رغم أن هجمات الحوثيين في البحر الأحمر قد أحدثت طفرة في مجرى التطورات العسكرية على الساحة الإقليمية منذ إعلانها قرصنة السفن المرتبطة بإسرائيل، تعبيرا عن دعمها إلى “حركة حماس” في حرب غزة، واضطرار الولايات المتحدة إلى تكوين تحالف بحري للحد من تلك الهجمات، إلا أن الصين لم تحرك مدمرة بحرية واحدة من أسطولها لحماية مصالحها التجارية في البحر الأحمر ومضيق باب المندب، فلماذا بقيت مراقبة فحسب؟ وكيف تستفيد من الوضع الراهن؟

في نهاية تشرين الثاني/ نوفمبر 2023، لم تمر ساعات على آخر تهديد حوثي بشأن استهداف كل سفينة تحمل علما إسرائيليا أو تشغلها أو تملكها شركات إسرائيلية، حتى استولت الجماعة على سفينة “غالاكسي ليدر”، وقامت باحتجازها لكونها مملوكة لرجل أعمال إسرائيلي، وهو أول إجراء حوثي في البحر الأحمر. 

لم يكتف الحوثيون، المتمردين على الحكومة اليمنية منذ سنوات، بهذا القدر من التدخل في خضم الحرب، بل وسّعوا من دائرة استهدافاتهم لأي سفينة غير متجاوبة معهم، واعتبرت الجماعة، أن أي سفينة شحن مرتبطة بدعم إسرائيل التي تعيش ظروفا اقتصادية صعبة إثر تكلفة الحرب على غزة، هدفا مشروعا لها. 

ردع أميركي وبكين مُراقبة!

مع هذا التصعيد غير المتوقع، رأت الولايات المتحدة الأميركية باعتبارها رأس هرم القوى العظمى في العالم، لزاما عليها ردع ميليشيا “الحوثي” التي أثّرت على شكل التجارة الدولية البحرية بتلك الاستهدافات، لذا قررت وزارة الدفاع الأميركية “البنتاغون” بعد عدم نفع التهديدات الدبلوماسية، أن تعلن عن القوة العسكرية التي قد ترعب الحوثيين، معلنة تحالفا عسكريا بحريا متعدد الجنسيات، تأسس يوم 18 كانون الأول/ ديسمبر 2023. 

التحالف البحري المسمى “حارس الازدهار” ضمّ أكثر من 20 دولة في العالم، أبرزها أميركا وبريطانيا  وهولندا وألمانيا، إلى جانب دول عربية منها البحرين، وأخرى لم ترغب بالكشف عن اسمها. 

مدمرة أميركية وسفينة “غالاكسي” الاسرائيلية – آنترنت

خلال هذه الفترة من التوترات التي لا تزال تنذر المنطقة بتوسع في رقعة القتال، اتخذت الصين من نفسها دور المراقب، داعية بشكل غير فعال إلى وقف الهجمات على السفن التجارية في البحر الأحمر. 

على عكس بكين، ثأرت الولايات المتحدة من تصرفات “جماعة الحوثي” ووجهت لها برفقة بريطانيا ودول مساهمة أخرى 73 غارة استهدفت مواقع عسكرية في العاصمة صنعاء، ومحافظات الحديدة وتعز وحجة وصعدة، وأسقطت 5 قتلى من الحوثيين على الأقل، ولا تزال العمليات مستمرة منذ مطلع كانون الثاني/ يناير الجاري. 

الصين مستفيدة من الضربات الأميركية؟

الهجمات الأميركية على الحوثيين، يراها الكاتب والأكاديمي الأميركي مينكسين بيي، مخاطرة للولايات المتحدة بحياة جنودها، وإنفاقا لمواردها العسكرية العالية التقنية والباهظة الثمن من أجل مساعدة ألد خصم جيوسياسي لها، وهو الصين. 

هذا ما جاء في تحليل بيي الذي يعمل أستاذا في علوم الحكم في كلية “كليرمونت ماكينا” بكاليفورنيا، لافتاً في الوقت نفسه إلى أن التدخل الأميركي يأتي لحماية حركة النقل العالمية عبر البحر الأحمر وضمان فتح الممرات المائية.

على الرغم من أهمية هذه المهمة للحفاظ على الأمان العالمي، يشير بيي إلى أن الصين ستكون المستفيد الرئيسي إذا نجحت القوات الأميركية والبريطانية في كبح هجمات الحوثيين، نظرا لأن 60 بالمئة من صادرات الصين تعتمد على الممر البحري الذي يمر عبر البحر الأحمر.

يركز بيي في تحليله على عدم إرسال البحرية الصينية أي سفن حربية لديها إلى المنطقة، رغم وجود إمكانيات لتحمل مسؤوليات مكافحة القرصنة في خليج عدن، وبناء عليه يرى بيي، أن هذا لا يظهر غباء الولايات المتحدة، ولكنه مثال على التفوق غير المتكافئ في التنافس بين القوتين.

السبب في اعتقاده لذلك، هو أن الولايات المتحدة تتفوق بشكل كبير على الصين في القدرات العسكرية والتكنولوجيا، وفي قدرتها على تشكيل تحالفات دولية. وبالنقيض، تعد الصين قوة إقليمية، حيث تركز اهتماماتها الأمنية بشكل رئيسي على شرق آسيا، وفق رأيه.

ويرى بيي، أن التزامات الأمان العالمي تجبر الولايات المتحدة على توجيه انتباهها ومواردها نحو الأزمات العالمية، بينما تحاول الصين الابتعاد عن التزامات أمنية بعيدة عن منطقتها الخلفية، وتركز بدلا من ذلك على شؤون شرق آسيا حيث تعتبر نفسها قوة عظمى.

سياسة الوساطة 

مراد العريفي، وهو مسؤول التواصل في “مركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية”، يقول إن الصين كغيرها من الدول غير مستفيدة مما يحصل في البحر الأحمر ومضيق باب المندب،  خصوصاً وأن 12 بالمئة من حجم التجارة الدولية يمر عبر المضيق. 

بحسب العريفي، فإن الصين بالتحديد واحدة من الدول التي تعتمد على هذا الطريق البحري لوصول صادراتها إلى الاتحاد الأوروبي ودول المنطقة والبحر المتوسط، مبيناً أن أي أزمة أو توتر في البحر الأحمر يهدد مصالحها الاقتصادية.

نموذج لصاروخ يمني الصنع يحمل العلمين الفلسطيني واليمني وشعارات للحوثيين معروض للبيع في أحد شوارع صنعاء – (جيتتي)

لكن لم يخف العريفي في حديثه مع “الحل نت”، أن الصين تحاول توظيف الأمر من خلال لعب دور الوساطة، على غرار لعبها دور الوسيط بين إيران والمملكة العربية السعودية، الأمر الذي فتح لها آفاق في المنطقة التي تطمع بها الصين منذ سنوات. 

ما يعزز الحديث عن طموح الصين للعب دور في التحكم بخيوط اللعبة، هو امتناعها في 10 كانون الثاني/ يناير الجاري، عن التصويت على قرار مجلس الأمن رقم 2722 الذي دان “بأشد العبارات” هجمات الحوثيين على السفن في البحر الأحمر، وطالب بضرورة وقفها بشكل فوري.

أرقام وتقديرات

تحت وطأة هجمات الحوثيين على الملاحة البحرية، شهد مؤشر شنغهاي للشحن بالحاويات، المستخدم لتقدير معدلات نقل البضائع المستوردة من الصين، ارتفاعا بنسبة 161 بالمئة منذ 15 كانون الثاني/ ديسمبر المنصرم. 

وارتفعت قيمة المؤشر من 1029 دولارا إلى 2694 دولارا، وذلك نتيجة لتبديل مسار السفن حول رأس الرجاء الصالح، وتجنب استخدام قناة السويس، وهو الإجراء الذي أضاف نحو 14 يوما إضافيا إلى مدى الرحلة.

في سياق ذي صلة، تشير التقديرات إلى أن تكلفة شحن حاوية بحجم 10 أقدام من الصين إلى الموانئ الأوروبية تجاوزت حاجز الـ 5000 دولار في الأسبوع الثاني من الشهر الحالي.

ما يمكن ذكره، أن عدد المشاريع الصينية العملاقة في اليمن قبل حرب 2015 بلغ نحو 100 مشروع، إذ اضطرت الشركات إلى الانسحاب بعد الحرب، فيما لديها رغبة في المشاركة بإعادة إعمار اليمن.

ضربات الحوثيين: خطوة إعاقية لمنافسي “الحزام والطريق”

عدا ذلك، تستفاد الصين من هجمات ميليشيا “الحوثي”، كونها تمثل شاغل أمني بالنسبة للمنافسين الدوليين، وعلى الرغم من أن النشاط العسكري الحوثي في البحر الأحمر يضر بالمصالح الصينية التجارية، لكنه في نفس الوقت يفيدها من ناحية صرف نظر الدول المناوئة، كالولايات المتحدة عن تايوان ونفوذ بكين في القرن الإفريقي، وفق المحلل الاستراتيجي اليمني، علي الذهب. 

الذهب يردف في حديث مع “الحل نت”، أن ضربات الحوثيين هي محاولة لإعاقة أو تأجيل مشروع “قناة بن غوريون” التي سيكون اليد الطولى فيها لإسرائيل وبريطانيا والولايات المتحدة، وهو الأمر الذي ستستفيد منه الصين من خلال التأثير في الممر الاقتصادي الهندي المعلن في قمة العشرين، وبالتالي ستكسب مبادرة “الحزام والطريق” متانة أكبر، وتبلورها سيكون بشكل أكبر على أرض الواقع.

تحاول الصين التدخل في إدارة الأزمة اليمنية، من خلال التوافق بين روسيا مع إيران والسعودية، بعيدا عن الرؤية الأميركية البريطانية، بحسب علي الذهب. 

وكانت مجلة “نيوزويك” الأميركية، قد أكدت أن الصين تسعى للاستفادة من هجمات الحوثيين، حيث من وجهة نظر بكين فإنها فرصة لأمن خطوط الشحن الدولية ومضاعفة خطوط السكك الحديدية الصينية من آسيا إلى أوروبا.

المجلة نقلت عن أكاديميين تأكيدهم، أن “جماعة الحوثي” تخدم الصين، من خلال تحدي التفوق الأميركي، عندما تعهدت بمنع الإمدادات المنقولة بحرا إلى إسرائيل تضامنا مع قطاع غزة.

في النهاية، يتضح أن الصين تتبع سياسة اللعب على الحبلين، لكن هذه السياسة قد لا تستمر معها في ظل التطورات السريعة للأحداث في البحر الأحمر، في حين هي تبحث عن ثغرة ما في الملف اليمني، لتقحم نفسها كشريك للوساطة وتعزيز نفوذها في الشرق الأوسط. 

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات