في زمن تتسابق فيه الأمم نحو التقدم والازدهار، يبدو أن هناك من يسير عكس التيار. “ميزانية الدولة السورية كلها لا تكفي لإنارة شوارع دمشق!”، جملة صادمة تطرح العديد من التساؤلات حول واقع الحال الذي وصلت إليه سوريا. 

كيف لدولة بحجم وتاريخ سوريا أن تجد نفسها في هذا المأزق الاقتصادي الخانق؟ وما الذي أوصل ميزانية البلاد إلى هذا الحد من العجز؟ هل هي مجرد نتيجة لسنوات من الحرب والعقوبات، أم أن هناك أسباب أخرى تكمن في العمق؟

تاريخ لن يعود

في ليل دمشق تبرز معضلة تعكس حجم التحديات التي تواجهها المدينة. وسط زحمة الحياة وصخبها، بيّن وسام محمد، مدير الإنارة والكهرباء، ليعلن بنبرة تخفي وراءها الكثير من القصص، عن طلب إدارة المرور الملّح لتركيب كاميرات مراقبة في الشوارع المضاءة بدءًا من أتوستراد المزة وصولاً إلى شارع المعرض في دمشق.

أشخاص يسيرون بالقرب من حمام البكري، أحد أقدم الحمامات التي أنشئت عام 1069 في دمشق، سوريا، السبت، 22 يناير/كانون الثاني 2022. (أسوشيتد برس/عمر صناديقي)

لكن الحقيقة التي تلوح في الأفق تحمل في طياتها واقعاً مغايراً، إذ أشار محمد في تصريحات صحفية، أمس الثلاثاء، إلى أن الأموال المخصصة لميزانية الدولة كلها، لا تسعف في إضاءة مصابيح دمشق الـ120 ألف. 

وعن المبادرات الأهلية الخاصة بإنارة شوارع دمشق، أوضح محمد، أن هناك بعض المبادرات من قِبل الأهالي لكنها تبقى خجولة ولا يمكنها الاعتماد على الطاقة البديلة في الأزقّة الفرعية خوفاً عليها من السرقة. 

وأشار مدير الإنارة والكهرباء في محافظة دمشق، إلى أن شبكة الإنارة في دمشق بُنيت على مدار 100 عام ولا يمكن إيجاد حل شامل بسنة أو اثنتين خصوصاً أن التقنين حالة مؤقتة.

محمد أكد لإذاعة “المدينة” المحلية، أن مشكلة الإنارة في نَفَقي المواساة والأمويين حُلّت بشكل كامل، بينما نفق العباسيين على طريق الحل عبر شبكة إنارة موفرة للطاقة تم تركيب البطاريات حالياً لأجلها، مضيفاً أنه يجري العمل على تزويد نفق كفرسوسة بخط معفى من التقنين.

تمدّد “الاقتصاد الموازي”

خلال فترة الحرب الطويلة في سوريا، تحولت الموارد الاقتصادية بشكل جذري، حيث انصب اهتمام الكثيرين حول الأعمال التجارية، وتركزت الثروات في يد فئة محدودة من رجال الأعمال والمستثمرين. 

بائع سوري يرتب التفاح في كشك لبيع الفاكهة وسط انقطاع مستمر في الكهرباء - إنترنت
بائع سوري يرتب التفاح في كشك لبيع الفاكهة وسط انقطاع مستمر في الكهرباء – إنترنت

وفي هذا السياق، شهدت العواصم الرئيسية؛ دمشق وحلب تحوّلات جذرية في قطاع التجارة، حيث تراجعت دور الأسواق التقليدية وتراجعت أعمال التجار التقليديين، ليفسح المجال لظهور أشكال جديدة من التجارة.

تبدو صورة السوق التقليدي متدهورة، مع تفكك الطبقة التجارية القديمة وتقلص نشاطها، بينما ازدهرت أساليب الأعمال الحديثة وتعززت أنماط الاستثمار الجديدة التي نشأت على خلفية الحرب. 

تمكنت هذه الأساليب الجديدة من الاستفادة من الظروف الاقتصادية الصعبة وتوظيفها في تحقيق مكاسب شخصية واسعة النطاق. 

ومن بين هذه الاستراتيجيات الجديدة، استحوذت جماعات محددة على عمليات الاستيراد والتصدير، وتحكّمت في تداول العملات الأجنبية، مما أدى إلى تشكيل هيكل تجاري جديد في البلاد وتغييرات جذرية في النظام الاقتصادي.

وفقا لتقارير صحفية، وبحسب حديث موظف في شركة الكهرباء في دمشق عن مسار جديد للتجارة، نشأ منذ بداية الصراع السوري، حيث بدأ الناس يستوردون بطاريات الشحن ومولدات الإنارة والكهرباء الصغيرة. تطورت هذه التجارة لتشمل ألواح الطاقة الشمسية، ثم مولدات الكهرباء الكبيرة وبيع “الأمبيرات”. 

ورغم بعض الجوانب الإيجابية لهذا النشاط التجاري، إلا أن صاحب هذه الأعمال الجديدة ينخرط أيضاً في عمليات تجارة غير مشروعة بالمحروقات، خاصة المازوت، وأسلاك الكهرباء وكابلاتها المخصصة لشبكات التغذية الكهربائية.

وما يزيد الأمر سوءاً هو التجارة غير الشرعية لخطوط الوصل الكهربائي المعفاة من التقنين، المعروفة بـ”الخط الذهبي”. فأصحاب بيع الأمبيرات للمواطنين يعتمدون في تشغيل المولدات إما على المازوت المدعوم أو على الخط الذهبي، وهذا يعتمد على قربهم من دوائر القرار في البلاد.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات