على خلفية انتشار تسجيل صوتي منسوب لشخص يُقال إنه من طائفة الموحدين الدروز، ويسيء فيه للنبي محمد، ولّد حالة من الاحتقان الطائفي في عدد من المحافظات السورية، مما فجّر أيضا موجة تهديدات خطيرة طالت أبناء الطائفة الدرزية، وسط تحذيرات من انزلاق البلاد نحو حرب أهلية جديدة.

وعقب موجة التحريض والتهديدات التي انتشرت على منصات التواصل الاجتماعي ومظاهرات في الشوارع، جاءت دعوات من سوريين إلى التهدئة والمطالبة بوقف خطاب الكراهية ومنع التحريض الطائفي، وذلك بغية عدم تكرار مجازر مشابهة لما شهدته مناطق الساحل السوري في آذار/مارس الفائت.

دعوات لوقف التحريض

نحو ذلك، طالب عدد من السوريين السلطات السورية في دمشق بتحمّل مسؤولياتها الكاملة تجاه هذا التصعيد الخطير، مشددين على أن حماية المدنيين ووقف كل حملات التحريض والتجييش في الشوارع وعلى المنصات الاجتماعية، تتحملها الدولة وحدها، وأن إصدار البيانات ليس كافيا للتصدي لهذه التهديدات الطائفية، خاصة بعدما شهدته مدينة جرمانا في ريف دمشق فجر اليوم الثلاثاء، من اعتداءً مسلحا شنّته مجموعات مسلحة “تدعي نصرة الدين الإسلامي والدفاع عن رسول الله” على حواجز أقامها السكان في محيط المدينة.

وقد اندلعت اشتباكات عنيفة إثر إطلاق النار الكثيف من جهة حي النسيم بجرمانا، واستمرت المواجهات في أطراف المدينة لساعات. وبحسب “المرصد السوري لحقوق الإنسان”، أسفرت الاشتباكات عن مقتل ستة مدنيين وإصابة أكثر من 12 آخرين بجروح، في حصيلة أولية.

تزامن ذلك مع تداول مقاطع مصوّرة تُظهر أرتالا مسلحة تحمل شعارات طائفية وهي تتوجه نحو المدينة، قادمة عبر طرق تتحكم بها حواجز أمنية في العاصمة دمشق. وأفادت مصادر محلية أن المهاجمين استخدموا أسلحة خفيفة ومتوسطة، في حين ردّت مجموعات مدنية من أهالي المدينة دفاعا عن أحيائهم.

وقد اندلعت اشتباكات أخرى في بلدة أشرفية صحنايا؛ حيث يتركز أبناء الطائفة الدرزية، وأسفرت عن وقوع إصابات بين أبناء البلدة. وعليه فرض حالة حظر تجوال في جرمانا وصحنايا وأشرفية صحنايا وسط استنفار أمني شديد.

كما وأفاد بيان صادر عن أهالي جرمانا بأن تحريضا طائفيا “سبق هذه الجريمة”، محذرا من “الانجرار خلف دعوات الفتنة التي لا تخدم إلا أعداء سوريا ووحدتها”. وبحسب ما نقلته وسائل الإعلام، دعا البيان، الذي أدان التحريض الطائفي، الجهات الرسمية إلى “تحمّل مسؤولياتها بفتح تحقيق فوري وشفاف، ومحاسبة كل من شارك وحرض وخطط لهذه الجريمة”.

وفيما يسود المدينة حاليا هدوء حذر، تتواصل المطالبات باتخاذ إجراءات سريعة للوقوف في وجه هذه التهديدات الخطيرة، ومنع تحوّل خطابات الكراهية إلى صراع طائفي مفتوح.

وكتب الكاتب السوري، نبيل الملحم، عبر منصة “فيسبوك“: “خطاب الكراهية… سُمّ يتنكر في هيئة رأي، تتحوّل معه اللغة إلى سلاح أبيض، وإلاّ كيف تُساق البلاد إلى اقتتال أهلي؟

ـ خطاب الكراهية هو الشرارة، الحرب الأهلية هي الحريق.

خطاب الكراهية يساوي :جريمة حرب تمهّد للجرائم اللاحقة”.

فيما كتبت الصحفية السورية، زينة شهلا عبر “الفيسبوك” أيضا: “مسؤولية الدولة، والدولة فقط، حماية المدنيين، وإيقاف التحريض وخطاب الكراهية والتجمعات التي تدعو للتجييش والعنف في الطرقات، وعلى مواقع التواصل.. البيانات وحدها لا تكفي..”.

انتقادات لاذعة للسلطات بدمشق

كما كتبت الكاتبة السورية روزا ياسين حسن على “الفيسبوك” تنتقد بشدة السلطات في دمشق، قائلة: “اكسسوارات حكومة الجولاني وينكم من اللي عم يصير؟ ما تعبتوا من وضعية المزهرية؟ سعار الإبادة الطائفية مين رح يوقّفه؟ آلاف المجرمين المسلحين التكفيريين الطلقاء في الشوارع والجامعات يريدون إبادة الجميع، العقوبة الجماعية بأية حجة كانت، والسلطة العاجزة عن بناء أي خطاب وطني جامع، ومطبليها تقف متفرّجة ومبرّرة، منتشية بالسيطرة بالسيف، سلطة بيانات التلغرام وإعلامها مثير للغثيان. سيادة المفتي، إيمتى رح تطلع بفتوى تحريم الدم والتحريض الطائفي؟! لحتى تغرق البلد بالدم أكثر؟ شو ناطر؟! بدأت الإبادة والتكفير بالعلويين وتمضي قدما إلى كل مختلف، واليوم لأهلنا من دروز جرمانا والسويداء”.

وتابعت :”الفكر التكفيري الجهادي، الآتية رؤوس هذه السلطة منه، لن يقف عند طائفة ولا مجموعة في هذه البلاد، سيصل حتى آخر مختلف عنه من أهل السنة أنفسهم، ما صارت الصورة واضحة!”.

ودعا العديد من السوريين عبر منصات التواصل الاجتماعي إلى ضرورة تجنّب خطاب الكراهية والتحريض الطائفي، مشددين على أن الشحن الطائفي، وخاصة عندما يصدر من شخصيات مثقفة أو من النخبة المؤثرة، أخطر بكثير من السلاح نفسه. 

وأكدوا على أن اللحظة الراهنة تتطلب أن يكون صوت العقل والضمير هو السائد، بعيدا عن أي خطاب طائفي قد يفتح الباب أمام مجازر وجرائم جديدة بحق أبرياء دون أي مبرر.

ما حصل اليوم في جرمانا ليس حادثا منفصلا أو عرضيا، بل جرس إنذار لما قد تنزلق إليه البلاد إذا استمرّ التهاون مع حملات التحريض الطائفي وخطاب الكراهية.

التهديدات التي طالت طائفة الموحدين الدروز، والاشتباكات العنيفة التي أعقبتها، تعيد إلى الأذهان مشاهد القتل المروعة التي حصلت في الساحل السوري. وعليه، فإن تكرار هكذا مجازر وجرائم بحق آخرين قد يعني أن سوريا ستدخل نفق قاتم لا عودة منه، وانهيار ما تبقى من الاستقرار الهش أصلا.

اليوم سوريا بحاجة إلى تغليب صوت العقل على الفتنة وليس المزيد من “التجييش” والتحريض الطائفي. ومن دون شك، مسؤولية ذلك في الأساس تقع على الدولة التي يفترض أن تضبط الشارع وتحمي المدنيين وتمنع من وقوع البلاد في الفوضى.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
أقدم
الأحدث الأكثر تقييم
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات

الأكثر قراءة