رغم ما يبدو من تصريحات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بشأن دعم وتسليح ميليشيات “الحوثي” المدعومة من إيران في اليمن، مجرد تهديدات، بينما لا تتجاوز أثرها الإعلامي والسياسي، وأهدافه الدعائية للتخويف ورفع درجات الحذر، إلا أنها في المقابل تكشف عن الفضاء السياسي والمصالحي/ الفصائلي، الذي يفتش فيه الرئيس الروسي عن حلفائه في ظل صراعه مع الغرب والولايات المتحدة، وتحديداً مع بدء الغزو الروسي لأوكرانيا. فالاستمالة الظاهرية والمحتملة نحو “الحوثي” لا تبدو مباغتة، إذ ثمة سوابق عديدة لروسيا البوتينية تكشف عن ارتباطاته البراغماتية بفصائل وميليشيات تابعة لحليفه الإيراني، كما هو الحال مع “الحشد الشعبي” والكيانات الميليشياوية المنضوية ضمنه.

غير أن المخابرات الأميركية بدأت بالتعاطي مع تهديد بوتين بحذر شديد، لا سيما في حال قامت موسكو بتلسيح “الحوثي” بصواريخ متقدمة مضادة للسفن. وبحسب صحيفة “وول ستريت جورنال“، فإن رسالة سرية بعث بها القائد الأعلى لواشنطن بالمنطقة لوزير الدفاع لويد أوستن، ألمح فيها إلى العمليات العسكرية تخفق في ردع هجمات الميليشيات المدعومة من إيران على السفن بالبحر الأحمر وتهديدات لممرات الملاحة الدولية، بل إن هناك حاجة ملحة لبدء البحث عن استراتيجية جديدة، أوسع وشمولية.

موسكو والتهديد بتسليح “الحوثيين”

وفق الصحيفة الأميركية، فإن دخول تهديد موسكو حيز التنفيذ فعلياً وتسليح “الحوثي”، سيمثل تصعيداً جديداً في مواجهة واشنطن، وذلك ضمن منعطف أو مرحلة مغايرة يخوضها الطرفان على خلفية الحرب في أوكرانيا. وقد كشفت الصحيفة ذاتها أن الإدارة الأميركية باشرت جهودها عبر وسيط إقليمي لإقناع بوتين بعدم الاصطفاف لإيران ومن ثم تقديم الأسلحة “للحوثي”. كما نقلت عن مسؤولين في وزارة الدفاع قولهم، إن واشنطن بحاجة إلى القيام بجهود أوسع لردع تهديدات “الحوثي” بالبحر الأحمر.

إثر انخراطها بالحرب السورية في أيلول/ سبتمبر 2015، اتجهت روسيا إلى تنمية علاقاتها الأمنية مع الجماعات المسلحة العاملة بالساحة السورية، وتحديداً تلك المتحالفة مع إيران. وشملت هذه السياسة فصائل “الحشد الشعبي” المنتشرة في سوريا، وكذلك تلك الناشطة في العراق، في إطار مسعى موسكو تعزيز مصالحها الإقليمية، ومسعى الفصائل تنويع مجموعة شركائها الدوليين، وفق “مركز الإمارات للسياسات“. وقد شهدت الآونة الأخيرة تطوراً ملحوظاً في طبيعة العلاقة التي تربط فصائل “الحشد الشعبي” بروسيا، وهذا التطور عكسته الزيارات المتبادلة بين مسؤولي الطرفين، وتطابق المواقف السياسية حيال العديد من القضايا الإقليمية والدولية، الأمر الذي يُثير العديد من الأسئلة حول طبيعة هذه العلاقة، والمصالح التي تقف خلفها، فضلاً عن التداعيات التي يمكن أن تفرزها مثل هذه العلاقة في المرحلة المقبلة، وهو ما تحاول هذه الورقة البحث فيه ومناقشته.

بدأت روسيا بنسج علاقاتها مع فصائل “الحشد الشعبي”، عبر غرفة التنسيق الرباعي التي أُنشِئَت في بغداد في تشرين الأول/ أكتوبر 2015، والتي ضمت “روسيا وإيران والعراق وسوريا”، بهدف تشكيل تكتل عسكري موازٍ للتحالف الدولي ضد تنظيم “داعش” الذي تقوده الولايات المتحدة. 

وعبر هذه الغرفة افتتحت روسيا خط اتصال مباشر مع فصائل “الحشد الشعبي”، من أجل تنسيق التحركات على الحدود العراقية السورية. وتمكنت الفصائل عبر هذا التنسيق من الحصول على أسلحة ومعدات روسية لمواجهة تنظيم “داعش”. وقد زار رئيس “هيئة الحشد الشعبي”، فالح الفياض موسكو مجدداً في منتصف 2022، والتقى نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف، وتطرق البيان المشترك الصادر عن الزيارة إلى تباحث الجانبين حول سُبُل تطوير العلاقات العراقية الروسية، والوقوف على آخر مستجدات الحرب الروسية في أوكرانيا. وقد أثيرت على هامش هذه الزيارة العديد من التساؤلات حول دور محتمل لفصائل “الحشد الشعبي” في هذه الحرب. 

وقبل شهر من هذه الزيارة، تحدثت صحيفة “الغارديان” البريطانية عن تلقي روسيا عتاداً وذخائر من العراق عبر شبكات تهريب إيرانية يُديرها “الحرس الثوري الإيراني”، وأوضحت الصحيفة، أنه تم إرسال قذائف “آر بي جي” وصواريخ مضادة للدبابات، وراجمتي صواريخ برازيلية “أستروس 2” إلى روسيا من العراق، ونُقِلَت تلك الأسلحة عبر معبر الشلامجة الحدودي إلى إيران في 26 آذار/ مارس 2022، حيث تسلّمها “الحرس الثوري”. ونقلت الصحيفة عن قائد فصيل تابع للحشد لديه نفوذ في المعبر، أن الأسلحة المهربة أُرسِلَت إلى روسيا من طريق بحر قزوين، انطلاقاً من ميناء بندر أنزالي الإيراني وصولاً إلى أستراخان، وهي مدينة روسية، وفق المركز الإماراتي.

روسيا تدعم خصوم واشنطن والغرب

يبدو، إذاً، من البديهي أن تتوجه روسيا لدعم خصوم الولايات المتحدة، خاصة، والغرب، عامة، حول العالم، بدءًا من غرب إفريقيا وحتى شرق آسيا، مروراً بمنطقة الشرق الأوسط لا سيما منطقة الخليج والجزيرة العربية، وذلك رداً على الدعم الغربي المفتوح لأوكرانيا “الدعم الحيوي الذي مكن الأوكران رغم بطء الحصول على الأسلحة الإمدادات والعقبات اللوجستية”، وفق الباحث المختص في الشأن السياسي والإقليمي، منتظر القيسي، لافتاً لـ”الحل نت” عن تأثيرات هذا الأمر مع سياق الضغوط المنبعثة من “حجم الخسائر البشرية في صفوف القوات الأوكرانية، الحيلولة دون نجاح القوات الروسية في احتلال أوكرانيا وإيقاعها في مستنقع حرب استنزاف قاسية”.

 وعلى ذلك، فليس من المستغرب أن تربط موسكو خطوط الاتصال مع الميليشيات الشيعية، لبحث فرص التعاون ضد العدو المشترك ونقلها من مستوى التكتيكي إلى المستوى الاستراتيجي. وهو الدور الذي يبدو “الحوثي” المرشح الأول للقيام به، نظراً للتداعيات السلبية الضخمة التي نجمت عن الحرب التي يشنها ضد الملاحة البحرية عبر مضيق باب المندب وبحر العرب، وحتى عمق المحيط الهندي، على الاقتصاد العالمي جراء تضاعف أسعار الشحن البحري خمسة أضعاف ما كانت عليه قبل اندلاع الحرب على غزة، واضطراب سلاسل الإمداد بين الصين وبين أوربا وأميركا، مما أدى إلى حدوث نقص في السلع وارتفاع في أسعارها، حسبما يوضح القيسي. 

وبالتالي تشكل موجة تضخمية جديدة أجلت إلى إشعار آخر قرار تخفيض الفائدة الذي كانت الأسواق تترقبه هذا الصيف، وضربت دخول المواطنين الأميركيين والاوربيين الذي باتت قطاعات كبيرة منهم تعاني بشدة لتأمين أساسيات الحياة.

ويبقى السؤال بخصوص نوعية الدعم الجديد الذي بإماكن روسيا تقديمه لوكلاء إيران، وهي التي تعتمد أساساً على الطائرات المسيّرة الإيرانية بشكل كبير لضرب العمق الأوكراني، واستهداف منشآت الطاقة والمدن الرئيسية، حتى وصلت درجة هذا الاعتماد إلى درجة انشاء مصانع مشتركة لإنتاج الطائرات المسيّرة على الأراضي الروسية، من أجل الاستفادة القصوى من الخبراء الإيرانيين والوصول الميسر إلى مكونات التصنيع الصينية التي يسهل نقلها جواً وبراً عبر الحدود المشتركة بين البلدين بدون أي عراقيل أو عقبات.

خطورة تسليح “الحوثيين”

بالطبع، تمتلك روسيا ترسانة صواريخ بحرية وطوربيدات متطورة يمكن لها لو وقعت في أيدي “الحوثيين” إلى شل حركة التجارة الدولية في معظم أرجاء المحيط الهندي، كما يشير القيسي، لكن هناك عقبات كبيرة أمام هذا السيناريو، أهمها صعوبة إيصال هذه الوسائل القتالية إلى مناطق سيطرة “الحوثي”، وحجم الضرر الهائل الذي سيصيب مصالح الحليف الصيني جراء تباطؤ حركة التجارة بينها وبين أكبر شركاءها التجاريين في أوروبا وأميركا، والذي سيقود تلقائياً إلى تراجع نسبة النمو الاقتصادي المستهدف. 

أما على جبهتي العراق وسوريا، فتبدو فرص روسيا في استخدامها للضغط على أميركا، ضئيلة للغاية ليس لأن الميلشيات العراقية واللبنانية والسورية “زاهدة في الدعم الروسي وإنما لأن إيران لن تسمح بتجاوز قواعد الاشتباك الضمنية المتفق عليها مع الأميركان والمخاطرة بجرها إلى حرب شاملة مع الولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل، سيكلفها في أقل التقديرات فقدان القدرة على استغلال مقدرات العراق الاقتصادية للتخفيف من آثار العقوبات الاقتصادية الأميركية”. وتمويل حلفائها في سوريا ولبنان واليمن، مما سيهدد بانهيار شبكة الوكلاء على امتداد المنطقة.

إذ إن تهديدات بوتين في هذا الصدد حالياً لا تعدو عن كونها جزء من الحرب الإعلامية وليست حتى النفسية، لا سيما في انتخابات أميركا الساخن والآمال التي يعقدها سيد “الكرملين” على عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، الذي لا يخفي نواياه في إنهاء الحرب عبر المفاوضات وعلى حساب وحدة الأراضي الأوكرانية.

في الحقيقة، لا تعدو تصريحات بوتين أكثر من كونها تقع ضمن “التهديدات الفارغة”، ما يجعل التصريح غير جدي حسبما يوضح الباحث الألماني المختص في قضايا الأمن الإقليمي ميار شحادة، لافتاً لـ”الحل نت” إلى أن “الصين قلقة أكثر من الغرب بشأن إغلاق البحر الأحمر فهي المتضررة بشكل رئيسي. ثم إن دولة المؤسسات الروسية تعلم أن “الحوثيين” ليسوا ضمن السيطرة الكاملة لإيران ليست كما “حزب الله” والميليشيات العراقية.

والحديث عن تسليح “الحوثيين” أيضاً مزعج جداً للخليج بشكل عام وللمملكة العربية السعودية بشكل خاص؛ لأن الرياض تعلم أن “الحوثي” قد ينفذ تهديداته أو تمنياته لضرب المملكة. ولكن تظل هذه التصريحات “محفوظة بشكل رئيسي بالنسبة لتل أبيب التي تمتلك قوة وهي من تريد التصعيد عكس القوى الأخرى في المنطقة”.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
أقدم
الأحدث الأكثر تقييم
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات

الأكثر قراءة