في تطور لافت لحادث تبادل إطلاق النار، الذي وقع بين الجيشين المصري والإسرائيلي، يوم 27 أيار/ مايو الجاري، زعمت إذاعة الجيش الإسرائيلي، أن تل أبيب تمتلك توثيقاً واضحاً (مقطع فيديو)، يظهر فيه الجندي المصري الذي اشتبك مع قوات الجيش الإسرائيلي منذ أيام. وأضافت أن الجانب الإسرائيلي ليست لدية أزمة في إرسال مقطع الفيديو المشار إليه، إلى الجانب المصري؛ كجزءٍ من تحقيقٍ مشترك.

إذاعة الجيش الإسرائيلي قالت إن الجندي المصري وقف عند نقطة مرتفعة بالقرب من محور فيلادلفيا، حيث كان يراقب قوات الجيش الإسرائيلي من مسافة قريبة (حوالي 100-200 متر) قبل أن يُطلق النار.

وكان المتحدث باسم القوات المسلحة المصرية، صرّح أن القاهرة تُجري تحقيقاً، بشأن حادث إطلاق النار بمنطقة رفح الحدودية، والذي أدى إلى استشهاد أحد أفراد الأمن. كما صرّح مصدر أمني مصري لقناة “القاهرة نيوز” التابعة لجهاز المخابرات، أن التحقيقات الأولية تشير إلى حدوث تبادل لإطلاق النار بين القوات الإسرائيلية وعناصر فلسطينية مسلحة، وأدى ذلك إلى إطلاق النيران في اتجاهات متعددة، ممّا دفع رجال الأمن المصريين إلى التعامل مع مصدر النيران.

طالب الجانب المصري بعدم اقتراب الجانب الإسرائيلي لمسافة 500 م إلى 1 كم بطول الشريط الحدودي، على أقل تقدير، لتجنب تكرار حادثة مقتل الجندي المصري عند رفح، ووعد الجانب الإسرائيلي بدراسة الأمر.

مصدر أمني مصري مطلع لـ”الحل نت”

بعد ذلك بوقت قصير، أصدرت قوات الدفاع الإسرائيلية بياناً غامضاً، قالت فيه إن “إسرائيل على اتصال بالجانب المصري؛ لتنسيق التحقيقات بشأن حادث إطلاق النار”.

كانت تقارير إخبارية إسرائيلية، نشرت أنباء غير مؤكدة عن إصابة سبعة جنود إسرائيليين على الأقل، ومقتل خمسة آخرين في الحادث. وزعم موقع “واللا” الإخباري التابع لإسرائيل أن أفراداً إسرائيليين أطلقوا النار، مما أدى إلى إصابة جنديَين مصريَين إلى جانب الجندي الذي قُتل. ومع ذلك، أفادت بعض وسائل الإعلام الإسرائيلية أن جنوداً مصريين أطلقوا النار على شاحنة عسكرية إسرائيلية، ممّا دفع الجنود الإسرائيليين إلى الرّد بإطلاق النار.

محاولات إسرائيلية مصرية لاحتواء الحادث

ذكرت إذاعة الجيش الإسرائيلي، أن ّمباحثات عديدة جرت، بين مسؤولين في الجيش الإسرائيلي، و”الشاباك”، ونظرائهم المصريين، واتفق الطرفان على إبعاد الحادث عن دائرة الضوء، حيث إن هناك تفاهم متبادل بين الجانبين؛ من أجل تجاوز الحادث بهدوء. وبالفعل فرضت الرقابة العسكرية الإسرائيلية، قيوداً على نشر الأخبار المتعلقة بالحادثة قبل أن ترفع الحظر لاحقاً.

جدير بالذكر أن الرواية الإسرائيلية حول الحادث، تؤكد حدوث تبادل لإطلاق النار، وهو ما يتعارض مع الرواية المصرية.

فيما صرّح مصدر أمني مصري مطلع لـ”الحل نت”، أن الجانب الإسرائيلي كان الأكثر حرصاً على احتواء الحادث، وعقد مباحثات مشتركة على مستوى عسكري رفيع بين الطرفين، تعهدت فيها إسرائيل بحظر النشر حول الحادث، والتخفيف من حدة التصريحات، تجاه مصر، على الجانب الإسرائيلي.

جنود من الجيش المصري عند معبر رفح الحدودي بين مصر وقطاع غزة- “د.ب.أ”

وبحسب المصدر، طالب الجانب المصري بعدم اقتراب الجانب الإسرائيلي لمسافة 500 م إلى 1 كم بطول الشريط الحدودي، على أقل تقدير، لتجنب تكرار مثل تلك الحوادث، ووعد الجانب الإسرائيلي بدراسة الأمر، وإن تحفظ في الوقت نفسه على الاقتراح، لافتاً إلى أن إسرائيل في الوقت الحالي في حالة حرب، لكنها يمكن أن تتجنب الاقتراب لمسافة 200 إلى 500 متر على أقصى تقدير، مع الاحتفاظ بالحق في مطاردة العناصر الفلسطينية المسلحة في أي مكان ضمن الشريط الحدودي، كما زعمت إسرائيل تسلل عناصر من “حماس” إلى سيناء عبر الشريط الحدودي.

الجانب الإسرائيلي طالب القاهرة بالضغط على “حماس”، لتجنب الاقتراب من الشريط الحدودي، وهو ما تحفظت عليه القاهرة، والتي حمّلت الجانب الإسرائيلي المسؤولية تجاه أي تصعيد مستقبلي، وأنّها لن تقف مكتوفة الأيدي في حال قيام أي طرف باختراق الشريط الحدودي.

 وكان الجيش الإسرائيلي قد سيطر على الجانب الفلسطيني من المعبر الحدودي، بالتزامن مع العملية العسكرية التي تجري حالياً في رفح، ممّا تسبب في إثارة غضب القاهرة، لما قد يتسبب فيه السيطرة على المحور من احتكاكات بين الجيشين، المصري والإسرائيلي.

ضغوط على مصر

حذّرت مصر عدة مرات من توغل الجيش الإسرائيلي في مدينة رفح، بسبب وجود مئات الآلاف من النازحين، واتخذت القاهرة عدة تدابير لمنع مخطط تهجير النازحين إلى سيناء. كما أبلغت إسرائيل أنّها لن تفتح معبر رفح من الجانب المصري، طالما استمرت العمليات العسكرية الإسرائيلية على الجانب الآخر من الحدود.

وأكد مصدر سياسي مصري، مقرّب من الجيش، في تصريحات خاصّة لـ”الحل نت”، أن إسرائيل أرسلت وفداً إلى القاهرة، برئاسة غسان عليان، منسّق أنشطة الحكومة الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية، التقى قيادات عسكرية رفيعة، حيث طالب عليان بفتح المعبر، زاعما أن العمليات العسكرية الإسرائيلية في رفح، لا يجب أن تحول دون دخول المساعدات، وهو الأمر الذي تحفّظت عليه القاهرة بإصرار، ورفضت الاستجابة له، واشترطت انسحاب إسرائيلي من رفح، لفتح المعبر من جديد، متّهمة إسرائيل بمخالفة تعهدات سابقة قطعتها لمصر، بشأن ممر فيلادلفيا.

المصدر أكد أن أطرافاً أوروبية حاولت إثناء القاهرة عن قرارها بإغلاق المعبر، لكنّ الأخيرة شدّدت على أن فتح المعبر في ظل هذه الظروف، سوف يؤدي إلى تدفق النازحين إلى سيناء، تحت ضغط الضربات الإسرائيلية. وقالت إن معبر كرم أبو سالم هو الخيار الأمثل الحالي لوصول المساعدات، وأنّه على تل أبيب أن تتحمل المسؤولية الكاملة عن الكارثة الإنسانية الناتجة عن منع المساعدات.

وزير الخارجية الإسرائيلية، يسرائيل كاتس، كتب على موقع “إكس (تويتر سابقاً): أن “العالم يُحمّل إسرائيل مسؤولية الوضع الإنساني، ولكن مفتاح منع حدوث كارثة إنسانية في غزة، أصبح الآن في أيدي أصدقائنا المصريين”.

“حماس” تدخل على خط الأزمة

تتعرض حركة “حماس” لضغط عسكري هائل من الجانب الإسرائيلي، إلّا أن تكتيك حرب العصابات، وقدرة الحركة على التحرك داخل الأنفاق، والتسلل خلف مواقع الجيش الإسرائيلي، ونصب الكمائن المتعددة، وكذا الظهير الشعبي الداعم له، كل هذا ربما يمنح الحركة القدرة على خوض قتال طويل المدى، واستنزاف قدرات الجيش الإسرائيلي، الذي يلجأ إلى تعويض خسائره بشنّ هجمات عنيفة داخل القطاع.

فلسطينيون ينظرون إلى الدمار الذي خلفته غارة إسرائيلية على مكان إقامة النازحين في رفح، قطاع غزة، يوم الاثنين 27 مايو 2024- “أ ب”.

ويمكن القول إن بقاء الروابط المركّبة التي تجمع ما بين “حماس” والقاهرة، هي العنصر الأكثر أهمية للحركة، التي تضع في حساباتها طبيعة العلاقات المصرية الإسرائيلية، من جهة، واحتياج القاهرة لـ”حماس” التي أثبتت جدارتها بثقة الأخيرة، إبان الصراع بين الجيش المصري وتنظيم ولاية سيناء، حيث تعقبت “حماس” عناصر “داعش” على الجانب الفلسطيني من الحدود، ومدت القاهرة بمعلومات تفصيلية تخص الوديان والمدقات التي تتحرك فيها عناصر التنظيم الإرهابي.

ويكشف مصدر ميداني في قطاع غزة لـ”الحل نت”، أن عناصر من استخبارات “حماس”، رصدت حشوداً عسكرية إسرائيلية في الأجزاء الشمالية من محور فيلادلفيا، وتحديداً عند السياج المتاخم لحدود رفح مع مصر.

أنباء الحشود الإسرائيلية بحسب المصدر، وصلت إلى القاهرة (بطريقة ما عبر حماس)، والتي تأهبت بدورها لمواجهة أي تداعيات تنتج عن التحركات الإسرائيلية التي تخالف تعهدات إسرائيلية سابقة، نقلتها تل أبيب إلى القاهرة، بشكل مباشر وعبر واشنطن.

حركة “حماس”، تدرس بالفعل إمكانية تسلل بعض عناصرها الأكثر أهمية إلى المناطق الجبلية في سيناء، والكمون لبعض الوقت.

مصادر مقربة من “حماس” لـ”الحل نت”

بدورها، زعمت تل أبيب وجود نفق أو ممر، في منطقة الحشد العسكري (شمال المحور)، تسللت من خلاله عناصر حمساوية مقاتلة إلى سيناء، وهو ما نفته القاهرة، وأكدت سيطرتها الكاملة على الجانب المصري من الشريط الحدودي. وأكدت القاهرة أن زيادة التوترات العسكرية على طول الحدود مع إسرائيل، سوف يؤدي إلى المزيد من التصعيد، وأن التعزيزات العسكرية الإسرائيلية لن تُسهم في التوصل إلى حلٍّ قريب للصراع المحتدم.

ولا يمكن القول إن دوائر القرار داخل “كتائب القسام”، تجمع كلها على قرار واحد، في ظل إصرار رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو على مواصلة القتال حتى القضاء النهائي على “حماس”، الأمر الذي يجعل فاتورة القتال باهظة التكاليف. وبحسب مصادر مقرّبة من حركة “حماس”، فإن الحركة تدرس بالفعل إمكانية تسلل بعض عناصرها الأكثر أهمية إلى المناطق الجبلية في سيناء، والكمون لبعض الوقت، لكن مخاوف جمة تكتنف الحركة من الدخول في معركة أمنية مع الجيش المصري، وأن الأمر لا يمكن تمريره دون التنسيق مع القاهرة.

وعليه، يمكن القول إن الأوراق المبعثرة باتت شديدة التداخل، في ظل الانتهاكات الإسرائيلية المتزايدة، ورغبة القاهرة في إبعاد الجيش الإسرائيلي عن الشريط الحدودي، مع شعورها بالخطر المتزايد، في ظل وجود خطط إسرائيلية جادة؛ تسعى من خلالها تل أبيب إلى فتح ممر يمكن خلاله دفع الفلسطينيين إلى العبور نحو الجانب المصري من الحدود.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات