تعيش سوريا خللاً بنيوياً في خارطتها الزراعية، لاستمرار ابتعادها عن وضع استراتيجية زراعية واضحة، وتمسك  القائمين على هذا القطاع الحيوي باتخاذ قرارات ارتجالية ساهمت في خروج الكثير من العاملين بالقطاع #الزراعي من العملية الإنتاجية، سواءً أكان ذلك قبل أو خلال سنوات #الحرب.

ورافق القطاع الزراعي #السوري، زيادات متتالية على  التكلفة العامة للإنتاج الزراعي، والتي جاءت نتيجة  لسياسات غير مدروسة للحكومات السورية المتعاقبة، وأضرت كثيراً بهذا القطاع، ودفعت بالمزارعين في كثير من المواسم إلى بيع إنتاجهم بسعر التكلفة أو بخسارة.

كما أن الكلفة العالية لمستلزمات الإنتاج وغياب البنية التحتية المتعلقة، بضعف وسائل #النقل بأنواعه وبخاصة طاقات الشحن بالموانئ والمطارات، التي لم تتطور على مدار عقود، أضرت بالقطاع الزراعي، الذي لم يتماشى مع زيادة الإنتاج أو متطلبات السوق الداخلي والخارجي.

غياب إحصائية عدد العاملين في قطاع الزراعة 

ويعطي المناخ في #سوريا قيمة مضافة في تنوع الإنتاج الزراعي، حيث تبرز المنتجات الزراعية الاستراتيجية، كالقمح والشعير والقطن والخضروات والبطاطا والتفاح والحمضيات والبندورة.

وكانت نسبة العاملين في #الزراعة في عام 2001 تشكل ما يقارب 30.4 في المئة وانخفضت إلى 13.2 في المئة في عام 2011 بحسب إحصائيات “المكتب المركزي للإحصاء” التابع للسلطات السورية.

ولم ترشح في السنوات الثلاثة الأخيرة، عن أي أرقام حقيقية عن العاملين في القطاع الزراعي، حيث أوضح لموقع (الحل نت) أحد العاملين في قسم الإحصاء بالوزارة أن هناك صعوبة بالغة في  إحصاء عدد العاملين في الزراعة، نتيجة خروج المحافظات الشمالية الشرقية وغيرها من إحصائيات الوزارة واقتصارها على بعض المناطق التي ما تزال تحت سيطرة الحكومة السورية.

وتوقع المصدر أن نسبة العاملين في الزراعة ضمن المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة السورية لا تتجاوز 10%.

خسائر الزراعة في ظل الحرب 

تلقى القطاع الزراعي ضربة قاسية على مدار سنوات الحرب، فانخفضت نسبة مساهمة الزراعة في الناتج المحلي من 20% في العام 2010 إلى 5% في العام 2015، كما تراجع الإنتاج الحيواني بمقدار 35%، وانخفضت أعداد #الدواجن بنسبة 40%، بحسب الإحصائيات الصادرة عن وزارة #الزراعة للعام 2015.

وفي ورقة بحثية قدمها وزير الزراعة في الحكومة السورية “حسان قطنا” في ندوة لجمعية العلوم الاقتصادية في عام  2018، تناولت بعض الأرقام الإحصائية للقطاع الزراعي في سوريا، تراجعت المساحات المزروعة، من 4,5 مليون هكتار في 2011 إلى 4,1 مليون هكتار عام 2017.

كما تراجع الإنتاج الزراعي، وانخفض إنتاج #القمح من 3,2 مليون طن عام 2011 إلى 1,2 مليون طن في 2017، كما انخفض إنتاج #القطن من 470 ألف طن عام 2011 إلى 124 ألف طن عام 2017.

وتدهورت أوضاع القطاع الزراعي السوري، وانخفضت نسبة مساهمته في الناتج المحلي من 18% عام 2010 إلى حدود 5% حالياً.

وحدد برنامج الأجندة الوطنية لمستقبل سوريا في الأمم المتحدة ” الاسكوا” في دراسة تحليل فجوة السياسات الزراعية في سوريا  أنه  بين 2011 و2017 انخفضت قيمة الإنتاج المحلي الزراعي من 240 مليار ليرة سورية عام 2010 إلى 146 مليار ليرة عام 2016 بتراجع 50%.

أسباب تدهور القطاع الزراعي

اختلفت آليات عمل القطاع الزراعي بين منطقة وأخرى من البلاد وفقاً للظروف الأمنية التي تفرضها الجهات المسيطرة على المناطق بعد أن ساد في سوريا مناطق نفوذ خاصة بفصيل أو جهة أو جيش.

وقد عانى من استطاع الاستمرار بالزراعة من: تحديات توفير مستلزمات الإنتاج ومن تسويق منتجاته، حيث تراجعت الكميات المسوقة الى المؤسسات الحكومية من القمح والقطن والشمندر، وتراجعت الكميات المسوقة إلى أسواق الجملة المركزية الواقعة في مراكز المحافظات، واضطرار المزارعين في كثير من الأحيان للقبول بالشروط المجحفة الموضوعة من قبل من يدير هذه المناطق.

وأرجع الخبير الزراعي المهندس “سليمان شحود” أسباب تدهور القطاع الزراعي في سوريا إلى التكلفة الكبيرة للإنتاج مقابل سعر المبيع الزهيد، وغياب دور السلطات منذ عقود في توفير منافذ بيع خارجية دائمة، لتسويق إنتاج المزارعين، علاوةً على ارتفاع أسعار الأسمدة والمبيدات، ما أدى إلى ارتفاع تكاليف الزراعة، ولهذا السبب توقف الكثير من المزارعين عن الزراعة.

وأوضح شحود لموقع (الحل نت) أن من أسباب تدهور القطاع الزراعي غياب التيار الكهربائي الدائم الذي أعاق المزارعين في تشغيل مضخات المياه لري زراعتهم، بالمقابل لجوء المزارعين في الشمال السوري وبخاصة في محافظة إدلب لاستخدام ألواح الطاقة الشمسية لري محاصيلهم.

ولفت إلى تفشي اقتصاد الحرب كفرض الإتاوات على السيارات التي تنقل المنتجات الزراعية بين المحافظات، من قبل عناصر الحواجز، عوامل ساهمت في زيادة كلفة الإنتاج وعزوف الكثير من المزارعين عن أراضيهم.

سياسات زراعية غير واضحة

ونستنتج أن ظروف القطاع الزراعي في سوريا، والصعوبات التي تعترضه، لم تكن وليدة الأزمة الأخيرة في سوريا فقط، بل تعود لأكثر من عقدين من الزمن، حيث كانت السياسات الزراعية المرسومة تفتقر إلى الموضوعية وتبتعد عن تقديم الحلول الحقيقية واستبدالها بمعالجات إسعافية، ساهمت في تردي أوضاع هذا القطاع الحيوي، والذي انكشف أكثر مع بداية الأزمة في سوريا.

واعتبر “أكرم .ع” خبير في شؤون الاقتصاد الزراعي في وزارة الزراعة السورية أن غياب السياسات الزراعية الواضحة في سوريا على مدار عقود من الزمن، ساهمت في تعميق أزمة القطاع الزراعي، وبخاصة بعد توقف الدعم  للمزارعين، وعدم توفير له مستلزمات الإنتاج، كما كان سابقاً.

ودعا في حديث لموقع (الحل نت) إلى ضرورة توفير قاعدة بيانات زراعية وتسويقية واسعة لتكون متاحة أمام المنتجين والمسوقين، وإيجاد منافذ تصديرية خارجية تساعدهم في تصريف إنتاجهم الزراعي.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.