في ظل مؤشرات عديدة ترجح عدم اختلاف زيارة مبعوث الرئيس الأميركي آموس هوكشتاين إلى لبنان عن سابقتها، فإن إسرائيل تواصل شن غاراتها المكثفة على جنوب لبنان، بما يعني أن خيار التفاوض السياسي والحلول الدبلوماسية التي تقودها الأطراف اللبنانية مع القوى الدولية وبرعاية الولايات المتحدة مرتهنة بانتهاء “بنك أهداف” إسرائيل المتمثل في منع “حزب الله” من استعادة إمكانياته العسكرية مرة أخرى والتصدي لاحتمالات ترتيب صفوفه وترميم مؤسساته التي تم إضعافها بعد استهداف قادته المؤسسين وفي قوات “الرضوان”، فضلا عن ذراعه المالية “مؤسسة القرض الحسن”.

يبدو أن استهداف مدينة صور، بمثابة استكمال لخطط إسرائيل لتقويض نفوذ “حزب الله” وتوتير العلاقة مع حواضنه الأمر الذي يهدد باحتمال حدوث فوضى هائلة بين اللبنانيين وبعضهم البعض، وينذر باحتمالات تصعيد العنف الداخلي.

استمرار القصف الإسرائيلي بمختلف المناطق التي استغلها “حزب الله”، لفرض وجوده وتمكينه السياسي والعسكري، يؤزم الأوضاع في لبنان، حيث تتوسع الاستهدافات مناطقيا ويطال الأنفاق والمنشآت التي تعد مخازن للسلاح، فضلا عن التهديد بإحداث شلل في كافة مصادر تقوية الحزب، اقتصاديا أو عسكريا، وفق ما حدث مؤخرا مع مستشفى “الساحل” والإلحاح على ضرورة إخلائه بدعوى وجود نفق أسفل المبنى الطبي يحتوي على نصف مليار دولار أميركي. 

استهداف مدينة صور بـ لبنان

وفي آخر فصول الهجوم الإسرائيلي على مناطق نفوذ الحزب المدعوم من إيران، فقد فر كثيرون من مدينة صور بعدما طلب الجيش الإسرائيلي إخلاء بيوتهم قبل “عمل عسكري” وشيك ضد “حزب الله”، في حين غرد الناطق بلسان الجيش الإسرائيلي، أفيخاي أدرعي، عبر منصة “إكس/ تويتر”، مطالبا “الابتعاد فورا إلى خارج المنطقة المحددة بالأحمر والتوجه إلى شمال نهر الأولي”. 

وقال المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي إن “كل من يتواجد بالقرب من عناصر حزب الله ومنشآته ووسائله القتالية يعرض حياته للخطر”.

وبحسب الخريطة المرفقة في تغريدة أدرعي، فإن المنطقة المطلوب الابتعاد عنها وإخلائها وملونة بالأحمر هي مربعات سكنية بها عشرات المباني، ويحدها من الشرق شارع الآثار (القدس)، ومن الغرب شارع جعفر شرف الدين (الأوقاف)، ومن الشمال شارع الحيرام، ومن الجنوب شارع أبو ديب.

ونقلت وكالة الأنباء الفرنسية “فرانس برس” عن مدير وحدة إدارة الكوارث في صور، مرتضى مهنا، قوله إن “الوضع سيئ جدا ونقوم بإجلاء السكان”. وأشار المسؤول الإعلامي بالوحدة ذاتها بلال قشمر أن الإنذار الإسرائيلي تسبب في نزوح الكثيرين من المدينة الساحلية نحو الضواحي. مشيرا بأن “مدينة صور بكاملها يتم إخلاؤها”. 

وقال إن قرابة 14500 شخص كانوا في صور، أمس الثلاثاء، منهم آلاف النازحين من مناطق جنوبية أخرى.

وبحسب الوكالة الوطنية للإعلام، فإن “بعض العائلات التي لم تغادر مدينة صور في السابق بدأت بمغادرة منازلها، للابتعاد عن الأماكن التي هدد العدو الإسرائيلي باستهدافها”.

تزامن التهديد الإسرائيلي لمدينة صور مع وصول وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك إلى بيروت لاستكمال المحادثات الغربية بشأن إمكانية الوصول إلى صيغة لحل دبلوماسية يفضي إلى وقف إطلاق النار في لبنان، وفك الارتباط بين جبهتي غزة وجنوب لبنان، وقالت بيربوك إن “المهم الآن هو العمل مع شركائنا في الولايات المتحدة وأوروبا والعالم العربي لإيجاد حل دبلوماسي قابل للتطبيق يحمي المصالح الأمنية المشروعة لكل من إسرائيل ولبنان”.

الهدف من استهداف صور

وفي ما يبدو أن استهداف مدينة صور المطلة على ساحل المتوسط بينما تضم إلى جانب سكانها مجموعة غير قليلة من النازحين الذين فروا من قرى جنوبية تعرضت إلى القصف، وتمثل جبهة أمامية متقدمة في الصراع بين “حزب الله” وإسرائيل، بمثابة استكمال لخطط إسرائيل لتقويض نفوذ “حزب الله” وتوتير العلاقة مع حواضنه الأمر الذي يهدد باحتمال حدوث فوضى هائلة بين اللبنانيين وبعضهم البعض، وينذر باحتمالات تصعيد العنف الداخلي مع استمرار النزوح في قلب بيروت المتخم بالأزمات سواء الأمنية أو الاقتصادية والسياسية والعسكرية.

ذلك أن أفق الوصول إلى حل سياسي يبدو مستبعدا في الأفق المنظور والقريب ويزداد تعقيدا مع الاشتراطات الإسرائيلية لضمان أمنها وعدم استئناف “حزب الله” على حدودها الشمالية ما يمثل لها أي تهديد عسكري، وقد ذكرت “الحرة” الأميركية أن المقاربة التي حملها مبعوث بادين إلى لبنان “لم تلق الترحيب الكافي من المسؤولين اللبنانيين، إذ تمحورت حول تنفيذ القرار الأممي 1701 وتقديم شروط جديدة من الجانب الإسرائيلي”.

الدخان يتصاعد وسط الاستهدافات المستمرة بين “حزب الله” والجيش الإسرائيلي. كما يُرى من صور، جنوب لبنان، 22 أكتوبر 2024. “رويترز”

فيما ذكر بنيامين نتنياهو إلى وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن في اللقاء الأخيرة، بأن المطلوب هو تغيير المعادلات الأمنية والسياسية بلبنان، بما يضمن عودة آمنة للنازحين في شمال إسرائيل.

وفي السياق ذاته، فإن ورقة المبعوث الأميركي طلبت تعديل نص مقدمة القرار 1701 لجعله قرارا “يهدف إلى إحلال السلام على الحدود بين لبنان وإسرائيل ومنع أي وجود مسلح في المناطق اللبنانية القريبة من هذه الحدود، كما طلبت توسيع النطاق الجغرافي لسلطة القرار الدولي، إلى شمال نهر الليطاني بمسافة عدة كيلومترات على أن تزيد عدد القوات الدولية العاملة ضمن قوات حفظ السلام”، وفق ما نقلت “الحرة” عن مصادر لم تسمها، وهي المصادر التي أكدت عدم وصول هوكشتين لـ”رد لبناني واضح يقبل الشروط الإسرائيلية، ونُقل عن رئيس الحكومة قوله لهوكستين بأن ما يعرضه لن يقبله أحد في لبنان”.

آخر التطورات الميدانية

وفي آخر التطورات الميدانية، أعلن الجيش الإسرائيلي، اليوم الأربعاء، أنه هاجم مواقع إنتاج وتخزين وسائل قتالية ومقرات قيادة للحزب بالضاحية الجنوبية لبيروت، فيما أفاد مراسل “العربية” و”الحدث” باختراق مسيّرة الأجواء في الجليل الأعلى شمال إسرائيل.

كما وقد تم إطلاق صواريخ على تل أبيب ووسط إسرائيل، ما استدعى إغلاق مطار تل أبيب، فيما أعلن “حزب الله” قصف قاعدة للاستخبارات العسكرية الإسرائيلية قرب تل أبيب، صباح اليوم الأربعاء.

وطبقا للبيان الصادر عن “حزب الله”، فقد تم قصف “قاعدة غليلوت التابعة لوحدة الاستخبارات العسكرية 8200 في ضواحي تل أبيب بصلية صاروخية نوعية”.

وفي المناطق الجنوبية بلبنان، فقد شنّ الطيران الحربي الإسرائيلي، صباح اليوم الأربعاء، سلسلة غارات استهدفت عددا من هذه المناطق.

تصاعد الدخان وسط القتال المستمر بين “حزب الله” والجيش الإسرائيلي كما شوهد من صور بجنوب لبنان- “رويترز”

وطالت الغارات بلدات عربصاليم، وقانا، وصريفا، والطيبة، وأطراف بلدة البرغلية، وفرون، وسلعا، وبافليه، والخيام، وسهل الميدنة عند أطراف بلدة كفررمان الشرقية في جنوب لبنان.

كما واستهدف الطيران الإسرائيلي، صباح الأربعاء، على بلدة لبايا في البقاع الغربي شرق لبنان، بجانب جبل أبو راشد بين البقاع الغربي ومنطقة جزين في جنوب لبنان، فضلا عن تعرض محلة الفيضة في بلدة يونين في البقاع شرق لبنان لغارة إسرائيلية.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
أقدم
الأحدث الأكثر تقييم
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات