كان النهج الذي أعلن عنه حافظ نعيم الرحمن، الأمير المُنتخب حديثاً على رأس “الجماعة الإسلامية”، الذراع السياسية لـ “لإخوان” في باكستان، يشي بأن الجماعة تتحرك صوب تجديد أدواتها السياسية، بعد أكثر من عقد قضته في ظل التصعيد الشعبوي التقليدي، الذي انتهجه الأمير السابق، سراج الحق، والذي خرجت به الجماعة خالية الوفاض، في الاستحقاق الانتخابي الأخير.

شرع الأمير الجديد في تهيئة الأجواء لحوار سياسي مع الفرقاء، من أجل بناء جبهة معارضة قوية، وفي نفس الوقت فتح حوار مع أحزاب النخبة التي تهيمن على الحكم في باكستان، منذ أكثر من سبعة عقود. لكن يبدو أن تركة الخلافات مع الجميع، التي خلّفها سراج الحق، كانت ثقيلة إلى الحد الذي جعل الجميع يفقد الثقة في الجماعة، التي اعتادت إحداث الضجيج هنا وهناك، دون طحين يُذكر.

“الجماعة الإسلامية” تتقرب من “حركة الإنصاف”

بحسب مصادر خاصّة مقربة من “الجماعة الإسلامية”، لم يستجب حزب “حركة الإنصاف”، صاحب الشعبية الكبيرة، لمطلب مباشر من نعيم الرحمن، بالدخول في تحالف سياسي، وفق استراتيجية تسمح بضم كافة جبهات المعارضة، بل وعرض نعيم الرحمن أن تكون قيادة التحالف الجديد لـ”حركة الإنصاف”، ما يشهد تحوّلاً استراتيجياً كبيراً في تحركات الجماعة، التي كانت تعتبر عمران خان زعيم “حركة الإنصاف”، أبرز أعداء الشعب الباكستاني.

لم يستجب حزب “حركة الإنصاف”، صاحب الشعبية الكبيرة، لمطلب مباشر من نعيم الرحمن، بالدخول في تحالف سياسي، وفق استراتيجية تسمح بضم كافة جبهات المعارضة- “الصورة من الإنترنت”

وبحسب المصدر لـ”الحل نت”، تحفظت “حركة الإنصاف”، التي اكتسحت من خلال المرشحين المستقلين، الانتخابات الفائتة، رغم أن زعيمها رهن الاعتقال، على مطلب “الجماعة الإسلامية”، وعرضت في المقابل تنسيق المواقف السياسية، تحت مظلة “جبهة حماية الدستور”؛ من أجل الضغط على الحكومة.

كما لم تستجب الحكومة لادعاءات نعيم الرحمن، بشأن شرعية الانتخابات الماضية، والتي تصرّ “الجماعة الإسلامية” على الطعن عليها، كما رفضت الحكومة الدخول في أي حوار مع الجماعة، أو الرد على التساؤلات التي أثارتها الأخيرة بشأن قضايا تخص الغاز والقمح والكهرباء، بداعي أن الرد على تلك الأمور يتم فقط في البرلمان.

العودة إلى نهج سراج الحق

حالة من الإحباط أصابت الأمير الجديد، الذي آثر على ما يبدو، الاستجابة لنصيحة الحرس القديم داخل الجماعة، والعودة سريعاً إلى اتباع نهج الأمير السابق سراج الحق، من حيث إثارة الضجيج الشعبي باستمرار، وتأليب الشارع عبر إثارة وتضخيم جملة من القضايا الفئوية، والضغط عبر ورقتي فلسطين وكشمير، بالتزامن مع الهجوم الدائم على النخبة الحاكمة، و اتهامها بالتسبب في إفقار الشعب.

وبالفعل؛ سرعان ما أعلنت “الجماعة الإسلامية” عن مسيرة احتجاجية ضد الحكومة، في 16 أيار/ مايو الجاري، في كراتشي، حيث قال أمير “الجماعة الإسلامية”، في مؤتمر صحفي؛ إن “الجماعة الإسلامية” سوف تحارب من أجل رد الاعتبار لكراتشي، التي يدفع مواطنوها أعلى ضرائب في باكستان، ولا يحصلون في المقابل على خدمات. زاعماً أن فقراء الفلاحين يتحملون وحدهم الضرائب، بينما لا يدفع أولئك الذين يملكون آلاف الأفدنة من الأراضي أي ضرائب.

بدوره؛ شنّ الأمير المؤقت لـ”الجماعة الإسلامية” في كراتشي، مونام ظفرخان، هجوماً حاداً على الرئيس التنفيذي لشركة الكهرباء (K-Electric) مؤنس ألفي، وقال إن الشركة لم تتخلَّ عن نهجها في نهب شعب كراتشي. مؤكدا أن “الجماعة الإسلامية” لن تظل صامتة، بشأن الإجراءات والسياسات المناهضة للشعب، وأنّها لن تتوقف حتى يتم إلغاء ترخيص شركة الكهرباء، ووضع إدارتها رهن التحقيق الجنائي.

وبنفس أسلوب سراج الحق، انتهج حافظ نعيم الرحمن استراتيجية التحريض الفئوي، مطالباً الفلاحين بالانخراط ضمن حركة احتجاجية كبيرة، والدخول في اعتصامات لا تتوقف.

أمير “الجماعة الإسلامية” عاود الهجوم على الأحزاب الكبيرة، وقال إن “حزب الرابطة الإسلامية الباكستانية – نواز”، و”حزب الشعب”، و”حزب الحركة القومية المتحدة”، يديرون الحكومة في باكستان، و يستثمرون أموالهم في دبي.

أمير “الجماعة الإسلامية”، قال يوم 25 أيار/ مايو خلال مؤتمر صحفي مع قادة الحزب في المنصورة، “إننا نعلم أن باكستان تعاني من مشاكل، ونحن نعاني من العبودية المختلفة منذ 76 عاماً، والبلاد محتلة من قبل النُّخب، وبسبب ذلك هذا البلد لا يستطيع أن يتطور”. في تكرار يكاد يتطابق مع تصريحات سابقة لسراج الحق.

حافظ نعيم الرحمن اتهم الحكومة بالتخلي عن قضية كشمير، والرضوخ للولايات المتحدة، وقال إن الحكومة تريد أن “تجعل الباكستانيين عبيدا للهند، والصداقة مع الهند تعني تطبيق الأجندة الأميركية”.

استثمار حوادث قيرغيزيا

قال رئيس لجنة الدولة للأمن القومي في قيرغيزستان، كامتشيبيك تاشييف، إن موجة من العِداء للأجانب تشهدها البلاد في الآونة الأخيرة، وأنه جرت بعض أحداث العنف الدموي، وسط احتجاجات نظّمها المئات، رفضا لزيادة عدد المهاجرين والدارسين من بلدان أخرى،  خاصّة باكستان، وبنغلاديش، ومصر، والهند.

نعيم الرحمن قرر استغلال حرب غزة، مطالباً بإقامة مسيرة مليونية لنصرة غزة، وطالب الحكومة الباكستانية بالاعتراف بحركة “حماس”، كممثل للشعب الفلسطيني ومقاومته.

الأحداث التي شهدت سقوط قتلى وجرحى، بين الطلاب العرب والآسيويين، لفتت انتباه “الجماعة الإسلامية”، وعلى الفور قررت التحرك من أجل التصعيد ضدّ الحكومة، والعودة إلى الشارع عبر الاحتجاج أمام سفارة قيرغيزستان في إسلام آباد، ومع التحريض الشديد، حاول البعض الدخول إلى ساحة السفارة، الأمر الذي دفع الشرطة إلى الحيلولة دون ذلك، ووضع أسلاك شائكة حول محيط سفارة قيرغيزيا.

“الجماعة الإسلامية” نفذت اعتصاماً صاخباً، أمام السفارة القيرغيزية، وأصدر زعيم الجماعة، حافظ نعيم الرحمن بياناً حول أعمال العنف في قيرغيزستان، قال فيه إن “أبناؤنا يتعرضون للعنف في قيرغيزستان، وهناك أنباء عن موت بعض الطلاب”. وأضاف: “الوضع مقلق للغاية، والسفارة الباكستانية لا تستقبل حتى مكالمات الطلاب”. مطالباً بإرسال فريق أمني إلى بيشكيك، واتخاذ خطوات عملية لتأمين الطلاب.

الحكومة الباكستانية ردت على اتهامات نعيم الرحمن، وأكدت أن السفارة الباكستانية تتواصل مع جميع مواطنيها في قيرغيزيا، وأنّها بالفعل تقوم بأعمال التأمين والتحقيق في موجة استهداف الأجانب هناك.

استثمار دائم لأحداث غزة

على نهج سراج الحق، واصل الأمير الجديد استثمار الأحداث الدموية في قطاع غزة، حيث قامت “الجماعة الإٍسلامية” بقطع الطريق الرئيسي في شارع جناح في منطقة دي تشوك، وأقام النائب “الإخواني” السابق مشتاق أحمد خان اعتصاماً في أهم مكان في العاصمة الفيدرالية إسلام آباد (المنطقة الحمراء). ولم يعرف أحد حتى اللحظة ما إذا كان الاعتصام موجّهاً ضد الحكومة، أم هو مجرد احتجاج على الهجمات الإسرائيلية على غزة.

مسيرة طلابية داعمة لفلسطين في باكستان- “الجزيرة”

وبحسب تقارير محلية، أضرّ الاعتصام بحركة السير في المنطقة الحيوية، الأمر الذي تسبب في وقوع حادث سير مروع؛ أدى إلى وفاة شخصين وإصابة ثلاثة آخرين؛ ممّا دفع شرطة إسلام آباد إلى إغلاق جميع الطرق المؤدية إلى المنطقة، ممّا تسبب في تعطيل حركة سير الطلاب والمواطنين.

المتحدث باسم “الجماعة الإسلامية” لياقات بلوش، أصدر بياناً، زعم أن هناك تدبير من جهة ما تقف وراء الحادث، وزعم وجود خطة هدفها قتل السيناتور “الإخواني” وأنصاره.

نعيم الرحمن قرر استغلال الأزمة، مطالباً بإقامة مسيرة مليونية لنصرة غزة، وطالب الحكومة الباكستانية بالاعتراف بحركة “حماس”، كممثل للشعب الفلسطيني ومقاومته.

من جهته، أعلن أمير “الجماعة الإسلامية” في لاهور ضياء الدين أنصاري، الجهاد من أجل تحرير أولى القبلة، وذلك في كلمته في مؤتمر غزة، الذي نظمته جمعية الطلاب العربية في لاهور. وأضاف: “من المؤسف أن حكّامنا الجبناء لا يقومون بدورهم الفعّال من أجل تحرير فلسطين، وأولئك يمارسون شهوتهم للسلطة بدعم من القوى الصهيونية”. وتابع: “حُكّامنا هم أتباع أميركا وإسرائيل”.

وعليه، يبدو أن الأمير الجديد، قرر الاستدارة إلى الخلف، واستدعاء نفس أدوات الأمير السابق، من أجل تكريس الوجود في المشهد السياسي، عبر انتهاج سياسات شعبوية بامتياز، بعدما لفظ الناخبون الجماعة ومرشّحيها في الانتخابات الأخيرة.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات