أعلنت القوات المسلحة الأميركية، أمس الأحد، عن وقوع هجوم على قاعدة عسكرية تحتضن قوات أميركية في الأردن قرب سوريا، حيث تم تسجيل مقتل ثلاثة من جنود الجيش وإصابة نحو 34 آخرين، وفي حين أكد “البيت الأبيض” أنه لا يزال يجمع المعلومات حول هذا الهجوم، أفصحت التقارير الأولية عن بعض تفاصيل الحادث.

ووفقاً لمعلومات نقلتها شبكة “سي إن إن” وصحيفة “وول ستريت جورنال”، كانت الهجمات مستهدفة موقعاً عسكرياً صغيراً يُعرف باسم “البرج 22″، الذي يقع بالقرب من الحدود الأردنية مع سوريا، إذ يتمركز “البرج 22” على مسافة قريبة من قاعدة “التنف” الأميركية في جنوب شرق سوريا، حيث تشارك القوات الأميركية بالتعاون مع القوات المحلية في جهود مكافحة المسلحينَ التابعينَ لتنظيم “داعش”.

هذه المرة الأولى التي يُقتل فيها عسكريون أميركيون بنيران معادية منذ بدء الحرب بين إسرائيل و”حماس” في غزة؛ وهو ما يثير تساؤلاتٍ حول الخطة التي اتّبعتها الميليشيات الموالية لإيران في تحويل الصراع إلى حرب إقليمية، ولماذا يحدث الآن؟

“البرج 22” مسرح الهجوم

حتى يوم الجمعة، كان هناك أكثر من 158 هجوما على القوات الأميركية وقوات “التحالف الدولي” في العراق وسوريا من قبل الفصائل المسلحة من قِبل إيران، منذ 17 تشرين الثاني/أكتوبر الماضي.

قُتل ثلاثة جنود أمريكيين وأصيب العشرات بعد أن ضربت طائرة بدون طيار موقعا عسكريا في الأردن يعرف باسم "البرج 22". (رويترز)
صورة القمر الصناعي للموقع العسكري الأمريكي المعروف باسم البرج 22، في الركبان، منطقة الرويشد، الأردن، 12 أكتوبر 2023. (رويترز)

ما تسمي نفسها “المقاومة الإسلامية في العراق”، أعلنت مسؤوليتها عن الهجوم على 4 أهداف بالطائرات المسيّرة، قالت إن 3 منها في سوريا. ولفتت إلى أنها هاجمت فجر اليوم الأحد، قواعد (التنف والركبان والشدادي)، إضافة إلى قاعدة “زولوفون” البحرية التابعة للجيش الإسرائيلي.

“البرج 22” يقع في مكان استراتيجي مهم بالأردن في أقصى الشمال الشرقي عند التقاء حدود المملكة مع سوريا والعراق، وتحديدا بمنطقة الركبان، وهو جزء من الموقع العسكري الكبير على الحدود الأردنية، حيث تستضيف هذه المنطقة قواتٍ من الجيش الأردني والجيش الأميركي، إذ أكدت وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) أن هذه القوات تقدم المشورة والدعم للقوات المحلية.

وفقاً للتقديرات، يتواجد حوالي 3 آلاف جندي أميركي في الأردن، وجزء منهم ينتمي إلى منطقة “البرج 22″، وبالإضافة إلى ذلك، تشير صور الأقمار الصناعية إلى أن موقع “البرج 22” يتواجد داخل الأراضي الأردنية، ويقع بالقرب من مخيم الركبان، الذي يستضيف اللاجئين السوريين، ويمتد مباشرة على حدود الأردن داخل الأراضي السورية.

الحادثة التي أثارت غضب المجتمع الأميركي وصولاً للرئيس، جو بايدن، والذي اتّهم إيران بضلوعها في التنسيق ودعم الميليشيات التابعة لها لمهاجمة القوات الأميركية في الشرق الأوسط، استدعت نفياً سريعاً من قِبل إيران اليوم الاثنين، خشية ردّ واشنطن الحازم.

طهران في بيان لوزارة الخارجيّة نقلته وكالة الأنباء الإيرانيّة الرسميّة (إرنا)، نفت ضلوعها في الهجوم وذلك في محاولة للتّنصل من المسؤولية، وقالت عبر المتحدّث باسم الوزارة ناصر كنعاني، إن “هذه الاتّهامات غرضها سياسي ويهدف إلى قلب الحقائق في المنطقة”، كرّر المقولة السائدة على ألسنة القادة الإيرانيين، بأن “جماعات المقاومة” في هذه المنطقة “لا تأتمر” بأوامر إيران و”تُقرّر أفعالها بناءً على مبادئها الخاصّة”.

خطة الطائرات المسيّرة

في تحقيق سابق، كشف “الحل نت”، عن العقل المدبّر لتدريب الميليشيات العراقية على طائرات دون طيار، ومعلومات سرّية بالصور والوثائق تظهر مدى تورّط “فيلق القدس” في الهجمات التي استهدفت قواعد “التحالف الدولي” والقوات الأميركية في العراق وسوريا.

معلومات سرية كيف خططت إيران لمهاجمة الأميركيين في سوريا والأردن؟ (1)
قاعدة التنف العسكرية في جنوب سوريا في 22 أكتوبر، 2018. (تصوير لوليتا بالدور/ AP)

مسؤول أمني عراقي – تحفّظ “الحل نت” عن نشر اسمه حفاظا على سلامة المصدر – بيّن هوية ضابط عسكري يعمل في الوحدة “402” التابعة لـ”فيلق القدس”، تحت اسم مستعار هو محمد ستاري، ويعمل بشكل قريب من ميليشيات عراقية موالية لإيران مثل كتائب “حزب الله”، ومنظمة “بدر”، و”عصائب أهل الحق”، وقد سافر ستاري عدة مرات على العراق في السابق ولا يُستبعد سفره إلى سوريا أيضا.

لكن في سياق استهداف “البرج 22″، كشف مصدر عسكري عربي لـ”الحل نت”، أن معلومات سرّية حصلت عليها “قوات التحالف” وبعض الدول الإقليمية في الشرق الأوسط، أفادت بأن قادة “الحرس الثوري” وخلال اجتماع في سوريا، وزّعوا إحداثيات قواعد عسكرية أميركية وأردنية وإسرائيلية على ميليشياتهم في المنطقة.

بعد حادثة مقتل الجنود الأميركيين، مصدر أردني أمني رفيع، صرّح أن الأردن طلب إرسال أنظمة دفاع جوي “باتريوت” من الولايات المتحدة، حيث نبّهت عمّان واشنطن مؤخرا إلى الحاجة لتعزيز الدفاعات ضد ميليشيات تدعمها إيران.

وفي تشرين الأول/أكتوبر الماضي قال مدير الإعلام العسكري الأردني، العميد الركن مصطفى الحياري، إن الأردن طلب من واشنطن نشر منظومة الدفاع الجوي “باتريوت” لتعزيز الدفاع عن حدودها، مضيفا أن “الطائرات المسيّرة، أصبحت تشكّل تهديدا… وطلبنا من الولايات المتحدة تزويدنا بمنظومة مقاومة لها”.

وفقا للمعلومات التي ينفرد “الحل نت” بنشرها، فإن “الحرس الثوري” بدأ عملية تجميع طائرات انتحارية جديدة في منشأة عسكرية سورية قرب مدينة حمص، من أجل توريدها لـ”حزب الله” والميليشيات الإيرانية في جنوب سوريا.

التصنيع بدأ منذ منتصف تشرين الأول/أكتوبر، لحوالي 400 طائرة بدون طيار، حيث تم توزيعها على الميليشيات الإيرانية في سوريا سواء في الجنوب والشرق، أو لـ”حزب الله” بلبنان، إذ ستعمل هذه الطائرات على الهجوم على قواعد عسكرية معينة داخل سوريا وخارجها.

الطائرات التي بدأ بتصنيعها هي من نوع الطائرات ذات المروحيات الرباعية والمستخدمة لحمل مقذوف ناري مثل الهاون أوالقنابل اليدوية، لإسقاطها على نقطة معينة.

هذا الإجراء بالتصنيع الفوري، جاء بعد توزيع إحداثياتٍ لـ 11 قاعدة عسكرية داخل سوريا وخارجها على جميع الميليشيات الإيرانية دون استثناء، وطلب منهم التجهيز بمحاكات لقصف هذه القواعد، وذلك للتنفيذ في حال الدخول بحرب رسمية مع إسرائيل.

القواعد التي تم إرسال إحداثياتها، هي (قاعدة الملك الحسين الجوية، قاعدة رميلان، قاعدة هيمو بالحسكة، قاعدة حقل العمر، قاعدة ميتسر جنوبي الجولان، قاعدة ماخنى ياردن بالجولان، قاعدة عين الأسد في محافظة الأنبار، قاعدة حرير في أربيل في إقليم كردستان، قاعدة التنف شرق سوريا، معسكر فيلون بالجولان، قاعدة ميشڤ علون بصفد).

فوج “العشائر الهاشمية”

لم تقتصر الخطة الإيرانية على حشد ميليشياتها ضد القواعد الأميركية، بل بحسب تقريرٍ حديث لمعهد “واشنطن” للدراسات، فإن “الثوري” الإيراني أنشأ مؤخرا فصيل جديد داخل سوريا، تحت اسم فوج “العشائر الهاشمية”.

نواف راغب البشير زعيم قبيلة “البقّارة”، ومرتبط بـ”لواء الباقر” التابع لـقبيلة “البقّارة”. وهو أيضاً قائد ميليشيات “أسود العشائر” التابعة “للحرس الثوري” الإيراني – إنترنت

ووفق المعهد، فإن فصائل من المستوى الثالث (جماعة مسلحة) تشارك في أعمال عسكرية وشبه عسكرية حركية في سوريا، خاصة في المنطقة الشرقية التي تشمل دير الزور، إذ ركزت في المقام الأول على محاربة “قوات سوريا الديمقراطية” المتحالفة مع الولايات المتحدة، وتعزيز القوة القَبَلية العربية، ومعارضة النفوذ الكردي.

في 11 أيلول/سبتمبر 2023، عقد ضباط من “الحرس الثوري” اجتماعاً مع نواف راغب البشير، أحد كبار زعماء اتحاد عشائر البقارة والشخصية الموالية لإيران، والعديد من قادة الميليشيات المحلية في محافظة دير الزور (إما بلدة الحطلة أو الميادين). 

وأسفر اللقاء عن الاتفاق على تشكيل ميليشيا جديدة ذات طابع عشائري عربي في مناطق سيطرة الحكومة السورية شرق الفرات  تحت اسم “المقاومة الشعبية”، وكان من بين الحاضرين الآخرين القائد الإقليمي لـ”قوات الدفاع الوطني”  غير النظامية التابعة للجيش السوري، محمد الرجاء، بالإضافة إلى عبد الصاحب الموسوي من العراق والحاج عباس من إيران.

المسؤولون الإيرانيون اختاروا عدّة شخصيات للعمل مع حزب “التحرير”، بما في ذلك عبد الله الشلاش، وغانم السليمان، وأحمد سلامة، وفارس الخضر. وشلاش يقود عملية المصالحة المحلية بين عناصر المعارضة ودمشق. وسليمان مسؤول سابق في مكتب عشائر تنظيم “داعش” ولكنه يعمل الآن في لجنة المصالحة. 

أما سلامة فهو رئيس بلدية الشميطية السابق ومعروف محلياً كوسيط يسهل التعاون مع الميليشيات المدعومة من إيران، فيما يقوم خضر بتجنيد شباب ومثقفي دير الزور للعمل لصالح إيران. وفي نهاية المطاف، شكّل البشير الفوج ويقوده الآن، مستفيداً من منصبه كشيخ “أكبر قبيلة في سوريا”.

ويتكون الفصيل من حوالي 1000 مقاتل، ويرتبط معظمهم بالبشير، في حين قام شلاش وسليمان وخضر بتجنيد مجموعات صغيرة من الشباب من دير الزور (تضم 80 و50 و150 مقاتلاً على التوالي)، ويدفع للمجندين الجدد 500 ألف ليرة سورية شهرياً (حوالي 33 دولاراً)؛ كما يحصلون على حصص غذائية وبطاقات أمنية تمكّنهم من التحرّك بحرّية في المنطقة.

استهداف القواعد الأميركية في دول إقليمية محيطة بسوريا والعراق مثل الأردن يعني أن هناك جغرافيا جديدة في المواجهة، وهذا سيأخذنا نحو تصعيد جديد؛ بسبب وقوع قتلى من الجيش الأميركي، ويبدو أن طهران مصرّة على جرّ الأردن والمنطقة إلى صراع إقليمي أوسع.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات