إيران تزحف نحو المنشآت الصناعية المدمرة.. والسلطات السورية “تبصم على بياض”

إيران تزحف نحو المنشآت الصناعية المدمرة.. والسلطات السورية “تبصم على بياض”

لم يعد التنافس الاقتصادي بين روسيا وإيران مقتصراً على المنشآت والاستثمارات الضخمة من ثروات سوريا التي حصلت عليها الدولتان بعقود حصرية ولعشرات السنوات، بل أصبحت منشآت القطاع العام بما فيها الشركات الصناعية النسيجية والالكترونية والطبية، وحتى معامل الألبان والمعكرونة والبسكويت مطروحة للاستثمار للدول التي وصفتها الحكومة السورية بالصديقة.

في 28 من أيلول الماضي، أعلنت “وزارة الصناعة” عن طرح 38 منشأة تابعة لها للاستثمار بهدف إعادة تشغيلها، بعد أن توقف معظمها عن العمل نتيجة لما أسمته “الأعمال التخريبية” التي تعرضت لها خلال العشر سنوات الماضية، على أن يتم تأهيل هذه المنشآت ضمن نشاطها الأساسي، أو أي نشاط آخر ينسجم مع طبيعة الموقع والأهمية الصناعية، بحسب إعلان الوزارة.

كثيرة هي الأسئلة والاستفهامات التي تدور حول نية “وزارة الصناعة” ومن ورائها الحكومة السورية عرض منشآت القطاع العام لـ”الخصخصة” في هذا التوقيت، وعلاقة قانون الاستثمار الجديد الذي تم إقراره قبل أشهر بهذه الخطوة، ومصير آلاف العمال السوريين في تلك المنشأت، ولعل السؤال الأهم هنا: هل خصخصة منشآت القطاع العام نعمة أم نقمة على الاقتصاد السوري المتهالك؟

ما الشركات التي عُرضت للاستثمار وأين تتوزع؟

لا شك أن أهمية المنشآت الحكومية المعروضة للاستثمار لا تقتصر على نوعها نشاطها وعملها فقط، بل بالموقع الجغرافي والمساحات التي أسست عليها، حيث نشرت “وزارة الصناعة” في حسابها على موقع “فيس بوك” قائمة بهذه المنشآت، وكانت على الشكل التالي:

المشروعات التابعة لـ “المؤسسة العامة للصناعات الهندسية” وشملت الشركات العامة لتصنيع الآليات الزراعية في حلب، وشركة “بردى” للصناعات المعدنية بريف دمشق، والشركة العامة للخشب والكبريت وأقلام الرصاص بريف دمشق، ومعمل الشاشات في حلب.

كما طرحت وزارة الصناعة ثماني منشآت تابعة لـ “المؤسسة العامة للصناعات الكيميائية” للاستثمار وهي: الشركة العامة لصناعة الزجاج في حلب، والشركة العامة للصناعات الزجاجية والخزفية بريف دمشق، والشركة العامة لصناعة الإطارات “أفاميا” بحماة، والشركة العربية للمنتجات المطاطية والجلدية والبلاستيكية في حلب، والشركة العامة للورق بدير الزور، ومعمل السيرومات بحلب، والمقر الرئيسي للشركة الطبية العربية “تاميكو” بريف دمشق، وأرض تابعة لتاميكو في محافظة السويداء، وجميع تلك الشركات إما متوقفة عن العمل أو مدمرة نتيجة الحرب والأعمال العسكرية.

وطرح إعلان وزارة الصناعة عدد من المنشآت التابعة لـ “المؤسسة العامة للصناعات الغذائية” منها معمل الألبان في منطقة الهلك بحلب، ومعمل البسكويت في عين التل بحلب، ومعملا الزيوت في منطقتي عين التل والليرمون بحلب، وشركة غراوي بمنطقة حوش بلاس بريف دمشق، ووحدة الكونسروة بمنطقة الميادين بدير الزور، وشركة معكرونة اليرموك بمدينة درعا، وشركة بردى للبيرة (المدمرة) في ريف دمشق بمنطقة الهامة للاستثمار في نشاط جديد.

وبلغ عدد المنشآت التابعة لـ “المؤسسة العامة للإسمنت” ومواد البناء المطروح للاستثمار 5 مشروعات وهي: معمل الشيخ سعيد المتوقف بحلب، ومعمل المسلمية (المدمر) في حلب، ومعمل برج إسلام المتوقف في اللاذقية، وشركة حلب لصناعة منتجات الإسمنت “الأميانتي” بحلب، والشركة الوطنية لتصنيع الشمنتو المتوقف بمنطقة دمر، وذلك للاستثمار فيها بنشاط جديد.

كما طرحت وزارة الصناعة 9  منشآت تابعة لـ “المؤسسة العامة للصناعات النسيجية” للاستثمار موزعة في عدد من المحافظات السورية كحلب ودمشق وريف دمشق وطرطوس وحمص، إضافة إلى منشأتين تتبعان لـ “المؤسسة العامة للسكر” وهما: معمل الخميرة بريف دمشق ومعمل الخميرة في طريق المسلمية في حلب.

ما علاقة إيران؟

الحديث عن طرح شركات ومؤسسات القطاع العام للاستثمار لم يكن بالجديد أو المفاجئ، حيث أكد وزير المالية “كنان ياغي” في أيلول الماضي أن «هناك خطوات بدأت للعمل على استثمار الأراضي والعقارات المملوكة للدولة»، معتبراً أن ذلك «سيسهم في تأمين موارد كبيرة ومهمة للخزينة العامة للدولة».

لكن رجل الأعمال المعارض “فراس طلاس” كان له رأي آخر في طرح منشآت الدولة للاستثمار, واعتبر في منشور له على موقع فيسبوك أنه «جرى تحويل أربعين منشأة صناعية تتبع للقطاع العام إلى ملكية الحكومة الإيرانية، عبر شركات متعددة مملوكة إما للوزارات الإيرانية، أو الحرس الثوري الإيراني».

وأكد طلاس أن «كل ذلك جرى بالتنسيق بين وحدة المتابعة التابعة للقصر الجمهوري في دمشق من جهة، وبين السفارة الإيرانية والحكومة الإيرانية من جهة أخرى، وتم الاتفاق عليه قبل أكثر من عام، بعد أن قامت وحدة المتابعة بتحضير قائمة من 71 منشأة، وافق بشار الأسد على أربعين منشأة منها فقط، أما التي تم استثنائها تقع في منطقة الساحل السوري والغاب»، مشيراً إلى أنها «إما مشاريع روسية مستقبلية، أو أن استثمار الإيرانيين فيها يثير حساسيات معينة».

ولفت رجل الأعمال إلى أن «السفير الإيراني يقوم بزيارات إلى الغرف الصناعية والتجارية في المحافظات السورية، في دلالة على أن إيران هي صاحبة القرار الاقتصادي في سوريا شيئاً فشيئاً، وهذا يأتي بإشراف مباشر من لينا كناية وزوجها همام مسوتي التي تم تعيينها معاونة وزير شؤون الرئاسة السورية في شهر أيلول/ سبتمبر الماضي».

وما يؤكد تصريحات رجل الأعمال “فراس طلاس” نية إيران الاستحواذ على المنشآت والقطاعات الصناعية الحكومية في سوريا، ولا سيما التي طرحتها وزارة الصناعة مؤخراً، هو لقاء وزير الصناعة “زياد صباغ” مع وفد إيراني من شركة “أمرسان” التي تنوي الاستحواذ على شركة “بردى” للصناعات المعدنية التي تم طرحها للاستثمار مؤخراً.

وصرح حينها مدير عام شركة بردى “علي عباس” لصحيفة “تشرين” الرسمية أن «شركة أميرسان الإيرانية عرض الاستثمار في الشركة، وفي حال التوصل إلى اتفاق ستقدم الشركة الإيرانية خطوطاً وآلات إنتاج، وأن اسم الشركة سيبقى كما هو».

الاستيلاء على الاقتصاد السوري تحت مسمى “الخصخصة”

رغم نفي المسؤولين السوريين خصخصة القطاع العام ومنشآته بالكامل في المرحلة المقبلة، إلا أن كثيراً من المؤشرات تؤكد العكس من ذلك.

في لقاء لـ “بشار الأسد” مع قناة (روسيا اليوم) نهاية عام 2019، أكد أن حكومته تعتمد سياسة اقتصادية معتدلة، تحول دون خصخصة كامل القطاع العام “خوفاً” على الطبقة الفقيرة في البلاد.

ورد الأسد على سؤال إذا ما كانت الخصخصة في سوريا وراء اشتعال الصراع أجاب: «في الواقع كان هناك نقاش حول الخصخصة، ونحن كحكومة وكدولة بشكل عام رفضناها، والأغلبية رفضت هذه السياسات لأننا نعرف أنها ستدمر الفقراء، لأننا حكومة اشتراكية في كل الأحوال»، حسب تعبيره.

من جهته، رأى أستاذ اقتصاد في جامعة دمشق (فضل عدم ذكر اسمه لأسباب أمنية) أن «الشركات المملوكة للدولة والتي عرضت للاستثمار ليست بهدف جذب المستثمرين المحليين، فنحن نعلم أن نسبة كبيرة من الصناعيين هاجرت مع أموالها إلى خارج سوريا نتيجة غياب البيئة الاستثمارية وضعف البنية التحتية اللازمة لدوران عجلة الإنتاج».

وتابع في تصريح لموقع (الحل نت) أن «طبقة أثرياء الحرب الجدد والذين يتبعون بشكل أو بآخر إلى إيران هم من سيتولى مهمة الاستحواذ على هذه المنشآت التي هي في الغالب إما متوقفة عن العمل، أو مدمرة بشكل جزئي أو كلي نتيجة الأعمال العسكرية».

وأضاف أنه «في جولة سريعة على نشاط الشركات وموقعها الجغرافي، نجد أنها تقع إما في مراكز المدن أو الطرق الحيوية وتمتد على مساحات جغرافية واسعة، لا سيما في مناطق ريف دمشق كالقابون والمليحة والغوطة الشرقية، التي يتواجد فيها أكبر المنشآت الصناعية، وهذا تم التحضير له العام الماضي، عندما وجهت الحكومة السورية كتاباً إلى وزارة الصناعة بإخلاء وهدم المنشآت الصناعية والتابعة لوزارة الصناعة في منطقة القابون، ووضع مخطط عمراني جديد للمنطقة برعاية إيرانية التي تكثف وجودها في محيط العاصمة دمشق».

ويمنح قانون الاستثمار الجديد رقم 18 لعام 2021 للمستثمر، حق تعديل الصفة التنظيمية للمناطق الاقتصادية الخاصة بما يتلاءم مع غاية المشروع الاستثماري بعد موافقة المجلس الأعلى للاستثمار، كما يحق للمستثمر تملك واستئجار الأراضي والعقارات اللازمة لإقامة المشروع أو توسيعه في حدود حاجة المشروع بعد الحصول على موافقة المجلس في حال تجاوز سقف الملكية.

وأشار المصدر إلى مسألة مهمة وهي مصير آلاف العمال السوريين في تلك المنشآت وقال إن «السلطات السورية تسلك الطريق الأسهل دائماً، فإرضاء روسيا وإيران يأتي في المرتبة الأولى بإعطائهم عقود حصرية ومنشآت حيوية للاستثمار فيها، بغض النظر عما سيحل بالعمال السوريين، وهناك أمثلة ليست ببعيدة عن الواقع عندما بدأت روسيا بطرد وإنهاء عقود العمال في كل من مرفأ طرطوس ومعمل الأسمدة في حمص».

ولدى سؤاله عن علاقة خصصة مؤسسات الدولة ودورها في قطع الطريق على الشركات الأجنبية في مرحلة “إعادة الإعمار” أكد أن «ما تفعلة السلطات السورية هو نوع من سد الديون المتراكمة عليها نتيجة دعم روسيا وإيران لها في حربها على السوريين، وهذه ليست بمسألة جديدة، فتصريحات المسؤولين دائماً تقول إن عقود إعادة الإعمار من نصيب الحلفاء، لكن السؤال المطروح حالياً من الذي سيمّول مشاريع إعادة الإعمار في ظل عدم التوصل إلى حل سياسي؟، هل لدى روسيا وإيران القدرة على تمويل هذه العملية؟، بالتأكيد لا».

خسائر الصناعة بالمليارات

كشف تقرير نشرته “وزارة الصناعة” في حزيران الماضي عن الخسائر في المنشآت والمعامل في سوريا، حيث تعرّضت نصف المنشآت العامة (منشآت القطاع العام الصناعية المملوكة للدولة)، وأكثر من ثلث المنشآت الخاصة، للدمار وتوقفت عن العمل.

وأوضح التقرير أنه من بين 54 منشأة حكومية عاملة في سوريا، تعمل 34 بطاقتها الكاملة، في حين تعمل 20 أخرى بشكل جزئي.

ووفق التقرير، أعادت الوزارة تأهيل 16 شركة عامة صناعية ومحلجاً، عن طريق المبالغ التي تم تخصيصها من لجنة إعادة الإعمار في الخطط الإسعافية على مدى السنوات الأربع الماضية.

وقدّرت وزارة الصناعة في آذار الماضي، حجم الخسائر التي طالت القطاع الصناعي العام والخاص بسبب الحرب منذ العام 2011 بأكثر من 600 تريليون ليرة سورية، فيما أكد رئيس الوزراء الأسبق “عماد خميس” مؤخراً أن «خسائر مؤسسات الدولة ومن بينها القطاع الصناعي بلغت نحو 45 ألف مليار ليرة سورية (87 مليار دولار)، حيث تعرض أكثر من 28 ألف مبنى حكومي للضرر».

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.