إسماعيل قاآني قائد “فيلق القدس”: دلالات ظهوره بسترة واقية للرصاص

إسماعيل قاآني قائد “فيلق القدس”: دلالات ظهوره بسترة واقية للرصاص

في العلوم العسكرية تقول القاعدة: إذا كان الخطر لا يُعرف مصدره فيجب على المسؤول الاختيار بين أمرين، إما الاختفاء أو ارتداء متطلبات السلامة وأخذ أعلى درجات الحيطة والحذر إذا وجب عليه الخروج من مخدعه.

ظهور إسماعيل قاآني قائد “فيلق القدس” التابع لـ”الحرس الثوري” الإيراني، في مناسبتين متتاليتين مرتديا سترة مضادة للرصاص، فجّر التساؤلات و أثار الريبة حول ذلك المشهد، ودلالات الاختراق في الداخل الإيراني، وظلال ذلك في الأحداث الأخيرة.

قائد “فيلق القدس” بسترة واقية

في طقس مشهد الحار، قائد “فيلق القدس” الجنرال إسماعيل قاآني، حضر جنازة رئيسي، مرتديا سترة مضادة للرصاص تحت معطفه الثقيل وسط حضور ملفت لعدد حرسه الشخصي، الأمر الذي أثار ضجة في الداخل الإيراني قبل خارجه.

قاآني بسترة مضادة للرصاص إلى أين وصل الاختراق في الداخل الإيراني؟ (1)
قائد “فيلق القدس” الجنرال إسماعيل قاآني، يرتدي سترة المضادة للرصاص أثناء تواجده داخل المبنى المحمي لوزارة الخارجية – إنترنت

ليس ذلك فحسب، بل استمرار ارتدائه للسترة المضادة للرصاص أثناء تواجده داخل المبنى المحمي لوزارة الخارجية في ظل أجواء صيفية شديدة الحرارة، أشعل التساؤلات، وزاد الشكوك حول أسباب تحطّم طائرة الرئيس، وأعاد الجدل بشأن الاختراق الإسرائيلي، ودوره في اغتيال المسؤولين الإيرانيين.

مقدم بودكاست “أصوات من إيران”، بيني سبتي، تساءل عن ارتداء قاآني لأدوات الحماية العسكرية في مناسبتين، وقال: “مال الذي تخاف منه؟ إسرائيل ليس لديها عمل داخل إيران في الوقت الحالي”.

وهنا لابد من الإشارة، إلى أن تصرف قاآني العسكري وحذره الزائد، تزامن مع وجود قادة الفصائل المتحالفة مع النظام الإيراني في المنطقة مثل (حماس وحزب الله والحشد الشعبي والحوثيين في اليمن) الذين التقوا مع قاآني وحسين سلامي، القائد الأعلى لـ”الحرس الثوري”، وهذا يلفت إلى وجود عدم ثقة بين القادة الإيرانيين ووكلائهم.

تحصّنُ قاآني المبالغ فيه أرجع سببه محللون إلى اختراق الأمن الإيراني بصورة متكررة، والاغتيالات التي طالت قيادات “الحرس الثوري” في السنوات الماضية، وهو ما يعيد للأذهان حديث المرشد الإيراني، علي خامنئي، عام 2015، عندما قال: إن “الغرب يستخدم الجنس والمال لاختراق نخبة صنع القرار في إيران”.

تصريحات خامنئي الذي له الكلمة الأخيرة في شؤون الدولة، جاءت حينها في أعقاب موجة من الاعتقالات للصحفيين والمثقفين من قبل سلطات طهران بسبب مخاوف من التغلغل الغربي بعد توصل إيران إلى اتفاق مع القوى العالمية بشأن برنامجها النووي.

حديث خامنئي الذي بثّه التلفزيون الرسمي، أمام حشد حضره قادة “الباسيج”، ذراع الميليشيات التطوعية لـ”الحرس الثوري” الإيراني، ذكر فيه أن “الأهداف الرئيسية لهذا التسلل هي النُّخب وأصحاب النفوذ وصنّاع القرار. ولهذا السبب يشكل التسلل خطرا كبيرا”.

فوضى في النظام الإيراني

لا شك أن الاغتيالات التي استهدفت المهندسين والقادة وعملاء الاستخبارات في “الحرس الثوري” الإيراني و”فيلق القدس” منذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر الفائت أثّرت سلباً على منظومة الحكم الإيراني، وكانت كافية لكي تعيد إيران النظر في محاولتها لاحتواء التهديد المتصور من إسرائيل أو المعارضة الداخلية.

قاآني بسترة مضادة للرصاص إلى أين وصل الاختراق في الداخل الإيراني؟ (3)
القائد العام للحرس الثوري الإيراني الجنرال حسين سلامي (الثالث إلى اليمين) وقائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني إسماعيل قاآني (الثاني إلى اليمين) أثناء حضور صلاة الجنازة على الرئيس الإيراني الراحل إبراهيم رئيسي. (الصورة من المكتب الصحفي للمرشد الإيراني/غيتي)

منذ هجمات “حماس” ضد إسرائيل والحرب التي تلت ذلك في غزة، قتل ما يقارب 30 قائدا في “الحرس الثوري” الإيراني، وأبرزهم الذين سقطوا دفعة واحدة في استهداف القنصلية الإيرانية بدمشق، بالإضافة إلى حوالي 350 من أفراد الميليشيات الإيرانية والميليشيات المتحالفة معها في قصف إسرائيلي واغتيالات مستهدفة في شمال إسرائيل وجنوب لبنان ومنطقة دمشق. 

أيضا قتل 323 من عناصر “حزب الله” اللبناني جلّهم من نخبة “قوة الرضوان” التي تعتبر الأقوى داخل الحزب الذي تدعمه إيران، فيما خسر “الحشد الشعبي” العراقي حوالي 50 عنصرا. كما خسر كلا من لواء “فاطميون” الأفغاني و”الحزب القومي الاشتراكي السوري” العديد من أعضائها خلال هذه الفترة.

جميع القتلى سواء من الجنسية الإيرانية أو من الوكلاء المتحالفين مع طهران، الذين قتلوا في إيران أو سوريا وحتى لبنان خدموا في “الحرس الثوري” الإيراني، و”فيلق القدس”، بل إن عدداً لا بأس بهم كان مرتبطا بشكل وثيق مع القادة الإيرانيين ومنهم قاآني بشكل مباشر.

حذر قاآني من تهديد محتمل

الرأي العام الداخلي في إيران لا يؤيد الحرب التي يشنّها النظام الديني في البلاد وخارجها. منذ احتجاجات 2022، واجهت الحكومة الإيرانية أزمة شرعية مستمرة، وفقدت دعم العديد من شعبها، وهذا أدى إلى استمرار العواقب على الأمن الداخلي في طهران. 

قاآني بسترة مضادة للرصاص إلى أين وصل الاختراق في الداخل الإيراني؟ (2)
قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني إسماعيل قاآني (وسط) وحسن الخميني (يمين)، حفيد روح الله الخميني، قائد الثورة الإيرانية، أثناء حضورهما صلاة الجنازة على الرئيس الإيراني الراحل إبراهيم رئيسي في حرم جامعة طهران في طهران، إيران في 22 مايو/أيار 2024. (الصورة من المكتب الصحفي للمرشد الإيراني/غيتي)

مع مقتل رئيسي والنخبة السياسية في البلاد، يبدو أن قاآني قائد “فيلق القدس” استشعر أن الصراع الدولي المطوّل بمثابة القشة الأخيرة للنظام. خصوصا أن عضو لجنة الأمن القومي والعلاقات الخارجية في البرلمان الإيراني، صرّح علنا منذ آذار/مارس الفائت، أن “الحكومة الضعيفة” الحالية هي نتيجة وجود “فئة منحرفة فاسدة”.

مرتضى محمود وند، عضو البرلمان عن خرم آباد، بيّن أن معظم مشاكل إيران تنبع من هذا الفصيل الفاسد داخل الحكومة. بعض العناصر المنحرفة داخل إدارة رئيسي، لها صلات بجهات أجنبية و تغلغلوا في الحكومة وأجهزة الدولة، وفق عضو البرلمان.

وبالمثل، قال النائب السابق غلام علي جعفر زاده إيمان آبادي للصحفيين، “لقد فقدنا الكثير من عسكريينا في سوريا”، مشيرا إلى أن أفرادًا تمت ترقيتهم فجأة إلى مناصب وزارية.

علي خامنئي، منذ عام 2018 دعا إلى تكثيف الجهود لمحاربة “التسلل والاختراق” داخل البيت الداخلي لطهران ولا سيما المنظومة العسكرية، وهذا يدل على أن الاختراقات التي ظهرت على العلن خلال الأشهر الستة الفائتة ليست جديدة، بل حلم القادة الإيرانيين بالتوسع الإقليمي في بيت متهالك، تسبب بظهورها للعلن داخل البلاد وخارجها وفي كل منطقة وصل لها “الحرس الثوري”.

هل الداخل الإيراني مهدد؟

بالعودة إلى ظهور الجنرال إسماعيل قاآني، قائد فيلق القدس – فرع النخبة خارج الحدود الإقليمية للحرس الثوري الإسلامي الإيراني – وهو يرتدي سترة مضاد للرصاص في فعاليات رفيعة المستوى في مشهد، فإنه يدل بحسب الخبير في الشؤون العسكرية والإيرانية، العميد محمد مهدي، على العديد من المخاوف الأمنية المحتملة.

قائد فيلق القدس الإيراني إسماعيل قاآني يتحدث خلال احتفال بمناسبة الذكرى السنوية الأولى لمقتل قائد فيلق القدس الإيراني السابق قاسم سليماني في طهران، في 1 يناير 2021. (غيتي)

في حين أن السترات المضادة للرصاص يمكن أن توفر حماية حيوية، إلا أن استخدامها من قبل هذه الشخصية البارزة يشير إلى مستوى تهديد متصور يبرر اتخاذ تدابير وقائية معززة، حتى في حرارة الصيف الشديدة.

قد يكون أحد التفسيرات المعقولة بحسب حديث مهدي لـ”الحل نت”، هو الاختراقات المتكررة للأمن الإيراني التي قد تكون كشفت نقاط الضعف. واجهت إيران تهديدات محلية وأجنبية مختلفة، تتراوح بين الجماعات الإرهابية وأجهزة الاستخبارات المعادية. 

من المحتمل أن تكون سلسلة الاغتيالات والهجمات التي استهدفت العلماء والمسؤولين النوويين الإيرانيين والخبراء العسكريين على مدى العقد الماضي وفي الأشهر الأخيرة حصرا، قد زادت من الحذر الأمني لدى كبار قادة النظام، وخاصة أولئك المشاركين في عمليات حساسة مثل “فيلق القدس”.

“فيلق القدس”، المكلف بعمليات خارج الحدود الإقليمية ودعم الجماعات الميليشياوية بالوكالة، كان في طليعة جهود إيران لإبراز قوتها الإقليمية. إذ لعب قادته أدواراً محورية في النزاعات في جميع أنحاء الشرق الأوسط، مما جعلهم أهدافاً ذات قيمة عالية للخصوم الذين يسعون إلى تقويض نفوذ إيران. وقد اغتيل سلف الجنرال قاآني، قاسم سليماني، في غارة أميركية بطائرة بدون طيار في بغداد في عام 2020، مما شكّل ضربة قوية لاستراتيجية إيران الإقليمية.

أسباب غير معلنة

ينبع التهديد المحتمل لحياة قاآني من عدة مصادر. فعلى الصعيد الداخلي، واجهت إيران معارضة من مختلف الجماعات العِرقية والسياسية، وقد صنّف النظام الإيراني بعضها كمنظمات إرهابية. أما خارجيًا، فلدى خصوم إيران اللدودين، مثل إسرائيل والولايات المتحدة، مصالح قوية في الحد من أنشطة “فيلق القدس” ويعتبرون قيادته أهدافًا مشروعة.

وعلاوة على ذلك، فإن تورّط “فيلق القدس” في عمليات سرية ودعمه لجماعات وكيلة مثل “حزب الله” والميليشيات الشيعية العراقية قد أثار حفيظة القوى الغربية و الخصوم الإقليميين. وقد تسعى هذه الجماعات إلى الانتقام من الأهداف الإيرانية، بما في ذلك كبار المسؤولين، كوسيلة للردع أو الانتقام.

قد يكون العامل المحتمل الآخر هو الاضطرابات والاحتجاجات الأخيرة في إيران التي اندلعت بسبب المظالم الاقتصادية والاجتماعية المختلفة.

في حين أن الاحتجاجات كانت موجّهة في المقام الأول ضد سياسات الحكومة الإيرانية، فقد لعب “الحرس الثوري” الإيراني و”فيلق القدس” التابع له دوراً حاسماً في قمع المعارضة. وقد يكون ذلك قد رفع من مستوى التهديد المتصور بالنسبة لـ قاآني وغيره من قادة “الحرس الثوري”، مما دفعهم إلى اتخاذ احتياطات أمنية إضافية.

كذلك، فإن موقع الأحداث – مدينة مشهد، وهي مدينة قريبة من الحدود الأفغانية – قد يكون له أهمية أيضاً. فقد شهدت المنطقة نشاطاً متزايداً من قبل الجماعات الإرهابية وعصابات المخدرات، التي قد يكون لدى بعضها مظالم ضد النظام الإيراني أو وكلائه العاملين في المنطقة.

وفي نهاية المطاف، وفي حين أن الطبيعة الدقيقة للتهديد لا تزال غير واضحة، فإن قرار قاآني بارتداء سترة مضادة للرصاص في المناسبات العامة في مشهد يشير إلى مستوى مقلق من انعدام الأمن والضعف المحتمل داخل الأجهزة الأمنية الإيرانية. 

ويبدو أن انتهاك البروتوكولات الأمنية الإيرانية، سواءً من خلال التسريبات الاستخباراتية أو التهديدات الداخلية أو الإخفاقات التشغيلية، يشكّل مصدر قلق لكبار المسؤولين في النظام، مما يستدعي تعزيز التدابير الوقائية حتى لو كان ذلك على حساب عدم الراحة الشخصية في الظروف الجوية القاسية.

0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات حول في العمق

جديداستمع تسجيلات سابقة