كان تعاطي “الجماعة الإسلامية”، الذراع السياسية “للإخوان المسلمين” في باكستان، مع الحرب ما بين إسرائيل و”حماس” في قطاع غزة، شديد البراغماتية، حيث نصبت الحركة من نفسها، وكيلاً حصرياً للدفاع عن الفلسطينيين، بل وحاولت التموضع ضمن “محور المقاومة”، من خلال قيام أمير الجماعة السابق، سراج الحق، بزيارة إيران، ولقاء إسماعيل هنية، رئيس المكتب السياسي لحركة “حماس”، في الدوحة، وكذا زيارة تركيا، والمشاركة ضمن فعاليات جماهيرية لنصرة فلسطين، قبل أن يعود إلى باكستان، لينظّم مسيرات مليونية، نددت فيها الجماعة بالقادة الباكستانيين، ووصفتهم بالتخاذل، كما وصفت القادة العرب بالتواطؤ مع إسرائيل.
وعلى الرغم من محاولاته الحثيثة، وتجاوزه سقف المسموح به أمنياً، عبر محاولة التظاهر عند السفارة الأميركية، لم يجنِ سراج الحق ثمار تحركاته، وخرجت “الجماعة الإسلامية” من الانتخابات التي جرت في 8 شباط/ فبراير الفائت خالية الوفاض، لينتهي الأمر بتنحّي سراج الحق عن منصبه، ليحلّ محلّه أمير الجماعة في كراتشي، حافظ نعيم الرحمن.
“الجماعة الإسلامية” واستراتيجية الأمير الجديد
لم يجد الأمير الجديد “للجماعة الإسلامية”، حافظ نعيم الرحمن، وسيلة لمناكفة الحكومة الباكستانية، سوى اللعب بورقة القضية الفلسطينية، كورقة رابحة في سياق الصراع السياسي، بينه وبين حكومة شهباز شريف، حيث قررت الجماعة إقامة اعتصام لنصرة فلسطين، تحت عنوان: “أنقذوا غزة”، يقوده السيناتور مشتاق أحمد، عضو مجلس الشيوخ السابق عن الجماعة الإسلامية، وذلك في المنطقة الحمراء في دي تشوك، بشارع جناح الرئيسي، الذي يُعد أهم مكان في العاصمة الفيدرالية إسلام آباد.
أنصار الجماعة الإسلامية نصبوا خيامهم، في منتصف الطريق، الأمر الذي تسبب في قطع خط المواصلات الحيوي، ممّا تسبب عصر يوم 19 أيار/ مايو في حادث مروري، حيث لقي شخصان حتفهما، وأصيب ثلاثة آخرون، عندما صدمت سيارة مسرعة مخيّماً للمتظاهرين المنتمين “للجماعة الإسلامية”.
وفي صباح اليوم التالي، أغلقت شرطة إسلام آباد جميع الطرق المؤدية إلى المنطقة، ممّا تسبب في ارتباك حركة المرور، في معظم أنحاء العاصمة.
“الجماعة الإسلامية” سارعت إلى توظيف الحادث، رغم تسبّبها فيه بقطع طريق رئيسي بالخيام، حيث أصدر المتحدث باسم “الجماعة الإسلامية” عامر بلوش، بياناً زعم فيه أن الحادث مدبّر من الحكومة، والهدف منه قتل السيناتور مشتاق أحمد.
وبدوره، اتّهم ضياء الدين الأنصاري، أمير “الجماعة الإسلامية” في لاهور، الحكومة الباكستانية بمهاجمة مقر اعتصام الجماعة، المناصر لغزة، ومحاولة اغتيال السيناتور مشتاق خان ومعاونيه، بواسطة سيارة مندفعة. وقال إن الحكومة هي المسؤولة عن إراقة دماء الأبرياء ظُلماً في الهجوم، بحسب زعمه، على اعتصام “أنقذوا غزة” في إسلام آباد.
“الجماعة الإسلامية” تعلن الجهاد
في 20 أيار/ مايو الفائت، قال حافظ نعيم الرحمن، في مؤتمر جماهيري، إن “الجماعة الإسلامية سوف تواصل تضامنها مع مجاهدي حركة حماس؛ من أجل تحرير فلسطين”، ووجّه شكراً خاصاً لإسماعيل هنية، متعهداً بأن الجماعة لن تتخلى عن قضية الأمة، داعياً إلى اجتماع عاجل لقادة العالم الإسلامي في إسلام آباد، لاتخاذ موقف حاسم حول الوضع في فلسطين. مؤكدا أن “الجهاد أصبح فرض على الجميع”.
وبعد خطبة نعيم الرحمن النارية بأيام، قال أمير “الجماعة الإسلامية” في لاهور، ضياء الدين أنصاري، إن “الجماعة الإسلامية سوف تعلن الجهاد من أجل تحرير أولى القبلتين”. وذلك في كلمة حماسية، ألقاها أمام مؤتمر غزة في لاهور.
أنصاري، اتهم حكّام باكستان بالجبن. قائلاً:”حكامنا الجبناء لا يقومون بدورهم الفعّال من أجل حرية فلسطين، فأولئك تحت تأثير شهوتهم للسلطة وأطماعهم، وقعوا تحت تأثير القوى الصهيونية، وهم أتباع لأميركا وإسرائيل”.
يبدو أن الأمير الجديد فشل تماماً في تطوير آليات الحِراك التقليدية داخل الجماعة، وتحوّل إلى نسخة مشوّهة من سراج الحق، وقد فقد القدرة على السيطرة على أنصاره، ليدخل في مواجهة صفرية مع السلطات الأمنية الباكستانية.
وأضاف: “الحكومة الموالية لأميركا، لا تريد أن يرفع أحد صوته ضدّ إسرائيل، بينما الشعب الأميركي يحتج على الوحشية الإسرائيلية في واشنطن، وعندما تقرر “الجماعة الإسلامية” الاحتجاج أمام السفارة الأميركية، أكبر مؤيد لإسرائيل، يتم حشد قوات الشرطة والأجهزة ذات الصلة، وتبدأ الاعتقالات”. وتابع: “لن ننحني أمام قمع الحكومة ولن نخاف”.
وعلى الرغم من سطحية هذا الخطاب الجهادي، القائم على استخدام شعارات رنانة، لا تتصل بمعطيات الواقع، إلّا أن نعيم الرحمن لم يجد خيراً منه، من أجل إعادة الجماعة إلى المشهد السياسي، في ظل هيمنة الحرس القديم الموالي لسراج الحق، على مقاليد الأمور في الجماعة، وافتقاد الأمير المسن (82 عاماً) إلى القدرة على فرض رؤية جديدة على الهيكل الإداري للجماعة.
نعيم الرحمن، زعم في أواخر أيار/ مايو الفائت، خلال مؤتمر صحفي مع قادة الحزب في المنصورة، أن سياسة بلاده الخارجية ترتهن بالقرار الأميركي، وقال إنّ رئيس الوزراء جعل الباكستانيين عبيدا للهند، وفقاً للأجندة الأميركية.
نعيم الرحمن تساءل أيضاً: لماذا ذهبت جنوب إفريقيا إلى “محكمة العدل الدولية” بشأن قضية فلسطين ولم تفعل باكستان؟ مطالباً حزب الرابطة الإسلامية، وحزب الشعب بالاعتراف بحركة “حماس”.
“الجماعة الإسلامية” حشدت أنصارها في مسيرة لنصرة غزة، في الأول من حزيران/ يونيو الجاري، ودوت الأجواء بهتافات: “لبيك يا غزة، لبيك يا أقصى”. وقال لياقت بلوش نائب أمير “الجماعة الإسلامية”، أثناء حديثه أمام المسيرة، إنه ينبغي لمنظمة التعاون الإسلامي، الضغط من أجل وقف إطلاق النار في غزة.
وفي الوقت نفسه، نظّمت “الجماعة الإسلامية” مسيرة احتجاجية كبيرة في قرية محب، والتي خاطبها الأمين العام للمنطقة سهيل أحمد بابار راهي، مطالباً بالجهاد، والقتال من أجل فلسطين. وفي وقت سابق، تمّ تنظيم برامج لصالح فلسطين في مختلف الفعاليات الخاصة التي نظّمتها “الجماعة الإسلامية”.
وفي ماردان، نظّمت الدائرة النسائية أيضاً تظاهرات محدودة، من أجل فلسطين. وفي الوقت نفسه، نُظّمت احتجاجات في 300 منطقة في كراتشي، و92 مكاناً في إسلام آباد.
ويبدو أن الجماعة أرادت من خلال الخروج في مسيرات متفرقة، الإعلان عن وجودها في أكثر من مكان، من أجل الإيحاء بكثافة التواجد على الصعيد الشعبي، في رسالة من الأمير الجديد للحكومة، بأنّه لابدّ من الحوار معه، وهو ما تتجاهله الحكومة تماماً.
اشتباكات مع الشرطة وتحرّش بالنساء
قررت “الجماعة الإسلامية” تطوير حراكها الشعبي، برفع شعارات الممانعة والمقاطعة، ضدّ المنتجات الغربية، واستهدفت في تحركاتها سلسلة مطاعم عالمية في إسلام آباد، حيث بدأ المتظاهرون المنتمون للجماعة في التحرّش بروّاد هذه المطاعم، الأمر الذي دفع الشرطة إلى تشديد الحراسة عليها.
وفي منتصف أيار/ مايو الفائت، هاجم مسلحون متربصون ينتمون إلى “الجماعة الإسلامية”، مقر أحد المطاعم الشهيرة، فحدثت اشتباكات مع رجال الشرطة، التي حاولت التصدي للأعداد الكبيرة من المهاجمين، وكان بعضهم يحمل هراوات، وأسلحة نارية.
في الوقت نفسه هاجم متظاهرون ينتمون إلى الجماعة، أحد الفنادق، وتحرّشوا ببعض روّاده من النساء، فدفعت الشرطة بتعزيزات إلى المنطقة، لكنها تعرضت لإطلاق نار كثيف من قبل المهاجمين، وأصيب عدد من رجال الشرطة، على رأسهم مدير شرطة إسلام آباد.
الشرطة بدورها حرّرت محضر قضائي ضد “الجماعة الإسلامية”، واتهمتها بممارسة الإرهاب، وقالت شرطة العاصمة في دعواها، إنّ المسلحين وصلوا ليلا، وقاموا بمهاجمة الشرطة، وقاموا بالسّطو على بعض الأسلحة.
جدير بالذكر أنّه أُلقي القبض على ثمانية أشخاص من أنصار “الجماعة الإسلامية”، بعد اشتباكهم مع الشرطة خلال المظاهرة المناهضة لإسرائيل، التي نظّمتها الجماعة في إسلام آباد أمام مقرّ سلسلة الوجبات السريعة في العاصمة الفيدرالية.
ويبدو أن الأمير الجديد فشل تماماً في تطوير آليات الحِراك التقليدية داخل الجماعة، وتحوّل إلى نسخة مشوّهة من سراج الحق، وقد فقد القدرة على السيطرة على أنصاره، ليدخل في مواجهة صفرية مع السلطات الأمنية، وعلى رأسها الجيش الباكستاني.
- وفيق صفا.. ما الذي نعرفه عن أول قيادي ينجو من ضربات إسرائيل
- ما بين النفط والموقع الاستراتيجي.. الصين عينها على السودان
- بموافقة 26 دولة.. مجلس حقوق الإنسان يعتمد قرارا حول سوريا
- إسرائيل تحيّد قائد وحدة الصواريخ بقوة “الرضوان” واستهداف جديد لـ”اليونيفيل”
- العراق وتعديل قانون الأحوال الشخصية.. الرجعية تكسر التنوير!
هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.