يبدو أن “تيك توك” بات قريبا من الحظر داخل الولايات المتحدة الأميركية أكثر من أي وقت مضى، فالصراع وصل إلى ذروته، وكأنها حرب كسر عظم، والحظر مسألة وقت إن لم تستجب المنصة الصينية لمطالب أميركا، فما هي القصة؟ 

القصة، أن “الكونغرس” الأميركي، اعتمد أول أمس الثلاثاء، قانونا يطالب مجموعة “تيك توك” العملاقة بقطع علاقاتها مع شركتها الأم “بايت دانس” وعلى نطاق أوسع مع الصين، إذا كانت لا تريد مواجهة خطر حظرها في الولايات المتحدة، وأعلن الرئيس الأميركي، جو بايدن، على الفور أنه سيوقع النص الذي أقره قبل أيام مجلس النواب.

وكان الرئيس الديمقراطي المرشح لولاية ثانية، عبر عن “قلقه” بشأن “تيك توك” خلال محادثة مع نظيره الصيني، شي جين بينغ، في بداية نيسان/ أبريل الجاري. 

يحمل مشروع القانون اسم “قانون حماية الأميركيين من التطبيقات التي تسيطر عليها كيانات أجنبية معادية”، ويهدف إلى منع متاجر التطبيقات وخدمات الاستضافة الأميركية من توزيع تطبيق “تيك توك” ما لم يتم فصله عن شركته الأم “بايت دانس”.

تاريخ التطبيق وأسباب القرار الأميركي

القانون يأتي ضمن سلسلة طويلة من المحاولات التي قام بها المشرعون ومسؤولون آخرون لحظر تطبيق “تيك توك” أو إجبار الشركة المالكة على بيعه، فقد حاول الرئيس السابق دونالد ترامب فرض بيع “تيك توك” في عام 2020، لكنه لم يفلح في مسعاه، كما مارست إدارة بايدن ضغوطا على الشركة للتخلص من التطبيق.

وإذا دخل النص حيز التنفيذ، فسيجبر شركة “بايت دانس” الشركة الصينية الأم لتطبيق “تيك توك” على بيعه خلال 12 شهرا، وإلا سيتم استبعاده من متاجر “آبل” و”جوجل” على الأراضي الأميركية، لكن الحظر المحتمل يمكن أن يواجه طعنا في القضاء.

القانون الذي يمكن أن يؤدي إلى خطوة نادرة تتمثل في منع شركة من العمل في السوق الأميركية، أقره “مجلس الشيوخ” بأغلبية 79 صوتا مقابل 18 بعد 3 أيام من موافقة “مجلس النواب” عليه بدعم قوي من الحزبين “الجمهوري” و”الديمقراطي”. 

لكن لماذا لجأت أميركا إلى تشريع هذا القانون؟ ببساطة لأن السلطات الأميركية تتهم التطبيق في السنوات الأخيرة، بأنه يسمح لبكين بالتجسس على المستخدمين في الولايات المتحدة وذلك عبر شركته الأم “بايت دانس”. 

“تيك توك،” هو تطبيق تواصل اجتماعي تملكه شركة “بايت دانس’ الصينية. ويستخدم التطبيق الوسائط الاجتماعية لإنشاء مجموعة متنوعة من المقاطع المرئية القصيرة، مثل الرقص والكوميديا والتعليم وغيرها، تتراوح مدتها من 3 ثوان إلى 10 دقائق. 

يعد “تيك توك” نسخة دولية من “Douyin”، والتي طُرحت في الأصل في السوق الصينية في أيلول/ سبتمبر 2016، وفي وقت لاحق، أُطلق “تيك توك” في عام 2017 لنظامي “آي أو إس” و”أندرويد” في معظم أسواق الصين القارية، وأصبح متاحا في جميع أنحاء العالم فقط بعد اندماجه مع خدمة وسائط اجتماعية صينية أخرى، وهي “ميوزكلي”، في 2 آب/ أغسطس 2018.

رد “تيك توك” 

عن ردة الفعل، تعهد الرئيس التنفيذي لمنصة “تيك توك”، بالطعن أمام القضاء في القانون الأميركي الجديد، في حال حظر التطبيق إذا لم يلتزم بقطع علاقاته مع شركته الأم الصينية “بايت دانس”، إذ قال شو زي تشيو، في رسالة مصورة: “اطمئنوا، لن نذهب إلى أي مكان (…) سنواصل النضال في المحاكم من أجل حقوقكم. الحقائق والدستور في صفنا”.

ووصف تشيو هذه الخطوة، بأنها “مثيرة للسخرية” بالنظر إلى أن حرية التعبير على “تيك توك” تلتزم القيم الأميركية نفسها التي “تجعل الولايات المتحدة منارة للحرية”.

“تيك توك” – المصدر: (غيتي)

“تيك توك” يتمتع بجمهور واسع وكبير في السوق الأميركية، إذ وفقا لأحدث الإحصائيات، فإن التطبيق يمتلك أكثر من 210 مليون مستخدم تتراوح أعمار الغالبية العظمى منهم من 18 عاما حتى 29 عاما، إذ يمتلك التطبيق اختراقا واسعا لهذه الفئة من المستخدمين أو ما يعرفون باسم “Gen Z.”، وأصبح “تيك توك” جزءا لا يتجزأ من روتين حياتهم اليومي، وهو الأمر الذي تراهن عليه إدارة “بايت دانس” المالكة للتطبيق.

بحسب التقديرات، فإنه في العام الماضي قاربت عائدات “تيك توك” من الإعلانات في الولايات المتحدة، 6.83 مليار دولار أميركي، مُسجلّة ارتفاعا من 780 مليون دولار في 2020، وذلك وفقا لشركة “إنسايدر إنتليجنس” للأبحاث.

الدول التي حظرت “تيك توك”

منصة “تيك توك” تعاني مؤخرا من وضع دولي سيء بسبب الحظر من الأجهزة الحكومية في أكثر من دولة حول العالم، مثل المملكة المتحدة واسكتلندا، إلى جانب بلجيكا وألمانيا وعدة دول أوروبية أخرى، كما امتدت الرقعة لتصل إلى كندا، مع توقعات بأن تنضم فرنسا للقائمة قريبا. 

السبب الوحيد وراء الحظر في جميع هذه الدول حول العالم، هو التخوفات الأمنية من التطبيق وكون الشركة الأم “بايت دانس” تشارك معلومات المستخدمين مع “الحزب الشيوعي” الحاكم في الصين، لذلك جاء الحظر في مرحلته الأولى على الأجهزة الحكومية. 

الحظر قد لا يقتصر على الأجهزة الحكومية مستقبلا إذا أهملت “بايت دانس” هذه الموجة ولم تقم بتعديل جذري في التطبيق، وتعد الهند أولى الدول التي قررت حظر التطبيق تماما عن جميع الأجهزة منذ حزيران/ يونيو 2020.

الأدلة والتجارب السابقة للتطبيق تؤكد ادعاءات التجسس، إذ أن بكين طالبت المنصة بتسليم خوارزميتها في العام الماضي لتصبح تحت سيطرة “الحزب الشيوعي” الحاكم، كما أن تصريحات “تيك توك” السابقة تشير إلى أن المنصة شاركت بيانات المستخدمين الأميركيين مع حكومة بكين، إلى جانب أن المنصة استُخدمت فعلا في التجسس على عدة صحفيين في أميركا. 

ما أثر الحظر؟ 

تحديد أثر حظر المنصة على المستخدمين لن يكون واضحا حتى يتم تطبيق الحظر فعليا، وذلك لأن جميع التوقعات والسيناريوهات المطروحة تعتمد على ردة فعل المستخدمين وأسلوبهم في متابعة المحتوى الذي كانوا يجدونه في المنصة بسهولة، وحتى نتمكن من تحديد هذا الأثر يجب أن نحدد الميزة التنافسية الأكبر في “تيك توك”.

مصدر قوة المنصة يأتي من خوارزميتها التي تستطيع حبس المستخدم داخلها ومنعه من الهروب، وذلك عبر عرض سيل من المقاطع التي يفضلها المستخدم منذ اللحظة الأولى لدخوله، لتبدأ هنا دائرة مفرغة لا يمكن الخروج منها تشمل صانع المحتوى سواء كان شخصا عاديا أو شركة والمشاهد المعتاد الذي يستقبل هذا المحتوى. 

المشاهد يجد سيلا من المقاطع التي تعجبه، وقد يتفاعل مع بعضها، وهنا يفاجئ صانع المحتوى -خاصة إن كان لا يملك جمهورا في منصات أخرى- بأن مقاطع الفيديو التي ينشرها تجذب المشاهدين وتحصل على آلاف وربما مئات الآلاف من التعليقات والاعجابات، وبالتالي يستمر في صناعة المحتوى عبر المنصة، وإن كان صانع المحتوى شركة صغيرة، فهو يفاجئ بوصول الكثير من الطلبات بفضل مقاطع “تيك توك”. 

حظر “تيك توك” لن يؤذي أي شركة صغيرة أو صانع محتوى مؤثر فيمن حوله، ففي النهاية من يقدم خدمات جيدة ومنتجات جيدة سيتمكن من الوصول إلى جمهوره عبر أي طريقة مهما كانت، ولكن الفئة الوحيدة التي سيؤذيها الحظر هي التي كانت تعتمد على خوارزمية “تيك توك” في الوصول ولا تقدم محتوى يجذب المستخدم. 

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات