في وقت لا تزال فيه العدالة الانتقالية غائبة عن المشهد السوري، تتصاعد المخاوف من أن تتحوّل البلاد إلى ساحة مفتوحة لتصفية الحسابات الشخصية والانتقامات، مع تنامي ظاهرة “الانتقام الفردي” بديلا للعدالة في سوريا.

وبينما لم تبدأ السلطات في دمشق بأي خطوات فعلية نحو المساءلة أو محاسبة المسؤولين عن الانتهاكات التي طالت السوريين خلال سنوات الحرب، تتزايد حالات “الانتقام الفردي”، لا سيما في مناطق تشهد انفلاتا أمنيا وغيابا تاما للمحاسبة.

وفي هذا الصدد، أعلنت مجموعة مسلحة في منطقة تلكلخ بريف حمص، نيتها تنفيذ ما وصفته بـ”القصاص” بحق متورطين في دماء السوريين، وذلك بعد أن أفرجت عنهم الأجهزة الأمنية دون محاكمة أو مساءلة تُذكر. 

هذا الإعلان يأتي في ظل تصاعد حوادث القتل والتصفيات العشوائية في عدة مناطق سورية، ولا سميا حمص، والتي تأخذ في معظم الأحوال طابعا طائفيا، ما ينذر بموجة جديدة من أعمال عنف، كما حصل في الساحل السوري في آذار/مارس الفائت.

تصاعد عمليات القتل في حمص

شهدت مدينة حمص، خلال الأيام القليلة الماضية، سلسلة من حوادث القتل العشوائية التي نفذها مسلحون مجهولون، في ظل غياب تام للسلطات الأمنية وأي مؤشرات على المحاسبة أو الردع، ما يثير مخاوف من تصاعد العنف وانتشار الفوضى الأمنية.

وبحسب ما نشرته إحدى السوريات من مدينة حمص عبر منصة “فيسبوك”، أمس الأربعاء، نُفذت عمليات القتل باستخدام دراجات نارية، وقنابل يدوية، وأسلحة فردية، مستهدفة المدنيين. وثمة من يقول إن هذه الجرائم تأتي بدوافع انتقامية وطائفية.

وطبقا لحديث الناشطة السورية، ففي ضاحية الوليد بحمص، وأمام منزلها، أقدم مسلحان يستقلان دراجة نارية على إطلاق النار مباشرة على المواطن فواز رجب وابنة أخيه فتون رجب، ما أدى إلى قتلهما.

وفي حي كرم الزيتون بحمص أيضا، ألقى مسلحون قنبلة يدوية على منزل، ثم أطلقوا النار عليه، ما أدى إلى مقتل كل من مفيد السليمان، وشقيقه معين السليمان، وزوجة الأخير السيدة لينا ديوب.

وفجر يوم أمس الأربعاء، توفيت فتاة شابة في المستشفى، بعد أربعة أيام من قتل والدتها وشقيقتها التوأم، اللتين قُتلتا بإطلاق نار من مسلحين على دراجة نارية، طبقا للناشطة السورية.

ستة مدنيين على الأقل قتلوا خلال الأيام الماضية وسط حمص، وذلك بإطلاق النار مباشرة من مسلحين منفلتين، دون أي محاسبة أو رادع أو اهتمام. وتضيف الناشطة المدنية، أن هذا أمر يتكرر يوميا. لا شك أن هذه الحوادث العنيفة والعشوائية تعكس هشاشة الوضع الأمني ​​في المدينة، وتفتح الباب أمام المزيد من التصعيد.

أيضا، تحدث الكاتب والناشط السوري من مدينة حمص، يامن حسين، عبر منصة “فيسبوك”، عن الحوادث ذاتها في حمص السورية، فقال: “استكمالا لعمليات القتل الممنهجة ضد المدنيين العلويين، أو بدوافع انتقامية، فإنه من بين الضحايا فراس الرضوان، الذي أُعدم ميدانيا على يد ملثمين في حي جب الجندلي”.

وفي حادثة أخرى، وفق العديد من المصادر المحلية، تم اختطاف غدير حبوب وزوجته ديانا حبيب وحماته ميس سلوم، مع طفلهم الرضيع.

من جانبه، وثق “المرصد السوري لحقوق الإنسان” الحوادث ذاتها التي تحدث عنها الناشطون من حمص، فقال: “رمى مسلحون قنبلة يدوية على منزل في الشارع 18 في حي كرم الزيتون بحمص، ثم تبعه إطلاق رصاص من أسلحة رشاشة، مما أدى إلى مقتل مواطن وزوجته وشقيقه.

ويوم الأربعاء، استهدف مسلحان يستقلان دراجة نارية، رجل وسيدة من الطائفة العلوية عند مفرق ضاحية الوليد شارع مساكن الشرطة مقابل كافيه تروبيكانا في حمص، مما أدى إلى مقتل الرجل وإصابة السيدة بجروح خطيرة، في حين وصلت قوات الأمن العام وسيارات الإسعاف إلى المكان”.

وبذلك، بلغ عدد ضحايا السلوكيات الانتقامية والتصفية منذ مطلع العام الجاري في محافظات سورية متفرقة 533 أشخاص، هم: 513 رجل، 13 سيدات، و7 أطفال، وتوزعوا، وفق “المرصد السوري”.

مجموعة مسلحة تُعلن “القصاص” بنفسها

في سياق متصل، أعلن مسلحون يُطلقون على أنفسهم اسم “كتيبة قناصي تلكلخ” نيتهم تنفيذ ما وصفوه بـ”القصاص” بحق أشخاص متورطين في جرائم بحق السوريين خلال عهد النظام السوري السابق.

وفي التفاصيل، وفق “المرصد السوري”، ظهر المسلحون في تسجيل مصور، تداوله ناشطون، تحدث فيه أحدهم باسم المجموعة قائلا إن الكتيبة سلمت في وقت سابق أفرادا متهمين بالتورط في سفك دماء السوريين، إلى قوى الأمن في مدينة تلكلخ، إلا أن الأخيرة أفرجت عنهم دون محاسبة.

وأشار المتحدث إلى اسم رؤوف موسى، المعروف بلقب “رؤوف طرق”، كأحد أبرز الذين أُفرج عنهم، رغم اتهامات متكررة له بالتورط في جرائم وانتهاكات، أثناء عمله ضمن مجموعة سهيل الحسن في النظام السابق وسط غياب أي توضيح.

ويأتي ذلك في سياق أوسع من الفوضى الأمنية في حمص، وغياب العدالة الانتقالية، ما يدفع بعض المجموعات المحلية إلى اعتماد أساليب “العدالة الانتقامية” خارج إطار القانون.

وأدان “المرصد السوري”، أي تواطؤ أو إفلات من العقاب ممن ارتكبوا الانتهاكات بحق المدنيين السوريين، وحذر في الوقت ذاته من خطورة اعتماد العدالة الانتقامية في ظل الانفلات الأمني.

ويرى حقوقيون ومراقبون أن غياب منظومة قضائية مستقلة وعدم وجود إرادة سياسية حقيقية لفتح ملف العدالة الانتقالية، يدفع الضحايا وذويهم نحو مسارات انتقامية تهدد ما تبقى من السلم الأهلي، وتنسف أي أمل بمرحلة مصالحة أو تعافٍ حقيقي.

ويُحذر الخبراء من أن استمرار هذا النهج قد يُدخل سوريا في دوامة لا تنتهي من العنف المتبادل، ويؤخر فرص الاستقرار وإعادة بناء الثقة بين مكونات المجتمع.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
أقدم
الأحدث الأكثر تقييم
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات