في مشهد متناقض، يقف العالم تجاه سوريا بين الدعم والمعاقبة، فعلى الجانب الأخر، تتعهد جهات مانحة بمليارات الدولارات لمساعدة اللاجئين السوريين، بينما ما زال الاتحاد الأوروبي يمدد عقوباته على الحكومة السورية. فما هي الرسائل التي تنطوي خلف هذا المشهد المتناقض؟

في الوقت الذي يعاني فيه السوريون من آثار الحرب الدامية التي مزّقت بلادهم، يواصل المجتمع الدولي جهوده لمساعدتهم من خلال البرامج الإنسانية والتنموية. لكن هذا الدعم المالي المتزايد يتقاطع مع نهج العقوبات التي ما زالت تُفرض على حكومة دمشق، مما يطرح تساؤلات حول الأولويات والأهداف.

هذا التباين في المواقف الدولية تجاه سوريا يشكل محور هذا التقرير الذي يسلط الضوء على الأبعاد السياسية والاقتصادية والإنسانية لهذه المعادلة المعقّدة. فكيف ينظر المراقبون إلى هذه المسارات المتوازية للدعم والعقوبات؟ وما هي الرسائل التي ينطوي عليها هذا المشهد المتناقض؟

زيادة ضغوط على دمشق

في خطوة شملت حشد مساعدات مالية هائلة لسوريا، إلى جانب الإبقاء على العقوبات الاقتصادية على الرئيس السوري، بشار الأسد وحكومته، انعقد في بروكسل مؤتمر دعم مستقبل سوريا بمشاركة الاتحاد الأوروبي والجهات المانحة الدولية.

قرر الاتحاد الأوروبي تمديد العقوبات الحالية المفروضة على الحكومة السورية – إنترنت

فقد تعهدت الجهات المشاركة أمس الثلاثاء، بتقديم 7.5 مليارات يورو (8.1 مليار دولار) مساعدات للاجئين السوريين، في رسالة واضحة بعدم “دفعهم للعودة” إلى وطنهم المنكوب بالحرب. وأكد مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل، أن الظروف لا تزال غير مواتية لعودتهم الآمنة والطوعية.

ولكن في خطوة متناقضة، قرر الاتحاد الأوروبي تمديد العقوبات الحالية المفروضة على الحكومة السورية عاماً جديداً، حيث ستستمر الإجراءات التقييدية حتى عام 1 يونيو/حزيران 2025 بسبب قمع السلطات للمدنيين. 

وشملت العقوبات الجديدة تحديثاً لقائمة الشخصيات والهيئات الخاضعة لها ليصل عددهم إلى 86 هيئة و316 شخصاً.

أيضا إلى جانب حظر النفط والقيود على الاستثمارات، قام الاتحاد الأوروبي بتجميد أصول البنك “المركزي” السوري لديه. كما فرض تقييدات على استيراد المعدات والتقنيات المستخدمة في قمع المواطنين ومراقبة الاتصالات.

هذه الخطوات الجديدة تؤكد على رفض الاتحاد الأوروبي للنظام الحالي في سوريا، وتعكس عزمه على الضغط الاقتصادي لحرمان الأسد من موارد يمكن أن تساعده على البقاء في السلطة. وهو ما يضع السؤال حول مدى استعداد الأخير للتفاوض بشأن مستقبل البلاد.

سخاء للاجئين

خلال مؤتمر بروكسل الثامن، أعلن الاتحاد الأوروبي عن تقديم مزيد من المساعدات المالية خلال السنوات المقبلة.

فخلال اجتماعه السنوي برئاسة مسؤول السياسة الخارجية جوزيب بوريل، تعهد الاتحاد بتخصيص 2.12 مليار يورو في عامي 2024 و2025 لدعم السوريين النازحين داخلياً وفي الدول المجاورة.

الولايات المتحدة عن تعهدها بتقديم نحو 545 مليون يورو (593 مليون دولار) كمساعدات إنسانية إضافية لسوريا – إنترنت

وتشمل هذه التعهدات 560 مليون يورو للسوريين داخل البلاد وفي لبنان والأردن والعراق خلال العام الجاري، بالإضافة إلى نفس المبلغ المخصص للعام 2025. كما سيتم تقديم مليار يورو للاجئين السوريين في تركيا.

وعلق بوريل على هذه المساعدات بقوله: “الوضع في سوريا اليوم أكثر خطورة مما كان عليه قبل عام. في الواقع، لم يكن الوضع يوماً بهذه الخطورة كما أن الاحتياجات الإنسانية لم تكن يوماً بهذا الحجم”.

وفي ظل تردي الأوضاع الإنسانية في سوريا،أكد المفوض الأوروبي المسؤول عن المساعدات الإنسانية يانيز لينارسيتش أن 16.7 مليون سوري بحاجة حالياً إلى مساعدات إنسانية، وهو أعلى مستوى منذ بداية الأزمة قبل أكثر من 13 عاماً.

وفي هذا السياق، تعهد الاتحاد الأوروبي وحلفاؤه بتقديم 5 مليارات يورو كمنح، بالإضافة إلى 2.5 مليار يورو على شكل قروض. وتمثل هذه التعهدات 75 بالمئة من إجمالي المساعدات المقدمة للشعب السوري.

من جانبها، أعلنت الولايات المتحدة عن تعهدها بتقديم نحو 545 مليون يورو (593 مليون دولار) كمساعدات إنسانية إضافية لسوريا. وأكدت الخارجية الأميركية أن واشنطن “لا تزال ملتزمة بمساعدة الشعب السوري وتشجع المانحين الآخرين على مواصلة دعمهم”.

وتأتي الحملة بعد أن حذرت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين من أن عملياتها لمساعدة ودعم اللاجئين السوريين لا تزال “تعاني نقصاً كبيراً في التمويل بنسبة 15 بالمئة بعد انقضاء نحو ستة أشهر من العام 2024”.

مؤتمر لترحيل السوريين؟

في ظل التعهدات الجديدة للمساعدات الإنسانية في سوريا، عبّر مسؤولون عن الأمل والقلق بشأن المستقبل القادم للسوريين.

اللاجئين السوريين لبنان سوريا نزوح
حركة احتجاج ضد “توطين السوريين” أمام المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين بيروت لبنان في 19 مايو/أيار 2023 (تصوير فاضل عيتاني/ غيتي)

مدير منظمة “أوكسفام” في سوريا، معتز أدهم، رحّب بالتعهدات المالية التي قطعها المجتمع الدولي. لكنه شدد على أن “النقاش لا يزال بعيداً عن الحقائق القاسية التي يواجهها السوريون”، مؤكداً أن “التمويل لا يضاهي حجم الاحتياجات المتزايدة عاماً بعد عام”.

في ظل هذا النقص في المساعدات، تضغط دول المنطقة المضيفة للاجئين السوريين من أجل عودتهم “الطوعية” إلى بلادهم. إلا أن مسؤول السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، حذّر بشدة من هذا الاتجاه، مؤكداً أنه “لا توجد عودة آمنة وطوعية وكريمة للاجئين إلى سوريا في الوقت الراهن”.

وأضاف بوريل: “نحذر من ما يسمى العودة الطوعية للاجئين السوريين إلى سوريا”، مشدداً على أن “العودة الطوعية هي طوعية، ولا ينبغي دفع اللاجئين للعودة إلى سوريا”، وأن المجتمع الدولي يجب ألا “يحفّز ذلك بأي شكل”.

تصريحات بوريل جاءت بعد أن اقترح وزير الخارجية اللبناني عبد الله بو حبيب إعادة توطين اللاجئين السوريين في “بلد ثالث”، مؤكداً “عدم قدرة لبنان على تحمل المزيد في ملف النزوح السوري”.

وقال بو حبيب: “من تتعذّر عودته من النازحين السوريين لأسباب سياسية يجب إعادة توطينه في بلد ثالث”، في إشارة إلى استحالة عودتهم إلى سوريا في ظل استمرار الأوضاع الأمنية المتدهورة.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات