يبدو أن الصين تلعب دوراً ملموساً في حرب غزة، وهذا اتضح جلياً بعد أن بات مقطع فيديو لقناص “حمساوي” وهو يحمل سلاحاً صينياً، مشهداً محفوراً ولافتاً في خضم الأحداث التي شهدتها الحرب بين إسرائيل وحركة “حماس” الفلسطينية في قطاع غزة منذ أكثر من 120 يوماً.

في الواقع، تبيّن أن “حركة حماس” دججت ترسانتها بأسلحة غير تقليدية، منها مصنوعة في بلدان تبعد عنها آلاف الأميال، ما يكشف عن أيادٍ خفيّة متضلّعة في تحريك الصراع الدائر بغية عدم إخماده وبقائه مشتعلاً قدر المستطاع، فما علاقة الصين؟

نهاية 2023، وبعد مرور 90 يوماً من الحرب، ظهرت بندقية صينية من العيار الثقيل بيد قناصي “كتائب القسام”، الجناح العسكري لحركة “حماس” في قطاع غزة، ما أثار تساؤلات حول مصدرها وكيفية الحصول عليها، وأثارت تفاعلاً واسعاً من قبل مغردين حول فعاليتها وإمكانياتها.

في حسابات الخسائر العسكرية في غزة، يظهر أن إسرائيل تعاني أكثر من مقتل جندي واحد مقارنة بتعطل 10 آليات عسكرية، وتكون الجروح التي يتعرض لها جندي أكثر تكلفة سياسياً واقتصادياً ولوجستياً من مقتله. لذلك، تحرص “كتائب القسام” على الإعلان المستمر عن عمليات قنص الجنود الإسرائيليين وتوثيقها بوسائل الفيديو.

ما هي “إم 99″؟ 

في أحد هذه الفيديوهات، ظهر قناص “القسام” يستخدم بندقية صينية من طراز “إم 99 جيجيانغ”، وهي مضادة للعتاد بعيار 12.7 مليمتر، وتستطيع اختراق المدرعات والدبابات. يبلغ طول البندقية 1.5 متر، وتزن 12 كيلوغراماً، ويتسع مخزنها 5 طلقات، ومن بين ميزاتها أنها تلقيم نصف آلي، ويصل مداها المجدي إلى 1700 متر في ثانيتين.

ظهرت هذه القناصة عدة مرات خلال السنوات الماضية في تدريبات وعروض عسكرية بقطاع غزة، دون أن تكشف “كتائب القسام” رسمياً عن استخدامها في عملياتها أو استهدافها للجنود الإسرائيليين بها.

في تموز/ يوليو الماضي، نشر حساب “الصين بالعربية” صورة لأحد مقاتلي “القسام” وهو يحمل البندقية الصينية، معلقاً عليها: “شوهدت بندقية صينية من طراز إم 99 من العيار الثقيل بحوزة قناص من كتائب القسام في غزة. من المفترض أنه تمت إعادة تصديرها عبر إيران”. 

سلاح “إم 99” الصيني – إنترنت

بالإشارة إلى مدى فعالية السلاح الصيني المُعلن، تشير التقارير إلى أن بندقية “M 99” تتمتع بعدة مزايا، حيث يمكنها التخلص من هدف على بُعد 1600 متر في غضون ثانيتين، وهو قبل وصول صوتها لموقع الهدف بـ 2.7 ثانية، وفقاً لموقع “Gun Wiki“، فيما يتبين أن أبرز مميزاتها تشمل:

– اختراق المركبات المدرعة.

– إطلاق الرصاص من مسافات كبيرة.

– قدرتها القتالية الفائقة عند مسافة 1524 متر.

– سرعة الرصاصة التي تقطع مسافة 800 متر بالثانية، وهي ضعف سرعة الصوت.

– مكابح قوية لتقليل الارتداد وتوفير حماية إضافية للقنّاص.

– إمكانية إضافة تلسكوبات ونظارات للرؤية الليلية وعدسات ثابتة أو مُتغيّرة.

بالتزامن مع هذا التطور العسكري، أفادت قناة “12” الإسرائيلية بضبط الجيش الإسرائيلي كميات من الأسلحة الصينية في غزة، مما أثار تساؤلات في الأروقة الأمنية حول كيفية وصول تلك الأسلحة من الصين إلى القطاع.

فيما يخص ملكية “حماس” لهذا السلاح، يُشير الخبير الصيني، كاريس ويت، إلى أن الأسلحة الصينية ربما وصلت إلى يد حركة “حماس” دون شرائها مباشرة من بكين، ويُضيف أن الصين لا تبيع أسلحة لكيانات غير حكومية، ولكنها قد تبيعها لدول في الشرق الأوسط، مع التأكيد على ضرورة التحقق من هذا الأمر من قبل السلطات الصينية الرسمية.

مظهر البندقية في يد “كتائب القسام” في غزة يُعتبر إضافة قوية إلى قوة القناصة، مما يُسهم في تعقُّب وقنص الجنود الإسرائيليين، وخاصة القوات الراجلة والمشاة، في ظروف المعركة الحضرية، وقد يكون ذلك أحد الأسباب التي دفعت إسرائيل إلى سحب عدة كتائب من شمال غزة. 

العتاد من الصين والطريق إيراني روسي 

يقول الباحث والكاتب الصحفي الفلسطيني المهتم بشؤون الشرق الأوسط، مصطفى الزواتي في حديث مع “الحل نت”، إن ظهور سلاح صيني في قطاع غزة، “يعكس المفاجآت التي تقوم بها خماس، وإثبات لقدرة الحركة بالتموضع من محور إلى آخر”. 

هنا يشير الزواتي، إلى أنه “بعد ثورات الربيع العربي أدركت حركة حماس أن الدوران في الفلك العربي لا يخدمها بل يدفعها للتلاشي والانتهاء كما الكثير من الثورات التي كان يعول عليها في إحداث التغيير”.

“بالتالي استطاعت حماس من خلال علاقاتها مع إيران وانفتاحها على روسيا، تحقيق انعكاسات على المشهد الفلسطيني الداخلي، وخاصة في قطاع غزة، ولولا تقارب الحركة مع إيران وروسيا وكذلك الصين في مرحلة لاحقة لما شهدنا التطور النوعي لدى الحركة على مستوى العتاد والأسلحة والتكتيكات العسكرية”.  

وصول الأسلحة الصينية إلى غزة “ليس بالأمر الصعب”، هكذا رأى الزواتي الذي عزا الأسباب إلى أن “حركة حماس لديها الكثير من الخيارات”، وحول هذه النقطة، يوضح أنه “من المتوقع أن الأسلحة وصلت إلى القطاع عن طريق طرف، إما إيراني أو روسي، ودور المخابرات الروسية ليس بالبعيد في ذلك من ناحية تسهيل إدخال الأسلحة إلى قطاع غزة بما فيها أسلحة روسية الصنع وأخرى صينية، بواسطة ممارسة الضغط أو الاتصال بأحد الاطراف، منها مصر، أو ربما كذلك عن طريق اختراق المخابرات الروسية للمنظومة الأمنية الإسرائيلية، وهذا الأمر وارد جداً، خاصة عن طريق تجنيد بعض اليهود الروس لتسهيل إدخال السلاح الروسي والصيني إلى غزة”. 

مصطفى الزواتي يوضح المشهد، بأن الصين تحرص أن تكون حاضرة في القضية الفلسطينية عبر التحركات التي نراها مؤخراً، لكن لا يوجد دور صيني فاعل ومباشر مثل إيران وروسيا، ولا يتعدى الدور الصيني الفعلي سوى في المواقف السياسية وذلك للضغط على المحور الأميركي والغربي ولتكون غزة ورقة ضغط ومكسب سياسي في المنطقة، مؤكداً أن مصلحة الصين تكمن في استمرار الحرب بقطاع غزة. 

بهذه النقطة، يتفق علي الذهب المحلل الاستراتيجي والباحث المتخصص في الشؤون العسكرية والاستراتيجية، مع الزواتي، بأن دعم الصين لحركة “حماس” يكون عبر وسطاء وليس بشكل مباشر، وتهدف من خلاله إلى امتلاك مراكز ضغط للتأثير الجيوسياسي في المنطقة، وفق رأيه. 

الذهب يضيف في حديث مع “الحل نت”، أن الصين مستفيدة من الحرب في غزة، لأنها تضرب أي مشاريع مناهضة لمبادرة “الحزام والطريق” الصيني، كما أن طموح بكين في زعامة العالم من بوابة الاقتصاد، جعلت هذه المنطقة في الشرق الأوسط التي تعد الأكثر حساسية محط طمع للصين لكونها حاضنة للموانئ البحرية ومكاناً لتدفق السلاح ونقل النفط، وبالتالي تحاول الصين أن تثبت حضورها في منطقة تخلو من أي نفوذ عسكري لها. 

إسرائيل تحقق 

المختص في الشؤون العسكرية والاستراتيجية، يردف أن حركة “حماس” في فلسطين تمكنت من استغلال فترة سيطرتها على قطاع غزة، من الحصول على الأسلحة الصينية، خاصة بعد عام 2011 خلال أوج نشاطها، لكن توفر الأسلحة يعود لما بعد 2005، علما أنه من الصعب الحيلولة دون وصول السلاح الخفيف والمتوسط إلى أيدي جماعات “المقاومة”، حسب قوله. 

بخصوص مصادر حصول “حماس” على الأسلحة الصينية وغيرها، يلفت الذهب، إلى أن “أحدها عن طريق الخارج عبر التهريب عبر الحدود سواء برياً أو بحرياً، وطريق البحر كان الأنسب لها كونها كانت محاصرة من البر، إضافة إلى وجود مصدر آخر وهي السوق الرمادية، وهي أسلحة مشروعة اشترتها دول وتتسرب إلى أيدي حركات الكفاح المسلح، ومن الوارد أن اسرائيليين أنفسهم قاموا ببيع هذه الأسلحة إلى حماس، وهذه تعتبر مصادر داخلية، ومن الممكن تطوير السلاح واستنساخه بطريقة محلية”. 

إلى ذلك يثول الذهب، إن “حماس” ليست بحاجة إلى انخراط الصين في هذا الجانب، في ظل وجود إيران والمحيط الإقليمي. لكن بنفس الوقت، الأمر الذي تحتاجه الحركة في هذا الصدد يكمن في جلب قطع الغيار الخاصة بالأسلحة من الخارج، والتي قد تلعب الصين دورها في هذا الأمر، مردفا، أنه إذا ثبت حصول “حماس” على الأسلحة الصينية فإن أول إجراء أميركي سيكون هو فرض عقوبات على الصين، وستستهدف هيئة التدريب في وزارة الدفاع الصينية بشكل خاص.

في يوم 5 كانون الثاني/ يناير 2024، أفادت صحيفة “التلغراف” البريطانية، بأن إسرائيل تحقق في كيفية وصول معدات صينية عالية التقنية إلى “حركة حماس” في قطاع غزة، مثيرة مخاوف تل أبيب من احتمال “تورط” بكين بشكل مباشر، ونقلت الصحيفة عن مصدر استخباراتي إسرائيلي قوله، إن الجيش اكتشف “كميات هائلة” من الأسلحة الصينية في غزة، وأشار المصدر إلى أن السؤال المحوري هو ما إذا كانت هذه الأسلحة قد وصلت مباشرة من الصين إلى حماس.

المصدر الإسرائيلي، لفت إلى أن هذا الاكتشاف جاء كمفاجأة كبيرة، خاصة أن العلاقات بين إسرائيل والصين كانت “جيدة جدا” قبل الحرب على غزة، وأضاف المصدر أن الصين قد قلبت موقفها تجاه إسرائيل بشكل كبير، مردفا، أنها اتجهت بالكامل نحو موقف مناهض للسامية، وفق تعبيره.

يستخلص مما سبق، أن يد الصين متواجدة في كل ملف مشتعل أو شائك في الشرق الأوسط من أجل تحقيق مآربها في السيطرة الاقتصادية، وهي مستعدة لدعم أي حالة فوضى أو حرب طالما تستفيد منها، وأن الدور الذي تدّعي إظهاره بالوقوف على الحياد هو في الحقيقة إخفاء لما في الكواليس من ضلوع بالنزاعات الدائرة حول العالم. 

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات