بينما عيون العالم موجّهة بشكل كبير نحو الحرب في غزة، والتوتر بين إسرائيل و”حزب الله”، إلا أن هناك تصعيد آخر جديد ولافت للانتباه وله العديد من الدلالات ولم يلقَ ذات الاهتمام؛ وهو تكثيف الجماعات المسلحة المدعومة من إيران في العراق هجماتها الصاروخية على إسرائيل في الأسابيع الأخيرة، وهو ما طرح تساؤلاً هاماً وخطيراً حول مدى احتمالية فتح جبهة جديدة بين إسرائيل والميلشيات الإيرانية في العراق؟

تصعيد جديد

بينما الصاروخ الأول انطلق من العراق على إسرائيل في بداية الحرب في غزة في تشرين الأول/أكتوبر الماضي، إلا أن الأسابيع الأخيرة شهدت تطوّراً ملحوظاً، ففي 8 حزيران/يونيو الجاري، أعلنت الميلشيات الموالية لإيران في العراق مسؤوليتها عن هجماتٍ بطائراتٍ بدون طيار على إسرائيل، فيما تعاملت الصحف العبرية مع الأمر كأنه غير مؤكداً، حيث علّق الجيش الإسرائيلي إنه من غير الواضح ما إذا كانت الطائرة بدون طيار التي ضربت منطقة مفتوحة في شمال إسرائيل في وقت سابق قد انطلقت بالفعل من العراق.

كتائب “حزب الله” هي أقوى فصائل المقاومة الإسلامية في العراق المدعومة من إيران – إنترنت

المنظمة التي تطلق على نفسها اسم “المقاومة الإسلامية في العراق”، أعلنت مسؤوليتها عن الهجوم بطائرة بدون طيار على الموقع “الحيوي” في بيان نشرته على قناتها على تطبيق “تلغرام”، وقالت إن غارة الطائرات بدون طيار تم تنفيذها كجزء من المرحلة الثانية من العمليات ضد الجيش الإسرائيلي دعما للفلسطينيين في غزة.

بداية التوتر المثير للانتباه يعود إلى بداية 30 أيار/مايو الماضي، عندما أكد الجيش الإسرائيلي أنه تم إسقاط صاروخ “كروز” في الجولان قادما من الشرق، وفي حينه أيضاً لم يؤكد أنه تم إطلاقه من قبل الميلشيات الموالية لإيران في العراق.

وفي السياق ذاته، واجهت المطاعم والشركات الأميركية في بغداد هجمات شبه يومية، حيث تصدر شارع “فلسطين” في العاصمة العراقية عناوين الأخبار بشكل متكرر، تم استهداف فرع “كنتاكي”، ومطعم “تشيلي هاوس آند لي”، و فرع معهد “كامبريدج” للغات في الأيام الأخيرة، وتم تداول صور ومقاطع فيديو للهجمات على وسائل التواصل الاجتماعي، حيث يزعم المهاجمون أنهم يستهدفون الشركات والمطاعم الأميركية بسبب الدعم الأميركي لإسرائيل في حرب غزة.

ورغم أن تلك الحادثة لا تعتبر هجوماً مباشراً على إسرائيل، إلا أنها تشير على زيادة تسخين الميلشيات في الداخل العراقي، بالتزامن مع إطلاق الصواريخ.

منذ بداية الحرب على غزة، تولت هذه الميلشيات مسؤولية إطلاق عدة طائرات بدون طيار وصواريخ “كروز” باتجاه إسرائيل، حيث أعلنت “المقاومة الإسلامية في العراق”، أنها هاجمت “هدفين حيويين” مختلفين في ميناء حيفا باستخدام الطائرات بدون طيار، وحينها صرح المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي أنه تم اكتشاف طائرة بدون طيار انطلقت من العراق وضربت القاعدة البحرية في إيلات.

وبالتزامن مع ذلك، تم إسقاط صاروخ “كروز” كان في طريقه إلى الجولان، وقبل ذلك، تبنى التنظيم مسؤولية مهاجمة “هدف حيوي” في إيلابون في الجليل باستخدام طائرة بدون طيار. 

وقبل ذلك بشهر أعلنت المنظمة مسؤوليتها عن هجمات باستخدام طائرات بدون طيار ضد محطتي المواد الكيميائية و توليد الكهرباء في ميناء حيفا، ومطار كريات شمونة، وموقع عسكري في مطار روش بينا، وهي قاعدة استخباراتية شمال الجولان، مصافي حيفا، مطار بن غوريون، قاعدة بالماحيم، قاعدة عوفدا وغيرها من المواقع.

حسين الموسوي المتحدث باسم حركة “النجباء” – وهي إحدى الفصائل الشيعية المسلحة الرئيسية في العراق المشاركة في الضربات على إسرائيل – قال: إن “الضربات تطوّر طبيعي لدور الجماعات العراقية، وتهدف إلى زيادة تكلفة الحرب في غزة، فهم يعتزمون الضرب من أي مكان، طالما كان ذلك ضروريا”.

تعاون مع “الحوثيين”

بحسب تقرير لمركز “معلومات الاستخبارات والإرهاب”، فإنه في الأسابيع الأخيرة ظهرت إشارات عامة على أن “الحوثيين” في اليمن والميلشيات في العراق يعززون تعاونهم، حيث بدأ الأمر باللقاءات التي جرت في طهران يوم 23 أيار/مايو الماضي، على هامش تشييع الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي. 

عناصر من كتائب حزب الله العراقي يسيرون في بغداد عام 2018 تخليدا لذكرى مقاتلين سقطوا في سوريا (غيتي)

شارك في هذه الاجتماعات قائد “الحرس الثوري” الإيراني، وقائد “فيلق القدس” مع ممثلي كافة التنظيمات الولائية لطهران، بما في ذلك (حماس وحزب الله والجهاد الإسلامي، وأيضا الحوثيين والميليشيات في العراق).

وبعد يوم، جرت محادثة هاتفية بين زعيم “الحوثيين” عبد الملك الحوثي والأمين العام للميلشيا العراقية التابعة لـ”كتائب حزب الله” أحمد الحميداوي، “أكدا فيها على ضرورة الحفاظ على الاستعداد” وتنسيق عالي بين “قوات المحور”، خاصة بين العراق وبين اليمن. 

وفي وقت سابق من هذا الأسبوع، أفادت تقارير أيضاً أن أكثر من ثمانين عنصراً “حوثياً” تلقوا تدريباً في العراق على يد الميلشيات الموالية لإيران.

هذا التنسيق يمثّل مرحلة أخرى في تطور “محور المقاومة” الذي تقوده إيران عندما يبدأ اثنان من الميلشيات الإيرانية في توحيد الجهود، حيث يمتلك كلا الجانبين ترسانة من الطائرات بدون طيار والصواريخ، وإذا لم يحدث تغيير جذري في القتال في قطاع غزة، خاصة فيما يتعلق باتفاقية وقف إطلاق النار المحتملة، فهناك احتمال كبير أن نرى المزيد والمزيد من الإعلانات.

استراتيجية إسرائيل حيال الهجمات

تكثيف الهجمات من قبل المليشيات الإيرانية في العراق من حيث العدد وطبيعتها خلال الأسابيع الأخيرة، أصبحت تسبب المزيد من التوتر لإسرائيل وواشنطن، وتفتح الاحتمالات حول مدى نشوب مواجهة واسعة متعددة الأطراف بين إسرائيل والأذرع الموالية لإيران في المنطقة. 

رجال يحملون لافتة تظهر وجه حسن نصر الله، زعيم حزب الله اللبناني، خلال مظاهرة تضامنية مع الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، في مدينة البصرة جنوب العراق في 20 أكتوبر 2023. (تصوير حسين فالح / وكالة الصحافة الفرنسية)

وما يمكن ملاحظته، إنه رغم أن “المقاومة الإسلامية في العراق” كانت دائماً ما تعلن مسؤوليتها عن إطلاق النار باتجاه الأراضي الإسرائيلية، وهي الحوادث التي لم تتسبب في أضرار فادحة، إلا أن تلك الأحداث لا تزال غير معترف بها في إسرائيل، إلا في عدد قليل من الحالات، كما في إيلات، لكن بشكل رسمي لاتتّهم إسرائيل رسمياً المنظمة، وهو ما يعكس رغبة إسرائيل في عدم التصعيد الكبير. لأنه إذا اتهمتهم رسمياً فسيتوجب عليها الرّد الكبير.

من ناحية أخرى، لا يمكن فصل الهجمات من العراق، بالتصعيد في الجولان من قبل “حزب الله” الذي تعرّض في الأسابيع الأخيرة لعمليات للجيش الإسرائيلي، مما زاد من رغبتهم في الرّد والانتقام.

قبل شهر ونصف، تولى العقيد الإسرائيلي بيني كاتا منصب قائد اللواء “474”، وهو اللواء الذي يدافع عن منطقة هضبة الجولان. ظاهريًا، كان ينبغي لـ “كاتا” أن يحوّل انتباهه إلى الشرق، نحو سوريا، وحتى إلى عمق العراق، ولكن بالفعل أثناء توليه هذا المنصب، كما يبدو إنه يهتم بشكل واضح بالجبهة الشمالية مع “حزب الله” لأنه منذ تولى منصبه يطلق الحزب كل يوم تقريباً، صواريخ أو أطلق صواريخ مضادة للطائرات على مرتفعات الجولان من لبنان، مما دفعه إلى التركيز على تلك الجبهة. 

ومع حقيقة أن 80 بالمئة من القوات الإسرائيلية الموجودة في هضبة الجولان هي وحدات قتالية احتياطية، فهذا يعطي انطباعاً بأن شيء جدياً يحدث، فالمرات السابقة التي تواجد فيها جيش الاحتياط في هضبة الجولان بهذه الأعداد كانت خلال حرب أكتوبر 1973 (يوم الغفران)، وحرب لبنان الأولى والثانية.

لكن رغم الاهتمام الإسرائيلي المُعلن بجبهة الشمال مع “حزب الله”، إلا أن القيادة في تل أبيب تولي اهتماما كبيراً بعمق العراق وسوريا، لأنها تعرف أن الهدوء في الشمال يرتبط بكل من لبنان وسوريا والعراق اليمن مجتمعين، ولتحقيق هذه الغاية، لم ينتشر الجيش على الجانب الإسرائيلي من الحدود الشمالية فحسب، بل أيضًا في المنطقة الأمنية، وهي جزء من مئات الأمتار، يُعرف بأنه منطقة إسرائيلية، ويقع شرق السياج الحدودي.

حتى هذه اللحظة فإن التقديرات في إسرائيل، أن القيادة في تل أبيب لا تتعامل مع المخاطر القادمة من سوريا والعراق بشكل أقل اهتماماً من تلك التي القادمة من قبل “حزب الله”؛ فالحدود الشرقية مع سوريا حدود هادئة نسبياً، فقد تم الحفاظ على اتفاق فصل القوات منذ عام 2011.

ولكن في الوقت نفسه، فإن إسرائيل لا تتجاهل الوجود الإيراني وميلشياتها في سوريا، فالجيش الإسرائيلي يعمل كل بضعة أيام في نطاقات أعمق بكثير، سواء في ضواحي دمشق أو حمص أو القنيطرة وغيرها.

هل فتح معركة واسعة مُحتمل؟

انطلاقا من الأهداف التي تعلنها ما تسمى “المقاومة الإسلامية في العراق”، والاستراتيجية الإسرائيلية حيال تلك الهجمات، يبدو إنه لا توجد لدى الطرفين نيّة في فتح جبهة واسعة، ولكن يمكن اعتبارها “معركة تشتيت” من قبل إيران، أو نوعاً من المساعدة غير المباشرة التي تقدمها المليشيات لـ”حزب الله”.

تحت المجهر إيران تضرب العراق وسوريا بيد خفية (4)
لوحة إعلانية ممزقة تحمل العلم الوطني العراقي على الحدود العراقية السورية في نينوى، العراق. (مارتن ايم / غيتي).

ولكن في الوقت نفسه، فإن رغبة إيران في المحافظة على هذا الوضع وعدم تدهوره، يجعلها كما يبدو أنها قد تحاول السيطرة على الميليشيات ومنعها من القيام بتصرفات قد تدفع إسرائيل للرد بقوة مما يخرج الأمور عن السيطرة، استناداً على السابقة عندما تسببت الجماعات العراقية عن غير قصد في تصعيد إقليمي كبير في كانون الثاني/يناير الماضي، عندما قتلت ثلاثة جنود أميركيين في هجوم بطائرة بدون طيار على موقع أميركي في الأردن.

وفي حينه أدى هذا الهجوم – الذي تجاوز العديد من الخطوط الحمراء الأميركية والإقليمية بضرب دولة عربية مجاورة وقتل أميركيين، إلى حملة مميتة من الضربات الجوية الأميركية في العراق وسوريا، فإيران لا تريد تكرار هذه الحادثة والتي كانت خطيرة للغاية إلى حد أن قائد “فيلق القدس” الإيراني سافر إلى بغداد ليطلب من الفصائل تخفيف هجماتها، ثم توقفت الهجمات على القوات الأميركية، ولكنه كان هدوء قصير، ومن بعدها حولوا انتباههم إلى إسرائيل.

ويتفق مع هذا التفسير، الكاتب الصحفي ماجد حبتة، المهتم بالشؤون الإقليمية، قائلاً لـ”الحل نت”، إن إيران قطعاً، هي التي تدفع بهذا التصعيد ولكنها لا تريد التورّط الفعلي، فهي من ناحية تريد إظهار نفسها كمن يملك مفاتيح أزمات المنطقة، لتحقيق بعض المكاسب في المفاوضات المتعلقة بملفها النووي وقضايا أخرى، أو في مواجهة الضغوط الأميركية والغربية.

وأوضح حبتة، أن تصاعد الهجمات بين الميلشيات الشيعية في العراق وإسرائيل، مرتبط بتزايد التوتر بين الأخيرة و”حزب الله” اللبناني، الذي يصف نفسه بأنه قائد “محور المقاومة”، ويمكن ربطه أيضا بلعبة الشدّ والجذب الأميركية الإيرانية في العراق، التي بدأت قبل 2003 والمستمرة إلى الآن. 

مستبعد جدا أن تتجاوز ما تشهده الحدود اللبنانية الإسرائيلية، من مناوشات محدودة سواء من “حزب الله” أو من الفصائل فلسطينية في لبنان، وبالتالي ليست هناك احتمالية لفتح معركة أوسع في تلك الجبهة.

إسرائيل من جانبها، ليست معنية – في هذه المرحلة – في بدء حرب متعددة الجبهات في الجبهة الشمالية، وحتى رغم تصريحات القادة في إسرائيل عن استعداداتهم لحرب كبيرة في لبنان – وهو ما يعني احتمالية إقحام الميلشيات في العراق – إلا أن التقديرات الإسرائيلية تشير إلى السياسة الإسرائيلية المعهودة وهي “الاستعداد للحرب كأنها غداً” ومحاولة إبعادها قدر الإمكان في الوقت نفسه.

لكن هذا لا يعني أن الحرب بعيدة، ففي حال تدهورت الأمور مع “حزب الله” فقد تقدم إسرائيل على القيام بضربات استباقية حيال كل ميلشيات إيران في المنطقة، وربما هذا ما يسمّونه في إسرائيل “دروس 7 أكتوبر”، وفي حينه ستكون حرب مباغتة وكبيرة ومفتوحة في خمس جبهات (لبنان سوريا العراق اليمن)، بالإضافة إلى غزة.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات