في خطوة تصعيدية جديدة، أعلنت الولايات المتحدة الأميركية تصنيف جماعة “أنصار الله الأوفياء” العراقية على قائمة الجماعات الإرهابية؛ هذا التصنيف الذي طال انتظاره يأتي بعد سنوات من الجدل حول دور هذه الميليشيا المسلحة في الاضطرابات الأمنية والسياسية التي شهدتها البلاد منذ الغزو عام 2003.

تُعتبر جماعة “أنصار الله الأوفياء” واحدة من أكثر الفصائل المسلحة نفوذاً وتأثيراً في العراق. فبعد انشقاقها عن التيار الصدري، نجحت الميليشيا في تكوين قاعدة قوية لها داخل المؤسسات الحكومية والأمنية، الأمر الذي مكّنها من ممارسة نفوذ كبير على صنع القرار في البلاد. ويتهمها كثيرون بالتواطؤ مع إيران ودعم مصالحها في المنطقة.

على مدى السنوات الماضية، ارتبطت جماعة “أنصار الله الأوفياء” بالعديد من أعمال العنف والقمع ضد المتظاهرين السلميين في العراق. فقد قتلت عناصرها العشرات من المحتجين الذين خرجوا للمطالبة بالإصلاح والحريات، في محاولة لإظهار ولائها للنظام الحاكم. هذه الأحداث المأساوية، إلى جانب الشكوك المتزايدة حول ارتباطاتها الخارجية، دفعت واشنطن إلى اتخاذ هذا الإجراء الحاسم.. فما قصتهم؟

على قوائم الإرهاب

في تحرّك تصعيدي جديد ضد طهران ووكلائها في المنطقة، أدرجت إدارة الرئيس جو بايدن، أمس الثلاثاء، جماعة “أنصار الله الأوفياء” العراقية الموالية لإيران على لوائح الإرهاب الأميركية. وجاء هذا الإجراء الحازم بعد هجومٍ دامٍ نفذته عناصر من الميلشيا في كانون الثاني/يناير الماضي استهدف “البرج 22” قرب الحدود السورية مع الأردن، وأسفر عن مقتل ثلاثة جنود أميركيين.

قُتل ثلاثة جنود أمريكيين وأصيب العشرات بعد أن ضربت طائرة بدون طيار موقعا عسكريا في الأردن يعرف باسم "البرج 22". (رويترز)
صورة القمر الصناعي للموقع العسكري الأمريكي المعروف باسم البرج 22، في الركبان، منطقة الرويشد، الأردن، 12 أكتوبر 2023. (رويترز)

في بيان رسمي، أكدت الخارجية الأميركية أن “حركة أنصار الله الأوفياء” تعتبر إحدى أذرع “المقاومة الإسلامية” الموالية لطهران في العراق. وأشارت إلى أن هذه الميليشيا المسلحة تتلقى التمويل والدعم من “الحرس الثوري” الإيراني، حليف إيران الإقليمي الرئيسي الذي يواجه عقوبات واسعة النطاق من واشنطن.  

في إطار الحملة الأميركية المتصاعدة ضد الجماعات المسلحة الموالية لطهران في المنطقة، بيّنت وزارة الخارجية الأميركية فرض عقوبات مشددة على قائد جماعة “أنصار الله الأوفياء” العراقية وأدرجته على قائمة “الإرهابيين العالميين المحددين”.

ووفقاً للبيان الرسمي الصادر عن الخارجية الأميركية، فقد تم إدراج حيدر مزهر ملك السعيدي، الملقب بـ”حيدر الغراوي”، القائد والأمين العام للميليشيا الموالية لإيران، على اللائحة السوداء بموجب الأمر التنفيذي رقم 13224 المتعلق بمكافحة الإرهاب الدولي.

وأشار البيان إلى أن هذه الخطوة جاءت ردّاً على تهديدات السعيدي المتكررة بشنّ هجمات ضد المصالح الأميركية في المنطقة، وكذلك بسبب دور ميليشياته في ترويع المدنيين العراقيين وإرهابهم. 

الهجمات على القواعد الأميركية التي تجاوزت 150 هجومًا بين نهاية 2023، ومطلع 2024، سُجّل أحدثها في نيسان/أبريل الماضي، عندما أعلنت خلية الإعلام الأمني العراقي، عن العثور على آلية أُطلقت منها صواريخ من العراق نحو قاعدة لـ”التحالف الدولي” في عمق الأراضي السورية.

اختراق مؤسسات الدولة

في ظل الفراغ الأمني منذ عام 2003، برزت العديد من الجماعات المسلحة التي حاولت ملء هذا الفراغ بالقوة. ومن بين هذه الميليشيات، تألقت جماعة “أنصار الله الأوفياء” التي انشقت عن التيار الصدري لتصبح أحد أبرز الوكلاء العراقيين لـ”الحرس الثوري” الإيراني في البلاد.

انشقاق عن التيار الصدري وولاء لإيران والأسد من هم جماعة أنصار الله الأوفياء؟
أبو مهدي المهندس نائب رئيس هيئة الحشد الشعبي العراقي في جولة مع قادة حركة “أنصار الله الأوفياء” – إنترنت

ظهرت بوادر هذا الفصيل لأول مرة في 2013 عندما أسس كياناً سياسياً في محافظة ميسان جنوبي العراق تحت مسمى “كيان الصدق والعطاء”. وقادها حينها حيدر الغراوي الذي كان أميناً عاماً للحزب الناشئ آنذاك. وفي انتخابات مجلس المحافظة لذلك العام، حقق الحزب المرتبة الرابعة ليتمكن نائب الغراوي مرتضى الساعدي من تولي منصب رئيس لجنة النزاهة في المجلس.

سرعان ما تحول “كيان الصدق والعطاء” إلى كتيبة مسلحة باسم “أنصار الله الأوفياء”، لتصبح إحدى أهم أذرع طهران في المنطقة. فمنذ ذلك الحين، تولت الميليشيا مهمة حراسة الحدود السورية تحت غطاء “قوات الحشد الشعبي” العراقية، بينما تلقت التدريب والتمويل من “فيلق القدس” التابع لـ”الحرس الثوري” الإيراني.  

ما يؤكد الارتباط بمحافظة ميسان هو ترؤس حيدر جبار البيضاني من “أنصار الله الأوفياء” مكتب “قوات الحشد الشعبي” الذي تم تأسيسه في تلك المحافظة في عام 2015.

وفي محاولة لاكتساب شرعية أوسع، تحالفت الحركة عام 2014 مع رئيس الوزراء السابق إبراهيم الجعفري للمشاركة في الانتخابات البرلمانية، قبل أن تغير اسمها إلى “حركة الصدق والعطاء”. وفي نفس العام، شكّل زعيمها حيدر الغراوي “كتيبة أنصار الله الأوفياء” المسلحة كإحدى وحدات الحشد الشعبي العراقي.  

ومع تصاعد نفوذ الميليشيا العسكري، سعت للتمدد سياسياً أيضاً. ففي انتخابات 2018، شاركت حركة “الصدق والعطاء” كجبهة سياسية لـ”أنصار الله الأوفياء” ضمن تحالف “الفتح” بزعامة هادي العامري، وهو تحالف ميليشيات “الحشد الشعبي” المتحالفة مع إيران.

من حزب محلي صغير إلى ميليشيا مسلحة وقوة سياسية ذات نفوذ، تؤكد مسيرة “أنصار الله الأوفياء” كيف نجحت طهران في زرع أذرعها العسكرية والسياسية داخل العراق على مدى السنوات الماضية، الأمر الذي يشكل تحدّياً كبيراً للاستقرار والسيادة العراقية.

في عام 2019، ارتبطت جماعة “أنصار الله الأوفياء” باختطاف وقتل رمزَيّ “حركة تشرين” سجاد العراقي وعلي جاسب. وفي نفس العام، طرد مقتدى الصدر عبد الزهرة السويعدي، القائد العسكري لـ”أنصار الله الأوفياء”، بتهمة الفساد.

في تشرين الأول/أكتوبر 2022، ساعد نواب “أنصار الله الأوفياء” على تشكيل “حكومة المقاومة” برئاسة محمد شياع السوداني، بحيث انضموا إلى “الإطار التنسيقي” من خلال “تجمع السند” بزعامة أحمد الأسدي، قائد “كتائب جند الإمام” (اللواء السادس في “قوات الحشد الشعبي”) ووزير العمل والشؤون الاجتماعية في الحكومة.

ذراع لـ”الأسد”

لا شك أن “أنصار الله الأوفياء” هذه الميليشيا الموالية لـ”الحرس الثوري” الإيراني، تُعتبر إحدى أقوى أذرع إيران في العراق، حيث تقوم بنشر قواتها المسلحة على طول الحدود مع سوريا. ومن هذه المواقع الاستراتيجية، نفذت هجمات دامية ضد القوات الأميركية والقوى الكردية في سوريا تحت ذريعة “مكافحة الإرهاب”.

انشقاق عن التيار الصدري وولاء لإيران والأسد من هم جماعة أنصار الله الأوفياء؟
بوستر للمرشح عن حركة “أنصار الله الأوفياء” محمد حنتوش الأسد – إنترنت

لكن نشاط “أنصار الله” لا يقتصر على الجانب العسكري فحسب، بل يمتد ليشمل قمع المعارضة السياسية والمجتمع المدني العراقي بوحشية. فقد شاركت عناصرها في قتل المئات من المتظاهرين السّلميين الذين خرجوا للمطالبة بالإصلاح والحريات في السنوات الأخيرة.

في قلب هذا المعقل الإيراني القوي، يلعب زعيم الميليشيا حيدر الغراوي دوراً محورياً. فهذا القائد المتشدد، الذي يعتبر نفسه تابعاً لولي الفقيه الإيراني علي خامنئي، يتلقى الأوامر مباشرة من “فيلق القدس”. ولا عجب أن تكون واشنطن قد أدرجته على لائحة “الإرهابيين الدوليين”.

يتمتع هذا القائد المتشدد بعلاقات وثيقة مع قادة الميليشيات الأخرى المرتبطة بإيران في العراق، مثل “كتائب حزب الله” و”سرايا الخراساني” و”كتائب سيد الشهداء”.

تعمل هذه الجماعات المسلحة بشكل متناغم على طول الحدود العراقية السورية، حيث تنفذ هجماتها ضد القوات الأميركية وحلفائها في سوريا من “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد). 

في صيف العام الماضي، كشفت تقارير موثوقة أن الغراوي كان ضمن مجموعة نخبة مكونة من 8 قادة ميليشيات عراقيين التقوا بالمرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي نفسه. وهو ما يؤكد المكانة البارزة التي يتمتع بها هذا الزعيم المتشدد لدى القيادة الإيرانية.

في مشهد يعكس حقيقة الوجود العسكري الإيراني المتغلغل في العراق، رفرفت أعلام جماعة “أنصار الله الأوفياء” الموالية لطهران في جنازة أحد مقاتلي ميليشيا “كتائب حزب الله” الذي قُتل في غارة جوية أميركية. 

وقد شوهدت هذه الأعلام الخضراء، التي ترمز للانتماء الشيعي المتشدد، في تشييع جثمان فاضل المكصوصي في 21 تشرين الثاني/نوفمبر من العام الماضي، في إشارة واضحة إلى التحالف الوثيق بين هذه الميليشيات المختلفة التي تخدم المصالح الإيرانية في المنطقة.

ولا يقتصر دور “أنصار الله الأوفياء” على الجانب العسكري فحسب، بل يمتد أيضاً إلى المجال السياسي في محاولة لشرعنة وجودها. ففي الانتخابات الأخيرة، رشّحت الحركة محمد حنتوش الأسد ضمن تحالف “الفتح” الموالي لإيران لخوض السباق على مقعد في مجلس محافظة ميسان جنوبي البلاد.   

يعد الأسد أحد أبرز القادة في “أنصار الله” الذين تحولوا من النشاط العسكري إلى السياسي، في محاولة من الحركة لتعزيز شرعيتها وحضورها داخل الدوائر الرسمية للدولة العراقية، وبالمثل يدعم الأسد سياسيا وعسكريا الحكومة السورية داخل أروقة المنظومة السياسية العراقية.

هل ستواجه بغداد عزلة دولية؟

إن تغلغل ميليشيات موالية لإيران، وخاصة جماعة “أنصار الله الأوفياء”، داخل مؤسسات الدولة العراقية يشكل تهديداً خطيراً للاستقرار والسيادة الوطنية في البلاد. فبعد سنوات من السيطرة العسكرية والسياسية المتزايدة لهذه الجماعات، جاء قرار الولايات المتحدة بتصنيفها كجماعة إرهابية ليضع العراق في موقف دقيق للغاية.

رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، إلى اليسار، والرئيس الأمريكي جو بايدن، إلى اليمين، خلال اجتماع في المكتب البيضاوي في البيت الأبيض في العاصمة الأمريكية واشنطن، يوم الاثنين 15 أبريل/نيسان 2024. (تصوير: بوني كاش/ يو بي آي/بلومبيرغ)

من الناحية السياسية، يواجه رئيس الوزراء محمد شياع السوداني تحديًا كبيرًا في التعامل مع هذه الميليشيات القوية التي تسيطر على قطاعات مهمة من الجيش والشرطة وحتى الحكومة نفسها. فمن جهة، يتعين عليه احترام القرار الأميركي وإبعاد هذه الجماعات عن مؤسسات الدولة، وهو ما قد يؤدي إلى مواجهة مسلحة خطيرة معها. ومن جهة أخرى، إذا تجاهل القرار، فقد يواجه عقوبات اقتصادية قاسية من واشنطن.  

على الصعيد الاقتصادي، قد يكون لتصنيف “أنصار الله الأوفياء” إرهابية آثار مدمرة على الاستثمارات والتجارة في العراق. فمن المرجح أن تحجم الشركات الأجنبية والمستثمرون عن العمل في بلد تسيطر فيه جماعات مسلحة موالية لإيران على القطاعات الحيوية. كما قد تفرض واشنطن عقوبات اقتصادية على أي كيان يتعامل مع هذه الميليشيات، الأمر الذي سيضرب الاقتصاد العراقي في مقتل.

أما على الصعيد الدولي، فإن استمرار نفوذ هذه الميليشيات الإيرانية في العراق سيقوّض بشكل كبير ثقة المجتمع الدولي في حكومة بغداد. فكيف يمكن لحكومة تسيطر عليها جماعات مسلحة موالية لإيران أن تحافظ على استقلاليتها وسيادتها؟ هذا السؤال سيطرح نفسه بقوة أمام الشركاء الدوليين للعراق، مما قد يعرقل جهود إعادة الإعمار والمساعدات الخارجية للبلاد.

في نهاية المطاف، يجب على الحكومة العراقية اتخاذ موقف حازم تجاه هذه الميليشيات التي تهدد أمن واستقرار البلاد. فإما أن تطردها من المؤسسات الرسمية وتحاسب قادتها، أو ستواجه عزلة دولية وعقوبات اقتصادية قد تُدمر ما تبقى من الاقتصاد العراقي المنهك أصلاً. لا شك أن هذا الخيار صعب، لكنه ضروري لاسترداد السيادة الوطنية والحفاظ على مستقبل العراق.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات

الأكثر قراءة