منذ اندلاع الحرب في سوريا عام 2011، أُجبِر الملايين من السوريين على الفرار من منازلهم بحثًا عن الأمان. وقد لجأ العديد من هؤلاء اللاجئين إلى المخيمات الموجودة في شمال سوريا، حيث وفّرت تلك المخيمات مأوى مؤقتًا للأشخاص الذين تم تهجيرهم بسبب الحرب، ولكنها في الوقت ذاته خلقت تحديات عديدة. 

أهم ما يميز المخيمات الكثافة السكانية المرتفعة والفقر وصعوبة الظروف المعيشية، وتدني مستوى البُنى التحتية كالشوارع وشبكات الصرف الصحي. ويواجه اللاجئون في المُخيمات أوضاعاً معيشية صعبة، حيث يعيشون صراعًا يوميًا من أجل البقاء على قيد الحياة.  

ومع اقتراب فصل الصيف، تصبح التحديات أكبر، حيث درجات الحرارة المرتفعة مع قلة الحصول على الماء. ومن هذه المخيمات، مخيمات محافظة الرقة. فما هي الصعوبات التي يواجهها اللاجئون داخل الرقة؟ وهل من سبيل للحل؟

مأساة مخيمات الرقة

تبرز منطقة الرقة في سوريا كمنطقة شهدت واحدة من أقسى العواصف الناتجة عن الحروب والصراعات، وقد ألقت بظلالها السوداء على سكانها، وخاصة على النساء والأطفال. 

مخيمات الرقة السورية على صفيح ساخن.. انهيار وأحداث مؤسفة
نازحون في مخيمات الرقة يشتكون من قلة المساعدات الغذائية والصحية – إنترنت

المخيمات في الرقة منها المخيمات المنظمة مثل (تل السمن، والمحمودية)، و المخيمات العشوائية مثل (مخيم البيت اليوناني، سهلة البنات) وغيرهما. 

تُشكّل المواقع العشوائية 79 بالمئة من مخيمات النازحين في الرقة، وفق تقريرٍ لمكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية الذي يعتبر تلك المخيمات الأكثر “هشاشة” وعرضة لتداعيات حالات الطقس القاسية جراء “غياب التخطيط والبُنى التحتية والإدارة”.

تتجلى هذه المأساة بوضوح في حوالي 60 مخيماً عشوائياً في ريف الرقة، تحتضن أجسادًا متعبة تضجّ بحوالي 85 ألف نسمة، يتراءى الأغلبية منهم بالنساء والأطفال الذين أصبحوا رهائن لسوء الأوضاع المعيشية وعدم وجود أبسط مقومات الحياة الكريمة. 

وسط هذا البؤس واليأس، يعاني هؤلاء النازحون من غياب تام للتدخل الإنساني المناسب ومن قلة الاهتمام من المنظمات الإنسانية والخدمية العاملة في المنطقة، رغم قربهم من الدولة التركية التي تتخذ المنظمات الدولية من أرضها مقرّات لها.

فيعيش سكان مخيمات ريف الرقة في ظروف معيشية صعبة للغاية، تتطلب تدخّلاً عاجلاً من قبل الجهات الرسمية والمنظمات الإنسانية لتحسين أوضاعهم. حيث تفتقر هذه المخيمات إلى الخدمات الأساسية مثل الرعاية الصحية والتعليم، بالإضافة إلى نقص فرص العمل. 

إن نقص الخدمات الأساسية داخل مخيمات الرقة ربما تدفع بالبعض إلى العودة إلى المناطق التي تخضع لحكومة دمشق، لأن هذه المناطق تتميز بوجود مؤسسات الدولة كالمؤسسات التعليمية والصحية، فمنطقة الرقة بها ثلاثة جامعات فقط وهي جامعات بدائية مقارنة بالجامعات الموجودة في دمشق أو حلب.

وأثناء محاولات الخروج تكمن المخاطرة، حيث تكون هناك فرصة للقتل والاعتداء والاشتباك من قبل الجيش السوري، وهذا رغم وجود معابر رسمية بين مناطق “الإدارة الذاتية” وبين دمشق إلا أنها غير آمنه، يشكّل هذا سبب مباشر في الضغط على المخيمات وزيادة الكثافة السكانية بداخلها.

أعداد اللاجئين تخلق أزمة مستمرة

يعزى تفاقم هذه الأزمة إلى نقص الدعم من الجهات والمنظمات الإنسانية، حيث أشارت مصادر مطلعة لـ”الحل نت”، إلى أن بعض المنظمات وزّعت مساعدات على المخيمات لكنها أقل بكثير من الاحتياجات، خاصة مع تزايد أعداد النازحين من مناطق سيطرة الجيش السوري والمليشيات الإيرانية.

مخيمات الرقة السورية على صفيح ساخن.. انهيار وأحداث مؤسفة
تفتقر المخيمات العشوائية لشبكات الصرف الصحي ولشبكات مياه الشرب النقية – إنترنت

بل تعاني هذه المخيمات من ظروف قاسية، حيث تفتقر إلى المرافق الطبية والصحية كما أشرنا ونقص المواد الغذائية وعدم وجود فرص عمل لأرباب الأسر. وخلال السنوات الماضية، تراجع الدعم المقدّم للمخيمات بشكل كبير، بعد أن تم حصر المساعدات القادمة للمنطقة بالمنافذ المرتبطة مع حكومة دمشق وإغلاق معبر المساعدات مع العراق. 

إلا أنه في حديث لـ”الحل نت” مع أحد العاملين في المنظمات الدولية في منطقة الرقة، يرى أن المشكلة لا تكمن في نقص المساعدات بقدر ما هي تكمن في زيادة أعداد اللاجئين السوريين يوميًا مما جعل هناك دائما فجوة كبيرة بين ما هو مقدّم من قبيل المنظمات وبين أعداد اللاجئين غير الثابتة. 

كما أن هناك نقطة أخرى قد يغفل عنها الكثير، هي أن الدعم الذي يقدّم من المنظمات الدولية كما هو ولكن تم تغيير طريق صرف هذا الدعم، فمثلا لم يعُد الدعم يأخذ الشكل القديم المتعارف عليه من تقديم السلع الغذائية المباشرة، وإنما تم توجيه الدعم إلى إعادة بناء مثلا البنية التحتية لمنطقة الرقة التي تعاني من تدمير 60 بالمئة من بنيتها التحتية أثناء الحرب. 

ما يزيد من المعاناة الإنسانية أكثر داخل المخيمات، هو ظهور ما يُعرف بمفهوم “التعافي المبكر” الذي بدأت المنظمات الدولية في الاعتماد عليه، هو ما يعني أن على المجتمعات المنكوبة الاعتماد على ما هو متوافر لديها من موارد متاحة مع المساعدات القليلة جدّا من المنظمات الدولية. 

وهذا كله يضخّم المعاناة التي يعيشها اللاجئون السوريون بسبب سوء الأوضاع في المخيمات داخل الرقة،  ولعل هذا يفسّر طلبات اللاجئين باستمرار بتكثيف جهود المنظمات الإنسانية في المخيمات لتوفير الخدمات الأساسية وتحسين ظروفهم المعيشية، إضافة إلى المطالبة بزيادة الدعم المقدّم للمخيمات وتوفير الخدمات الأساسية مثل الرعاية الصحية والتعليم.

معاناةٌ بلا حدود في المخيمات  

من ناحية أخرى، يؤكد القاطنون في المخيم أن المساعدات تغيب عن المخيمات منذ عدة أشهر، هذا يتزامن مع ندرة فرص العمل والأجور الشحيحة التي لا تكفي لتلبية احتياجات الأُسر. 

مخيمات الرقة السورية على صفيح ساخن.. انهيار وأحداث مؤسفة
امرأة تحمل وعاء من الماء في مخيم اليوناني العشوائي في محافظة الرقة في شمال سوريا في العاشر من تموز/يوليو 2023. (دليل سليمان / ا ف ب)

وحول ذلك، قالت الناشطة في مجال المناصرة وحقوق الإنسان، مايا عصملي، لوسائل الإعلام، إنه “من المهم تكثيف جهود المنظمات الإنسانية لتقديم المساعدات الغذائية والطبية والصحية لسكان المخيمات، إضافة إلى توفير فرص عمل لأرباب الأُسر، والضغط على الجهات الرسمية لتقديم المزيد من الدعم للمخيمات”. 

يواجه اللاجئون في المخيمات أيضاً خطر الإصابة بالأمراض والأوبئة بسبب سوء الظروف الصحية، حيثُ يعاني النازحون من نقص مرافق الصرف الصحي ومحدودية الوصول إلى الرعاية الصحية المناسبة. كل تلك الأسباب أدت إلى انتشار الأمراض المُعدية مثل الكوليرا والسّل، وزادت من خطر انتشار الأوبئة بسرعة بسبب الأحوال المعيشية المتقاربة في تلك المخيمات. 

إلى جانب ذلك، يعاني العديد من اللاجئين من نقص الملابس وموارد الإسكان المناسبة لحمايتهم من الظروف المناخية الصعبة، كالرطوبة وارتفاع أو انخفاض حرارة الطقس.

ومع نهاية العام الماضي 2023، طالب قاطنو المخيمات العشوائية المتضررة في ريف الرقة، المنظمات الدولية والمحلية العاملة في المنطقة بضرورة الإسراع في تقديم خيام جديدة بدل القديمة التي باتت مهترئة جداً وغير قادرة على تحمّل الأحوال المناخية الصعبة. 

بل ما يزيد من حجم المشكلات داخل المخيمات غياب الرقابة لمعرفة حقيقة أوضاع اللاجئين، أضافةً إلى وجود مَن يتربّح من هذا الوضع،  فقد تم رصد بعض الحالات من اللاجئين الذين يقومون بتأجير منازلهم والعيش في المخيمات لتصوّرهم أن العيش فيها سهلة دون أعباء مادية. 

مخيم “سهلة البنات”

من تلك المخيمات التي تعجّ بها محافظة الرقة “سهلة البنات”، هو من المخيمات العشوائية، الواقع شرق الرقة على بُعد 7 كيلو متر، وهو غير مدعوم من المنظمات الدولية، بل ويأوي حوالي 6000 نازح من مناطق ريف دير الزور الشرقي، والذين يصعب عليهم العودة إلى بيوتهم بسبب وجود مخاوف أمنية من عودة تنظيم “داعش” إلى المنطقة.

ومع غياب أي نوع من المساعدات الإنسانية فيه، بات سكانه يعملون بما في ذلك النساء والفتيات، في مكبّ النفايات العشوائي، يجمعون البلاستيك والحديد والعبوات الفارغة من النفايات، ويقومون بجمع الخضار وبقايا الطعام للاستهلاك والبيع. 

تقول تانيا إيفانز، من منظمة الإغاثة الدولية، إن المخيمات العشوائية في شمال شرق سوريا يمكن اعتبارها “منسية”، مشددة على ضرورة زيادة الاهتمام بها، وتمويلها والدفع نحو جهدٍ مستدام تجاهها من المجتمع الدولي ؛ لأن هذه المخيمات وبالتحديد مخيم “سهلة البنات” يعتمدن على أنفسهن في توافر الحاجات اليومية من خلال العمل اليومي البسيط.

وهنا تتعاظم مخاطر الظلم والاستغلال بوجود النساء والفتيات في هذه البيئة المتردية، فتتزايد فرص التعرّض لأشكال مختلفة من الاعتداء والتحرش والاستغلال الجنسي وحتى الاتجار بالبشر. فقد حذّرت المنظمات الدولية من أن غياب خدمات الحماية وضعف الرقابة يجعل هؤلاء الأفراد عُرضة للخطر بشكل متزايد.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات