ليس جديداً أو مفاجئاً في السياسة التركية، تشكيل مرتزقة ومسلحين في مناطق تتحرى بناء نفوذ سياسي وميداني فيها، غير أن اللافت هو تحويل القوى الموالية لأنقرة بشمال سوريا والتي تُعرف بفصائل ما يعرف بـ”الجيش الوطني السوري” إلى قاعدة أمنية عسكرية تركية، لا تهدف فقط لتقويض الحل السياسي السوري، واستمرار الانتهاكات بحق الكُرد في مناطقهم، بالتغيير الديمغرافي ونهب الممتلكات والموارد، فضلاً عن الاعتقالات العشوائية والقتل، إنما تعبئة تلك العناصر الميليشياوية وبعثها في مناطق أخرى.

فقد سبق لتركيا أن قامت بإرسال المرتزقة من هذه الفصائل المنضوية ضمن ما يُعرف بـ”الجيش الوطني” في شمال سوريا، إلى ليبيا و ناغورني كاراباغ، أثناء الصراع المحتدم بين أرمينيا وأذربيجان، حيث إن أنقرة لا تتوقف عن توظيف تلك الفصائل وقد تحوّلت إلى قاعدة تركية في سوريا في إطار تحقيق مصالح أو حماية مصالح الرئيس رجب طيب أردوغان في عدة مناطق، كما تقوم قوات “فاغنر” لحساب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.

تركيا وتجنيد السوريين

في الساحل الإفريقي، تتسارع عدة قوى إقليمية ودولية مثل المغرب وتركيا وإيران والصين وروسيا منذ انسحاب فرنسا إلى بناء تواجدٍ بالمنطقة الغنية بالموارد الطبيعية فضلاً عن موقعها الجيواستراتيجي، ولهذا كان وزير الخارجية التركي السابق مولود تشاويش أوغلو، الشخصية الأولى دولياً التي تحضر والتقى بالمجلس العسكري في مالي بعد الأحداث التي شهدتها في انقلاب آب/ أغسطس عام 2020. وقد سبق للمجموعة الفكرية الإيطالية “إيسبي” أن قالت بأن تركيا لديها موقف غير تصادمي مع المجلس العسكري للنيجر، نظراً لأهميتها لا سيما وهي تتاخم الحدود الجنوبية لليبيا.

11 فبراير 2020، تجمع مقاتلون سوريون مدعومون من تركيا في بلدة سرمين، على بعد حوالي 8 كيلومترات جنوب شرق مدينة إدلب في شمال غرب سوريا. – اتهمت أرمينيا تركيا بالتدخل في الصراع بين القوات الأذربيجانية والأرمنية في منطقة ناغورني كاراباخ العرقية الأرمنية، وأرسلت مرتزقة لدعم أذربيجان. (عمر حاج قدور- أ.ف.ب)

ومن هنا يمكن القول إن النيجر على وجه التحديد والتي تبعث لها أنقرة قوات من المرتزقة تابعين لـ”الجيش الوطني السوري”، هو أمرٌ مرتبط بعدة انعطافات سياسية وأمنية واقتصادية، وهذا الفراغ المعقّد يفتح المجال واسعاً أمام تنامي التنافس بين عدة تكتلات سياسية إقليمية، فتزامنت خطوة تركيا مع انسحاب عدة دول من “الإيكواس” الذي يُعد تكتل اقتصادي لدول غرب إفريقيا، فضلاً عن التوتر السياسي والأمني ما بين الانقلابات العسكرية والإرهاب، ولذلك تمثّلات مختلفة، كما هو الحال في النيجر وقد جاءت سيطرة الجيش بالنيجر قبل عام والأمر ذاته في مالي عام 2020، وفي بوركينافاسو قبل عامين.

ومع نهاية العام الماضي وفي النيجر تحديداً التي كان متبقياً فيها نحو 1500 جندي وطيار، شكّل الانسحاب النهائي لفرنسا من غرب إفريقيا، فراغا جديداً وفتح شهية قوى عديدة لملء هذه الرقعة وبناء مصالح وشراكات متعددة، ومن هناك تحركت تركيا كما روسيا بالإضافة إلى آخرين.

وقد ذكرت مصادر “المرصد السوري لحقوق الإنسان“، بـ”انطلاق الدفعة الثانية من المرتزقة السوريين من فصائل “الجيش الوطني السوري” الموالي لتركيا والتي تُشرف الاستخبارات التركية على نقلهم إلى النيجر، حيث انطلقت الدفعة الثانية يوم الاثنين الفائت 6 أيار/ مايو الجاري وعددها 250 عنصراً باتجاه تركيا جميعهم من فصيل “فرقة السلطان مراد”، إذ من المقرر بقاء هؤلاء العناصر داخل الأراضي التركية للخضوع لدورة تأهيل معنوي وسيتم بعد ذلك نقلهم عبر طائرة نقل إلى النيجر على غرار الدفعة الأولى التي خرجت في 20 نيسان/أبريل الفائت، ليصل بذلك عدد المرتزقة الذين توجّهوا حتى الآن إلى 550 عنصراً”.

ووفقاً للمصادر، فإنه لا يزال بعض قادة المجموعات ضمن الفصائل الموالية لتركيا يدعون فئة الشباب من داخل تلك الفصائل وخارجها بالذهاب للقتال في النيجر، وعرض رواتب شهرية 1500 دولار في محاولة لاستغلال الأوضاع المعيشية التي يعاني منها الأهالي في مناطق الشمال السوري.

تواصل تركيا استغلال الواقع المعيشي في مناطق الشمال السوري بهدف تجنيد المزيد من المقاتلين كـ”مرتزقة” للمشاركة في عمليات عسكرية خارج التراب السوري.

وفي 21 نيسان/ أبريل الفائت، ذكرت مصادر “المرصد السوري لحقوق الإنسان”، أن دفعة من المقاتلين من فصائل “الجيش الوطني” الموالي لتركيا ستنطلق في 6 أيار/ مايو الجاري على متن طائرة نقل من إحدى القواعد في تركيا وستحمل على متنها 300 مقاتل من فصائل “فرقة السلطان سليمان شاه”، و”فرقة الحمزة”، و”فرقة السلطان مراد”، بقيادة أحد الضباط المنشقين عن قوات الحكومة السورية، وهو من أشرف على المقاتلين سابقاً خلال عمليات ليبيا وأذربيجان، وهذا ما حدث بالفعل أمس الاثنين وفق ما أكده المرصد السوري.

رؤية التحرك التركي له ارتدادات قصوى على المسألة السورية التي يواصل تعقيدها والتصدي لأي انفراجة لها، بل وجعل الحل السياسي أمام عقبات عديدة، لجهة عدم تعطيل المصالح المتعددة لأنقرة.

ووفقاً للمصادر، فقد تم منع المقاتلين من استخدام الهواتف المحمولة خلال انطلاق رحلتهم، وسيحصل المقاتل منهم على راتب شهري قدره 1500 دولار أميركي يسلّم لأحد أقاربه في مناطق الشمال السوري عبر عقد رسمي لمدة 6 أشهر مع المقاتل.

تقويض الحل السياسي السوري

ليس ثمة شك أن الخطوات التركية تتزامن مع تعقيدات تقويض الحل السياسي السوري، خاصة مع دورها الاستراتيجي في تقويض أي مسار سياسي آمن، الأمر الذي يتفاقم مؤخراً مع التعيين المجهول للجولة التاسعة لاجتماعات اللجنة الدستورية بين “هيئة التفاوض” المعارضة والحكومة السورية في دمشق. وقد أسفر اقتراح المبعوث الأممي غير بيدرسون بخصوص مكان الانعقاد في الرياض عن فشل يتجاوز المكان الذي يضم الاجتماعات إلى مصير الجولة التاسعة.

ونقلت صحيفة “المدن” اللبنانية عن مصدر سوري مطلع أن المملكة رفضت اقتراح بيدرسن لاستضافة الاجتماعات، ولم تُعلّق لا إعلامياً ولا بنشر فحوى الرفض باتصال بيدرسن بوزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان، لأنها “ليست مهتمة بالملف السوري في الوقت الحالي”، وتركز أكثر على تسويق مشاريعها السياسية والاقتصادية. وأكد المصدر أن “النظام في دمشق رفض ضمنياً كذلك الرياض كمكان بديل لعقد الاجتماعات، وقام بإيصال رفضه إلى بيدرسن، مشيراً إلى أن النظام يُدرك أن النفس العام في الخليج ككل وليس السعودية فقط، يرفض بقاءه”. ولفت إلى أن طرح الرياض جاء بناءً على اقتراح قدمته “هيئة التفاوض” المعارضة لبيدرسن، من أجل إحراج الحكومة السورية، وترك الباب مفتوحاً على أمل عودة العرب والسعودية إلى الملف السوري بشكل أكبر خلال الفترة القادمة.

وقالت نائبة رئيس “الائتلاف الوطني السوري” وعضو المجموعة المصغرة في “اللجنة الدستورية السورية” ديما الموسى، إن طرح الرياض لم يتم رسمياً حتى الآن، موضّحة أن الطرح الرسمي يحتاج إلى تنسيق مع الجانب السعودي وإرسال دعوة رسمية من مكتب بيدرسن.

صورة التقطت في 9 أكتوبر 2018، لمقاتل سوري مدعوم من تركيا يجلس في دوار “صلاح الدين الأيوبي” الذي أعيدت تسميته حديثًا في مدينة عفرين الكُردية شمال غرب سوريا. (نذير الخطيب- أ.ف.ب)

وأضافت الموسى، أنه في حال تم ذلك فإن “هيئة التفاوض السورية ستقوم بمناقشة الموضوع واتخاذ القرار الذي تراه مناسباً وفي ما يخدم إحراز تقدم في العملية السياسية وتنفيذ القرار 2254”. وتؤكد الموسى، أنه “ليس من الواضح” متى سيتم عقد الجولة التاسعة، مشيرةً إلى أن هيئة التفاوض وافقت رسمياً على دعوة بيدرسن لعقدها في جنيف في نهاية نيسان/ أبريل الفائت، لكن دمشق رفضت.

بالتالي يمكن اعتبار رؤية التحرك التركي الجديد أنها تأتي في إطار عسكرة مصالحه الجيواستراتيجية في غرب إفريقيا، من خلال ما اعتبره أردوغان قاعدته العسكرية في شمال سوريا من خلال فصائل “الجيش الوطني السوري”، بأن له ارتدادات قصوى على المسألة السورية التي يواصل تعقيدها والتصدي لأي انفراجة لها، بل وجعل الحل السياسي أمام عقبات عديدة، لجهة عدم تعطيل المصالح المتعددة لأنقرة في سوريا كما في الخارج وإقليمياً، بينما يوظف أردوغان هذه الفصائل لإدارة عدة مصالح كما سبق وفعل في ليبيا وأثناء ناغورني كاراباغ. 

ولهذا دفع أنقرة بالمرتزقة من الفصائل الموالية لها في شمال سوريا والمتورّطة في “جرائم حرب” وفق التقارير الأممية يأتي في ظل الضغوط التي تتشكل بحقها مع الجولة الـ21 من “مفاوضات أستانا”، تحديداً في ما يخص تفكيك فصائلها العسكرية الميليشياوية، التي استضافتها العاصمة الكازاخية مطلع العام بحضور روسيا، وتركيا، وإيران، وممثلي الحكومة والمعارضة في سوريا.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات