وسط ما سترنو إليه الجلسة النيابية التي ستُعقد الأربعاء القادم بدعوة من رئيس المجلس النيابي نبيه بري، بناءً على طلب رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، حول توحيد المقاربات في التعامل مع ملف النزوح السوري، وصولاً إلى وضع خريطة طريق تشرّع الباب سياسياً أمام عودة النازحين إلى قراهم وبلداتهم في سوريا، تقوم المديرية العامة للأمن العام بتأمين العودة الطوعية للاجئين السوريين من لبنان عبر مركز القاع الحدودي، وعرسال عبر معبر الزمراني على الحدود السورية يوم غد الثلاثاء، اعتباراً من الخامسة صباحاً. وبحسب مصادر رسمية، فإن عدد السوريين المغادرين لن يتجاوز الألفي شخص.

وفي ضوء ذلك، يتخوف اللاجئون السوريون من خطر الترحيل القسري، إذ وصلت العديد من نداءات الاستغاثة لـ”المرصد السوري لحقوق الإنسان” من قبل لاجئين سوريين في لبنان، يناشدون فيها بتدخل المجتمع الدولي والمنظمات الفاعلة من أجل إنهاء معاناتهم داخل الأراضي اللبنانية في الوقت الذي يرفضون بشدة العودة إلى وطنهم خوفاً من وقوعهم في قبضة الأجهزة الأمنية التابعة لحكومة دمشق لكون الكثير منهم من المعارضين لدمشق ومصيرهم المحتم هو إما “الاعتقال والتعذيب أو الموت” في حال عودتهم.

أزمة اللاجئين السوريين بلبنان

هذا وأكدت مصادر “المرصد السوري لحقوق الإنسان” في تقرير نُشر اليوم الاثنين، إغلاق الكثير من المحلات التجارية والمصانع العائدة ملكيتها للسوريين خلال الأيام الفائتة، من قبل السلطات اللبنانية ومصادرة كميات كبيرة من البضائع والمواد وتكبدهم خسائر مادية فادحة، فضلاً عن عمليات الترحيل العشوائية القسرية التي تجري بحق السوريين وإعادتهم إلى مناطق سيطرة حكومة دمشق دون وجود أي ضمانات أمنية تحميهم من المساءلة والاعتقال.

وأشارت المصادر، بأن الكثير من حالات الترحيل وقعت بحق لاجئين سوريين يعيشون في لبنان بشكل نظامي ولديهم كافة الأوراق الثبوتية الرسمية.

وبالعودة إلى الجلسة النيابية التي ستعقد الأربعاء، فهي تعتبر الأولى منذ بدء النزوح السوري إلى لبنان، نتيجة الحرب التي اندلعت في سوريا بداية العام 2011.

ووفق ما نقلته صحيفة “الشرق الأوسط” اللندنية، فإنه يُنتظر أن تسجّل الجلسة حضوراً نيابياً غير مسبوق. وهي تأتي مع انعقاد مؤتمر بروكسل في 28 أيار/ مايو الجاري، المخصص للبحث في ملف النزوح السوري.

وطبقاً لتقرير صحيفة “الشرق الأوسط”، فإن الكتل النيابية تداعت إلى عقد اجتماع تشاوري، بتشجيع من الرئيس بري، للوصول إلى مسودة لموقف موحد يُفترض أن تحظى بتوافق الهيئة العامة في جلستها، الأربعاء، على أن تلتزم بروحيتها جميع مؤسسات الدولة المعنية بعودة النازحين السوريين إلى ديارهم، وتشكل دعماً لموقف الحكومة في اجتماع بروكسل وتحصيناً له، سواء ترأس الوفد الوزير بوحبيب أو الرئيس ميقاتي، في حال تقرر رفع الحضور إلى مستوى رؤساء الحكومات.

مع احتدام الأزمة بحق السوريين في لبنان للحد الذي تسبب في الاعتداء عليهم بالشوارع قبل أسابيع، وتهديد سلامتهم، انتحر شاب سوري شنقاً، داخل مخيم “رقم 018” للاجئين السوريين في بلدة مجدل عنجر بالبقاع الأوسط في لبنان.

وفي هذا السياق، كشفت مصادر نيابية بارزة عن أن الرئيس بري دخل شخصياً على خط الاتصالات تحضيراً لعقد اللقاء التشاوري، وقالت إنه كلف معاونه السياسي النائب علي حسن خليل مهمة التواصل مع رؤساء الكتل النيابية، على قاعدة أن الإجماع على ضرورة عودة النازحين السوريين إلى ديارهم يشجع على التوصل إلى مسودة للتوصية التي يُفترض أن تصدر عن البرلمان في ختام الجلسة النيابية.

هذا وتعد المناطق التي تقع تحت نفوذ “حزب القوات اللبنانية” من أكثر المناطق التي يتعرض فيها السوريين للتنكيل والانتهاكات والترحيل القسري ومصادرة الممتلكات وتقييد الحرية.

وتأتي هذه الانتهاكات المتواصلة في ظل عدم وجود استقرار داخل الأراضي السورية وعدم وجود بيئة آمنة لضمان عودتهم بشكل آمن، حيث أشار الكثير من اللاجئين السوريين خلال مناشدتهم عبر “المرصد السوري”، بأنهم باتوا يفضلون الموت على العودة إلى حضن الحكومة السورية من جديد، في حين تكتفي مفوضية اللاجئين بالرد على مناشدات وصيحات اللاجئين السوريين في لبنان بقولها بأنها لا تستطيع فعل شيء لهم.

ومع احتدام الأزمة بحق السوريين في لبنان للحد الذي تسبب في الاعتداء عليهم بالشوارع قبل أسابيع، وتهديد سلامتهم، وانبعاث النداءات المخيفة من مكبرات الصوت تطالبهم بالرحيل، بما يفاقم من ظروفهم القهرية ويجعل حياتهم وأمنهم الشخصي على المحك، انتحر شاب سوري شنقاً، صباح يوم أمس الأحد داخل مخيم “رقم 018” للاجئين السوريين في بلدة مجدل عنجر بالبقاع الأوسط في لبنان.

وكتب الشاب رسالة وجدت بجانب جثته، اعتذر فيها من أمه، وبرر إقدامه على الانتحار لأنه لم يعد قادراً على تحمل آلام الحياة والأوضاع المعيشية القاسية.

خطر إعادة المسجونين

في المقابل، ناشد يوم أمس الأحد سجناء سوريون في سجن رومية بلبنان، لإنقاذهم ومنع ترحيلهم إلى سوريا وتسليمهم للحكومة السورية، بعد الكشف عن خطة لترحيل عدد من المساجين لبلادهم، وفق “المرصد السوري”.

في 23 نيسان/ أبريل 2024، انعقد اجتماع سياسي وأمني وقضائي برئاسة رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، حيث تم تكليف المدير العام للأمن العام بالإنابة، اللواء إلياس البيسري، بإعادة التواصل مع السلطات السورية لإيجاد حل لملف السجناء والمحكومين السوريين في السجون اللبنانية.

الأوضاع في سجن رومية بلبنان توصف بـ”الكارثية”- “الحرة”

ويضم سجن رومية مئات السجناء السوريين منهم منشقين عن قوات النظام بدمشق برتب مختلفة ومقاتلين سابقين، وآخرين، هددوا في آذار/ مارس الفائت بإقدامهم على الانتحار قبل أن يتم تسليمهم إلى دمشق.

وفي تقرير لموقع “الحرة”، فإن أحد السجناء السوريين الذين فرّوا من جحيم الحرب في سوريا عام 2012 وجد نفسه قبل أربع سنوات خلف قضبان سجن رومية في لبنان، يواجه قضيتين، الأولى تتعلق بترويج عملة مزيفة وقد حُكم عليه فيها بثلاث سنوات، والثانية لا زالت قيد النظر.

ولا يبدي السجين الذي يدعى علاء، بحسب “الحرة” أي استعجال للحصول على حكم في القضية الثانية، فهو ينتظر بفارغ الصبر حلّ قضية تسليم السوريين للحكومة في دمشق. ويقول لموقع الأميركي “لا يهمني متى سيحكم عليّ، فأنا أُفضل البقاء في رومية على أن أُسلم للنظام الإيراني الذي يحكم وميليشياته بلدي”.

يضيف علاء “تم تدمير منزلنا، وعائلتي مشتّتة بين تركيا والخليج ولبنان، عندما غادرت حلب، مسقط رأسي، لم أكن مطلوباً للخدمة الإلزامية. أما الآن، فأنا مطلوب. ولكن لمن سأخدم؟ لمن قتل أقاربي”؟

نفّذت عناصر الأمن خلال الأيام القليلة الفائتة حملات واسعة في العاصمة بيروت، وفي مختلف المناطق اللبنانية، جرى أثناءها توقيف سوريين لمخالفتهم نظام الإقامة والعمل.

المحزن أن علاء وصف الأوضاع في سجن رومية بالكارثية “المياه ملوّثة، والنفايات تنتشر بشكل مخيف، والأمراض تفتك بالسجناء. نوعية الطعام مزرية. كل هذه المعاناة لا تقارن مع ما ينتظرنا إذا تم تسليمنا.”

في الواقع، يبدي السجناء السوريون في لبنان تخوفاً كبيراً من ترحيلهم إلى سوريا، نظراً للتبعات التي سيواجهونها في حال تم تسليمهم للأجهزة الأمنية في دمشق.

وهذه المخاوف تعاظمت منذ نيسان/ أبريل الفائت، على إثر طلب اللجنة الوزارية لمتابعة عودة النازحين السوريين إلى بلادهم، من وزير العدل اللبناني، هنري الخوري، البحث في إمكانية القيام بهذه الخطوة بشكل فوري “مع مراعاة القوانين والاتفاقيات ذات الصلة وبعد التنسيق بهذا الخصوص مع الدولة السورية”.

ونتيجة لذلك، حذرهم السجناء السوريون من الانتحار الجماعي إذا اتبعت الحكومة اللبنانية هذا الخيار، والشهر الماضي، حاول 4 سجناء سوريين في سجن رومية الانتحار، حيث علقوا مشانقهم باستخدام الأغطية، وذلك احتجاجاً على تسليم أحد الموقوفين إلى الحكومة السورية، إلا أنه تم إنقاذهم في اللحظات الأخيرة ونقل ثلاثة منهم إلى مستشفى في لبنان لتلقي العلاج.

هذا وسبق أن دعت “منظمة العفو الدولية”، في نيسان/ أبريل الماضي، السلطات اللبنانية إلى الكف فوراً عن ترحيل اللاجئين السوريين قسراً، مذكرة بالتقرير الذي أصدرته في أيلول/ سبتمبر 2021، حيث وثقت “قائمة بالانتهاكات المروّعة التي ارتكبها ضباط المخابرات السورية بحق 66 لاجئاً سورياً عائداً، بينهم 13 طفلاً. وكان معظم هؤلاء الأطفال مُعادون من لبنان، بمن فيهم اثنان سبق أن تمَّ ترحيلهم”.

تضييق على السوريين

في خضم كل ذلك، تطبق عناصر “الأمن العام” اللبناني تدابير وإجراءات مشددة في مختلف المناطق والقرى، تنفيذاً لتعليمات صارمة أصدرها المدير العام لـ”الأمن العام” بالإنابة، اللواء إلياس البيسري، لمعالجة المخالفات المرتبطة بالوجود السوري في لبنان.

إشعارات بإقفال محلات في النبطية بعد حملة مداهمة للأمن العام-“الوكالة الوطنية للإعلام”

ونفّذت عناصر الأمن خلال الأيام القليلة الفائتة حملات واسعة في العاصمة بيروت، وفي مختلف المناطق اللبنانية، جرى أثناءها توقيف سوريين لمخالفتهم نظام الإقامة والعمل، ودخولهم البلاد خلسة، كما تم إقفال عدد كبير من المحال التي يديرها عمال سوريون.

اللافت أن رئيس “حزب القوات اللبنانية” سمير جعجع، أثنى على هذه الإجراءات، معتبراً أنها “خطوة أولى على طريق الألف ميل”. وأضاف، في تغريدة له على منصة “إكس” (تويتر سابقاً): “نحن في انتظار الخطوات التالية”.

في العموم، يبدو أن اللاجئ السوري في لبنان اليوم أمام مواجهة بين مشروعين، كل طرف في مربع ملغوم بالأمن أمنياً وطائفياً وحسابات السياسة يواجه مربع مماثل يخشى من نصيبه في محاصصة الوطن الذي حول حتى مواطنيه إلى فئات عسكريتارية مشحونة بالعداء وشهوة الانتقام ومتحفزة على القتل والعدوان.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات