في ظل الحرب الدائرة بقطاع غزة نتيجة الهجمات المباغتة التي شنتها حركة “حماس” ضد إسرائيل منذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر العام الماضي، فإن الأوضاع الإنسانية المأزومة التي يعاني منها المدنيون تزداد وطأة، وذلك للدرجة التي تنعدم فيها فرص الحياة، بعد أن وصل بقادة “حماس” أن ينخرطوا في مغامرة عسكرية بهذا الحجم والمستوى من دون أي ضمانات لسكان القطاع وتوفير الغذاء والدواء لهم، حيث إنها ليست المرة الأولى بل يعد الحادث متكرر ومزمن، إذ لا تضع الحركة الإسلاموية أي اعتبار سوى مصالحها الأمنية والسياسية والإقليمية.
وبالتالي، جاءت التقارير الأجنبية بخصوص الاستيلاء على أحد البنوك في قطاع غزة لتشكل صدمة أخرى مدوية، وذلك حول حجم السيولة الأمنية والاستهتار الذي يفضح التخريب الممنهج في القطاع، فضلاً عن ضلوع الحركة في هذا النشاط المريب والمشبوه ودورها في تسهيل مثل تلك الممارسات التي تمكنها (أو بعض الأطراف المرتبطة بها) من الاستيلاء على أموال المودعين، وهو ما يؤشر إلى فساد داخل “حماس”.
فالحركة الأخطبوطية بقدراتها التنظيمية والتسليحية التي تبرز عضلاتها ضد المدنيين على نحو فج ومتوحش كما حدث في أيامها الأولى من الاستيلاء على القطاع، قبل عقود قليلة، والاستهدافات العنيفة والقمع الذي طال المدنيين من معارضي سيطرة الإسلاميين على غزة، أو في صراعاتها المحتدمة ضد إسرائيل بين الحين والآخر، لا تتمكن من توفير حماية لقطاع من القطاعات الحيوية كالبنوك، وتأمين مدخرات المدنيين، وتعريض إحدى المؤسسات الحيوية والاقتصادية لمخاطر السرقة والنهب، الأمر الذي لا يدع مجالاً للشك بأن هناك قوى ضمن إطار السلطة، سلطة الأمر الواقع بغزة، ضالعة في هذا الأمر بشكل أو بآخر.
“حماس” هي الجهة المسيطرة!
وتداول قبل أيام قليلة تقرير لصحيفة “فاينانشال تايمز” البريطانية معلومات عن عمليات سطو نفذتها “عصابات مسلحة”، بما في ذلك جماعات مدعومة من “حماس”، على البنوك في شمال قطاع غزة خلال الشهرين الماضيين.
وقالت الصحيفة البريطانية إنه عمليات السطو هذه تسببت في نهب ما لا يقل عن 120 مليون دولار أو ثلث الأموال النقدية في خزائن البنوك بغزة. وفي الواقع هذا ليس التقرير الأول الذي يتم فيه تداول مثل هذه الأعمال التخريبية، فقد قالت صحيفة “لوموند” الفرنسية في شهر أيار/ مايو الماضي، إن مجموعات مسلحة زعمت إحداها أنها مرتبطة بـ”حماس”، سرقت ما يصل إلى 66 مليون يورو (نحو 71 مليون دولار) في نيسان/ أبريل الفائت من فروع لـ”بنك فلسطين” في غزة، وهو ما لم تنكره أي من السلطات هناك أو البنوك.
ووسط الفقر الذي يعاني منه أهالي غزة، وصعوبة الحصول على السلال الغذائية، وشحّ الغذاء والموارد من كهرباء وإنترنت، نتيجة الحرب المستمرة بين إسرائيل و”حماس” منذ أكثر من 8 أشهر، يجدر بنا التساؤل عن مدى احتمالية وقوف “حماس” أو ارتباطها بهذه الجماعات المسلحة التي سرقت أموال سكان غزة من البنوك.
الصحيفة البريطانية، أشارت في تقريرها إلى أن معظم عمليات السطو على البنوك حدثت بطريقة “دراماتيكية”، حيث وقعت يومي 17 و18 نيسان/ أبريل الماضي، على “بنك فلسطين”، وهو أكبر مؤسسة مالية فلسطينية، فبعد صب خرسانة حول قبو فرعه بمنطقة الرمال من أجل حماية الأموال من النهب، وقع انفجار وتلا ذلك عملية سرقة.
من جانبه، قدّر “بنك فلسطين” أنه تم الاستيلاء على 36 مليون دولار في عملية السرقة الثانية، التي “جاءت بناء على أوامر من أعلى سلطة في غزة”، في إشارة ضمنية إلى “حماس” التي تحكم القطاع قبل الحرب، وفقاً للصحيفة.
ضمن هذا السياق يقول الكاتب والمحلل السياسي الفلسطيني والقيادي في حركة “فتح”، زيد الأيوبي، إنه ليس من المستغرب أن تقوم “حماس” بالاستيلاء على مقدرات الناس وأموالهم في البنوك و”بنك فلسطين” تحديداً، ذلك بالاستناد إلى أنها قبل الحرب كانت تستولي على مدخرات الناس وأموالهم بذرائع واهية، مثل أنها كانت تقول إن هذه الأموال تذهب إلى “مجهود المقاومة، وتعزيز صمودها في مقاومة المحتل وما إلى ذلك”.
وأردف القيادي في “فتح” لموقع “الحل نت”، أنه خلال حرب غزة فوجئنا بسرقة فروع “بنك فلسطين” داخل القطاع بالسلاح والاستيلاء على نحو 120 مليون دولار بحسب التقديرات الأولية. والغريب في الأمر أن “حماس” لم تعترف بالبداية بأنها هي التي استولت على هذه الأموال من البنوك.
إضافة لذلك، فقد رفعت سلطة النقد الفلسطينية التي تشرف على النظام المالي في الأراضي الفلسطينية، الموضوع إلى القيادة الفلسطينية، وفي اجتماع لقيادة حركتي “فتح” و”حماس” في الصين الشهر الماضي، تم فتح هذا الموضوع وقالت القيادة السياسية لـ”فتح” إنه لا علم لها بقصة سرقة البنوك وستراجع قيادة “حماس” في غزة بذلك، يضيف الأيوبي.
وبالتالي بقي الأمر غامضاً وغير واضح حتى قبل يومين، عندما قال مصدر خاص ومطلع داخل حركة “حماس” لقناة “العربية” إن هذه الأموال تم الاستيلاء عليها من قبل “حماس” بالفعل، وذلك بحجة حمايتها من القرصنة الإسرائيلية، ولكن في اعتقاد الأيوبي لـ”الحل نت”، فإن هذه الحجة ضعيفة، خاصة وأن “حماس” أنكرت في البداية سرقة هذه الأموال ثم اعترفت بأنه صحيح وأن هناك عناصر من “حماس” قاموا بهذه العملية حفاظاً على أموال الناس.
“حماس تسلب مدخرات الغزيين”!
في المقابل، يقول القيادي في حركة “فتح”، إنه كان الأجدى بـ”حماس” أن تحمي الشعب الفلسطيني قبل أمواله، فحياة هؤلاء الناس وما بنوه وأنجزوه على مدى مئة عام من مدارس ومستشفيات ومعاهد وكنائس ومساجد وحتى عدد كبير من المواقع الأثرية والبنية التحتية بأكملها صارت في مرمى هذه الحرب الدائرة منذ أشهر عديدة.
“حماس” لا تملك عقلية الدولة ولا تستحق أن تكون جزءا من أي كيان سياسي مستقبلي لفلسطين لأنها تمتلك عقلية العصابة والميلشيا، مما يجعلها تعتدي على الناس وأموالهم وتستهتر بدمائهم.
زيد الأيوبي، القيادي بـ”فتح” لـ”الحل نت”
ولكن بكل أسف، هذه الحركة، أي “حماس”، لم تفكر بحياة المدنيين، وهي اليوم تدعي أنها تحمي أموالهم من السرقات في غزة، وفي تقدير القيادي بحركة “فتح”، فإن هذا الادعاء باطل وهدفه تأمين الأموال لعناصر “حماس” في القطاع، خاصة بعد توقف دخول الدعم القطري لمقاتليها، وبالتالي هذه الحركة تعرف ماذا تفعل. فهي تريد تأمين المال لمقاتليها بأي وسيلة كانت، حتى لو بسرقة أموال الناس، كما تسرق المساعدات التي تأتي للمدنيين الغزيين.
وهذا إن دل على شيء، فإنه في اعتقاد زيد الأيوبي يدل على أن “حماس” لا تملك عقلية الدولة ولا تستحق أن تكون جزءا من أي كيان سياسي مستقبلي لفلسطين لأنها تمتلك عقلية العصابة والميلشيا، مما يجعلها تعتدي على الناس وأموالهم وتستهتر بدمائهم، تماماً كما فعلت قبل الحرب. وهي الآن تفعل الشيء نفسه، كما هو واضح من قرصنة أموال الناس من البنوك وسرقة المساعدات الإغاثية للمدنيين في غزة وتوزيعها على نفسها، وهكذا يصبح الشعب الفلسطيني غارقاً بالجوع والدمار.
وبالمجمل، طالما أن “حماس” لا تملك عقلية الدولة التي تحمي الشعب، فإنها ستسرق أمواله وذلك من أجل البقاء، ومن أجل تزويدها بالأكسجين لمدة شهرين أو ثلاثة أشهر، يضيف زيد الأيوبي.
لا يتم إلا بإذن من “حماس”!
هذه ليست المرة الأولى التي تتعرض فيها البنوك للسرقة من قبل مجموعات مسلحة في غزة، ولا يخفى على أحد أن كل من يحمل أسلحة ومعدات ويقوم بأعمال عنف لا يفعل ذلك إلا بإذن أو دعم من “حماس”، ولا يوجد مسلحون في قطاع غزة دون علم “حماس” بهم. ولذلك فإن هذه الجماعات التي لديها القدرة على تنفيذ مثل هذه العمليات، أي سرقة البنوك، فهي إما عناصر مسلحة تابعة لـ”حماس” أو مدعومة ومرتبطة بها.
وتدعيماً لهذا الكلام، فقد قال منير الجاغوب القيادي في حركة “فتح” لقناة “الحدث” قبل يومين، إنه عندما قامت مجموعة من المخابرات أو الأجهزة الأمنية الفلسطينية بتوزيع المواد الغذائية داخل قطاع غزة، أطلق عناصر مسلحة من “حماس” النار عليهم، مما أدى إلى مقتل 12 شخصاً، وبالتالي أولئك الذين يحملون الأسلحة داخل غزة، أعضاء في “حماس” أو عناصر مسلحة مرتبطة بـ”حماس”.
وقال أيضاً إن اتصالات جرت بين قيادة “منظمة التحرير الفلسطينية” وقيادة “حماس” في قطر، وأبلغت الأولى الأخيرة أن “هذه الأموال بحوزة حماس، بناء على معلومات مؤكدة وشهود عيان، غير أن حماس نفت ذلك”. لكن الأشخاص والمركبات التي دخلت البنوك وسرقته معروفون لدى سكان غزة المحليين، وهم محسوبون بشكل أو بآخر على “حماس”.
هذا وبالعودة إلى تقرير الصحيفة البريطانية، فإنها ذكرت أن البنوك في شمال غزة لا تزال تحتفظ بأموال نقدية تقدر بنحو 240 مليون دولار أخرى في خزائن، بعضها مدفون في “خرسانة أسمنتية”، في محاولة لمنع النهب بعد انهيار النظام المدني في القطاع المحاصر.
وقد أثارت عمليات السطو هذه مخاوف بين المسؤولين الإسرائيليين من أن بعض الأموال قد تؤدي إلى زيادة تمرد “حماس”، حيث تسيطر الحركة الإسلاموية على الأوراق النقدية “النادرة” في القطاع المحاصر منذ اندلاع الحرب.
وبينما هددت عمليات السطو موظفي “بنك فلسطين”، فإن أكثر من 70 مليون دولار مسروقة “لا تهدد استقراره”، وذلك بالنظر إلى إجمالي ودائع العملاء لديه البالغة 5.41 مليار دولار، والتي يوجد معظمها بالضفة الغربية.
من جانبه، استولى الجيش الإسرائيلي على “مبلغ كبير من الأموال يعود للمؤسسة النقدية نفسها” في القطاع، بحسب معلومات “لوموند”. وهي نقلت عن وسائل إعلام إسرائيلية قولها في شباط/ فبراير أن “المبلغ الذي صودر يصل إلى ملايين الدولارات وأن العملية كانت تهدف إلى منع حماس من الاستيلاء عليه”.
وأضافت “بحسب شهادات سكان غزة عززتها تسجيلات لكاميرات المراقبة، يقوم مسلحون ملثمون بمطالبة العملاء أمام أجهزة الصرف الآلي بنسبة من الأموال التي يسحبونها”.
في العموم، فإن سرقة أموال الناس من البنوك في غزة، سواء تمت من قبل أعضاء “حماس” أو غيرها من الجماعات المسلحة، لا يعفيها من المسؤولية المباشرة القانونية والسياسية؛ فهي المسؤولة الأولى والأخيرة، نظراً لإدارتها للقطاع، وتقاتل حتى اليوم من أجل الحفاظ على سلطة غزة. وبالتالي إذا كانت لا تستطيع حماية أموال الناس، فكيف يمكنها إدارة غزة وتوفير الأمن والأمان ومن ثم المطالبة بحقوق الفلسطينيين كما تزعم؟ وأخيراً، فإن مثل هذه السرقات واتهام “حماس” به، سيؤدي في نهاية المطاف إلى تراجع شعبيتها، التي وصلت بالفعل إلى مستوى كبير من التراجع، خاصة مع اندلاع الحرب في غزة قبل حوالي 8 أشهر. ولا شك أن ذلك سيكون له آثار سلبية سواء على المستوى الاجتماعي أو السياسي.
- مستشار خامنئي: لم نتوقع أن تقع تركيا في “فخ” أميركا وإسرائيل
- فصائل المعارضة على تخوم مدينة حماة.. والجيش السوري يحصّن مواقعه
- وسط المعارك المستمرة.. روسيا قد تقوم بإخلاء سفنها البحرية من ميناء طرطوس
- سخرية واسعة من تصريحات مسؤولين سوريين حول معركة حلب
- إسرائيل تدمر سيارة على طريق مطار دمشق.. من المستهدف؟
هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.