على خلفية التوترات التي شهدتها مدينة جرمانا بريف دمشق فجر اليوم الثلاثاء، إثر انتشار تسجيل صوتي على مواقع التواصل الاجتماعي احتوى إساءة للنبي محمد، نُسب لأحد شيوخ الطائفة الدرزية، وهو ما نفاه الشيخ نفسه لاحقا، تحركت وزارتي “الأوقاف” و”العدل” في سوريا حيال الأزمة. وقوبل بيان الوزارتين بانتقادات لاذعة من قبل شريحة واسعة من السوريين.

وقال المتحدث باسم “وزارة الأوقاف السورية”، أحمد الحلاق، في بيان، إن الوزارة تتابع الموضوع باهتمام بالغ انطلاقا من “حرصها العميق على حماية المقدسات والرموز الدينية التي تشكل ركيزة جوهرية في هويتنا الدينية والوطنية”.

بيان “الأوقاف السورية”

وأردف الحلاق أن “وزارة الأوقاف تواصلت مع النيابة العامة لتحريك دعوى عامة باسم الوزارة فيما يخص قضية الإساءة للنبي”.

وتابع الحلاق: “استنادا إلى المواد 462 وما بعدها، والمواد 568 وما بعدها، بدلالة المادة 208 من قانون العقوبات العام، بالإضافة إلى المرسوم التشريعي رقم 20 لعام 2022 الذي يُجرّم نشر الإساءة إلى المقدسات والرموز الدينية عبر وسائل التواصل الاجتماعي”.

وأكد الحلاق أن “وزارة الأوقاف لن تتهاون مع أي اعتداء على الرموز الدينية والمقدسات، وأن احترام الثوابت الدينية والأخلاقية يُعد من أساسات الخطاب الوطني والإعلامي، كما نشدد على ضرورة التزام الجميع بروح المسؤولية في التعبير بما يحفظ السلم المجتمعي ووحدة الصف”.

انتقادات لـ”الأوقاف السورية”

بيان “وزارة الأوقاف”، قوبل بانتقادات واسعة من سوريين على مواقع التواصل الاجتماعي، إذ طالبوا بسنّ قوانين واضحة وصارمة تُجرّم التحريض الطائفي وخطاب الكراهية أيضا.

وأكدوا على أن حماية المقدسات والرموز الدينية يجب أن تشمل جميع مكوّنات المجتمع السوري دون استثناء، بما في ذلك مقدسات المسلمين السنّة، والمسيحيين، والدروز، والعلويين، والأكراد.

وأشاروا إلى أن “الإساءات المتكررة لأنبياء الدروز الخمسة، على سبيل المثال، لا تقل خطورة عن غيرها ويجب أن تُعامل بالمثل قانونيا”، فعل أحدهم: “يوميا نقرأ شتم لأنبياء الدروز الخمس و يجب أن يعتبر هذا أيضا مساس برموز دينية”.

فيما علق آخر: “وبالنسبة للتعدي على الرموز الدينية لكافة الطوائف وحرق وسرقة المقامات الدينية وإهانة الشيوخ ونشر الفكر المتطرف من الشيوخ الجدد وإهانة المذاهب الأربعة وتغير هوية البلد ونشر الفكر الوهابي هاد شو وضعه يا وزارتنا الكريمة وحملات التحريض وفتاوي القتل”.

وطالب سوريون السلطات بالتعامل الجاد مع كل مظاهر التجييش الطائفي التي تُمارس تحت عباءة الدين، مؤكدين أن خطاب الكراهية أيا كان مصدره هو تهديد مباشر لوحدة البلاد وسلامة السوريين.

بيان “العدل السورية”

كذلك، أصدرت “وزارة العدل السورية” بيانا قالت فيه إنها “تتابع الأحداث الأخيرة في جرمانا، وتؤكّد أهمية اللجوء إلى القضاء كسبيل مشروع لمحاسبة المجرمين ومثيري الفتن، وذلك من خلال الإجراءات القانونية المعمول بها”.

وأردفت: “في إطار حرصها على حماية المقدسات والرموز الدينية، أكدت الوزارة أنّها لن تتهاون في ملاحقة الاعتداءات، خاصة تلك الموجهة إلى جناب الرسول الأعظم محمد”.

كما دعت “العدل السورية” المواطنين للالتزام بأحكام القانون وتجنب الانجرار نحو خطاب الفتنة والتجييش، إذ إن هذه الأفعال تعتبر جرائم يعاقب عليها القانون.

أنباء عن اتفاق

بحسب مصادر محلية، فقد تم التوصل إلى اتفاق عقب اجتماع جرى بين وفد حكومي ومشايخ مدينة جرمانا، وتضمّن الاتفاق، وفقا للمصادر ذاتها (والتي لم يتسنَّ لموقع “الحل نت” التحقق من صحتها حتى الآن)، ما يلي: “ضمان إعادة الحقوق وجبر الضرر لذوي الشبان الذين قضوا خلال الأحداث الأخيرة في المدينة”.

إضافة إلى “التعهد بمحاسبة المتورطين في الهجوم الأخير وتقديمهم للقضاء أصولا. وتوضيح ما جرى عبر وسائل الإعلام، والحد من التجييش بجميع أشكاله”.

كذلك، “العمل على تأمين حركة السير بين محافظتي دمشق والسويداء أمام المدنيين. والبدء الفوري بتنفيذ بنود الاتفاق من قبل الجهات الحكومية المختصة”.

وشهدت مدينة جرمانا بريف دمشق، فجر اليوم الثلاثاء، اعتداءً مسلحا نفذته مجموعات مسلحة قالت إنها “تدافع عن رسول الله ونصرة للدين الإسلامي”، حيث هاجمت حواجز أقامها أهالي المدينة في محيطها.

“تحريض طائفي”

وجاء الهجوم في ظل تصاعد التحريض الطائفي، عقب انتشار تسجيل صوتي مسيء نُسب لأحد رجال الدين الدروز، وهو ما نفاه لاحقا، لكن ذلك لم يمنع اندلاع مواجهات مسلحة في جرمانا.

واندلعت اشتباكات عنيفة إثر إطلاق النار الكثيف من جهة حي النسيم بجرمانا، واستمرت المواجهات في أطراف المدينة لساعات. وبحسب “المرصد السوري لحقوق الإنسان”، أسفرت الاشتباكات عن مقتل ستة مدنيين وإصابة أكثر من 12 آخرين بجروح، في حصيلة أولية.

تزامن ذلك مع تداول مقاطع مصوّرة تُظهر أرتالا مسلحة تحمل شعارات طائفية وهي تتوجه نحو المدينة، قادمة عبر طرق تتحكم بها حواجز أمنية في العاصمة دمشق. وأفادت مصادر محلية أن المهاجمين استخدموا أسلحة خفيفة ومتوسطة، في حين ردّت مجموعات مدنية من أهالي المدينة دفاعا عن أحيائهم.

وقد اندلعت اشتباكات أخرى في بلدة أشرفية صحنايا؛ حيث يتركز أبناء الطائفة الدرزية، وأسفرت عن وقوع إصابات بين أبناء البلدة. وعليه فرض حالة حظر تجوال في جرمانا وصحنايا وأشرفية صحنايا وسط استنفار أمني شديد.

وأفاد بيان صادر عن أهالي جرمانا بأن تحريضا طائفيا “سبق هذه الجريمة”، محذرا من “الانجرار خلف دعوات الفتنة التي لا تخدم إلا أعداء سوريا ووحدتها”. وبحسب ما نقلته وسائل الإعلام، دعا البيان، الذي أدان التحريض الطائفي، الجهات الرسمية إلى “تحمّل مسؤولياتها بفتح تحقيق فوري وشفاف، ومحاسبة كل من شارك وحرض وخطط لهذه الجريمة”.

وبحسب مصادر محلية، انتشر مقاتلون من أبناء الطائفة الدرزية في عدد من أحياء مدينة جرمانا، في ظل توتر أمني متصاعد تشهده المنطقة.

وفي المقابل، فرضت أجهزة الأمن العام طوقا أمنيا مشددا على المدينة، ومنعت دخول أو خروج المركبات، في محاولة لاحتواء التصعيد ومنع تفاقم الوضع.

وفيما يسود المدينة حاليا هدوء حذر، تتواصل المطالبات باتخاذ إجراءات سريعة للوقوف في وجه هذه التهديدات الخطيرة، ومنع تحوّل خطابات الكراهية إلى صراع طائفي مفتوح.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
أقدم
الأحدث الأكثر تقييم
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات

الأكثر قراءة