هل يدرك كبار المسؤولين في سوريا معاناة المواطنين في رحلة التنقل اليومية الشاقة؟ هو السؤال الذي طُرح مؤخراً من أحد الخبراء السوريين، حيث لفت وبشكل صريح بأنّ أزمة النقل العام في سوريا لن تستمرّ يوما واحدا لو أنّ أبناء أعضاء الحكومة جرّبوا معاناة التنقل في الحافلات المزدحمة أو الانتظار الطويل في طوابير المواقف.

الحكومة السورية، منذ توليها المسؤولية، تعد المواطن بحلّ مشكلة النقل الداخلي، لكن لا حلول جذرية لغاية الآن؛ فهل ستُلامس هذه التصريحات آذان المسؤولين وتُحرّك ساكنهم، وستؤدّي إلى ثورة في منظومة النقل العامّ في سوريا؟ أم أنّها ستبقى مجرّد كلمات تُذرف في الهواء دون أن تُحدث أيّ تغيير؟

حلم ركوب باص مريح

حذّر الصحفيّ والخبير الاقتصادي، زياد غصن، من استمرار أزمة النقل في سوريا، مندّدا بتصريحات المسؤولين وتناقضاتها. ففي العام 2021، تعهّدت الحكومةُ باستيراد 500 باص، ورصدتْ في موازنة 2022 مبلغا ضخما لشراء باصات جديدة. لكنّ هذا المبلغ، كما يُؤكّد غصن، لا يكفي حالياً لشراء سوى بضعة باصات قليلة.

ويزدادُ الأمر سوءا مع عدم تنفيذ أيّ من تلك الوعود، فلم يتمّ شراء باص واحد حتى الآن! إذ إن تقديرات مدير عام سابق لشركة النقل الداخلي تشير إلى أن توفير نقل مريح وحضاري للمواطنين في محافظة دمشق يتطلب وجود 3 آلاف باص نقل داخلي.

لم تتوقف الحكومة عند هذا الحدّ، بل وعدت مجدّدا، في منتصف العام 2022، بالاستفادة من خط ائتمانيّ إيرانيّ لاستيراد 500 باص إيراني. لكنّ هذه الوعود أيضا ذهبت أدراج الرياح، ولم يلمس المواطنون أيّ تحسّن في واقع النقل العامّ.

ويُثير غصن تساؤلا جوهريّا: هل تُعدّ أزمة النقل معقدةً حقّا إلى هذه الدرجة؟ أم أنّ المشكلةَ تكمنُ في عدم تقدير الحكومة لحجم معاناة المواطنين، الذين ينتظرون بفارغ الصبر أيّ وسيلة نقل، مهما كانت بسيطة، ليتمكنوا من إنجاز أعمالهم ومواصلةِ حياتهم؟

غياب الإرادة السياسية الجادة، وفق حديث غصن لإذاعة “شام إف إم” المحلية، هو العائق الأساسيّ أمام إيجاد حلول حقيقية.

ويُقر غصن بأنّ نقص القطع الأجنبيّ قد يُؤثّر على سرعة حلّ الأزمة، لكنّه يُؤكّد على وجود حلول أخرى مُمكنة، إحداها منح إعفاءات وتسهيلات واسعة للمستثمرين لتشجيعِهم على تأسيس شركات نقل محترمة، بالإضافة إلى إعطاء الأولوية في توفير القطع الأجنبيّ لشراء عدد مُعيّن من الباصات سنويّا.

ويُشدّد الخبير الاقتصادي، على أنّ شعورَ المسؤولين بمعاناة المواطنين هو الخطوةُ الأولى نحو حلّ هذه الأزمة، مُنتقدا اتّخاذ بعض القرارات الحكومية بناءً على تجارب شخصية لبعض الأعضاء، بدلًا من الاعتماد على دراسات علمية ومنهجية.

ويُضيف غصن: “لو كان أبناء أعضاء الحكومة يستقلّون وسائل النقل العامة في تنقلاتهم، لما استمرّت أزمة النقل العامّ يوما واحدا”. ولفت إلى أنّ هذا ليس كلاما شعبويا، بل هو حقيقة يجب على المسؤولين إدراكها والعمل على حلّها.

ارتفاع سعر ليتر البنزين بنسبة 600%

أستاذ الاقتصاد في جامعة “دمشق” والرئيس الأسبق للمكتب المركزيّ للإحصاء، الدكتورُ شفيق عربش، حذّر من خطورة الوضع الاقتصاديّ في سوريا، مُشيرا إلى أنّ القطاعات الإنتاجية تعاني من ركود عميق يُهدّد بانهيارها.

مواطنون ينتظرون النقل الداخلي في دمشق - إنترنت
مواطنون ينتظرون النقل الداخلي في دمشق – إنترنت

ويُؤكّد عربشُ أنّ ارتفاع أسعار حوامل الطاقة بشكل مستمر يُشكل عبئاً ثقيلاً على تلك القطاعات، ويؤدّي إلى زيادة تكاليف الإنتاج بشكل كبير.

ويضرب عربش مثالًا على ذلك بارتفاع سعر البنزين 90 بنسبة هائلة تُقدّر بـ 600 بالمئة خلال الفترة من آب/أغسطس 2023 إلى نيسان/أبريل 2024.

إنّ ارتفاع أسعار الكهرباء، وخاصّة الصناعية والتجارية والزراعية، بالإضافة إلى الكهرباء المنزليةِ، يُؤثّر سلبا على تكاليف الإنتاج ويُساهم في زيادة الأسعار والتضخم بشكل مُستمرّ.

سوريا تعاني من حلقة مفرغة من الركود والتضخم، ممّا أدّى إلى ارتفاع معدّلات التضخم لتصل إلى مستويات قياسية، حيث تُعدّ سوريا ثالث دولةٍ على مستوى العالم من حيثُ معدّلات التضخم.

ويُؤكّد الخبير الاقتصادي، أنّ هذا الارتفاع في الأسعار، وخاصّة أسعار حوامل الطاقة، يجعلُ من سوريا دولة باهظة التكلفة مقارنة بالدول المجاورة.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات