لم يكن إعلان النظام الإيراني منع أو حظر مسلسل “الحشاشين بالشيء المثير للاستغراب، بل هو متوقع، حتى لو تأخر قليلاً حتى تمت ترجمته للفارسية، وعلى وجه الدقة يتماهى ورؤيتها السياسية الأيديولوجية للنظام في إيران. فملالي طهران تعمد إلى صناعة صورة بصرية ومشاهد في الدراما الفنية بما يخدم السردية العقائدية التي تؤمن لـ”آيات الله” البقاء في الحكم.

لكن المسلسل الممتد لثلاثين حلقة ويتحدث عن تلك الطائفة المتمردة والتي صنعت نموذجاً للحكم القائم على الطاعة الدينية بدعوى حماية فئة ونصرة “المظلومين” من اضطهاد المركزية السّنية للخلافة القائمة وقتذاك، يصطدم وطبيعة الحكم الإيراني الذي هو يماثل “الحشاشين” في ممارساتهم وأفكارهم كما يتطابق معها حدّ التشابه التام.

الصباح وخامنئي

المسلسل لا يتعاطى التاريخ من ناحية توثيقية، فهذا ليس شأن الفن بحال من الأحوال، وعليه، كانت القصة رمزية أو وسيلة لطرح رؤية فنية بخصوص مشكلة الدعوات الماضوية إلى استعادة “الخلافة”، وفضح وسائل وأغراض الجماعات الإسلاموية، سنّية كانت أو شيعية، في فرض قيمها الدينية والسياسية، ثم تشكيل الهيمنة على الأفراد والمجتمع، وتحويلهما في النهاية لمجرد ضحايا وانتحاريين لأفكار وهمية فاشية تقوم على العنف، وذلك بتزييف الحقائق وافتراض أن وراء هذه الأفكار قيمة مقدسة.

حظر مسلسل الحشاشين بإيران.. الولي الفقيه وقصة الرواية التاريخية المحرّمة
حظرت إيران بث المسلسل التلفزيوني المصري – المستوحى من تاريخ الطائفة الإسماعيلية النزارية الشيعية في العصور الوسطى – مستنكرةً “التحريفات” التاريخية التي تضمنها المسلسل، بحسب تقارير إعلامية رسمية في 28 أبريل/نيسان. (تصوير أمير مكار/وكالة الصحافة الفرنسية)

فمؤسس الطائفة حسن الصباح استعمل مخدر الحشيش، ليؤدي مفعوله السحري في تمرير أو خلط الحقيقة بالأوهام وتسهيل الانتقال من الواقع إلى الخيال، ثم استعمل النساء لجذب أتباعه وخداعهم بأنهم في “الجنة”. 

بغض النظر عن ثبوت رواية استعمال المخدر وهو متداول في كثير من المراجع الموثوقة، لكن الدلالة الفنية هنا كانت في شرعية هذه الوسيلة التي ما تزال لها راهنية حتى اليوم مع التنظيمات الإسلاموية المعاصرة والتي تقوم بخداع وإيهام الموالين لها بـ”الحور العين”. 

ومع تغييب حسن الصباح والحكم باسمه وكأنه أصبح “حجة” خارج نطاق البشر والمراجعة وله صفة مقدسة بالحكم المطلق كما فعل “برزك أميد” الذي خلف مؤسس الحشاشين في قلعة آلموت، وقبله غياب “نزار بن المستنصر بالله” والذي حكم باسمه الصباح، فإن ذلك ألقى الضوء على طبيعة النظم الثيوقراطية والتنظيمات الإسلاموية ومنها نظام “الولي الفقيه” الذي يحكم باسم “صاحب الزمان” وبفكرة الغيبة والمهدوية، الأمر الذي يجعل هذا الولي له عصمة ولا يمكن محاسبته أو نقد سلوكه وسياساته. 

كل ذلك عرج عليه المسلسل في صورة تاريخية احترافية تفضح النهج المنظّم الذي تبدو بنيته واحدة لا تختلف مهما تغير أو تباعد الزمن والتاريخ. حيث يسعى مؤسس كل فرقة أو جماعة إلى الالتحاق أو النسب لشيء مقدس يجعله معصوماً وهو يقوم بفرض أفكاره ويرغم الناس عليها، ناهيك عن التنكيل بالخصوم.

خلل وتشوهات!

كما أن النظام الإيراني لا يتخوف من هذا العرض الذي يختلف عن رؤيته ومقاربته وطرحه التقليدي في أدبياته الثقافية والفنية التي توجّهها لجانٌ تقوم بهندسة الصورة والكلمة بما يخدم “الولي الفقيه” ويجعله محط تقديس وليس في موقع نقد وربما سخرية، لكنه أيضا يتخوف من شيء أبعد من ذلك قليلا وهو أن المسلسل في وجهة نظره ربما يقوم بوصم ونبذ الفرق المتمردة على مركزية الخلافة السنية.

رجل الجبل العجوز، نقش حسن الصبّاح الذي يعود إلى القرن التاسع عشر – إنترنت

لهذا، ذكرت وسائل الإعلام الرسمية الإيرانية، في غضون أيام قليلة، أن السلطات بإيران منعت بث المسلسل التلفزيوني المصري “الحشاشين”، ونقلت وكالة الأنباء الرسمية “إرنا” عن المدير العام لهيئة الإشراف على تنظيم الإعلام الصوتي والمصور في الفضاء الإلكتروني (ساترا)، مهدي سيفي، قوله: “رواية هذا المسلسل من تاريخ الإسلام تتضمن العديد من التشوهات، ويبدو أنه تم إنتاجه من خلال نهج سياسي متحيّز”.

ثم أردف القرار بناءً على ما اعتبره حجج كافية، وقال: “لذلك، وبحسب قرار ساترا لم يتم الموافقة على بث مسلسل الحشاشين في وسائل الإعلام المرئية والمسموعة في إيران”.

ومن جهته، أوضح عضو مجلس إدارة “ساترا”، أُميد علي مسعودي، للوكالة ذاتها أن “مسلسل الحشاشين تم إنتاجه بميزانية قدرها 12 مليون دولار، ويعتبر من أغلى المسلسلات في تاريخ الدول العربية”. وزعم أن “أحد أهداف مسلسل الحشاشين كان ربط الإرهاب وبداية الإرهاب بالإيرانيين”.

إنتاج صهيوني

إشارات المسؤولين الإيرانيين وفق الوكالات الرسمية بأن المسلسل تم حظره لأن به “تحريف الحقائق التاريخية وتقديمه صورة غير صحيحة عن الإيرانيين”، تعني أن الحقيقة التاريخية والمقبولة لديهم، هي تلك التي تروّج لمناهجهم، أو تلك الحقيقة التي يتم إعدادها وتحمل “روح” الخمينية. 

الممثل المصري كريم عبد العزيز وهو يقوم بدوره في مسلسل التلفزيوني المصري “الحشاشين” (الحشاشون).

ولهذا، قامت صحيفة “شهروند” الإيرانية بشنّ هجومٍ قاس على المسلسل واصطفت مع الرؤية السلطوية ذاتها، وزعمت أنه مسلسل تحريفي للتاريخ ولحقبة في تاريخ إيران تحديداً بغية تشوية صورة الإيرانيين وبعث صورة مشوّهة عند العرب. 

ذلك المنطق في تقييم الدراما الفنية يؤكد طبيعة السلطة الفاشية ومفاهيمها المغلوطة نظراً لحساباتها الطائفية والإثنية الضيقة. لطالما تحكم بسياسة قائمة على المركزية القومية الفارسية والطائفية المذهبية الإثنى عشرية.

واعتبرت الصحيفة الإيرانية أن “طائفة الحشاشين”، “كانت مظهرا من مظاهر المطالبة بالعدل في تاريخ إيران، وأن الصورة التي قدمها المسلسل المصري لا تنسجم مع حقيقة الأحداث التاريخية، ولا تنسجم مع طبيعة سكان أهل قلعة “ألموت” آنذاك”. 

ووفق ترجمة النص الصحفي لدى “إيران انترناشيونال”: رفضت الصحيفة أيضا صورة حسن الصباح قائد جماعة الحشاشين المقدمة في المسلسل، وقالت إن حسن الصباح كان “مصلحا تحرريا”، وكان ينشد “العدالة والرفاه” في المجتمع. واتهم أحد المصادر الأكاديمية بإيران في الصحيفة المسلسل بأنه “إنتاج صهيوني يعتمد تحريف التاريخ وإعطاء صورة سيئة و شبيهة بداعش لرافضي الاستكبار والشيعة”.

ووصفت مؤسس الطائفة الذي وثقت سجلات التاريخ جرائمه المرتبطة بالاغتيالات السياسية بأنه “رجل الدين” و”الزاهد المتعبد”، و”الثائر المصلح”.

“الحشاشين” بإيران

يشير الكاتب والناقد أحمد سعد الدين، إلى أن العمل الدرامي مسلسل “الحشاشين” الذي قُدّم خلال شهر رمضان الفائت، و إقدام إيران على حظر المسلسل ورفض تقديمه عبر منصاتها الرسمية أمرٌ متوقع.

حظر مسلسل الحشاشين بإيران.. الولي الفقيه وقصة الرواية التاريخية المحرّمة (2)
قلعة ألموت التي كانت معقل حسن الصباح – إنترنت

يرجع سعد الدين في سياق تصريحاته لـ”الحل نت” توقّعه بذلك القرار لعدة دفوع؛ الأول أن المسلسل “الحشاشين” يتكلم عن طائفة الحشاشين وهي أصل الإرهاب في العالم وفي نفس الوقت الطريقة الباطنية التي تبطن أكثر مما تُظهر؛ وبالتالي ينتج عن ذلك مشاكل وسياقات تتجاوز الواقع وتقفز عليه لحساب محددات طائفة محددة وجماعات بعينها.

يتابع الناقد الفني أحمد سعد الدين، قائلا: ينبغي أن تضيف لذلك أن ذلك المسار وتلك الطائفة بدأت من أصفهان مما يعني إيران بالواقع. وجهة النظر الإيرانية وجهة نظر شيعية، والشيعة ضد هذا الهجوم على بطل الدراما حسن الصباح الأمر الذي يعد خطاب المسلسل في مواجهتهم مباشرة.

الأمر الآخر بحسب المصدر ذاته، كيف تم تقديم طائفة “الحشاشين” بهذا الشكل وطريقة القتل وعمليات تحت الأرض والإرهاب وغيره، وكل ذلك باسم الكلمة والتبعية.

إذاً، إيران الرسمية وجدت نفسها في خانة الاتهام وأن مضمون العمل الدرامي يمس سياساتهم مما وضع قرار حظر عرض العمل داخل دائرة التنفيذ. 

ويختتم الناقد أحمد سعد الدين حديثه لـ”الحل نت” بطرح سؤال حول كيفية التعامل مع ذلك الوضع؟ ويجيب: “أنه إذا كان قرار الحظر ملك أي سلطة سياسية عبر منصاتها الرسمية فمن الصعوبة بمكان تعميم هذا القرار وتنفيذه في ظل عصر التكنولوجيا الرقمية وتعدد وسائل التواصل مما يستحيل معه تنفيذ مثل هذه القرارات”.

رسالة مهذبة

اللافت أن مقاربة الناقد تتوافق مع الموقف الجماهيري في إيران وتلقّيه للمسلسل من نواحٍ درامية فنية، فضلاً عن تعبير المسلسل عن إلحاحهم الداخلي ورغبتهم الجامحة نحو التخلّص من هذا الحكم القمعي الذي يقوم بتحويل إيران إلى بيئة غير أمنية وقمعية وعبارة عن منصة إعدام لكافة معارضيه. الأمر الذي يتبدى في الاحتجاجات المستمرة في شوارع طهران، وتتباين بين ما هو حقوقي ونسوي وآخر سياسي وثالث اجتماعي فئوي. 

حظر مسلسل الحشاشين بإيران.. الولي الفقيه وقصة الرواية التاريخية المحرّمة (1)
قلعة ألموت التي كانت معقل حسن الصباح – إنترنت

وبالتزامن مع حظر المسلسل رسميا، كان مؤلف العمل الكاتب المصري، عبد الرحيم كمال، ينشر نص “هذه الرسالة المهذبة المحترمة من سيدة إيرانية تنقل رأيها في مسلسل الحشاشين فأحببت أن أشاركها معكم بمناسبة حظر إيران للمسلسل”، وفق ما قال على صفحته في “فيس بوك”.

ومن بين ما جاء في الرسالة: “أكتب إليكم بخصوص مسلسل الحشاشين الذي يحظى بشعبية كبيرة، والذي أسر الجماهير في موطني إيران. كمشاهد، لقد تأثرت بشدة بالجودة الاستثنائية لعملك. الذي صاغ ببراعة تبادل الأفكار والمعتقدات ووجهات النظر الإسلامية المختلفة – سواء من الماضي أو الحاضر. 

وتضيف، إن “تصويرك الدقيق للديناميكيات الاجتماعية والأيديولوجية المعقّدة قد لقي صدىً قويًا لدى الجماهير هنا في إيران، الذين انبهروا بعمق وثراء القصة. ومع ذلك، أردت أن ألفت انتباهكم إلى مشكلة تسببت في بعض الإزعاج للجمهور. لسوء الحظ، لم تكن هناك نسخة رسمية مترجمة من المسلسل تم إصدارها باللغات الرئيسية، مما يعني أنه كان على المشاهدين الإيرانيين الانتظار حتى يتم توفير ترجمة غير رسمية باللغتين الإنجليزية والعربية قبل أن يتمكنوا من الوصول إلى الترجمة الفارسية. وكانت هذه عملية مرهقة للغاية للجمهور”.

وتابعت: “بالإضافة إلى ذلك، فإن الافتقار إلى خيارات الترجمة يعني أيضًا أن المشاهدين الصُّم وضعاف السمع لم يتمكنوا من الاستمتاع بالمسلسل مع أي شخص آخر. سيكون الوضع المثالي هو أن يقوم فريق الإنتاج بإصدار نسخ رسمية مترجمة باللغات الرئيسية التي من المرجّح أن تحظى بجمهور كبير، مثل الإنجليزية والعربية والفارسية”.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات