكور في توقعاتهم السابقة الصادرة عام 2019.
عدد المواليد انخفض للعام السابع على التوالي، ما يمثل تحديا اقتصاديا ومجتمعيا طويل الأمد للصين، في وقت يشيخ سكان البلاد بشكل مطرد، ما قد يؤدي لتباطؤ النمو الاقتصادي بمرور الوقت، ويشكل تحديا لقدرة بكين على توفير الخدمات لعدد أكبر من المسنين بعدد أقل من العمال.
الجدير بالذكر، أن الصين تجري تعدادا سكانيا كاملا كل 10 سنوات، وتواجه بكين التي سعت ذات يوم للسيطرة على النمو السكاني من خلال سياسة الطفل الواحد الآن مشكلة معاكسة.
سياسات تنظيم الأسرة في الصين، شهدت خلال العقد الأخير، تحولات كبيرة، من تقييد المواليد لعقود، وصولا إلى حث الأزواج على الإنجاب خلال السنوات الأخيرة، مع تخفيف “سياسة الطفل الواحد” في عام 2015، حتى سُمح في عام 2021 بإنجاب ما يصل إلى 3 أطفال.
أخيرا، فإنه رغم سعي بكين الجاد إلى تشجيع زيادة معدلات المواليد منذ تخفيف سياسة الإنجاب قبل 8 أعوام، لكن ذلك لم يسفر عن نتائج ملموسة، بل العكس هو الحاصل، وهذا ما يؤثر بدوره على الاقتصاد الصيني بشكل سلبي جدا.
هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.