مع ترقّب القوى الإقليمية والدولية الرّد الإيراني على التصعيد الإسرائيلي الذي طال رئيس المكتب السياسي لحركة “حماس”، إسماعيل هنية، وكذا استهداف الضاحية الجنوبية لبيروت في خرق لأحد الخطوط الحمراء الثلاثة المحددة من قبل زعيم “حزب الله” حسن نصر الله، ومقتل القيادي البارز فؤاد شكر (الحاج محسن)، فإن سيناريوهات عديدة ومتفاوتة تتشكل على تخوم هذا الوضع الملغّم الذي يلامس فيه الإقليم حدود النار وتتسع مدى الحرب إلى ما هو أبعد من غزة. 

وسؤال الحرب الشاملة يفترض انخراط القوى الدولية لضبط إيقاع الصراع، وضمان أو حماية مصالحها، ومن ثم، إدارة أطراف النزاع بالشكل الذي يجعل هندسة اليوم التالي بعد الحرب في إطار لا يلغي استحقاقات طرف على حساب طرف آخر. 

ويبدو الدور الروسي هنا بحاجة إلى فهم بدقة ووضوح شديدين لطبيعة العلاقة التي تجمعه بأطراف الصراع، بداية من إسرائيل ومروراً بإيران ووكلائها بمن فيهم المصنّفين على قوائم الإرهاب، وحتى حركة “حماس”. 

ويتعين فهم هذا الدور الملتبس والغامض والذي يمكن أن يوصف بأنه ثنائي أو مزدوج المصلحة، في إطار التنافس الجيو ستراتيجي مع الولايات المتحدة، لا سيما في ظل تداعيات الغزو الروسي لأوكرانيا، وهو الصراع الذي يشكّل قمة العالم، وجعل العلاقة بين موسكو وطهران في مستوى استراتيجي، أمنياً وعسكرياً واقتصادياً.

موسكو تسلّح إيران!

في حين نقل موقع “أكسيوس” الأميركي عن مصدرين، بأن الاستخبارات الإسرائيلية تميل إلى أن “النظام الإيراني سيكون بصدد شن هجمات مباشرة على إسرائيل، وربما يحدث ذلك في غضون أيام، فإن حركة لافتة على مستوى قادة العالم تجري لمحاولة استباق لحظة الوصول إلى الحافة، أو النهاية القصوى في الصراع، وضبط ربما إيقاع الرد الإيراني وتداعياته في إسرائيل”. 

الموقع الأميركي كشف عن زيارة خلال أسبوع للمنطقة من الولايات المتحدة تضم وفداً من مسؤولين بالإدارة الأميركية، وهي الزيارة التي تتزامن مع فترة الإعداد للجولة الأخيرة من المفاوضات الخاصة بوقف إطلاق النار، منتصف آب/ أغسطس الجاري. وعلى رأس هذا الوفد مدير المخابرات الأميركية وليام بيرنز، والمستشار الأميركي لشؤون الشرق الأوسط بريت ماكغورك.

في مقابل ذلك، جاءت زيارة سكرتير مجلس الأمن الروسي سيرغي شويغو إلى طهران، ولقاء الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان وعدد من المسؤولين الأمنيين، بعد أيام من مقتل هنية، متزامنة مع تقرير لصحيفة “نيويورك تايمز“، يكشف عن بدء موسكو تسليم حليفها الإيراني أجهزة رادار وأنظمة دفاع جوي متقدمة. 

وثمة تقارير أخرى، توضح تزويد طهران بمنظومة روسية للحرب الإلكترونية الأمر الذي قد يشكل فارقاً في الحرب واسعة النطاق على إسرائيل. فهذه المنظومة لديها القدرة على التشويش وتعطيل قدرة الدفاعات على قراءة إحداثيات الأهداف المهاجمة بشكل صحيح.

في السياق، الرئيس الإيراني لسكرتير مجلس الأمن الروسي الذي أكد اصطفاف بلاده إلى جانب طهران، بأن روسيا من الدول التي وقفت إلى جانب الأمة الإيرانية في الأوقات الصعبة. لافتاً إلى تقاطع مواقفهما في دعم عالم متعدد الأقطاب ستؤدي بالتأكيد إلى مزيد من الأمن والسلام العالميين.

غير أن اتجاهات أخرى ترى بأن موسكو قد تذهب في إطار دور وساطة، لجهة منع إيران من الانزلاق أو التورط في الحرب الشاملة، وقد نقلت وكالة  “رويترز” للأنباء، عن مصدرين إيرانيين كبيرين، بأن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين طلب من المرشد الإيراني علي خامنئي “رداً محدوداً”، وهو الطلب ذاته أو الرسالة التي نقلها شويغو خلال لقائه بزشكيان والمسؤولين بطهران. وتلح طهران وفق “رويترز” على موسكو بضرورة تزويدها بطائرات “سوخوي سو-“35.

قد تعطي المؤشرات التي شهدتها العلاقات الروسية الإيرانية، دلائل على أن روسيا بصدد الدخول على خط الصراع في الشرق الأوسط، حيث جاءت زيارات لقيادات عسكرية روسية إلى طهران في وقت تستعد فيه إيران، وتهدد بشن هجوم على إسرائيل رداً على اغتيال قائد “حركة حماس” في طهران إسماعيل هنية، كما تحدثت تقارير عن استلام إيران أسلحة دفاع جوي ومعدات عسكرية أخرى، مما قد يشير إلى أن موسكو تقدم الدعم إلى طهران في هذه المرحلة الحساسة، حسبما يوضح الباحث المختص في الشؤون السياسية والإقليمية محمود أبو القاسم.

ومع أن روسيا “مدينة لإيران وقوفها إلى جوارها في حربها على أوكرانيا، بداية من الدعم الاقتصادي، وكذلك تقديم المسيّرات الحربية التي ضربت بها موسكو كييف، وما يجري الحديث عنه من الاستعداد لتسليم موسكو صواريخ تكتيكية من ترسانتها الصاروخية، ووجود متدربين روس في إيران للتدريب على استخدام هذه الصواريخ، لكن رغم كل ذلك، فإن موسكو ليس من عقيدتها أن تتدخل على خط الصراع الإسرائيلي الإيراني على هذا النحو”، وفق حديث أبو القاسم لـ “الحل نت”. 

وهو أمر “تتحسب له موسكو لأنه سيضعها تحت مزيد من الضغوط، وقد يفرض عليها المزيد من التحديات، بالنظر إلى أن تدخل روسيا على خط هذا الصراع سيمثل تحد كبير لواشنطن والقوى المتحالفة معها، ربما يفوق في تصوره حربها على أوكرانيا، وقد يفرض رد فعل عنيف من واشنطن”، يضيف أبو القاسم.

“تعاون متبادل”

لهذا، فإن ما يجري من تعاون عسكري يمكن قراءته في إطار التعاون المتبادل بين الجانبين، وفي إطار جداول زمنية لا ترتبط بالضرورة بالتطورات المتعلقة بالصراع في الشرق الأوسط، لا يجب أن ننظر إلى روسيا على أنها الاتحاد السوفيتي الذي لعب دوراً من خلال نفوذه العالمي في وقف صراعين بين إسرائيل والدول العربية في 1956، وعام 1973. 

ما تزال روسيا غارقة في المأزق الذي تورطت فيه بأوكرانيا، وهي ليست مستعدة لتحدٍّ جديد في الشرق الأوسط، لا سيما أن المعركة الراهنة في المنطقة ربما تفوق في أهميتها أي معركة أخرى لواشنطن على الصعيد الدولي، إذ من خلالها تحاول واشنطن أن تثبت قيادتها الدولية وأن توقف واحدة من التحديات التي قد تهدد نفوذ واشنطن على الصعيد العالمي.

ويكاد يتفق الرأي الذي ذكره الباحث المختص في الشؤون السياسية والإقليمية محمود أبو القاسم، مع تحليل نشره موفع “روسيا اليوم” كتبه الخبير في شؤون الشرق الأوسط وإيران ميس قربانوف، وقال إن السفن الحربية الأميركية تقترب من الشرق الأوسط، ولا تخفي أميركا وبريطانيا و”حلف الناتو” استعدادها لدعم إسرائيل. فتساءل: “من الذي يمكن أن يصبح حليفاً لإيران إذا اندلعت الأعمال القتالية؟”.

سكرتير مجلس الأمن الروسي سيرغي شويغو خلال لقاءه الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان في طهران – )إنترنت)

ويجيب: “روسيا والصين وكوريا الشمالية تراقب الأحداث. وهي تعلم أن إيران إذا خسرت المواجهة، فسيأتي دورها. وبطبيعة الحال، لن تقف هذه الدول مكتوفة الأيدي، بل ستتصرف. أعلم أنه إذا تعرضت إيران لهجوم، فسوف تقوم بالدفاع عنها بصورة مباشرة، روسيا والصين وكوريا الشمالية. فما الحاجة إلى بريكس ومنظمة شنغهاي للتعاون إذا لم نكن معاً في الأوقات الصعبة؟ وأظن أن كوبا وفنزويلا ستنضمان إلى إيران لأن هناك حاجة إلى التحرك في وقت واحد”.

وتابع: “لم تعد تركيا وإيران حليفتين، بل أصبحتا متنافستين. ولكن، عندما تنظر عن كثب وتراقب، سترى في النهاية أنهما حليفتان. إيران وحلفاؤها لا يريدون الحرب. العدو الرئيس لإيران ليس إسرائيل، بل أميركا. ولكن من أجل محاربة أميركا أو هزيمتها، تحتاج إيران إلى الوقت، وترسانة أسلحة، ودفاع جوي جيد، وطيران جيد”.

قد يبدو من المنطقي تماماً اقتراح موسكو وطهران إنشاء آليات مشتركة لتوفير الدفاع الجوي، بل وتطبيق إيران لأشكال أكثر تقدماً من التفاعل العسكري السياسي مع روسيا، بحسب موقع “روسيا اليوم”. فـ”حتى قبل بدء العملية العسكرية الخاصة، تحدثوا في دوائر الخبراء عن انضمام إيران إلى منظمة معاهدة الأمن الجماعي. إن الفائدة الأساسية التي تعود على إيران من الانضمام إلى هذه المنظمة هي الحصول على ضمانات فعلية لأمنها من دولة نووية. وفي السنوات الأخيرة، أوضحت إسرائيل مراراً أنها، مهما كانت التطورات في برنامج طهران النووي، فإنها لن تتخلى عن سيناريو استخدام القوة لحل (المسألة الإيرانية)”.

دور روسيا بالشرق الأوسط

إذاً، الدور الروسي في الشرق الأوسط، وخاصة في النزاعات الكبرى مثل حرب غزة، يرتكز على تاريخ طويل من التواجد الاستراتيجي والنفوذ السياسي، كما يوضح الباحث الروسي في “جامعة الصداقة بين الشعوب”، ديمتري بريجع، موضحاً لـ “الحل نت” أن “روسيا تعتبر نفسها لاعباً رئيسياً في المنطقة، وهو دور ورثته من الحقبة السوفيتية. في ظل هذا التاريخ العريق، موسكو تسعى دائماً لتعزيز مكانتها كلاعب محوري بين القوى الإقليمية والدولية، ولديها مصلحة قوية في المحافظة على الاستقرار النسبي في المنطقة لتجنب تفاقم النزاعات التي قد تؤثر سلبًا على مصالحها”.

من حيث الوساطة، روسيا لديها تاريخ في لعب “دور الوسيط في النزاعات المعقدة. فهي تتمتع بعلاقات مع جميع الأطراف المعنية في النزاع الإسرائيلي-الفلسطين، بما في ذلك حماس وإيران، وكذلك مع إسرائيل نفسها”. هذه العلاقات تسمح لها بالتوسط بشكل فعّال، ولكن هذا الدور لا يخلو من التحديات. الدور الروسي في غزة “قد يكون محدوداً بقدرتها على موازنة علاقاتها مع إسرائيل ومصالحها الإقليمية مع دعمها للقضايا الفلسطينية”. يقول بريجع.

بالنسبة للدعم الروسي لإيران، فإنه قد يكون مدروساً ومحسوباً بعناية. موسكو تدرك أن دعمها العلني أو المفرط لإيران قد يعقد علاقاتها مع دول أخرى في المنطقة، مثل دول الخليج وإسرائيل. لذلك، قد يكون الدعم الروسي لإيران ضمن حدود معينة تضمن الحفاظ على التوازن الدبلوماسي دون التورط في صراع مباشر.

الباحث الروسي في جامعة الصداقة بين الشعوب، ديمتري بريجع

أما السيناريوهات المحتملة لدور روسيا في انتظار الرد الإيراني، فإن موسكو قد تحاول الحفاظ على نهج مزدوج: دعم إيران بشكل غير مباشر دون تصعيد التوترات مع الأطراف الأخرى. يمكن أن تعمل كوسيط لتهدئة الأمور، خاصة إذا تطور الصراع إلى مستوى يهدد استقرار المنطقة بالكامل. 

فيما يتعلق بإمكانية دخول موسكو كوسيط إلى جانب “حماس”، هذا سيعتمد على التطورات الميدانية والسياسية. إذا رأت موسكو فرصة لتعزيز نفوذها وتقديم نفسها كقوة مؤثرة قادرة على جلب الأطراف إلى طاولة المفاوضات، فقد تستغل هذا الدور. لكن هذا سيكون ضمن إطار استراتيجية دقيقة تتجنب فيها موسكو التورط بشكل مفرط في صراع قد يضر بعلاقاتها الإقليمية والدولية.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
أقدم
الأحدث الأكثر تقييم
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات

الأكثر قراءة