ثمة عودة لافتة لتنظيم “داعش” الإرهابي في سوريا من خلال فلوله وعناصره الكامنة، حيث إن الهجمات المتفرقة التي نفذها خلال الآونة الأخيرة، والمتسببة في سقوط قتلى بمناطق سيطرة الحكومة السورية، وكذا “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، تفصح عن ارتفاع تلك الوتيرة بالتزامن مع السياق الإقليمي وتداعياته في سوريا كما بعدة مناطق أخرى.

وقد سمحت تلك الأحداث بإعادة تموضع التنظيم الإرهابي في أفرعه المختلفة، تحديداً “داعش- خراسان”، والتمدد المثير عملياتياً في آسيا الوسطى والتي تبدو ضمن المساحات الآمنة والفناء الخلفي لهزيمتها في الشرق الأوسط.

وبحسب “المرصد السوري” لحقوق الإنسان، فإن التنظيم الإرهابي، تسبب في مقتل 20 جندياً في قوات تابعة لحكومة دمشق، مشيراً إلى “مقتل 16 عنصراً من قوات الجيش السوري وفصائل موالية لها جرّاء هجوم نفذته خلايا تابعة لتنظيم داعش، استهدف حافلة نقل عسكرية في ريف حمص الشرقي”. 

هذا فضلاً عن مقتل “أربعة عناصر من قوات الجيش في هجوم آخر للتنظيم على مقر عسكري في ريف البوكمال” في شرق سوريا، ليصبح عدد القتلى 321 قتيلاً منذ مطلع العام الحالي، وهي “42 عملية في بادية دير الزور، أسفرت عن مقتل 85 من العسكريين بينهم 7 من الميليشيات الموالية لإيران، و5 من التنظيم، و18 مدنيين بينهم 17 من العاملين في جمع الكمأة من ضمنهم سيدة. 51 عملية في بادية حمص، أسفرت عن مقتل 105 من العسكريين بينهم 12 من الميليشيات الموالية لإيران، و16 من التنظيم، ومقتل 10 مدنيين بينهم 2 من العاملين بجمع الكمأة. 14 عملية في بادية الرقة، أسفرت عن مقتل 35 من العسكريين بينهم 2 من الميليشيات التابعة لإيران، و3 من التنظيم و3 مدنيين من العاملين بجمع الكمأة. 8 عمليات في بادية حماة، أسفرت عن مقتل 30 من العسكريين بينهم 1 من الميليشيات التابعة لإيران، ومقتل 7 مدنيين بينهم طفل. عمليتان في بادية حلب، أسفرت عن مقتل 5 من العسكريين بينهم 3 من الميليشيات الموالية لإيران”.

مجموعة رسائل لهجمات “داعش”

المرصد الذي ذكر عن وقوع هجمات تقريباً بشكل أسبوعي بالأخص في البادية السورية، الأمر الذي يمكن أن يكون مفهوماً في إطار الطبيعة الجغرافية التضاريسية التي تسمح بسهولة تحرك وهروب العناصر المسلحة، في جغرافيا صحراوية مترامية الأطراف، وكان آخر تلك العمليات الاثنين الماضي بينما سبقتها حادثة إرهابية نفذها ضد “لواء القدس” التابع للقوات الروسية قضى فيها 28 جندياً. 

وصل عدد ضحايا هجمات “داعش” لنحو 321 قتيلاً منذ مطلع العام الحالي وفق المرصد السوري لحقوق الإنسان- “إنترنت”

الثابت أن التنظيم يسعى بشكل محموم لبعث جملة من الرسائل، بأنه يستعيد بعض من قدراته على ضوء عدة متغيرات جديدة محلية وإقليمية ودولية، خاصة في ظل الحرب بغزة، والتي نجحت في تجميع شتات قوى الإسلام السياسي على اختلاف درجاتهم وتبايناتها التنظيمية والعقائدية، من جماعة “الإخوان المسلمين” مروراً بـ”طالبان” و”القاعدة” وحتى “داعش”، ومع هذا ينشط باتجاه تحقيق ضربات ضد خصومه وفي المناطق الرخوة أمنياً والتي تشكّل ثغرات استراتيجية يتسلل منها.

وتمثل تلك الضربات عملياتٌ بعضها انتقامي كما يحدث ضد روسيا في قلب عاصمتها موسكو أو ضد مصالحها في سوريا، كما أنها رسالة سياسية عن تموضعها واحتمالية توظيفها، لا سيما في مناطق “الإدارة الذاتية” لشمال وشرق سوريا، والأخيرة تبدو محاصرة من قبل عدة قوى إسلاموية منها “داعش”، لمحاولة تقويض استقرارها السياسي وتفخيخ كافة الأزمات حولها بحيث تضحى في ظل السيولة الأمنية أمام معضلات تشتت جهودها السياسية. 

ومع التقارير الأممية السابقة التي سبق لها أن كشفت عن ضلوع تركيا في تسهيل نشاط وحركة تنظيم “داعش” وقادته، حيث كانت المناطق المتاخمة للحدود السورية التركية نقطة مفتوحة لانتقال العناصر والحصول على الدعم الأمني العسكري واللوجيستي، فإن التنظيم الذي ينشط مجدداً في ظل بيئة متخمة بالعناصر المماثلة المدعوم من تركيا، وفي غالبيتها من عناصره الجهادية إلى جانب مقاتلين من مرجعيات جهادية أخرى كـ”القاعدة”، يسعى مرة أخرى لتقديم أوراق اعتماده لدى الوكيل التركي، للتحالف ضد القوى الكُردية باعتبارها الخصم المشترك. 

في آذار/ مارس الماضي، صادف مرور العام الخامس على هزيمة “داعش” في معركة الباغوز على يد “قوات سوريا الديمقراطية” بالتعاون مع قوات التحالف الأميركية. لكنه ورغم الهزيمة ترك الآلاف من مقاتليه والمنتسبين إليه محتجزين في معسكرات وسجون في شمال شرق سوريا، ويقول “معهد واشنطن” لسياسات الشرق الأدنى “على الرغم من محاولاته العديدة، لم يتمكن تنظيم داعش من استعادة سيطرته الأراضي في شمال شرق سوريا، وتم تقييد تمرّده من خلال العمليات الناجحة التي قام بها التحالف وقسد. ومع ذلك، فإن الاحتجاز لأجل غير مسمى للأشخاص المنتمين إلى الجماعة – من العراق وسوريا وحوالي ستين دولة أخرى – لا يزال قضية دون حل”.

“أدواراً مشبوهة”

وألمح “معهد واشنطن” إلى أن هناك قوى ثانوية تلعب أدواراً مشبوهة لجهة تقويض فعالية دور قوات التحالف و”قسد” في تصفية وجود “داعش” بشأن طموحها في النفوذ والسيطرة والحصول على مكتسبات محددة في سوريا.

وسط كل هذه الديناميكيات، تدهورت البيئة الأمنية والسياسية في الشمال الشرقي بشكل مطّرد. وقد أدت التهديدات من الجهات الفاعلة الخارجية، إلى جانب نقاط الضعف الداخلية التي تعاني منها “قوات سوريا الديمقراطية”، إلى صرف انتباه السلطات عن المهمة المستمرة لمكافحة تنظيم “داعش”. واليوم، أصبحت “قوات سوريا الديمقراطية” غير قادرة على إدارة العمليات بشكل مستقل ضد “داعش” أو تأمين مرافق الاحتجاز التي تضم الآلاف من المنتمين إلى التنظيم الإرهابي، وفق المعهد الأميركي. 

يضاف لذلك، أن الوجود العسكري الأميركي في شمال شرق سوريا معرض للتهديد من عدة نواح منها اللوجيستية فضلاً عن المخاطر في العراق التي تصرّح بضرورة انسحاب القوات الأميركية، الأمر الذي يتطلب ضرورة إيجاد حل لمعضلة “داعش” في ظل منطقة من دون الولايات المتحدة كـسيناريو محتمل وقائم.

يتعين النظر إلى أن عودة “طالبان” للحكم في كابل، شكّل لحظة أو متغير جديد بعث الروح في قلب “داعش” كما حدث الأمر ذاته بالنسبة لحرب غزة، ويُعد المتغير الأول والثاني خارجياً لهما؛ الدور المؤثر في توسع أنشطتهم وزيادة قوتهم وبحثهم عن عناصر وحواضن جديدة.

يتموضع التنظيم الذي خسر دولته المزعومة في سوريا والعراق، في البادية الممتدة في صحرائها بين دير الزور وحماة وحلب والرقة وحمص، في حين يواصل تنفيذ الكمائن ويدشّن منصاتٍ للهجوم يصعّد من خلالها فجأة على عدة أطراف، مرة ضد القوات الكُردية ومرة أخرى ضد قوات الحكومة بدمشق ومثلهما ضد القوات الموالية لروسيا. 

ومساحة البادية الشاسعة والمهمة بل والاستراتيجية الممتدة لنحو 80 ألف كيلو متر، توفر تكتيكات عديدة للتنظيم الإرهابي تجعل مهامه العملياتية نافذة وتحقق أثرها وفعاليتها، مع الأخذ في الاعتبار قدراته الميليشياوية على إدارة صراعٍ بمنطق حرب العصابات المباغتة أو ما يعرف بـ”الذئاب المنفردة”. ومن ناحية أخرى، تبقى الأطراف المقابلة سواء قوات حكومة دمشق أو القوات الكُردية أمام عدوٍّ خفي يتسلل من خلف ستائر رملية وبأمان متزايد في ظل غياب الإسناد الجوي.

بعث الروح في قلب “داعش”

بحسب بيانات القيادة المركزية الأميركية، فإن أعداد مقاتلي التنظيم الإرهابي في سوريا والعراق، تصل لنحو 2500، في حين أن مركز “مشروع مكافحة التطرف”، سبق وذكر في أحد تقاريره، بأن هناك 69 هجوماً نفّذه عناصر وفلول التنظيم في وسط سوريا أثناء آذار/ مارس الماضي، وقضى فيه 84 من قوات النظام و44 مدنياً. وتابع: “كان الهجوم في تلك الفترة هو الأكثر عنفاً في هجمات داعش بالبادية منذ نهاية 2017”.

يتعين النظر إلى أن عودة “طالبان” للحكم في كابل، شكّل لحظة أو متغير جديد بعث الروح في قلب “داعش” كما حدث الأمر ذاته بالنسبة لحرب غزة، ويُعد المتغير الأول والثاني خارجياً لهما؛ الدور المؤثر في توسع أنشطتهم وزيادة قوتهم وبحثهم عن عناصر وحواضن جديدة. وفي تقرير لـ”المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية”، فقد وسّع التنظيم حملاته الدعائية لتوسيع جاذبيته في آسيا الوسطى عبر تكثيف إنتاج وترجمة ونشر الدعاية الموجّهة إلى المتحدثين الأوزبكيين والطاجيك والقرغيزيين في المنطقة، لحثّهم على شنّ هجمات في مناطق أبعد من أفغانستان في أوزباكستان وطاجيكستان وقيرغيزستان. 

الطاجيك يشكلون أكثر من نصف عناصر تنظيم داعش-خراسان، الذي يضم عدة آلاف من المسلحين في صفوفه، وفق صحيفة “نيويورك تايمز” الأميركية- “إنترنت”

وعلى سبيل المثال، نشر الجهاز الإعلامي للتنظيم خلال شباط/ فبراير الماضي كتابات مطولة باللغة الأوزبكية تستهدف تشويه سمعة “طالبان” واتهامها بالعبودية للصين وروسيا والولايات المتحدة وباكستان وتركيا، وكذلك قام التنظيم بإصدار كتب إلكترونية باللغة الطاجيكية وبيانات صوتية وصور توضيحية وترجمات لبيانات التنظيم الأم ونشرة “النبأ” الإخبارية، وقد ركّزت معظم هذه الإصدارات على مناشدة الطاجيكيين وانتقاد حكومة دوشانبي للعثور على مجندين بين السكان الطاجيك، استناداً إلى نجاح التنظيم في جذب ودمج الجهاديين الطاجيك في العراق وسوريا، مع تأسيس الخلافة في عام 2014 وفي أفغانستان منذ ظهور الفرع في عام 2015.

كما ويؤكد خبراء في مجال الإرهاب والتطرف أن الطاجيك يشكلون أكثر من نصف عناصر تنظيم داعش-خراسان، الذي يضم عدة آلاف من المسلحين في صفوفه، وفقا لتقرير نشرته صحيفة “نيويورك تايمز” الأميركية، مؤخراً.

كذلك يقول محللون إن مئات الرجال من طاجيكستان، وهي دولة صغيرة وفقيرة في آسيا الوسطى يسيطر عليها رئيس استبدادي، انضموا إلى إحدى الجماعات التابعة لتنظيم “داعش” في أفغانستان المعروفة باسم “ولاية خراسان” أو “داعش-خراسان”.

في المقابل، يلفت إدوارد ليمون أستاذ العلاقات الدولية في جامعة تكساس والمتخصص في روسيا وطاجيكستان والإرهاب إلى أن الطاجيك “أصبحوا عنصراً أساسياً في حملة تنظيم داعش التي تركز على الخارج ويسعى من خلالها لجذب الاهتمام والمزيد من المجندين”.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات