وسط استمرار الاحتجاجات السلمية في إدلب، والمطالبة بإسقاط زعيم “هيئة تحرير الشام”، أبو محمد الجولاني، وإطلاق سراح المعتقلين من سجونه، تتزاحم خطابات التهديد والتحريض ضد المتظاهرين من قبل عناصر “تحرير الشام” وزعيمها.

وفي تهديد علني ومباشر، توعد أحد عناصر “تحرير الشام” المتظاهرين في إدلب بـ”قطع الرؤوس”، حيث تداول نشطاء عبر منصات التواصل الاجتماعي مقطع فيديو لعضو في “تحرير الشام” يقال إنه للمدعو بـ “أبو خطاب الغزاوي أو شامل الغزي” فلسطيني الجنسية، أثناء تشييع عنصر في “الهيئة”.

“تحرير الشام” تهدد المتظاهرين

ويظهر شامل الغزي في مقطع الفيديو وهو يهاجم فيه المتظاهرين السلميين، ويتوعد بـ “جَزّ الرؤوس”، ويصف الحراك الشعبي بإدلب بـ”حراك الشر” وأنهم مجرد “حثالة”، فقال: “والله سنقطع أيديكم، بل وسنجز رؤوسكم”، وأردف قائلاً:”من يسمون أنفسهم بالحراك، هؤلاء حراك الشر.. كانوا يقولون عن المجاهدين، الذين يدافعون عنا ونحن آمنين في البيوت.. كانوا يقولون عن هؤلاء المجاهدين، شبيحة.. كانوا يقولون عن أبطال وزارة الداخلية في حكومة الإنقاذ التابعة لهيئة تحرير الشام، شبيحة.. إذا هؤلاء شبيحة فأنتم ماذا يا حثالة القوم.. أنتم ماذا يا شرذمة؟..”.

وأعاد هذا التهديد إلى الأذهان فتاوى سفك الدماء لمشرعي “تحرير الشام” السابقين “أبو اليقظان والفرغلي” وغيرهم، الذين أباحوا دماء السوريين، حين طالبوا بحقوقهم المحقّة.

يذكر أن ما يدعى، شامل الغزي ظهر في مقطع فيديو سابق إلى جانب القيادي في “الهيئة”، أبو ماريا القحطاني، الذي قتل في هجوم باستخدام حزام ناسف، قبل نحو شهر، ويقول الغزي في الفيديو إنه أول من جاء من غزة إلى سوريا كـ”مناصر”.

لكن يبدو أن الغزي وغيره الكثير من عناصر “تحرير الشام”، لا ينتهجون سوى نهج العنف والقتل، مثل كل الجماعات المتطرفة والإرهابية، و”الهيئة” التي غيرت اسمها من “جبهة النصرة” إلى “هيئة تحرير الشام”، وادعت أنها نأت بنفسها عن تنظيم “القاعدة”، لا يبدو أنها جدية بشأن التغييرات التي تدعي أنها أحدثتها في بنيتها الأيديولوجية أو حتى التنظيمية، فالبطش الأمني العنيف والهمجي ضد المتظاهرين، يؤكد أن طاقة القمع والعنف باتت سلاحها الوحيد، والفائض الأمني لا يعكس سوى أعباء تضاف للتنظيم وتحاصره في ظل تعرّضه للانحسار فضلاً عن ضعف مرتكزاته التنظيمية البنيوية.

هذا وسبق أن أفتى ما يسمى بـ”أبو الفتح الفرغلي” الشرعي السابق في “تحرير الشام” من الجنسية المصرية، لعناصر “الهيئة” بأن يضربوا فوق وتحت الرأس في قتال عناصر “جبهة ثوار سوريا”، بحسب مقطع صوتي مسرب للإعلام، في آذار/ مارس عام 2018، لعب دوراً ريادياً كبيراً في تمكين سطوة “الهيئة” على حساب باقي الفصائل، واشتهر كما “أبو اليقظان” بفتاوى “القتل وسفك الدماء”.

وجاء في التسجيل المسرب للفرغلي خلال إعطائه تعليمات لجنود “تحرير الشام” قائلاً: “كل من يقاتل اقتله، اضرب فوق الرأس وتحت الرأس، اقتله نصرة للدين، وحتى لو انهزم لمناطق يقاتلنا منها اقتله، لو كان ينسحب انسحاب أيضاً فأجهز عليه واقتله”، وبرز في مقدمة شرعيي سفك الدم “أبو اليقظان المصري” شرعي الجناح العسكري في “تحرير الشام” سابقاً وفتواه الشرعية للقتال “اضرب بالرأس”.

وشغل كل من الفرغلي وأبو اليقظان، مناصب قيادية في “تحرير الشام”، قبل إبعادهم. زفي عام 2022، أشار “المرصد السوري لحقوق الإنسان”، إلى أن الجهادي المصري، أبو اليقظان، فر هارباً إلى تركيا قبل أشهر، خوفاً من الاعتقال، حيث اعتقلت “تحرير الشام العديد من الجهاديين البارزين في صفوفها خلال العامين الماضيين، وذلك بغية إزالة الصبغة الإرهابية عن نفسها أمام المجتمع الدولي.

واشنطن تدين “الترهيب” بإدلب

في المقابل، استنكرت السفارة الأميركية في سوريا، أساليب “تحرير الشام” ضد المتظاهرين في إدلب. وقالت في منشور عبر حسابها الرسمي على منصة “إكس (تويتر سابقاً” اليوم الأربعاء، إنها “تدعم حقوق جميع السوريين في التعبير والتجمع السلمي، بما في ذلك في إدلب”.

وتقول السفارة الأميركية إن “تحرير الشام”، تقوم بممارسة أسلوب الترهيب والوحشية بحق المتظاهرين السلميين المطالبين بالعدالة والأمن واحترام حقوق الإنسان. وبحسب السفارة الأميركي، فإن “تحرير الشام” طبّقت الأسلوب ذاته الذي طبقته الحكومة السورية، لمكافحة المظاهرات.

التظاهرات الشعبية المستمرة في إدلب، كاشفة لأكثر من مستوى وعدة أبعاد، أولهما أن الجولاني يفتقد منذ لحظة وصوله للسيطرة على إدلب لأي حاضنة أو حوامل اجتماعية وسياسية تجعله يتمدد ويستقر ويكون له ثمة مشروع يمكن لآخرين استكماله، وثانيهما أنه مجرد تكتل تنظيمي لا يتخطى كونه ثكنة عسكرية أو مربع أمني مؤقت بحماية خارجية.

واعتقلت “تحرير الشام”  منذ انطلاق المظاهرات، قبل نحو 3 أشهر عدداً من المحتجين، بجانب حوادث اعتداء من عناصر يتبعون لـ”تحرير الشام” على متظاهرين، خلال مطالبهم بإسقاط زعيم التنظيم المتطرف، أبو محمد الجولاني.

ومن ثم توعد وزير الداخلية في “حكومة الإنقاذ”، محمد عبد الرحمن، هؤلاء المتظاهرين بـ”الضرب بيد من حديد”، بجانب قيام الجولاني، بتهديد هؤلاء المحتجين، لكن بلهجة خفية، إذ اتهمهم بالانحراف عن مطالبهم، ولهذا السبب قوبلوا بالقمع من قبل عناصر أمن “حكومة الإنقاذ” التابعة لـ”هيئة تحرير الشام”.

وفي 15 من أيار/ مايو الحالي، قال الجولاني إن “ هيئة تحرير الشام” استخدمت خلال الأشهر الثلاثة الماضية لغة الحوار، ولديها 50 “كرتاً” (بطاقة) لم تستخدم واحداً منه، واعتبر أن البعض “ساقه حقده للتضحية بكل المحرر”، مضيفاً: “من هان عليه المحرر فقد هان علينا، ولن نتهاون مع أي شخص أو تجمع أو حزب أو فصيل يريد إيذاء المحرر، وعلى هذا نجتمع جميعاً”.

كما ادعى الجولاني أن “السوريين داخل المحرر وخارجه أو في مناطق سيطرة الحكومة السورية، مصيرهم مرتبط بنجاح الثورة السورية”، معتبراً أن “أنظار كل المهجرين في دول الجوار تتطلع إلى هذه المنطقة”، على حد قوله.

فيما قالت وزارة الداخلية في حكومة “الإنقاذ” إن الاعتقالات تتم وفق إذن من النائب العام، وبررت أسباب الاعتقال بأن الأشخاص مارسوا إرهاباً فكرياً على المتظاهرين المحقين، وعملوا على تشويه من يسعى إلى الإصلاح، وجر المنطقة إلى المجهول، وشق الصف والعودة إلى الاقتتال الداخلي وتضييع ما بذل من جهد لبناء المؤسسات.

وأضافت أن الأشخاص المعتقلين لهم دور كبير في التشجيع على حمل السلاح والأحزمة الناسفة، عدا السب والشتم والقذف والإساءة إلى المسؤولين والموظفين، والتسبب بتعطيل عمل المؤسسات في كثير من الأوقات.

الجولاني في مأزق

التظاهرات الشعبية المستمرة في إدلب، كاشفة لأكثر من مستوى وعدة أبعاد، أولهما أن الجولاني يفتقد منذ لحظة وصوله للسيطرة على إدلب لأي حاضنة أو حوامل اجتماعية وسياسية تجعله يتمدد ويستقر ويكون له ثمة مشروع يمكن لآخرين استكماله، وثانيهما أنه مجرد تكتل تنظيمي لا يتخطى كونه ثكنة عسكرية أو مربع أمني مؤقت بحماية خارجية، لا سيما تركيا، كأحد حراس بوابتها التجارية والمصالحية في تركيا، ويوفر للأخيرة ضمانات تسوية إقليمية لوجودها في سوريا مع اللاعبين المتعددين، ويشكل كذلك بطاقة لضمان (عسكري/ أمني) للوجوه الإسلاموية الراديكالية وحرية حركتها وتمددها، وأخيراً أنه يقع في منطقة تبدو كحاجز ثقيل للحديقة الخلفية للنظام التركي وروسيا للضغط على حكومة دمشق والاستدارة نحو بشار الأسد، ويستكمل الجولاني في هذه المنطقة الحصار تجاه المناطق الكُردية الواقعة تحت حكم “الإدارة الذاتية” بخاصة مع الرديف الإسلاموي في شمال غرب سوريا بعفرين المحكومة بقبضة الجانب التركي وما يعرف بـ”الجيش الوطني السوري”.

بالتالي، في ظل التموضع الوظيفي للجولاني داخل الحيّز الجغرافي بإدلب وحدوده وامتداداته وارتباطاته البراغماتية إقليمياً مع الطرف الخارجي الذي يوفر له الغطاء الرعائي، فإن الانقسام الذي حدث في قمة الهرم التنظيمي يفاقم وضعه على مستوى صراع آخر من خلال احتكاكه بالمجتمع وفئاته، وهو المجتمع الذي يقاوم سياساته وينبذ قيمه ويرفض دعايته وتطبيقاته المختلفة.

المحتجون في إدلب وريفها والتي خرجت في صور حاشدة وضخمة شعر من خلالها إسلاميو المدينة السورية بالأرض التي تتلاشى والهيمنة التي تتراجع والنفوذ الذي يتهدم بقوة شعبية. فالاعتداءات البالغة السوء والدهس العشوائي للمواطنين ناهيك عن الاعتقالات والتعذيب لا تعدو كونها أكثر من مجرد لحظة فقدان الصوابية السياسية وغيرها التي تؤدي إلى اندفاع البارود من دون رأس أو عقل يفكر كأي صراعات صفرية لا نتيجة أو أفق.

هذا وتشهد مناطق سيطرة “هيئة تحرير الشام” منذ نحو 3 أشهر، حراكاً شعبياً مناهضاً لها ولزعيمها الجولاني، انطلقت شرارتها نتيجة كشف مقتل شاب تحت التعذيب من ضمن عمليات تعذيب تتم بالجملة ضد المعتقلين في سجون “جهاز الأمن العام”، قبل أن يسقطوا قتلى مع إخفاء أي أخبار عن مصيرهم.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات