مع استمرار الأفق المسدود بشأن الحرب في غزة ووسط فشل التوصل لهدنة وإنهاء أزمة الرهائن المحتجزين لدى حركة “حماس”، فإن الأخيرة على ما يبدو باتت تواجه ضغوطات من قبل دول الوساطة، لا سيما قطر والتي تستضيف عدداً من قادة الحركة، بينما سبق وطلبت منها واشنطن تهديدهم بالطرد من الدوحة في حال تمسكت بمواقفها المتشددة إزاء صفقة تبادل الأسرى. 

ليس ثمة شك أن الوضع في غزة، بات يشكل أعباءا كثيرة على المستوى الإقليمي والدولي. فدول المنطقة، مصر والأردن ولبنان والعراق، تقع بين خطوط نار وتلامسها الكتل المشتعلة في حين قد تسفر عن انتقال الصراع إلى عمق تلك البلدان.

ومثلما ما تزال العملية في رفح تتسبب في توترات عديدة لرفض عدة أطراف، منها القاهرة وواشنطن هذه العملية، فإن “حزب الله” في جنوب لبنان يؤزم الأوضاع للمستوى الذي ينذر باندلاع حرب وشيكة، والأمر ذاته في الأردن الذي تحاصره طهران بوكلائها وميلشياتها وآخرها تحريك جماعة “الإخوان” لحسابها.

طرد “حماس” للعراق

وفي العراق الذي تحول إلى خاصرة إيرانية وساحة لإدارة تحالفاتها وتنفيذ سياساتها، ثمة معلومات حول احتمالية انتقال قادة “حماس” من الدوحة لأراضيها. فذلك التحول إلى جانب كونه يفاقم أوضاع بغداد التي تعاني من تفشي الميلشيات الإيرانية، فضلاً عن ما يعرف بـ”المقاومة الإسلامية في العراق”، يكشف عن رسائل بأن “المقاومة” في تعريف إيران قد تجد ملاذاتها الآمنة، ويمكن أن تتوافر لها الحماية الإيرانية كما سبق واحتمت قادة تنظيم “القاعدة” الإرهابي بطهران بعد حرب الولايات المتحدة ضد التنظيم على خلفية شن هجمات الحادي عشر من أيلول/ سبتمبر عام 2001. 

التلميحات بشأن انتقال حركة “حماس” إلى بغداد، تمثل من جانب آخر سياسي وسيلة ضمن وسائل الضغط على أطراف إقليمية ودولية- “أ ف ب”

لكن تلك المرة سيحتمي قادة “حماس” بأحد مناطق نفوذ وهيمنة إيران. وربما، لن تكون الحماية في قواعد “الحرس الثوري الإيراني” المباشرة كما سبق وتوافرت الملاذات “للقاعدة” الإرهابيين، لكنها ستكون حتماً بين وكلائهم المنتشرين في بلاد الرافدين تحت مسميات متفاوتة جلها في قبضة “الحشد الشعبي”. 

كما أن التلميحات بشأن انتقال حركة “حماس” إلى بغداد، تمثل من جانب آخر سياسي وسيلة ضمن وسائل الضغط على أطراف إقليمية ودولية، بأن العراق قد يكون مركزاً جديداً تصطف فيها المحاور المعادية للغرب والولايات المتحدة، وتنبعث منها توترات جديدة ضد الأهداف التي سيعتبرها هذا المحور “مشروعة” بالنسبة له. وبخلاف تمركز الميلشيات في لبنان في إطار ما عرف منذ “طوفان الأقصى” بـ”غرفة العمليات المشتركة” وتضم قادة من “الحوثي” و”الحشد الشعبي” تحديداً، و”كتائب حزب الله العراقي” وفصائل أخرى ولائية سورية وخارجية، فإن تجربة مماثلة في العراق لها مخاطر جمّة من الناحيتين الأمنية والجيوسياسية، ففي ظل ارتباطها الحدودي المتاخم بإيران، ودولة رخوة أمنياً، قد يؤدي إلى مضاعفة الإسناد والدعم للعناصر الميلشياوية المسلحة ووفرة المال والسلاح والتدريب والدعم اللوجيستي، هذا إلى جانب الاحتماء بنظام الملالي سياسياً ومن خلال شبكاته الدبلوماسية المشبوهة.

لكن الطرد من الدوحة الذي سبق وألمح لها وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن لنظيره القطري محمد بن عبد الرحمن آل ثاني قبل شهور قليلة مع تأزم صفقة الرهائن والتوصل للهدنة، وذلك باعتبارها ضمن أوراق الضغط لإرغام “حماس” على القبول بتسوية سياسية، والذي تعاود تقارير غربية تداوله، راهناً، في ظل مسار آخر مأزوم وحدة الأوضاع تحديداً بين إسرائيل و”حزب الله”، يبعث بتوجه استراتيجي أن النظام الإيراني يقف بالمرصاد عند مستوى معين لتوفير الإسناد والدعم بل والحماية للقوى النشطة في إطار “محور المقاومة”، ولن يتنازل عن مساعيه نحوها أو يجعلها تقع في دائرة ضغوط طالما لم تتحقق المصالح المطلوبة من تلك الحرب بحسب الإرادة الإيرانية. بالتالي، فإن الانتقال للعراق بعيداً من حقيقته التامة وواقعيته وإمكانية تنفيذه وأبعاده، فإنه يؤكد نقطة محددة، مفادها أن إيران ماضية في حرب الإرادات للنهاية. 

هل سيتم التنفيذ فعلياً؟

وفي الواقع، يبدو طرد “حماس” من الدوحة هو مجرد تهديد، ولن يحدث على الأرجح، حيث إن قطر وجهة مفضلة للولايات المتحدة لإدارة الوساطة، وذلك بخلاف العراق. وهو الافتراض الذي تؤكده صحيفة “ذا ناشيونال” وقالت إنه في حال “انتقل قادة حماس إلى العراق، فإن ذلك سيخلق المزيد من التحديات أمام مفاوضات وقف إطلاق النار، حيث إنه من المحتمل أن يكون للدوحة تأثير أقل على الحركة، التي يعيش قادتها السياسيون في قطر منذ عام 2012”.

القيادي في “حماس”، غازي حمد، قال إنه “لم نسمع أي تهديد أو ضغوط من قطر في ظل استمرار فشل جهود التهدئة في التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار وإتمام صفقة تبادل الأسرى والمحتجزين، بسبب تمسك كلا من الطرفين بشروطه، وإصرار حماس على وقف إطلاق النار بشكل دائم وانسحاب الجيش الإسرائيلي”.

غير أن صحيفة “ذا ناشيونال” كشفت عن استعدادات تجري من قبل قادة “حماس” لمغادرة الدوحة باتجاه بغداد، وذلك في ظل ضغوط الولايات المتحدة على الحركة للاستجابة لجهود واشنطن ودول الوساطة وإبداء المرونة الكافية نحو صفقة سياسية تنهي الوضع في غزة. فيما نقلت الصحيفة البريطانية عن مصادر لم تسمها بأن الحكومة في بغداد وافقت على استضافة قادة حماس وتتولى طهران توفير الحماية. وقالت المصادر إن “فرقاً أمنية ولوجستية تابعة لحماس توجهت إلى بغداد للإشراف على الاستعدادات لهذه الخطوة”.

من المعلوم أن الولايات المتحدة قد مارست ضغوط شديدة على قطر بسبب علاقة الدوحة بقيادة “حماس”، فضلاً عن ضغوط من أجل إقناع “حماس” بإبداء مرونة واستجابة في المفاوضات المتعلقة باستعادة الرهائن ووقف الحرب، ووصلت هذه التهديدات حد تهديد قطر بفقدان مكانتها كحليف استراتيجي لواشنطن. من ثم فإن تفكير “حماس” في الانتقال إلى العراق هو تلويح لقطر بوقف ضغوطها على “حماس”، والإشارة إلى وجود بدائل، ولا شك أن “حماس” ورقة مهمة في يد اللاعبين الإقليميين المتطلعين إلى الحفاظ على تأثيرهم ونفوذهم. فخروج “حماس” من الدوحة يسحب من يد قطر ورقة إقليمية مؤثرة تدعم مكانتها ونفوذها.

لا شك خسارة “حماس” في حال الانتقال من الدوحة ستكون فادحة، لكنها في المقابل ستستفيد أكثر من ذي قبل من محور إيران الإقليمي ومن مشروع الهلال الشيعي الذي نسجته إيران في شمال شبه الجزيرة العربية.

الباحث السياسي، محمود حمدي أبو القاسم لـ”الحل نت”

إذ أكملت الصحيفة معلوماتها بشأن هذا المخطط والذي تقول إنه باشر فيه قادة الحركة منذ الشهر الماضي، وكان موضوعاً محل تداول ونقاش بين إسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي، وممثلين عن الحكومتين العراقية والإيرانية. وقال النائب العراقي لـ”ذا ناشيونال”: “الخطوة المحتملة تمت مناقشتها بشكل منفصل الشهر الماضي، في محادثة هاتفية بين هنية ورئيس الوزراء العراقي، محمد شياع السوداني”. 

غير أنه “لا يوجد إجماع بين الجماعات السياسية العراقية بخصوص انتقال حماس إلى بغداد، إذ يخشى البعض، خاصة الأكراد وبعض السنة، من أن يؤدي ذلك إلى تعميق الخلافات مع الولايات المتحدة”. وأوضح المصدر: “لكن على الرغم من عدم وجود توافق في الآراء، فإن قرار الحكومة العراقية باستضافة حماس لن يتم التراجع عنه”.

فـ”بغداد ترحب بفكرة أن يكون لحماس حضور رفيع المستوى في العراق”، وفق معلومات متطابقة للصحيفة البريطانية أكدها النائب العراقي وكذا مصدر آخر هو زعيم أحد الأحزاب السياسية المقربة من الميلشيات المسلحة الولائية المدعومة من “الحرس الثوري”، وأوضح كل منهما أن “قادة الحركة لم يحددوا موعداً لهذه الخطوة، مع أن حركة حماس افتتحت هذا الشهر مكتباً سياسياً برئاسة محمد الحافي في بغداد”. 

خسارة فادحة لـ”حماس”

وتابعت الصحيفة: “هناك خططاً للحركة لفتح مكتب إعلامي في بغداد خلال الأسابيع المقبلة”. مشيرة في الوقت ذاته إلى أن “حماس تخطط للاحتفاظ بشكل من التمثيل في الدوحة، للإشراف على العلاقات مع قطر، إذ من المتوقع أن تكون الدوحة من بين المساهمين الرئيسيين في جهود إعادة الإعمار في غزة بعد الحرب”.

لكن من ناحية أخرى، تبدو الضغوط جادة وقائمة بل إنها كاشفة عن تململ الوسيط القطري، من المماطلات الحمساوية، والتمادي في التبعية لإيران والتي ترغب في ربط عدة ملفات/ جبهات لوقف الحرب بغزة، وأن تكون التسوية مقابل أرباح طائلة سياسية وأمنية وإقليمية، في مناطق نفوذها التي تقوض بها الإقليم، بداية من ملفها النووي وقضية العقوبات، مروراً بأوضاع “الحوثي” في اليمن، وحتى لبنان وسوريا.

ولهذا صرح وزير الخارجية القطري بأن “هناك التزاماً أخلاقياً للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار بأسرع وقت ممكن”، وشدد من مدريد خلال مؤتمر صحافي على ضرورة ممارسة “كل أشكال الضغط لوقف إطلاق النار”. وقال: “وقف إطلاق النار الفوري هو السبيل الوحيد للحد من التصعيد على كل الجبهات”.

وفي النصف الثاني من الشهر الماضي أيار/ مايو، سبق وكشفت مصادر صحفية إسرائيلية أن الدوحة بالفعل أقدمت على خطوة طرد قادة “حماس” من أراضيها بعد جمود المحادثات المتعلقة بالرهائن، وفشل إتمام صفقة. لكن الطرد كان لـ”فترة وجيزة”، على حد تعبير “تايمز أوف إسرائيل”، وانتقل قادة الحركة لتركيا، وقد تزامنت هذه الخطوة مع تلميحات عنيفة من الجانب القطري بشأن مراجعة دوره في مهمة الوساطة والذي فسره كثيرون بأنه يتخطى التعبير عن الامتعاض أو الإحباط، بل هو تهديد بالخروج من دور الوساطة في المحادثات غير المباشرة بين “حماس” وإسرائيل.

دمار هائل في قطاع غزة- “وكالات”

وفي المحصلة، فإن ذهاب قيادة “حماس” إلى العراق ينقل إلى إيران مزيد من التأثير والنفوذ في المنطقة، حيث ستكون “حماس” أسيرة بالكلية لإملاءات إيران، وستكون الحركة أكثر عرضة لضغوط وربما ابتزاز إيران، وسوف تكون العلاقات مرهونة بتفاهمات إيران الإقليمية، وكذلك تقلبات علاقاتها مع واشنطن، لكن ما هو مؤكد أن إيران سوف تستغل رعايتها المطلقة لـ”حماس” عبر شن حملة دعاية عامة لتعزيز قوتها الناعمة على الصعيد العربي والإسلامي.

لا شك خسارة “حماس” في حال الانتقال من الدوحة ستكون فادحة، لكنها في المقابل ستستفيد أكثر من ذي قبل من محور إيران الإقليمي ومن مشروع الهلال الشيعي الذي نسجته إيران في شمال شبه الجزيرة العربية والذي يبدأ من طهران وينتهي ببيروت على البحر المتوسط مروراً بالعراق وسوريا والضاحية في لبنان، وذلك على أكثر من صعيد، حسبما يوضح الباحث المختص في الشأن الإيراني، محمود حمدي أبو القاسم لـ”الحل نت”. 

ومع ذلك، يضيف أبو القاسم، أنه ربما تكون قيادات “حماس” عرضة لخطر كبير لأن الساحة العراقية ليست آمنه كما هي الدوحة ويمكن أن تتعرض القيادات لضربات واستهداف واغتيالات سهلة ومن دون عوائق من جانب إسرائيل أو الولايات المتحدة، حيث ستكون هناك صعوبات في تأمين هذه القيادات وحمايتها، إذ بالأساس تجد المليشيات وإيران أنفسهم عاجزين عن حماية قياداتهم في هذه الساحة الرخوة من الناحية الأمنية.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات

الأكثر قراءة