لبنان ليس بخير، فمحور “الممانعة” المتمثّل بـ”حزب الله” يقضي على حضارته المنوّعة فكرياً وثقافياً تحت شعار “ممانعة التطبيع” مع إسرائيل، وذلك بعدما دمّر المؤسسات التي كانت علامة حيّة في لبنان الأمس مثل المستشفيات والمصارف والمدارس والجامعات، ويبدو أنه يتجه الآن لضرب الثقافة التي لا تصبّ في خانة مشروعه الإيراني المذهبي والفئوي.

لذلك يشعر اللبنانيون أنهم بخطر نتيجة سعي “الحزب” إلى تغيير نمط عيشهم، والتدخّل بالشاردة والواردة، ما يثير مشاعر الغضب والحزن على واقع مرّ، وخصوصاً بعد ما حصل مع المخرج الكندي اللبناني الأصل، وجدي معوض. 

التهمة جاهزة

منذ عشرة أيام وجّهت للمخرج اللبناني، وجدي معوض، تهمة التطبيع مع إسرائيل وعرض مسرحية سابقة له مع ممثلتين إسرائيليتين، وتهديدات واسعة أدّت إلى إلغاء عروض مسرحيته “وليمة عرس عند رجال الكهف” كانت مبرمجة في شهري نيسان/أبريل وأيار/مايو في مسرح “مونو” في بيروت. 

صاحب متجر للهدايا التذكارية يعرض نظارات مزينة بصور حسن نصر الله، زعيم جماعة حزب الله الشيعية في لبنان، في ضاحية بيروت الجنوبية في 12 مايو 2016. (باتريك باز /أ ف ب)

معوض، هو مدير مسرح “لا كولّين” الفرنسي ويحمل الجنسية الكندية، وقد تلقّى وفريق عمله في لبنان تهديدات جدّية بإهدار دمهم، ووصفوا بأنهم “مطبّعون” و”عملاء”، فقرّر معوض على أثرها العودة إلى فرنسا، إلا أنه لم يلتزم الصمت، فقال: “أوقفوا مهزلة الرقابة الأهلية كأداة للقمع الممانع بدل الحديث عن ثقافتين”.

الصحافية المتخصصة بالشؤون الثقافية والفنية، زينة غبريل، قالت لـ”الحل نت”، إن “ما حصل مؤخراً مع مسرحية معوّض، أن جهات ممانعة مقرّبة من (حزب الله)، لم تلجأ هذه المرة إلى الرقابة الرسمية التي اعتدنا على رقابتها العشوائية، كما حصل مثلاً مع فيلم (باربي)، بل إلى خطاب التخوين والكراهية والتحريض وصولاً إلى التهديد بالعنف”. 

ولفتت غبريل، إلى أنه “لا يجوز الخضوع للابتزاز الممانع المعتاد، الذي يمارس القمع الدكتاتوري، وعلى جميع المستويات وليس الثقافي فقط. المطلوب هنا مواجهة هذه الممارسات والخطاب التخويني، الصادر عن الجهة التي تنتظر استقبال الموفد الدبلوماسي الأميركي آموس هوكشتين، الذي كان جندياً يهودياً إسرائيلياً، على أحر من الجمر، بعد أن رسّمت معه الحدود، بينما تلعن وجدي معوض لأن أحد ممثليه، منذ عدة أعوام وفي فرنسا، حمل الجنسية الإسرائيلية! وبالتالي يحق لأيّ كان مقاطعة العرض، وليس من حقه منعه بأي حال من الأحوال”.

حتماً هذا الأمر بات فاضحاً وهو قمة النفاق والازدواجية. وبالتالي على اللبنانيين مواجهته بكل ما لهم من طاقة، رغم مخاطر العنف الذي يستخدمه “محور الممانعة”، وفق وصف غبريل.

الثقافة اللبنانية أمام تدمير ممنهج

المسرحي المخضرم، رفعت طربيه، ذكر في حديثه لـ”الحل نت”، أن القصة ليست محصورة في وجدي معوض بل قد سبق لـ”للمانعة” أن تعاملت مع لبنانيين كبار في الخارج على هذا النحو مثل المخرج زياد الدويري والكاتب الكبير أمين معلوف. 

لماذا توجّه أصابع الاتهام إلى حزب الله بعد كل جريمة سياسية؟ (1)
أقارب وأحباء الراحل في مراسم الجنازة التي أقامها البطريرك الماروني اللبناني بشارة بطرس الراعي لتوديع باسكال سليمان، من بيروت، لبنان، في 12 أبريل/نيسان 2024. (تصوير حسام شبارو/غيتي)

جميعهم ألصقت بهم تهمة التطبيع أو التعامل مع إسرائيل، وتعتبر هذه التهمة هدر دم وليست عادية، وإذا وجدوا في لبنان يتم تحويلهم إلى المحكمة العسكرية، و”ما أدراكم ما هي المحكمة العسكرية!”، وفق حديث طربيه.

ويؤكد طربيه، أنه “للأسف هناك مساهمة أساسية من وزارة الثقافة بهذا الموضوع، لأن وزير الثقافة محمد مرتضى يدور في فلك الممانعة، وكل عمله ينصب على تدمير كل شيء له علاقة بالثقافة في لبنان، وكل ما يمت بصلة إلى أوروبا، وهذا أمر خطير”.

اللافت أن اللبنانيين يفتخرون بمعوض، فهو وجه لبناني حضاري، وفق طربيه، “بل إنه يدير مسرح (لا كولين) في فرنسا وكل المثقفين في العالم يلتمسون رضاه، فيأتي بعض المعقّدين في لبنان ليتّهموه بالتطبيع مع إسرائيل وبينهم بعض المسرحيين والنّقاد اللبنانيين”. 

أما المفارقة في الموضوع فهي تتمثل بالآتي: عندما قدم معوض المسرحية نفسها في ألمانيا اتهم بـ”اللاسامية” التي توجّه إلى كل من ينتقد الثقافة الإسرائيلية وما يمت إليها وكذلك من يشكك في حجم المحرقة النازية!.

ويرى طربيه، أن التهمة التي وجّهت إلى معوض بالتطبيع مع إسرائيل مضحكة، فهو يدير مسرح تابع لبلدية باريس، فهل هناك قانون لبناني يعاقب فرنسا على إشراكها ممثلين إسرائيليين في مسرحية تعرض على أحد مسارحها؟

وبحسب ترجيحات طربيه، فإنه بلا شك هناك مشروعا لـ”حزب الله” و”الحزب السوري القومي الاجتماعي” لضرب الثقافة في لبنان.

خطة مبرمجة

لقد ضرب “حزب الله” كل مقوّمات الحياة في لبنان، تحت ذريعة مقاومة إسرائيل، وهو الذي لهثت للتطبيع معها في اتفاق ترسيم الحدود البحرية معترفاً بـ “دولة إسرائيل” في الأمم المتّحدة. 

أحد شوارع بيروت شبه مهجور خلال الخطاب المتلفز للأمين العام لحزب الله اللبناني حسن نصر الله في 3 نوفمبر 2023. (تصوير جوزيف عيد / وكالة فرانس برس)

اليوم يقوم “حزب الله” بضرب الحركة الثقافية اللبنانية التاريخية، من خلال منع عرض مسرحية لا علاقة لها بالتطبيع ولا بإسرائيل، علمًا أنّ منع أي عمل في القرن الحادي والعشرين أصبح إجراءً تافهاً، لأنّ العالم بفضل وسائل التواصل الاجتماعي أصبح “قرية صغيرة”، ويمكن لأيٍّ كان أن يتابع أي عمل حيثما يقيم.

إن التعرّض المقصود لأمين معلوف وزياد الدويري ووجدي معوض وغيرهم من المثقفين والمبدعين اللبنانيين الذين يحملون جنسية أجنبية، يندرج ضمن خطة مبرمجة من “حزب الله”ـ فيما لا يشوب هؤلاء سوى أنهم ليسوا مع “حزب المقاومة أو مقاومة الحزب” ومشاريعها “النهضوية” الكبيرة؟!

كل ما يحصل ثقافياً في لبنان يكشف كراهية “الممانعة” لكل ما هو إبداع في هذا البلد، وكل ما هو جميل، ولكل ما يُذكّر بدوره الطليعي في النهضة العربية. ووجدوا في وجدي معوض وقبله أمين معلوف و زياد الدويري فريسة سهلة، عزلاء، مدنية، لتكون عبرة لكل مَن تسوّل له نفسه عرض مسرحية أو أي عمل فني ثقافي خارج أدبياتهم.
وما يثير الحزن أن لبنان الذي كان بلد الحرية و الإشعاع والنور بات دولة قامعة لحرية الفكر، والتعبير وعدواً للإبداع، على غرار الدويلات التي صنعتها إيران في اليمن والعراق وسوريا!

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات

الأكثر قراءة